الفكر المتطرف في مجتمعنا العربيالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-02-15 06:57:02

د. إدريس سلطان صالح

أستاذ جامعي - مصر

يموج العالم العربي بجماعات متنوعة، تأخذ الإسلام شعارًا لها، وكل جماعة لها رؤى وأفكار وتفسيرات أبعد ما تكون عن الدين الإسلامي وأحكامه السمحة، التي تهدف إلى الرقي الإنساني بكل جوانبه المادية والروحية.

حاولت هذه الجماعات ولا تزال تحاول استغلال النزعة الدينية للشباب العربي، نتيجة غياب الدور الحقيقي للمؤسسات الرسمية في احتواء هؤلاء الشباب، وتربيتهم التربية السليمة التي تجعل منهم مواطنين صالحين، وتسليحهم بالفكر المستنير القادر على مواجهة الأفكار المتطرفة التي تبثها تلك الجماعات في نفوسهم.

حيث ازداد تأثير تلك الجماعات، وانتشرت أفكارها عقب ثورات الربيع العربي، التي طالب الشباب فيها بتحقيق الديموقراطية والعدالة المفقودة منذ عقود، الأمر الذي سهل لتلك الجماعات محاولات الاستحواذ على الساحة المجتمعية والإعلامية والدينية، بما تروج له من خدمات في أوساط الفقراء والمهمشين، بغض النظر عن تنوع أهداف تلك الجماعات من وراء هذه الخدمات.

وما زاد الأمر سوءًا تفشي الفساد في كثير من المجتمعات العربية، وشعور الشباب بضياع حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفشل منظومة التعليم في بناء أجيال قادرة على تحمل مسئولية مجتمعاتهم، وتدهور منظومة الصحة لمنحدر خطير جعلها عاجزة عن تقديم خدمات صحية تعالج الأمراض المتنوعة، وغياب المؤسسات الدينية عن الواقع وما يموج به من قضايا عصرية.

وكذلك وسائل الإعلام التي أدت - برغم انتشارها - أدوارًا سيئة، كان لها الأثر السلبي في نفوس كثير من هؤلاء الشباب، بسبب سطحية تناولها لقضايا المجتمعات وأزماته، وتقليدية ما تطرحه عن حياة الشباب، وما تقدمه من أفكار وحلول لمشكلاتهم.

  وفي مقابل ما تطرحه الجماعات من أفكار متطرفة، قد يعتقد البعض أن الحلول الأمنية التقليدية هي الحل، واهمين أن الحلول الأمنية وحدها قادرة على محاربة الفكر المتطرف وتحد من انتشاره بين الشباب.

فقد تنجح الحلول الأمنية في مواجهة ظاهرة السرقة أو (البلطجة) أو القتل، ولكنها لن تجدي نفعًا في مواجهة الفكر المتطرف، فنحن اليوم في عالم مفتوح، ساعدت التكنولوجيا في انتشار المعلومات والأفكار بسرعة لم يسبق لها مثيل، ومن ثم نحن في حاجة لحلول غير تقليدية، حلول قائمة على المعلومات.

ولذلك فإن مواجهة فكر الجماعات المتطرفة، واقتلاعه من جذوره، لن يتحقق إلا بفكر مستنير، فكر قادر على المواجهة والتطويق لما هو غير بناء، فكر نستطيع به تحصين شبابنا وتسليحهم بالعلم والثقافة الحقيقية التي تمكنهم من الصمود وعدم الانجراف لدعوات العنف والتطرف.

 أبجديات هذه الحلول تكمن في محاربة حقيقية للفساد، وتحقيق تكافؤ الفرص، فعندما يجد الشباب أنفسهم في مجتمع يحترم قدراتهم ومهاراتهم دون تمييز، فلن يكون سهلاً أن ينخدع أو ينجرف لأفكار عنف وتطرف قد تستغل سعيهم السلمي للحصول على حقوقهم.

وعندما تنجح المنظومة التعليمية في إعداد مواطنين صالحين، يمتلكون المعارف والمهارات والقيم اللازمة لعصر التكنولوجيا المتزايدة، ولديهم قدرات عقلية تجعلهم مفكرين وناقدين لكل ما يُطرح حولهم من قضايا ومشكلات، يستطيعون فهمها وإبداع حلول غير تقليدية لها.

وعندما تنجح المنظومة الصحية في توفير علاج مناسب للفقراء والمهمشين، وتمنع تفشي الأمراض والأوبئة، وترحم ضعفهم وهوانهم أمام المستشفيات الحكومية التي تعاني الترهل وضعف الإمكانات.

وعندما يوجد ميثاق إعلامي هدفه المصالح العليا للمجتمعات، بعيدًا عن الإسفاف والتناول السطحي للقضايا، بحيث يكون لدينا إعلام محوره الفكر والثقافة، والقيم التي تشجع كل بناء، وكل نقد بناء، وما يطرحه من حلول للمشكلات والأزمات المجتمعية.

لذلك فالحلول السليمة لمواجهة فكر الجماعات المتطرفة لا يكمن في علاج الأعراض فحسب، بل علاج أسباب هذا الفكر، والدوافع التي تجعل لمثل تلك الأفكار صدى لدى بعض الشباب، مما يجعل الحلول جذرية.


عدد القراء: 5154

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-