اليابان اليونانية: الثقافة والتملّكالباب: مراجعات

نشر بتاريخ: 2020-02-01 08:32:19

فكر - المحرر الثقافي

الكتاب: "اليابان اليونانية: الثقافة والتملّك"  

المؤلف: ميكاييل لوكن

الناشر: غاليمار

عدد الصفحات: 256 صفحة.

تاريخ النشر: 25 أبريل 2019.

اللغة: الفرنسية

يتكرر في القارّة الأوروبية الحديث عن الأصول اليونانية ــ الرومانية للثقافة. ولكن مثل هذا الحديث يبدو للوهلة الأولى مفاجئا عندما يتعلّق بالآثار الفلسفية والفكرية اليونانية القديمة على الثقافة اليابانية. بل لم يتردد "ميكاييل لوكن"، مدير الدراسات اليابانية في كليّة اللغات الشرقية بباريس، في الحديث عن "اليابان اليونانية"، كما جاء في عنوان كتابه الأخير.

إن المؤلف يحاول الإجابة عن أسئلة كان مجرّد طرحها بعيدًا عن الأذهان عمومًا. أسئلة من نوع: متى تعرّف اليابانيون على الثقافة والفكر اليونانيين القدماء؟ وماذا كانت آثار تلك الثقافة والفكر على الذهنية اليابانية؟ وما هي معالم حضورهما في الواقع الياباني؟ وكيف يمكن لبلدين متباعدين جغرافيًا وثقافيًا أن يجدا ما يمكن أن يجمعهما في إطار مشترك؟ ....الخ.

والذهاب أبعد من ذلك عبر البحث في آليات استقبال اليابان للثقافة اليونانية القديمة وللثقافة الأوروبية الكلاسيكية عمومًا ومحاولة الخوض في الإجابة على أسئلة تتعلق بتفاعل الثقافات وبكيفية امتلاك ثقافة ما؟ وبأي مقياس؟ وبأي عنوان؟، كما يبدو في العنوان الفرعي للكتاب.

ويقوم المؤلف على مدى العديد من الصفحات ببعض المقارنات مع تجارب بلدان مثل الهند حيث كتب المهاتما غاندي: " علينا أن نتعلّم كيف نموت ونعيش مثل سقراط". ويعتبر أن "ليوبولد سنغور، أول رئيس لجمهورية السنغال بعد استقلالها، يمثّل اللقاء بين "الأفارقة السود واليونانيين القدماء".

وينقل في نفس السياق عن الروائي الياباني "يوكيو ميشيما" كتابته لصديقه "ياسانوري كاواباتا" ما مفاده " يبدو لي أن روايتك الأخيرة ــ مرثاة ــ هي العمل الأوّل الذي يحكي عبر الاعتماد على جمال الطبيعة اليابانية عن أحلام ساطعة الأنوار وعن اليونان في أسيا... وينبهنا على وجود ذلك".

ولا يتردد مؤلف الكتاب في التأكيد على مدى صفحات الكتاب أن هناك حضورًا كبيرًا "للثقافة اليونانية الكلاسيكية ــ القديمة ــ في الأدب والفلسفة والعمارة والفنون اليابانية المعاصرة"، بل والتأكيد في نفس النهج من التحليل أنها ساهمت في بناء الهويّة اليابانية الحديثة.

يشير المؤلف أن أوّل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية في اليابان يعود تاريخها إلى عام 1898. صاحبها هو "ايتو شوتا"، الذي يصفه بأنه "أحد أكبر مهندسي العمارة في القرن العشرين"، وقد دافع فيها عن أطروحة مفادها أن "معبد هوروجي"الياباني، بالقرب من مدينة "نارا"، أوّل عاصمة لليابان، يجد "أصوله في الفن المعماري اليوناني والفن المعماري البوذي".

والإشارة في نفس الإطار أن النجاح الكبير الأوّل الذي حققه الروائي الياباني "نيازاكي" في عام 1982 الذي حمل عنوان "نوزيكا" باسم إحدى أميرات "الأوديسة اليونانية" القديمة.

وينقل عن "جيورجيو اميترانو"،أستاذ اللغة والثقافة اليابانيتين في الجامعات الإيطالية ومترجم العديد من أعمال " هاروكي موراكامي" و"بانانا يوشيموتو" وغيرهما من الكتاب اليابانيين، قوله: " يمكن أن نجد على مدى القرن العشرين مراجع يونانية كثيرة في التاريخ والفن والفلسفة والأدب في أغلبية ميادين الثقافة اليابانية بحيث قد لا يكون من المبالغة القول أن اليونان القديمة ساهمت بصورة كبيرة في بناء الهوية اليابانية الحديثة".

ويعيد المؤلف الفترة الزمنية التي أظهرت فيها اليابان اهتمامًا حقيقيًا كبيرًا باليونان القديمة إلى نهايات القرن التاسع عشر. وبتحديد أكبر منذ حكم سلالة "ميجي" في اليابان" خلال سنوات "1868 ــ 1912 ". واستمر الاهتمام الياباني بقوّة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام  1945. ومن المعروف أن تلك الحرب عرفت آخر أعمالها الحربية الكبرى مع قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنابل الذرية من قبل الطيران الأمريكي.

ومن الوجوه التي يرى أنها لم تكن بعيدة عن "عملية" نقل الثقافة اليونانية القديمة ومعها الثقافة الأوروبية عمومًا، ذلك السعي الذي سعت فيه قوات الاحتلال الأوروبي للكثير من مناطق العالم بعد الثورة الصناعية الكبرى الأولى من أجل "احتلال العقول فيما هو أبعد من الاحتلال العسكري السياسي". ذلك بالتوازي مع "رغبة" الأضعف "المأخوذ بالثقافة الغربية" في "تقليد من يهيمن".

وفي محصّلة ذلك كله يصل المؤلف إلى القول إن "الحقبة اليونانية ــ الرومانية القديمة تشكّل عنصرًا أساسيًا في ثقافة اليابان المعاصرة ". والتأكيد أن "المثقفين والفنانين اليابانيين اكتسبوا على مدى قرنين من الزمن معارف كبيرة للثقافة اليونانية والأوروبية الكلاسيكية". مع ملاحظة أن الجامعات اليابانية تقوم بأغلبيتها اليوم بتدريس "أفلاطون وأرسطو وابقراط اليوناني ...والنزعات الأخلاقية للفلاسفة اليونانيين القدماء".

يشير المؤلف أن الترجمة الأولى لأعمال "أفلاطون الكاملة تمّت عام 1912، وينقل عن مترجمها  "كاتارو كيمورا" كتابته: "الشعب الياباني هو حقيقة من جنس اليونانيين والرومان، ولغتنا وتاريخنا ومعتقداتنا ومجتمعنا وتنظيم حياتنا أمور تندرج كلّها في هذا النهج".

ومقابل التأكيد على التأثير الكبير الذي مارسته الثقافة اليونانية القديمة على اليابان الحديث يؤكّد المؤلف أن "الحركة" لم تكن باتجاه واحد. ذلك أن "فكرة التقارب بين اليابان واليونان هي ذات جذر أوروبي" منذ عصر النهضة الأوروبي في القرن السادس عشر، كما يشرح على مدى صفحات من الكتاب. ولعلّه العمل الأول الذي يلقي الضوء على ثقافة اليابان العريقة، ولكن المجهولة من قبل السواد الأعظم من الأوروبيين.


عدد القراء: 3927

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-