تطوّر فن هندسة المساجد الأموية وتقنيّات تصاويرها في بلاد الشام قديمًاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2021-05-28 11:48:16

د. آمال عربيد

أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الانسانية - قسم الفنون والآثار، كلية إدارة الفنادق والسياحة - بيروت

ملخص البحث

إشكالية البحث: أهمية تطوّر هندسة عمارة المساجد بإضافة العناصر الجديدة عليها، عدا تغيّر مواضيع اللوحات التصويرية في فنون العصر الأموي، لنهل الفنان الأموي المسلم معظم تصاويره من معتقده الإيماني ومن وحي بيئته، لذا نلاحظ تنويع مواضيعه بنقشه للآيات القرآنية في زخرفة المساجد، وتطعيمها بالأشكال الهندسية والنباتية الجميلة، مستخدمًا تقنيّات فن ترصيعها بالفسيفساء ليعطيها أثرًا جماليًا زمنيًا لا يمحى عبر السنين، وهذا ما سنلاحظه عبر الإضاءة على أسس هذه التقنيات، واهتمامات الخلفاء الأمويين بفن تطوير هندسة العمارة والذي أدّى إلى ازدهارها، ممّا جعل من مسجدي "قبّة الصخرة"، و"الجامع الأموي" تحفتان فنيّتان أسّستا لبداية تألُّق العصر الأموي حتى يومنا هذا، بجمالية فنونه الهندسية المعمارية والممتدة من بلاد الأندلس وصولاً إلى بلاد الشام.  

متن البحث: المقدمة:

- عرض تحليلي لأهمية تطور فن هندسة المساجد الأموية في بلاد الشام.

- مسجد قبة الصخرة في فلسطين

- الجامع الأموي الكبير في دمشق

- تطوّر مواضيع تقنيّات الزخرفات الفنِّية في العصر الأموي.

أهداف البحث: دراسة اللوحات التصويرية لإظهار العناصر المعمارية والزخرفية الجديدة في المسجدين الأمويين، وكيفية استخدامهم لتقنية فنون الفسيفساء والفريسكو في الزخرفة، وما نتج عنها من مواضيع مهمّة تؤكد مدى اهتمام الخلفاء الأمويين بتطوير فن العمارة، وهندسة البناء في ذلك العصر، والنماذج الفنِّية الزخرفية الفريدة التي تميّز بها العصر الأموي.

نتائج البحث: أهمية المحافظة على المساجد الأثرية القديمة في العصر الأموي والعمل على ترميمها بصورة دائمة، لما تحفظه لنا من صور وعناصر فنِّية مهمّة إن كان في فن الهندسة والعمارة أو في تقنيات التصاوير والنقوش النحتية الجدارية.

المقدّمة

عمَدَ الخلفاء الأمويون على تطوير فنون الهندسة(1) المعمارية، ليحدثوا ثورة فنية في عصرهم (662-750 م.)، بإنجازهم أهمّ المساجد الإسلاميّة تطورًا في بلاد الشام قديمًا، إذ جاء مسجد قبّة الصخرة في فلسطين، والمسجد الأموي الكبير في دمشق، دُرّتان مضيئتان في فن العمارة، إذ أدخلوا على بنائهما أهمّ العناصر المعماريّة والزخرفية(2)، وكذلك في سائر المساجد وهي: المئذنة في جامع الكوفة ومسجدي قبة الصخرة والجامع الأموي، والفسطاط ودمشق، والمحراب المجوّف، والقباب(3)النصف كروية بعد أن كانت مخروطية بيزنطية، والمقصورة الخاصّة بالخليفة التي تعزله عن كامل المصلّين لأداء الصلاة بخشوع، وأصبحت دمشق عاصمة الأمويين الأقدم(4) لبلاد الشام ، ومركزًا للنهضة في الآداب والفنون والعمارة، وأتقنوا التعريب كأوّل خطوة للنهضة الثقافية، فأصبحت اللغة العربية لغّة رسمية للبلاد، ثمّ بدأوا بصك العملات باللغة العربية بعد أن كانت نقوشها لفترة طويلة كالعملة البيزنطية، فنقشوا عليها الآيات القرآنية كنقطة البداية لاستخدامها كزخرفة لنقش أو ختم على العملة، ثمّ انتقلت لتصبح من العناصر الزخرفية الجديدة التي أغنوا بها المساجد إلى جانب اللوحات التصويرية التي كانت محرّمة في الفترة الإسلامية المبكرة.

• تطوّر فن البناء الهندسي للمساجد الأموية في بلاد الشام

1 - مسجد قبّة الصخرة (5) في فلسطين

سمح الخليفة عبدالملك بن مروان بزخرفة "قبّة الصخرة"، وهو أول مسجد بُنِي في العهد الأموي في فلسطين، إذ استمرّ بنائه سبع سنوات أّيّ منذ 685م. حتّى سنة 692م. (القرن7م.) وتمثّل القبّة القدسيّة الرمزية (الإسراء والمعراج) التي عرّج عليها النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، وتميّز بهندسته الخارجية والداخلية، إذ شارك أهم المعماريين العرب والمسلمين في بناء مسجد قبّة الصخرة.

بناء المسجد:

اتّخذ المسجد بتخطيط هندسته الشكل المثمّن، ويبلغ طول كل ضلع منه 20.95 أي طول ضلع المثمّن عشرين متر و95 سنتمتر، ويحيط به ضلع آخر داخلي ويبلغ طوله 14.40أي 14 متر و40 سنتمتر، وتماثله قياسًا باقي الأضلع الثماني، ويتألّف الضلع الخارجي من جدران خارجية للمسجد، ويبلغ ارتفاعه 9 أمتار ونصف المتر، ويبلغ ارتفاع التصوينة العليا 2.60 أي مترين و60 سنتمتر، وتزيّن كل ضلع سبع نوافذ مفتوحة بينما جانبيها مسدودان، والأضلاع التي تتخلّلها أبواب تحتوي أيضًا على أربع نوافذ عن يمين المسجد ويساره، حيث يبلغ عدد نوافذ جدران المسجد 56 نافذة، أربعون نافذة مفتوحة و15 عشرة نافذة مغلقة، وتعلو كل نافذة زخرفة لشريط من آية قرآنيّة، ويرتكز سقف البناء على الأضلاع الداخليّة التي تقع بين الجدران الخارجيّة والأعمدة، حاملةً القبّة وهي على شكل أقواس محمولة على 16 عمود مختلفة الألوان، وتفصل بين كل عمودين أسطوانة مكسوّة بالرخام، ويعلو فوق الأقواس إفريز نُقِشت عليه بالخط الكوفي آيات قرآنيّة من سورة النساء. أمّا الحرمين فهما الرواقان الكائنان بين الضلعين، ويقومان ناحية القبلة للمحراب وهما من العناصر الهندسية الجديدة المضافة، وتقابله غرفة المؤذِّنين التي تقوم على عشرة أعمدة من الرخام، وجميع أبواب المسجد مزدوجة ومصنوعة من الخشب المكسوّ بصفائح من الرصاص وعددها أربعة: باب شرقيّ باتجاه قبّة السلسلة وتعتبر من أقدم المنشآت الأثريّة الموجودة في الحرم، ويسمّى باب داوود، وباب غربيّ يقابل باب القطانين، وباب شمالي اسمه "باب الجنّة"، وباب جنوبي قِبلي يقابل المسجد الأقصى. 

- زخرفات مسجد قبّة الصخرة الداخليّة:

يتميّز الإبداع الفنيّ للزخرفة بكسوة جدرانه وأرضيته وقبّته وجدرانه، فتتألّق جماليتها بين ظلال الأعمدة الرخاميّة المعرّقة المتعدّدة الألوان، وتضيئها من الداخل نوافذ القبّة المصطفة حول عنقها، ويظهر تناسق الهندسة وانتظام نسبها بين الأعمدة والأقواس، ودقّة انحناءاته بدائرة دعامات القبّة، إذ يبلغ درجتين ونصف الدرجة بحيث لا تحجب الناظر إليه أيّة أعمدة من الطرف الآخر للمسجد، وهذا ما يجعله تحفة هندسية أموية متطوِّرة.

لوحة رقم (1) قبّة الصخرة:

الصخرة جرداء قاتمة اللون من الحجر الصلد، غير مشذّب، يبلغ طولها 17متر وسبعين سم (17.70)، وعرضها 13متر وخمسين سنتمتر (13.50)، وارتفاعها مترين. وتغطّي الصّخرة المقدّسة قبّة عالية، قطرها 20.44متر، وارتفاعها 31.5 متر، وهي مؤلّفة من طبقتين خشبيتين، طبقة مكسوّة بصفائح من الرصاص، ملصق عليها 10 آلاف لوح من النحاس المذهّب وطبقة داخليّة، وتفصلهما طبقة من اللبّاد للحدّ من حرارة الشمس، وزيّنت القبّة من الداخل بالخشب المنقوش والملوّن بزخرفات أمويّة صرفة، وبشرائط من كتابات قرآنية لآية الكرسي وآيات من "سورة البقرة"، ونقش إطار حول دائرة القبّة المركزيّة بالخطّ النسخيّ الجميل المذهّب.

لوحة رقم (2) زخرفات قبّة الصخرة:

ترتفع القبّة على رواق مؤلّف من 12 عموداً من الرخام، وتفصل كل ثلاثة أعمدة ركيزة مستطيلة أي كتف طول ضلعها الكبير ثلاثة أمتار، وهي مكسوّة بالرخام الأبيض المعرّق، وتعلو فوق الرواق عنق القبّة، ونقش عليها بماء الذهب كتابات لآيات قرآنية من "سورة طه" بالخطّ النسخيّ الجميل، وتتخلّلها 16 نافذة من الزجاج الملوّن والمذهّب لتنير داخل المسجد، وتعلو كل منها شمسيّة جصيّة جميلة، زخرت بالعناصر الزخرفية المرصّعة بالأحجار الكريمة على الأكتاف، لتوزيع النور، والمنظور الخطّي، والتحجيم من خلال بريق الأحجار لترسل بريقها المشع من فتحات النوافذ، ليظهر سقف القبّة  كنجوم السماء المرصّعة بشكل فسيفسائي يوحي بالأنوار السماويّة.

 أمّا باطن قبّة الصخرة، فيؤرّخ بناء المسجد المنقوش على إفريز في أعلى أقواس المضلع المثمّن الأوسط في الناحية الجنوبيّة من الداخل، وعلى خلفية لازوردية من الفسيفساء تحمل الكتابة التالية: "بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنى هذه القبّة عبدالله "عبدالملك بن مروان" أمير المؤمنين تقبّل الله منه ورضي عنه آمين (40 هجري). وهي كتابات عربية قديمة أُطلِق عليها اسم "الجليل "نسبة إلى جبال الجليل القديمة، وأتمّ ابنه الخليفة "الوليد بن عبدالملك" بناء المسجد مضيفاً عليه الزخرفات الفسيفسائية البديعة.

لوحة رقم (3) فسيفساء الداخل:

غطّت ألواح الفسيفساء والرخام الملوّن، الّذي استحضره الخليفة عبدالملك من إيطاليا "كرارا"، الأقسام العلوية من الرواق الأوسط بطول 240 متر، وكُسي عنق القبة بالفسيفساء، وبلغت مساحتها 1200 متر مربّع، لكنها استبدلت بعد تساقطها بالقيشاني في العصر العثماني، وتألّفت قطع الفسيفساء من فصوص زجاجيّة وحجريّة وصدفيّة، فجاءت مواضيعها ذات صيغ نباتية محوّرة وواقعية، وتمثّل أشجار النخيل وأغصان الزيتون المورقة، وزهرة الأكانت، وأكواز شجر الصنوبر وبعض الورود، وثمار الفاكهة كالرّمان والكرمة المحمّلة بعناقيد العنب، متناظرة ومتقابلة لتتخّذ طابع الفنون الزخرفية الإسلاميّة المستوحاة من بيئتها، رغم تأثرها بالفن البيزنطي والساساني، كما زخرفت الأقواس بزهرة الأكانثيا، كذلك زخرفت داخل أكتاف العقود وفي الممرّات بالأشكال النباتية المحورة، والتي امتزجت بأشكال هندسية متناسقة، وطعِّمت الفسيفساء بالمكعبات الزجاجية، وبالحجارة الكريمة من الزمرد، والفيروز، والذهب، مستخدمة الألوان الحمراء والسوداء والبيضاء في وحدة فنِّية جامعة تربطها فيما بينها ضمن إطار واحد هو وحدة الفن الاسلامي في تجسيد الكائنات الحية.

لوحة رقم (4) واجهة المسجد:

زخرفت واجهة مسجد قبة الصخرة، بأشكال هندسية متنوعة من مربعات متعاكسة ونجمية، تتخلّلها بعض الزهور والشرائط النباتية من القيشاني الأزرق والأبيض، لتتخذ الطابع الاسلامي الصرف، وتتوِّجها خطوط كتابية لآيات قرآنية.

2 - المسجد الأموي الكبير في دمشق(6):

يعتبر جامع بني أمية في دمشق من أقدم وأجمل المساجد الإسلامية الأثرية القديمة، التي مازالت محافظة على أصولها منذ نشأتها، وقد بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي حكم من 86-96هـ/705-715م.وكان مهتمًا ومحبًا للإعمار فزخر عصره بالقصور والمساجد، واستعان في عمارته بالمعماريين والفنانين من أهل الشام ومن دول مجاورة، وأُقيم المسجد الأموي في وسط مدينة دمشق التي تعكس تاريخ متغيّر لحضارات تعاقبت عليها، فشُيّد في حدود الجهة الشرقية الجنوبية على أطلال المعبد الروماني  جوبيتر الذي أُنشئ في القرن الأول الميلادي فوق المعبد اليوناني، وفق مخطط بازيليكي ينتمي إلى التقليد المعماري الخاص بالعصور القديمة المتأخرة، ويعتقد أنّه كان بالأصل معبداً مخصّصاً للإله الآرامي حدد الذي بني ما بين القرنين 11-12 قبل الميلاد.

حوِّل المعبد في العصر البيزنطي في القرن الرابع ميلادي إلى كنيسة احتوت على ضريح القديس يوحنا المعمدان بعد عملية تأهيل واسعة لسوره ما زال حتى اليوم، كما أُنشئ في جداره أول محراب للإسلام، وقد صلّى فيه القائدان بعد فتحهما لدمشق: أبي عبيدة الجراح، وخالد بن الوليد الذي عمل على ترميم المسجد الأموي(7) حتى أصبح تحفة هندسية وفنية نظراً لمخطّط بنائه، وز خرفة سقفه، وجدرانه الفسيفسائية المغشّاة بالذهب، وأتت الحرائق على معظمه(8) أثناء الحروب، لهذا خضع الجامع الأموي لعدّة عملياّت تأهيل وترميم على مرّ التاريخ حتى يومنا هذا، وسجٍّل المسجد الأموي لتميّزه الفني في هندسته وزخرفته، كأعجوبة في إحدى المخطوطات الفارسية "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات "في القرن 13م.

لوحة رقم (5) هندسة الجامع الأموي(9):

بلغت مساحة المسجد الأموي(10) بأكمله 157×97 متر مربع.

وتبلغ مساحة الحرم 136×37 متر مربع

 أما مساحة الصحن فهي 22.5×60 متر مربع

أبواب المسجد أربعة: باب البريد من الغرب، وباب جيرون من الشرق، وباب الكلاسة من الشمال، وباب الزيادة من الجنوب، وينفتح من داخل الحرم.

الصحن: محاط من جوانبه الثلاثة بأروقة وأعمدة شامخة ارتفاعها 15.35م، ومن الجنوب تنفتح أبواب الحرم التي أصبحت مغلقة بأبواب خشبية تعلوها قمريات زجاجية ملوّنة مع كتابات وزخارف رائعة، وتنهض الأروقة على صفٍ من القناطر المتراكبة، قنطرتان صغيرتان فوق كل قنطرة كبيرة، وتحملها سواري مربعة ضخمة وأعمدة: عمودان بين كل ساريتين في الجانبين ويبلغ عددها مجتمعة 47 سارية وعمودًا، وهي تشكِّل واجهات الأروقة وواجهة الحرم المؤلفة من جبهة ثلاثية ذات نافذة مفتوحة على طرفيها نافذتان دائريتان، وتحت الجبهة واجهة مربعة في وسطها قوس كبير ضمنه ثلاث نوافذ، مرتكزة على ثلاث قناطر محمولة على عمودين في الوسط، وركنين في الجانبين وتدعم هذه الواجهة من الطرفين دعامتان مربعتان ضخمتان، وامتدت على طرفيها القناطر المتراكبة تسع قناطر إلى اليمين ومثلها إلى اليسار شرقًا، وتنفتح من الرواق على الصحن 24 قنطرة وتسع قناطر من الرواقين الشرقي والجنوبي.

حرم المسجد: مؤلف من 24 قنطرة متشابهة تمتد عرضًا موازية للجدار القبلي، ويقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من باب الجبهة الرئيسي وحتى المحراب، ويغطّيه سقف محدّب، وفي وسطه تنهض قبّة النسر النصف كروية وهي مصفّحة بالخشب، ومن قبة مثمّنة ترتفع عن أرض الجامع 45 متر وقطرها 16متر، وتنفتح فيها 16نافذة، كما يوجد داخله أربعة محاريب رخامية مخصّصة للمذاهب الأربعة، مزخرفة بنقوش للآيات القرآنية، المحراب الأصلي في منتصف الجدار القبلي وإلى جانبه منبر حجري، وتنفتح أعلى جدار القبلة على امتداده 44 نافذة ملوّنة، مع ستة نوافذ في الوسط، كما زُيِّنت جدران الحرم بالفسيفساء والرخام، ومازالت أقسام كثيرة منها قائمة في شمال الحرم إضافة لتزينات زخرفية كثيرة، أما فسيفساء الجدار الجنوبي فتجلّت كتحفة فنية لشكل كرمة متدلِّية بعناقيدها الذهبية.

قبب المسجد: غطت قبب المسجد الأروقة وعضاداتها وقناطرها المكسوّة بالفسيفساء الزجاجي الملوّن، ومازالت أقسام كثيرة منها صامدة في واجهة الحرم وفي الأروقة، وأعيد ترميم ما سقط منها خاصة:

قبّة الخزنة: غرفة مثمنة تعلوها قبّة محمولة على ثمانية أعمدة، وحفظت فيها أموال المسلمين والمخطوطات الثمينة، وأعيد ترميم فسيفسائها في العصر العباسي 780م.

قبّة زين العابدين أو الساعات.

قبّة الوضوء: تمّ إعادة بناءها في الفترة العثمانية 1769م. وأعيد ترميمها في عام1995م.

لوحة رقم (6) هندسة العمارة(11):

تمثِّل فسيفساء الجامع الأموي الكبير مجموعات من القصور الافتراضية التي تحيط بها الأشجار والجسور، واستوحى الفنان شكل الجنّة كما وردت في بعض آيات القرآن الشريف، ونلاحظ اصطفاف الأعمدة الرخامية البيضاء في الأعلى، وتعلوها القناطر وزخرفات نباتية مع تظليل لخلفية بعد المنظور لمجموعات عديدة من الأعمدة، وتظهر أسفلها الجنائن الخضراء المحوّرة والمعلّقة فوق القصور والأبنية وخلفها، ويرفعها جسرًا عن مياه الأنهار التي تجري من تحتها، ونلاحظ الدقة الهندسية في علم النسب وعلم المنظور، وتناسق الألوان ما بين الطبيعة والأبنية، والزخرفات الهندسية لمداخل القصور والنوافذ والقناطر وأعلى الجسر، وأهميّتها أنّها شُكِّلت من قطع فسيفسائية صغيرة أبهرت العالم القديم والجديد بدقّة اصطفافها لتبدو لوحة واحدة متماسكة، رغم استبدال بعض قطع أحجارها الكريمة بقطع زجاجية وخزفية بعد ترميها خاصة في اللوحات الخارجية للمسجد الأموي.

• تطوّر مواضيع تقنيّات الزخرفات الفنِّية في العصر الأموي

- فن الفسيفساء بين القديم والحديث(12)

تقنية الفسيفساء قديمًا: لم تختلف عمليات تنضيد الفسيفساء في جميع العصور، وأصبح عملاً فنيًا تقليديًا مميزًا، ورائجًا لتحقيق تزويق فنّي جذاب للقصور، والمباني الدينية، والمدنية الخاصة بالنبلاء والأمراء لإضفاء طابع الفخامة والزُهُوّ لهذه المباني. وأعيد ترميم أكثرها في منتصف القرن العشرين بالطريقة الحديثة المبتكرة بعد صناعة الفصوص الزجاجية محليًا، واستيراد المذهّب منها فقط.

مرّ تطوّر الفسيفساء بمراحل عديدة حتى بلغ قمّته في العصر الاسلامي، وكان يتألف من قطع مكعبة الشكل لا يتعدّى حجمها سنتيمترات من الرخام أو الزجاج أو القرميد أو الصدف، فتفنّنوا به وصنعوا منه أشكالاً رائعة في المساجد من خلال زخرفات المآذن والقباب، وفي القصور، والنوافير والأحواض المائية، والأرضيات، وقد غطّى الصناع المتخصصين بفن الفسيفساء الجدران الحجرية بطبقة من الكلس ملساء، ممزوجة بالتبن وقشر القنّب لزيادة تماسكها، ثم خططوا عليها أبعاد الرسوم التي يجب تنفيذها فسيفسائيًا، وكسوها بملاط خاص بدءًا من جزء محدّد، وحدّدوا عليها بآلة حادة تفاصيل الرسوم وهي ما تزال ليِّنة، لتُغرس الفصوص والملاط  داخلها غرسًا مائلاً يواجه الناظر من الأسفل.

تقنية الفسيفساء حديثًا:

تستخدم اليوم تقنيات قديمة وحديثة في فن تصنيع الفسيفساء الحديثة، إذ تقطع الأحجار الطبيعية بمنشار ومقراض، على أن تكون ذات ألوان محدّدة وباردة وغير متشققة حتى لا تفرط أثناء القطع، أمّا صناعة الفسيفساء من الزجاج تكون على شكل فصوص وتُحضّر من السيليكات السائلة بفعل الحرارة العالية وتلوَّن بالأكاسيد، ثمّ تصب في قوالب محجّرة على شكل مربّعات لتسهيل تقطيعها أو تشذيبها، وتحضيرها للرصف والتنضيد، ويبدأ تحضير الألواح الفسيفسائية الحجرية والزجاجية بإعداد ألواح من الكرتون، لتحضيرها كلوحات تصميمية لموضوع المنظر المعد للصق قطع الفسيفساء عليه، وبعد لصقه على الجدار أو الأرضية المنوي ترصيعها بقطع الفسيفساء، لتتوزع عليه الفصوص الملّونة حسب الصور التحضيرية المعدّة سابقًا على الخطوط، بطريقة فنية انسيابية ونظامية تتطلّب خبرة واسعة في فن الفسيفساء، كما اعتمد الصناع طرق فنِّية عديدة لتثبيت الفصوص الحجرية والزجاجية منها:

- رصّها على قماش خام أبيض أو قطني سميك خططت عليه معالم الموضوع الفني، وتلصق مقلوبة فصًّا تلوَ الفُصّ على القماش بواسطة مادة النشاء وغيرها من مواد لاصقة بيضاء أو شفافة، ثم يقلب القماش الحامل لها على سطح واسع، وتسكب عليه المادة الملاطية المؤلفة من الجص والقصب، ويستخدم الفنان الحديث اليوم مادة متطورة مختلطة من الإسمنت المسلح بالحديد لتقوية صلابتها، بمزجها مع مادة البوليستير، وبعد جفاف المادة الملاطية، ينقل اللوح الفسيفسائي المقوّى إلى المكان المحدّد، ليثبت بكلابات حديدية، وبعد التأكد من جفافها التام، تنزع الأقمشة عنها نهائيًا.

لوحة رقم (7) فسيفساء داخل الجامع الأموي:

تضمّن الجامع الأموي زينة زخرفية زخرت بشتى أنواع اللوحات الفسيفسائية (13)، على مستويين:

 الجزء السفلي: شمل لوحات مصفّحة بخطوط ملّونة تشكّل زخارف هندسية جميلة، الجزء العلوي: جدرانه من الفسيفساء الملوّنة والمغشاة بالذهب، وقد احتفظ بصورة جيدة بجميع الجداريات المشبعة بالصور الطبيعية من الفسيفساء والزخارف النباتية المحوّرة المتداخلة بأشكال هندسية، داخل الجامع الأموي.

لوحة تطوّر فن العمارة رقم (8):

أدخلت عناصر جديدة إلى تلك الزخرفة، وهي الأبنية أو العمائر الصغيرة ضمن المشهد(14)، وهي إمّا على ضفة نهر أو في زاوية صغيرة ميدان سباق وتتخلّلها أشجار النخيل، كذلك مشاهد متباينة كالقلاع في القدس، التي تظهر مشهد حربي للحصن والأبراج في مدينة القدس، ونلاحظ مراعاة بعد المنظور في تلك اللوحة: ضفّة النهر في الأسفل والأبنية القريبة منها، ثمّ المرتفعات التي بنيت عليها الأبنية الشاهقة وهي تطوّر هندسي في العصر الأموي، وخلفيتها الأشجار الخضراء والصفراء.

لوحة زخرفة الطبيعة المحوّرة رقم (9):

 نلاحظ الزخرفة التحويرية لشرائط نباتية على أعمدة القصر وقرميده، وزخرفات هندسية دقيقة على سور المنزل، والسياج الذي يفصل بين القصر ومنازل عدة محيطة به، وأشجار طبيعية وباسقة الارتفاع تظلِّله، وكشفت العالمة MarguriteVanberchan" أنّ فنان الفسيفساء نفذهّا باستخدامه حوالي 29 لون في قطع فسيفساء الجامع الأموي لتكون لوحة متميزة في فن التلوين.

- فن تقنِيّة الفريسكو:

رسوم الفريسكو(15) هي طريقة فنِّية اشتهرت في زخرفة جداريات وقبب الحمّامات والقصور في العصر الأموي:

كلمة فريسك affresco هي لفظ إيطالي يفيد معنى «رَطِب». واستخدم للدلالة على التصوير الجداري لمساحات كبيرة بإضافة التصاوير الجميلة عليها، وهي تنطبق على الأعمال المصنوعة وفق تقنِّية خاصة، طبّقها قديمًا الفراعنة المصريين على لوحاتهم الجدارية التصويرية، ثمّ انتقلت للفنانين الأقباط المصريين القدامى فبرعوا فيها وصولاً للفترة البيزنطية، ثم تطوّرت في العصر الأموي لتصل إلى أرقى مستوى لها في العصر الكلاسيكي والقرون الوسطى في أوروبا.

- تقنية ألوان الفريسكو(16):

تتمّ تقنيّة "الفريسكو" بوضع ألوان مائية مركّبة أساسًا من السيليكات silicate، على طلاء جداري رطب هو خليط من الرمل والكلس، فتتكون بعد جفاف هذه العملية الكيميائية مادة قاسية كالإسمنت تعلوها قشرة شفافة، ويتمّ كسوة الجدار بطبقة من الجصِّ الطري، ثمّ يرسم عليها فورًا بالألوان المذابة في الماء، بحيث يراعى أن يتم الرسم وهو ليّن حتى يتشرّب الألوان أثناء جفافه، وقد استخدم الفنان مجموعة من الألوان إذ كان يقوم بسحق أنواع من الأحجار الطبيعية الكلسية المجوّفة والملوّنة، ثم يقوم بمزجها بمواد شحمية لتشكل طبقة تحمي الصور من العوامل الطبيعية، واستخدم كذلك بياض البيض كوسيط لاصق ومثبِّت للّون، وكان يمدّد المواد الملوّنة بالخلِّ والماء، لأنّ تركيبة الخل تحفظ البيض من الفساد والتعفّن، ثمَّ يضيف الغراء إلى البيض، ويستخدم الأصماغ النباتية اللاّصقة بعد نقعِها في الماء الدافئ لتصبح كقوام هلامي بعد مزجها بالأتربة الملوّنة، لاستخدامها في تصوير الجدار المطلي بطبقة من الجصّ، ولتقوم بدور تثبيت الألوان وتماسكها على الجدار.

الفريسكو تقنيّة فنِيّة دقيقة الصنع، لذا يمارس الرسم على الجدار في لحظة انتهاء مدّ الطينة على الجدار وتنعيمها باستخدام فرشاة خاصة بالرسم على طبقة الطين الملساء، ممّا يتطلب تشبّع طبقة الطين بالماء قبل جفافها (مدة ست أو سبع ساعات)، ويجب أن تتم عملية التلوين بخبرة متمكِّنة وعميقة، وبسرعة كبيرة لاستحالة الفنان تصليح أو تعديل الأخطاء بعد جفاف الألوان، لهذا يَعتمد الفنان مخطّطاته من حيث الحجم والموضوع والصورة المحدّدة التي عليه تنفيذها على الجصّ، وتتم بتحضيره رسماً تخطيطياً أصغر بالألوان، ويضعه كنموذج على الجصِّ ليرسم الحدود، ويعدّ ألوان جافة غير برّاقة (لا تستخدم في التلوين الزيتي) ويمزجها بالماء، ليستخدمها فورًا على الجصّ المبتل باستخدامه الفرشاة الخاصة بعد أن يستقر الجصّ لتلصق الألوان بصفة دائمة على السطح، وبعد أن يتأكد من جفاف الجصّ والألوان، يُنزع الجص غير المصبوغ بالألوان وتُنظّف الحافة.

الخاتمة

أظهر البحث مدى تطوّر العمارة الهندسية في العصر الأموي من خلال عرضه لتسع لوحات تصويرية من داخل المساجد وخارجها، وتحليلها بدقّة حول كيفية إدخال الفنان الأموي لعناصر البناء الجديدة في هندسة المساجد كالمئذنة، والمحراب المجوّف، والقباب نصف كروية، ومقصورة خاصة للخليفة داخل المسجد، إلى جانب زخرفتها بوحدات فنِّية تجمع بين الأموي، والساساني، والبيزنطي، مّما أحدث ثورة فنية في جماليتها وأهميتها، عدا وضعهم الرسم الهندسي التخطيطي المسبق للمساجد قبل بنائها، وذلك بدراسة الأرض والتربة والمساحة من أجل التوسّعات المستقبلية، كما دلّت اللوحات التصويرية المختارة بعناية عن كيفية اختيارهم لمواضيع جديدة بزخرفة المساجد باستخدامهم تقنيات فن الفسيفساء، لتظهر ما استوحاه الفنان الأموي المسلم من معتقده في تصويره للجنّة، وجمالية القصور والمنازل الشاهقة التي بناها، بأسلوب جمالي بإضافة عناصر زخرفية جديدة من كتابات لآيات قرآنية وهندسية، وذلك من داخل وخارج مسجدي قبّة الصخرة والمسجد الأموي، بينما اقتصر استخدام تقنية فن الفريسكو في بعض اللوحات التصويرية الجدارية في ملحقات المسجد، كالغرف والمنازل، وفي قصور الخلفاء الأمويين، وإن دلّ هذا البحث على شيء هو ظاهرة  براعة الأمويين في البناء والهندسة والتصاوير الزخرفية الجدارية، والتي باتت فنّاً هندسيًّا وتصويريًّا يحتذى به في بناء وزخرفة المساجد على مرِّ العصور الاسلامية.  

نتائج البحث:

- متن البحث: شرح لأهمية اختيار الخلفاء الأمويين بناء وزخرفة مسجد قبة الصخرة في مدينة القدس- فلسطين، والجامع الأموي الكبير في دمشق- سوريا، وكيفية تطوّر هندسة البناء والتصاوير وفنونها الزخرفية في العصر الأموي.

- أدوات البحث:

اختارت الباحثة تسع عيِّنات من اللوحات التصويرية داخل وخارج المساجد، مع دراسة تحليلية لها، لإظهار التأثيرات الفنِّية للحضارات القديمة (اليونانية والبيزنطية والساسانية) ضمن وحدة الفنون الأموية الاسلامية: كالزخرفات الكتابية، والهندسية، والنباتات المحوّرة، التخطيط الهندسي الفنِّي لبناء وزخرفة المساجد في العصر الأموي، وكيف أصبحت نموذجًا هندسيًا في بناء المساجد يحتذى به في العصور الاسلامية اللاحقة.

- منهجية البحث:

اعتماد المنهج الوصفي في عرض اللوحات التصويرية وتحليلها، والمنهج التاريخي لتوثيق مصادر ومراجع الإطار النظري من معلومات دقيقة، عن كيفية هندسة بناء المساجد وفنونها التقنيّة.

- اعتمدت الباحثة التحليل العلمي والتفصيلي للعوامل الفنية بكيفية استخدام فن تقنِيّة الفسيفساء، وفن تقنية الفريسكو، لتتلاءم مع المواضيع المتنوعة بمزجها الفنِّي بين الجديد والقديم، من خلال عرض بعض اللوحات التصويرية المتخصِّصة.

- توصيات الباحثة:

ضرورة إدراج تعليم مواد تقنيّات فنون الفسيفساء، والفريسكو، من ضمن مناهج التعليم للفنون في المعاهد والجامعات المختصة، للتمكن من ترميمها والمحافظة على استمراريتها، إلى جانب تطعيم الفن المعاصر بجماليتها الفنِّية إن كان في القصور، ومحافل المؤتمرات.

 

المصادر والمراجع:

1 - ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 2، تحقيق صلاح الدين المنجد، طبعة8، المجمع العلمي، دمشق. 1951م.

2 - أبو صالح الألفي، الموجز في تاريخ الفن العام، ط1، دار النهضة مصر 1977

3 - بشير زهدي، الموسوعة العربية، عمارة وفنون تشكيلية وزخرفية، مجلد 14

4 - ثروت عكاشة، تاريخ الفن (التصوير الإسلامي في العصر الأموي العباسي)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1983م.

5 - صلاح عبد الحميد ريحان، الفنون الأموية، جريدة الحياة، رقم العدد 17858، تاريخ النشر:25/2/2012م.

6 - علي أحمد طايش، الفنون الزخرفية الاسلامية المبكرة، أموي، عباسي، كلية الآثار، جامعة القاهرة.2000م.

7 - عبدالله نجيب، سالم، تاريخ المساجد الشهيرة في العالم، مطابع المجموعة الدولية 1999م.الكويت

8 - محمد هديب، فسيفساء الجامع الأموي، مجلة العربي، الدوحة، تاريخ 26 /1/ 2019

9 - نعمت اسماعيل علام، فنون الشرق الاوسط في العصور الاسلامية، ط1، دار المعارف1982م.

10 - يحيى وزيري، موسوعة عناصر العمارة الاسلامية، ج1، مكتبة مدبولي القاهرة 1999م.

 

Electronics sites

- https://archeologie.culture.fr/proche-orient/ar/

- https://www.alaraby.co.uk

- http://arab-ency.com.sy/detail/9320

- https://www.marefa.org

- http://www.syriatourism.org


عدد القراء: 11027

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-