من أعلام الفكر الإسلامي: عبدالحميد بن باديس (رائد الحضارة) 1307-1358 هـ رحمه اللهالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2015-11-17 08:56:19

صبري بن سلامة شاهين

الرياض

ولد ابن باديس بمدينة قسنطينة، ونشأ في أسرة مشهورة بالعلم والأدب، فعنيت بتعليم ابنها وتهذيبه، فحفظ القرآن في الثالثة عشرة من عمره، وتعلّم مبادئ العربية والعلوم الإسلامية على يد الشيخ حمدان الونيسي، ثم سافر إلى تونس، وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلوم الإسلامية على جماعة من أكابر علمائه، أمثال العلامة محمد النخلي القيرواني، والشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، والشيخ محمد الخضر الحسين، الذي تولى مشيخة الأزهر.

وفي سنة 1330هـ حصل على شهادة التطويع، ثم رحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك تعرف على حقيقة الدعوة التجديدية، وتأثر بها، وتبناها.

ثم عاد بعدها إلى الجزائر، وعمل على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.

فقد كانت الجزائر أول أقطار العالم العربي وقوعًا تحت براثن الاحتلال، وقُدّر أن يكون مغتصبها الفرنسي من أقسى المحتلين سلوكًا، حيث استهدف طمس هوية الجزائر ودمجها بوصفها جزءًا من فرنسا، ولم يترك وسيلة تمكنه من تحقيق هذا الغرض إلا اتبعها، فتعددت وسائله، لهدم عقيدة الأمة، وإماتة روح الجهاد فيها، وإفساد أخلاقها، وإقامة فواصل بينها وبين هويتها وثقافتها وتراثها، بمحاربة اللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها، لتكون لغة التعليم والثقافة والتعامل بين الناس.

غير أن الأمة لم تستسلم ودافعت بما توافر لديها من إمكانات، وكانت معركة الدفاع عن الهوية واللسان العربي أشد قوة وأعظم تحديًا من معارك الحرب والقتال.

آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هو التعليم والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.

• صفات ابن باديس

كان ابن باديس مدرسة أخلاقية بسلوكه وتصرفاته ومعاملاته، وكانت أقواله ونظرياته صورة صادقة لواقع حياته، وعصارة خالصة لأعماله ومعتقداته. وكان نموذجًا صادقًا وصورة حية لتلك المبادئ. وكان أسوة في التواضع والتسامح ونكران الذات.

فاشتهر رحمه الله بالزهد والانصراف عن متاع الدنيا. وبرغم أن عائلته كانت من سراة قومه، إلا أنه في شخصه كان متقشفًا، مخشوشنًا، متواضعًا تواضع العلماء العارفين. وكان عالمًا ربانيًّا، عازفًا عن الدنيا وملذاتها.

ومن صفاته الحلم والتسامح ظهر ذلك عندما حاولت إحدى الجماعات الصوفية المنحرفة التي ضاقت ذرعًا بمواقف ابن باديس، أوعزت- بتنسيق مع سلطات الاحتلال- إلى نفرٍ من أتباعها باغتياله، غير أن الغادر الذي همّ بهذه الجريمة لم يفلح في تنفيذها، ووقع في قبضة أعوان الشيخ، وكانوا قادرين على الفتك به، إلا أن أخلاق ابن باديس جعلته يعفُّ ويعفو، وينهى أصحابه عن الفتك به، متمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رَبِّ اغفرْ لقومي فإنهم لا يعلمون).

ومع ذلك كان شجاعًا صارمًا في الحق، ليّنًا من غير ضعف، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا غطرسة ظالم متجبّر. تجسّدت هذه الخصال في موقفه مع وزير الحربية الفرنسي (دلادييه)، عندما هدّد الوفدَ الجزائريَّ بقوله: (إن لدى فرنسا مدافع طويلة)، فردّ عليه ابن باديس: (إن لدينا مدافع أطول)، فتساءل (دلادييه) عن أمر هذه المدافع؟ فأجابه ابن باديس: (إنها مدافع الله). فقد كان رحمه الله جريئًا في غير تهوّر، شجاعًا في غير حمق، لديه الاستعداد للبذل والتضحية، غير مبالٍ بصولة المستعمر وظلمه، متمثلاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).

• أهمية اللغة العربية عند ابن باديس

لعل القضية الأهم التي تمحور حولها نشاط ابن باديس التعليمي والإعلامي، واعتبرها من مقومات إعادة بناء الأمة، هي اللغة العربية، لأنها من الدين، ولغة الدين، على الرغم من أنه كان ينحدر من أصول بربرية، وأنه كان يحسن قراءة الفرنسية وفهمها، إلا أنه كان يترفع عن الكلام بها لغير ضرورة.

واللغة عنده ليست وسيلة تعبير وأداة تفاهم فقط، كما يحلو لبعضهم أن يشيع، لتمرير التعليم  وتسويغ المحادثة بغير العربية، وبذلك تصبح اللغة إحدى معابر الغزو الفكري، وبدل أن نترجم تراثنا وعقيدتنا إلى لغة الآخرين، نترجم تراث الآخرين إلى لغتنا، ونقبل بالموقع الأدنى.

إن عُجمة اللسان تدعو إلى عُجمة العقل والقلب.

ولا نريد هنا أن يُفْهَم منها أننا ضد تعلم اللغات الأجنبية والإفادة منها بالقدر المطلوب، والسن المناسب لذلك، وموقع ذلك ومرحلته العمرية من بناء المرجعية اللغوية والفكرية.

• دور المرأة عند ابن باديس

ولقد تنبه ابن باديس إلى خطورة دور المرأة في النهوض والتحرير، وأهميتها في التربية والتعليم والبناء الثقافي، حتى تقوم برسالتها كما شرع الله، وتحسن القيام بوظيفتها، حيث لابد من الاعتراف أن المرأة كانت أحد معابر الغزو الثقافي وإحدى الثغور المفتوحة في الجسم الإسلامي، فكانت مجالاً مفتوحًا لامتداد شياطين الإنس والجن.

 لذلك أدرك ابن باديس ببصيرة نافذة، منطلقًا من الكتاب والسنة، ما للمرأة من دور ووظيفة، فأوجب تعليمها، وإنقاذها مما هي فيه من الجهالة العمياء، ونصح بتكوينها تكوينًا يقوم على أساس العفة وحسن تدبير المنزل والشفقة على الأولاد، وحسن تربيتهم.

 «فالبيت هو المدرسة الأولى والمصنع الأصلي لتكوين الرجال، وتديّن الأم هو أساس حفظ الدين والخُلُق.. والضعف الذي نجده في البيوت، بسبب جهل الأمهات وقلة تدينهن».

لذلك أولى ابن باديس تعليم المرأة المسلمة اهتمامًا كبيرًا، مدركًا الخطر المحدق بالأمة إذا تركت المرأة بغير تعليم. وفي ذلك يقول: «علينا أن نكمّل النساء تكميلاً دينيًّا، يهيئهُنَّ للنهوض بالقسم الداخلي من الحياة، وإعداد الكاملين ومساعدتهم للنهوض بالقسم الخارجي منها، وبذلك تنتظم الحياة انتظامًا طبيعيًّا تبلغ به الإنسانية سعادتها وكمالها».

ويقول: «إذا أردنا أن نكوِّن رجالاً، فعلينا أن نكوِّن أمهات دينيات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليمًا دينيًّا، وتربيّتهنّ تربية إسلامية، فهي مدرسة الأجيال، إذا صلحت صلح البيت، وإذا فسدت فلا تلد إلا نَكِدًا».

ويذهب ابن باديس إلى عدم اختلاط البنات بالذكور في التعليم، لأن في ذلك مفسدة لهم، وعليه: «فلا يجوز اختلاط النساء بالرجال في التعليم، فإما أن يُفْرَدْنَ بيوم... وإما أن يَتَأَخْرَنَ عن صفوف الرجال».

• أساليب ابن باديس الدعوية والتربوية

إن التربية عند ابن باديس لا تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية المتعلم، فهي تربية للجسم والروح والعقل معًا.

فيقول رحمه الله: «الإنسان مأمور بالمحافظة على عقله وخلقه وبدنه، ودفع المضارّ عنها، فيثقّف عقله بالعلم، ويقوِّم أخلاقه بالسلوك النبوي، ويقوّي بدنه بتنظيم الغذاء، وتوقّي الأذى، والتريّض على العمل».

وفيما يلي نذكر بعض تلك الخصائص:

1 ـ تربية روحية:

لذلك ركّز ابن باديس على تطهير الروح وتنزيهها عن مساوئ الأخلاق، وتحليتها بمكارمها، لتسمو بصاحبها نحو الكمال الإنساني، لأن الإنسان «لا ينجو من أسباب نقصانه، إلا بعبادة ربه، التي بها صفاء عقله وزكاء نفسه، وطهارة بدنه في ظاهره وباطنه».

2 ـ تربية جسمية:

إن ضعيف الجسم يقل أداؤه العقلي والاجتماعي، ومن ثم لا يكون عنصرًا فعّالاً في مجتمعه. فالرياضة البدنية والوجبات الغذائية، لها دور كبير في الحفاظ على سلامة الأبدان وصحّتها، يقول ابن باديس: «تتوقّف الأعمال على سلامة الأبدان، فكانت المحافظة على الأبدان من الواجبات، ولأن الغذاء الطيب يصلح عليه القلب والبدن، فتصلح الأعمال، كما أن الغذاء الخبيث يفسد به القلب والبدن، فتفسد الأعمال»، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".

3 ـ تربية سلوكية عملية:

 إن من تمام كمال المسلم أن تتطابق أقواله مع أفعاله. لذا حرص ابن باديس على أن يكون تلاميذه ومريدوه رجالاً عمليين، يطبّقون ما يتعلمونه، فيعبدون الله على علم وبصيرة، فكان يحثهم على أن يمثّلوا الأخلاق الإسلامية الفاضلة فيوصيهم (بنشر ما تعلّموه برفق ولطف، وأن يكونوا مظاهر محبة ورحمة على ما قد يلقونه من جفوة من بعض الناس).

4 ـ تربية عقلية:

إن التربية عند ابن باديس اهتمت بجميع جوانب المتعلم، فكما اهتمت بالروح والجسد، فإنها أولت العقل عناية خاصة، بالحفاظ عليه وتثقيفه بكل ما هو نافع من العلوم الدينية والدنيوية، فيقول: «حافظ على عقلك، فهو النور الإلهي الذي مُنِحْتَهُ، لتهتدي به إلى طريق السعادة في حياتك».

إن الهدف التربوي عند ابن باديس هو: (الرجوع بالشعب إلى عقائد الإسلام المبنيّة على العلم، وفضائله المبنية على القوة والرحمة، وأحكامه المبنية على العدل والإحسان، ونظمه المبنية على التعاون بين الأفراد والجماعات، والتآلف والتعامل والتعاون، وأن لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله، ومن اتقى الله فهو أنفع الخلق لعباد الله).

• إسهامات ابن باديس السياسية

لم يكن ابن باديس مصلحًا فحسب، بل كان مجاهدًا سياسيًّا، مجاهرًا بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، ودخل في معركة مع الحاكم الفرنسي، ودعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق مع الاستعمار، وضرورة الثقة بالنفس، وخاطبهم بقوله: "حرام على عزتنا القومية وشرفنا الإسلامي أن نبقى نترامى على أبواب أمة ترى- أو ترى أكثريتها- ذلك كثيرًا علينا… ويسمعنا كثير منها في شخصيتنا الإسلامية ما يمس كرامتنا".

وكانت الصحف من أهم وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية، فأصدر جريدة "المنتقد"، ثم جريدة "الشهاب"، واشترك في تحرير الصحف مثل "السنة" و"الصراط" و"البصائر". وظل يواصل رسالته الأولى التي لم تشغله عنها صوارف الحياة، أو مكائد خصومه من بعض الصوفية أذيال المستعمر، أو مؤامرات فرنسا وحربها لرسالته.

فبرغم انشغال ابن باديس بالتعليم والتفرّغ له، إلا أنه كان ممن لا يهابون الخوض في أمور السياسة، منطلقًا في ذلك من نظرته الشاملة للإسلام الذي لا يفرّق بين السياسة والعلم، وحول هذه المسألة يقول: «وقد يرى بعضهم أن هذا الباب صعب الدخول، لأنهم تعودوا من العلماء الاقتصار على العلم والابتعاد عن مسالك السياسة، مع أنه لابدّ لنا من الجمع بين السياسة والعلم، ولا ينهض العلم والدين حق النهوض، إلا إذا نهضت السياسة بجد».

وكان يرى أن الحرية لا تُعطى ولا توهب، بل سَجَّل التاريخ أنها تؤخذ وتنتزع، وفي هذا الصدد يقول: «قلِّبْ صفحات التاريخ العالمي، وانظر في ذلك السجل الأمين، هل تجد أمة غلبت على أمرها، ونكبت بالاحتلال، ورزئت في الاستقلال، ثم نالت حريتها منحة من الغاصب، وتنازلاً من المستبد، ومنة من المستعبِد؟ اللهم كلا. فما عَهِدْنا الحرية تُعطى، إنما عهدنا الحرية تُؤخذ. وما عَهِدْنا الاستقلال يُمنح ويُوهب، إنما عَلِمْنا الاستقلال يُنال بالجهاد والاستماتة والتضحية. وما رأينا التاريخ يُسجل بين دفتي حوادثه خيبة للمجاهد، إنما رأيناه يسجل خيبة للمستجدي».

وروي أنه قبيل وفاته صرح في اجتماع خاص قائلاً: «والله لو وجدت عشرة من عقلاء الأمة الجزائرية يوافقوني على إعلان الثورة، لأعلنتها».

إن ابن باديس استطاع أن يدرك جوانب الإصابة والخلل في المجتمع الجزائري الواقع تحت الاحتلال، والأسباب التي ألحقت به هذه الإصابات، وبدأ التفكير بمعالجة جذور الأزمة، أو السبب العميق الذي يكمن وراءها، ولم يقتصر في ذلك على معالجة الآثار، على الرغم من أهميتها، ولم يغب عنه ولا لحظة واحدة أن صلاح هذه الأمة مرهون بالمنهج الذي صلح به أولها.

• آثار ابن باديس العلمية

  تتمثل آثاره العلمية  في: تفسيره القرآن الكريم، الذي نشره فواتح لأعداد مجلة الشهاب، وقد جمع في كتاب تحت عنوان (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير). وشرح موطأ مالك، في افتتاحيات مجلة الشهاب، وقد جمع في كتاب تحت عنوان: (مجالس التذكير من حديث البشير النذير).

 لم يكن ابن باديس يركّز على الكتابة والتأليف. لأنه كان يؤمن بأن غرس الفكرة البنّاءة في صدر الإنسان، إيقاد لشمعة تنير الدجى للسالكين. ومع ذلك فقد جُمع كثيرٌ من آثاره العلمية بعد وفاته، منها:

(العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية). و(رجال السلف ونساؤه)، كما حقق (العواصم من القواصم) لابن العربي.

وقد قامت وزارة الشؤون الدينية بجمع كثير ممّا حوته صحافة الجمعية من كتابات ابن باديس تحت عنوان: (آثار الإمام عبدالحميد بن باديس).

• ابن باديس مفتيا

إن من أبرز القضايا وأجرأها، التي طرحها ابن باديس، إلى جانب جهوده التربوية والتعليمية والدعوية، وحماية الشخصية الجزائرية من الذوبان، أنه أفتى بتحريم التجنس بجنسية المحتل.

فيقول ابن باديس: «التجنس بجنسية غير إسلامية، يقتضي رفض أحكام الشريعة، ومن رفض حكمًا واحدًا من أحكام الإسلام عُدَّ مرتدًا عن الإسلام بالإجماع، فالمتجنس مرتد بالإجماع».

هذه الفتوى كانت في حينها أمضى من أسلحة جيش كامل العتاد، وكان لها من الأثر البالغ في حماية الذات والهوية، والاعتزاز بالثقافة العربية والإسلامية وربط الشعب بالقيم الإسلامية في الجزائر، في مرحلة المواجهة والتذويب. هذه الفتوى شكلت عمقًا ثقافيًّا لا يجوز تجاوزه في ضمير الأمة، وبعدًا تاريخيًّا وسياسيًّا لا يمكن طمسه وإغفاله، ذلك أن لهذه الفتوى ظروفها المحيطة، ومرحلتها الدقيقة، وأسبابها ومسوغاتها، وقد شكلت إحدى الأسلحة الماضية في المعركة، والفتوى كما يقال على حسب حال المستفتي، فقد جاءت بوقتها محكومة بمجموعة شرائط، ومن ثم لا يمكن النظر إليها من خارج ظروفها، أو وضعها خارج إطارها، وإغفال مقاصدها.

كما لا يمكن تعميمها على كل الحالات والظروف المختلفة اليوم، فهناك الكثير من الأقليات المسلمة في سائر بلاد العالم، تحمل جنسيات البلاد التي تقيم فيها، وتؤمِّن لها هذه الجنسيات الكثير من الحقوق، وتمنحها الكثير من حرية الحركة والممارسة ، وفي مقدمتها حرية العقيدة والعبادة واختيار الانتماء الثقافي، كما تمكنها من الاندماج- وليس الذوبان- في تلك المجتمعات، الأمر الذي يتيح لها نشر عقيدتها، وحرية عبادتها.

• ثناء العلماء عليه:

لعل من أبلغ الظواهر الدالة على مكانة ابن باديس بين علماء عصره، تلك التقاريظ وذلك الثناء الذي خصّه به معاصروه، ومن جاء بعده من المؤرخين والعلماء والمفكرين، منهم:

محمد البشير الإبراهيمي حيث قال: (إنه باني النهضتين العلمية والفكرية بالجزائر، وواضع أسسها على صخرة الحق، وقائد زحوفها المغيرة إلى الغايات العليا، وإمام الحركة السلفية، ومنشئ مجلة (الشهاب) مرآة الإصلاح وسيف المصلحين، ومربّي جيلين كاملين على الهداية القرآنية والهدي المحمّدي وعلى التفكير الصحيح).

وأما الشيخ ابن عاشور: صاحب تفسير التحرير والتنوير، وأستاذ ابن باديس فيقول عن تلميذه: (العالم الفاضل، نبعة العلم والمجادة، ومرتع التحرير والإجادة، ابننا الذي أفتخرُ ببنوته إلينا... الشيخ سيدي عبدالحميد ابن باديس... أكثر الله من أمثاله في المسلمين).

أما الزركلي: صاحب (الأعلام)، الذي عاصر ابن باديس، ويعد شاهدًا على جهاده، يقول عنه: (كان شديد الحملات على الاستعمار، وحاولت الحكومة الفرنسية في الجزائر إغراءه بتوليته رئاسة الأمور الدينية فامتنع، واضطهد وأوذي، وهو مستمر في جهاده).

أما الدكتور عبد الحليم عويس: أستاذ التاريخ الإسلامي، يشيد بدور ابن باديس فيقول: (إن ابن باديس كان يؤمن إيمانًا لا حدود له بدور القرآن الكريم في تكوين الجيل المنشود، على غرار الجيل الذي كوّنه القرآن في العصور الأولى للإسلام).

أما الشاعر الجزائري الكبير محمد العيد آل خليفة: فقد ألقى في حفل تكريم الإمام ابن باديس بختمه لتفسير القرآن الكريم، قصيدة طويلة، أثنى فيها عليه، وعدّد فيها جهوده العلمية، نذكر منها هذا البيت:

 

بمثلكَ تعتزُّ البلادُ وتفخرُ   

                                   وتزهرُ بالعلمِ المنيرِ وتزخرُ

 

ولقد أثنى على تفسيره الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة، في معرض الكلام على العبارة المنسوبة إلى رابعة العدوية إن صح ذلك عنها: رب ما عبدتك طمعًا في جنتك ولا خوفًا من نارك. فقال الألباني: وكنت قرأت حولها بحثًا فياضًا ممتعًا في تفسير العلامة ابن باديس. فليراجعه من شاء زيادة بيان.

إن الوقوف على أمثال هذه السير وغيرها يجعل المسلم يراجع نفسه، ويجتهد أن يكون نافعًا مفيدًا اقتداءً وتأسيًا، أو على الأقل محاكاة وتشبهًا بذوي الفضل والحكمة.

رحم الله ابن باديس وحعل الجنة مستقره ومثواه، وجازاه ربه أحسن الجزاء وأعمه وأوفاه.

 


عدد القراء: 7736

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-