وهم السعادة عند شوبنهاورالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-06-01 01:40:12

أ.د. عبدالعزيز العلوي الأمراني

جامعة المولى اسماعيل - مكناس - المغرب

وهم السعادة عند شوبنهاور1

نقله إلى العربية:

أ.د. عبدالعزيز العلوي الأمراني

هل تريد أن تكون سعيدًا؟ استمع إلى نصائح شوبنهاور (Schopenhauer)، أكثر الفلاسفة كآبةً وبعدًا عن مخالطة الناس، فقد قام بكتابة وصفات لنفسه لكي تخرجه من عذابه.

كان أرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer) 1788- 1860)، خائفًا، وغاضبًا، ومتشائمًا. كتب في مذكرته يقول:»تتأرجح الحياة كساعة الحائط، من اليمين إلى الشمال، من الألم إلى الضجر «. كما أن محيطه العائلي لم يساعده على تحقيق السعادة. فقد أدخل عماه إلى مصحة للأمراض النفسية، وعلى الرغم، من أن والده كان ناجحًا في أعماله، إلا أنه كان شديد الغضب والتوتر، مات سنة 1806، بعد سقوطه من أعلى البيت، ولا يعرف ما إذا كان الأمر مجرد حادث أم عملية انتحار. والدته، جوهنا شوبنهاور (Johanna Schopenhauer)، وعلى الرغم من كونها كانت روائية ناجحة، إلا أنها لم تكن تختلف عن باقي أفراد العائلة، حيث طبع البرود علاقتها بأبنائها. وفي غمرة نزاع عائلي قررت الرحيل مفضلة عشيقها عن ابنها. أما أخته أدل (Adèle)، فقد كانت ضحية للقلق والهوس، وانتهى بها المطاف منتحرة عام 1849.

وعلى المستوى المهني، عاش أرتر الفشل والإحباط الشديدين، فبعد أن عين أستاذًا محاضرًا للفلسفة في الجامعة، سرعان ما هجر الطلبة دروسه مفضلين الحضور لمحاضرات منافسه هيغل (Hegel)، أما كتابه الكبير «العالم كإرادة وتمثل» (le Monde comme volonté et représentation)، الذي كتبه سنة (1818)،  فقد ظل مجهولاً منذ صدوره. وفي النهاية، غادر الجامعة، وهو مقتنع بأن زملائه قد تحالفوا ضده. كان شوبنهاور شخصًا كئيبًا، وشرسًا، ومتشائمًا في أعماقه، أمضى حياته كلها يشيع وينشر معاناته،  ويجتر حقده وغله ضد معاصريه. وعند وفاته، عثر في أوراقه الشخصية، على كتيب صغير في طور التحرير،  يتعلق بفن أن تصبح سعيدًا (L’Art d’être heureux ).

خمسون قاعدة للحياة:

يقدم شوبنهاور في سجلاته (50 قاعدة للحياة)، تمكن من جعل الحياة أقل قسوة ممكنة. فالفيلسوف لا يؤمن بوجود سعادة مطلقة. فمنذ القاعدة الأولى، يعلن، وبدون لبس، بأن السعادة غير ممكنة: «لقد ولدنا جميعنا في أركاديا3 (Arcadie)، تحيط بنا متطلبات الحياة الكثيرة للسعادة والمتعة، ويحدونا الأمل الجامح لتحقيقها، حتى يحدد القدر مصيرنا (...) تأتي التجربة لتعلمنا أن السعادة والمتعة هما مجرد سراب محض». إذا كانت الحياة مؤلمة حقًا، ومخيبة للأمل، ومحبطة، فإن الغاية الرشيدة والوحيدة لكل عاقل، ليست تحقيق سعادة وهمية، عبر الوصول إلى السعادة المطلقة، التي لا يؤمن بها. بل تدبير حياته بكيفية أفضل، عن طريق استبعاد المعاناة غير المجدية، التي نسببها لأنفسنا وللآخرين.

وعلى هذا الأساس، يعلن بعض من قواعد الحياة الموجهة لتجاوز كل ما من شأنه أن يجعلنا نعاني . ففي القاعدة رقم: (2) ينصح باستبعاد الغيرة:«لن تكون سعيدًا أبدًا إذا ما كنت معذبًا من قبل من هو أكثر منك سعادة». كما أنه لا يجب أن نثير الغيرة لدى الغير. وفي القاعدة رقم: (3) يدعو إلى أنه لا يجب الابتعاد عن الميولات والاتجاهات الطبيعية للإنسان. «كما هو الشأن مثلاً للأسماك التي لا تكون أفضل حالا إلا وهي في الماء، والطيور في الهواء، والخلد  تحت الأرض. فكل إنسان لا يشعر بأنه أفضل سوى في محيطه الخاص». فليس من المنطقي، أن يتجاوز طبيعته للحصول على بعض المنفعة. فالبعض يفضلون العزلة، والبعض الاخر يحبون الفناء، البعض مبدعون، والآخرون متأملون. لا شيء يدعو إلى أن نعارض أنفسنا. «لم نتعلم لنطلب» كما يقول سينيكا  5(Sénèque).

 ومن بين قواعد الحياة الأخرى، التي دعا إليها شوبنهاور، وأحال عليها بشدة: «أن نعمل من صميم القلب ما نقدر عليه و أن نتألم من صميم القلب قدر ما يجب (القاعدة رقم: 6)»، أو  «حصر دائرة العلاقات: لأن ذلك سيمنحنا القدرة على التقليل من المعاناة، لأن حصر العلاقات يقود إلى السعادة (القاعدة رقم: 8)»، أو  «السعادة ترتبط بكل ما يكفي أنفسنا (القاعدة رقم: 48)».

 يقدم شوبنهاور ملخصًا لقواعد الحكمة القديمة: التي لقنها كل من أرسطو (Aristote)، وسينيكا7 (Sénèque)، ومارك أوريل6 (Marc Aurèle)، وأبيكتيتوس (Épictète). إن الدرس العام، الذي يمكن أن نستخلصه بسيط جدًا:  يجب أن نكون سعداء بما لدينا، وأن نجنب ونبعد الرغبات غير الضرورية، وأن نكون راضون بكل أشكال الفرح البسيطة في الحياة .... لقد كان للبوذية (Le bouddhisme) أيضًا، تأثير كبير على شوبنهاور . «في سن 17 سنة، تعرضت لمحنة الحياة، كما حصل لبوذا في شبابه، عندما تعرف على وجود المرض، والشيخوخة، والمعاناة، والموت».  فالحقائق النبيلة لبوذا، تعلمنا أن الحياة كلها معاناة، وهي مرتبطة بالرغبة التي لا يتم تلبيتها. فإلغاء المعاناة، يتطلب وجوبًا إلغاء الرغبة.  

الهوامش:

   - النص الأصلي:

1 - Jean-François Dortier , « L’illusion du bonheur selon  Schopenhauer » , in Les Grands Dossiers des Sciences Humaines , N :55 Juin , Juillet , Août, 2019 , p.p (24 -25(

 2 - جون فرنسوا دورتي (Jean François Dortier)، سوسيولوجي وكاتب فرنسي، وهو أحد مؤسسي ومديري مجلة علوم إنسانية، كتب عدة دراسات في مجالات علم النفس المعرفي، وتاريخ الفكر، والسوسيولوجيا.

3 - أركاديا (Arcadie): أرض ببلاد الإغريق القديمة، وصفتها الأساطير الاغريقية والرومانية بأنها أرض السعادة الأبدية، لا شقاء ولا عذاب فيها، تغنى بها شعراء الملاحم والحكماء في القديم.  

4 - حيوان الخلد: حيوان صغير يسمى كذلك السندس أو الفأر الأعمى، وهو من الثدييات يقتات على الحشرات والديدان ويعيش تحت التراب.

5  -  لوكيوس – أنايوس سينيكا، فيلسوف وكاتب مسرحي روماني شهير، عاش في القرن 4 ق.م.

6  - مارك أوريل: هو ماركوس أوريليوس، الإمبراطور الروماني الشهير، حكم ما بين سنة 96م و180م، كان فيلسوفًا رواقيًا ومحبًا للحكمة.

7  -  أبيكتيتوس ( 50 م – 135 م) فيلسوف روماني رواقي.          


عدد القراء: 6664

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-