أروع ما ساقت الأقدار (قصة قصيرة)الباب: نصوص

نشر بتاريخ: 2015-11-05 16:49:51

بدرية المشهوري

لن أتصنّع مآسي الحب والبائسين، أنا التي عاشت في بيت مليء بالمحبين وعطف الصادقين وأنجزت في العشرين ما يُنجَز في الأربعين فقد تخرجتُ من صرح العلم قبل العقد الثاني بعامين - حينها صاحباتي مازلن معتكفات على مسألة ومعادلة والدعاء لنيل معدل مرموق يمكّنهم من التخصص في المجال المرغوب- واتّجَرتُ بذكائي مع صاحب المال والنفوذ فقد كان إمعةً لا يفقهُ ما يقول ولا أعلم كيف تمكن من جمع ثرواتٍ ونقود!! وعند سؤاله لأتيقن إن كنتُ سأكسبُ رزقي بما يُرضي الإله أجابني بأنه ورثها من والده البخيل ولم يعلمه كيف يقوم بالتسيير، فترك لي أمر التوجيه والتدبير وهكذا أنجزتُ ما عجز عنه رجلٌ في الأربعين.

استمتعتُ بالمال وسُبِقَ اسمي بألفٍ و دال بكل يُسرٍ والحمد لله فأساتذتي كانوا أغبياء على الرغم من قولهم بأنهم عباقرة الزمان هههه وما ذنبي إن كنتُ أنا فذّ الزمان!!

وصل بي الحال أن أسافر كلما ضقتُ ذرعاً بالأفكار فلا أحد يشغل فراغ الآخر كما علمتني الحياة، فالتعاطف والاهتمام الذَين نشأتُ عليهما في الأزمان دُفِنا مع نعش والديّ وطن الراحة والأمان فتركوا لي جحيم الوقت وملل العباد وإخوتي أراهم حسنةً كل عام فلم يعودوا يهتموا بوجودي غير المعتاد و نسوا وصية أمي لهم بالسؤال.. ولا عتب فهم مسؤولون على أي حال.

وبينما كنتُ على الشاطئ وسط الازدحام لمحتُ أحمق يجمع الصدف بشغف الأطفال ويُحصيها بطمع شريكي في الأموال  - فقد ورث حب المادة والبُخل ولم يعتبر من حال والده قبل الممات- ثم وضعها في صندوق قديم وكأنه من صُنِع عاد واستمر على هذا الحال أشُهر وأيامًا حتى قتلني الفضول في معرفة سر هذا المعتوه.

- اعتذر لتدخلي غير المرغوب، لكن ما بالك تجمع صدف البحر بنهمِ ناطقي العبرية في قتل براءة عربية فقد أذهلتني يا غريب في الأطوار.

-  سأجيبك لا تلبية لرغبتك في معرفة الأحوال لكن يبدو عليك علامات الأذكياء فوسع عينيك واستدارة وجهك الجميل و ..

- هلاّ كففتَ عن غزلٍ وضيع وأخبرتني سبب جمعك لصوت البحار!! أتعلم لا يهمني لم تجمعها وما يعني لي أخرق يلبس ألوان الطيف وطوله يجب أن يؤخذ بالأقدام.

-   لا تغضبي فقط أردتُ بدء الحوار ويبدو بأني فشلت كالمُعتاد، أمي تجلس هناك فهي تعاني النسيان أعني زهايمر العقل والفؤاد، وهي لا تذكر بأني ابنها سُليمان حتى ألبس هذه الألوان، وأجمع الصدف بكل امتنان، فهذا ما فعلته عندما كنت في التاسعة ولم تنسه على الرغم من مرضها والأعوام وإني والله أكره أن يمضي اليوم دون أن تذكرني فيه، فلا بأس أن يسخر مني الآخر وتبتسم أمي فتُقبلني عند الغروب كما تفعل كل مساء.

- هنيئًا لك بقدمِ أم تنير لك الحياة وهنيئًا لها بولدٍ أخلص لها رجاء ابتسامة وقُبلة، وما عساي أقول في جنة الدنيا وحضن القرار.. فاللهم ألحقني بها في أسرع الأيام فقد سئمتُ الإهمال بين الأحباء.

- وهل أحببتِ من قبل يا حسناء ؟

- وبلغتُ به سُنن الغرام هو من استطاع علي الاحتيال وجعلي أبكي الليل مع النهار شوقًا والتياعًا، هو من استطاع سلبي الأمل بعد أن كنت مثلاً لنمط السلوك وحيوية النشاط.

- و كيف استطاع ترك عقل وجمال ؟ !!!!

- أنا من تركه !!  أخبرته بأني أكره علاقةً في الخفاء فما هذا جزاء عائلتي والإحسان !! وعندما استمرَ في الرفض وجحد التضحيات ونكران حبٍ في عمقِ الفؤاد شققتُ به الأنفاس لا مجال للاستمرار وبذل الإعذار فهجرته ليعلم قيمة مُخلصٍ في زمن النفاق، والأهم شهدتُ مطاردته للأهواء مع قبيحات الرُّخص و الإعياء. 

- لا عليك فهذا حال الإخلاص.

- كما قلتْ، ابتسم فأمك آتية يبدو أنها تذكرت سُليمان.

- من هذه يا سليمان؟!!

- لا أعلم!! لكن هي أروع ما ساقت الأقدار ورب السماء.


عدد القراء: 3545

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-