صيد اللؤلؤ في البحرين إرث ثقافي عريقالباب: ثقافة شعوب

نشر بتاريخ: 2016-02-15 09:50:11

حسن محمد النعمي

لكل شعوب الدنيا تراثها وإرثها الثقافي الخاص بـها، وهي فقط من تتميز به خلاف غيرها من الشعوب الأخرى، ولهذا الإرث الثقافي ارتباط بثقافة كل شعب من هذه الشعوب, ويشكل الماضي دائمًا حضوره برغم الصور العصرية المختلفة التي تتمثّل في العديد من الأنماط الحياتية. وفي مقالي هذا سوف أركز على إرث ثقافي وموروث شعبي انتشر في البحرين مركزًا على جانب واحد فقط هو تراث صيد اللؤلؤ.

عرفت البحرين وهي جزيرة في الخليج العربي، مهنة الغوص منذ آلاف السنين، وكما تفيد المصادر، فإن الغوص كان المهنة الرئيسية لأهل البحرين. ففي العام 1833م، كان عدد سفن الغوص المتجهة للهيرات قد بلغ 1500 سفينة، وهو عدد كبير بالنسبة لبلد صغير، كان عدد القرى قد وصل إلى أكثر من 300 قرية في نهاية القرن السادس عشر، كما ورد في «الوثيقة العثمانية الصادرة سنة 1573م»، وكان ريعها السنوي أربعين ألف «فلوري» (عملة ذهبية كانت تستخدم في مدينة «البندقية» في إيطاليا) وكان هذا الدخل يأتي من صيد اللؤلؤ.

ولنبدأ التعريف بطريق اللؤلؤ في البحرين وهو عبارة عن طريق يمتد لمسافة 3200 متر ويقع في جزيرة المحرق الذي تم استخدامه من قبل غواصي اللؤلؤ خلال معظم تاريخ البحرين حتى أوائل ثلاثينيات القرن العشرين عندما انهار سوق اللؤلؤ في البحرين نتيجة لبداية إنتاج اللؤلؤ الصناعي من اليابان. بدأ صيد اللؤلؤ في البحرين منذ عام 2000 قبل الميلاد. ويتألف جزء من هذا الطريق من 17 مبنى و3 حاضنة محار تقع بالقرب من البحر وجزء من الساحل وقلعة بو ماهر في الطرف الجنوبي من المحرق. وقد اعتمد الطريق موقعًا للتراث العالمي تابع لليونسكو في 30 حزيران/يونيو 2012م وهو موقع التراث العالمي الثاني في البحرين بعد قلعة البحرين. و صيد اللؤلؤ هو من التراثيات الثقافية في البحرين وقد ذكر الغوص بحثًا عن اللؤلؤ في البحرين لأول مرة في النصوص الآشورية التي يرجع تاريخها إلى 2000 قبل الميلاد في إشارة إلى عيون السمك من دلمون (الاسم القديم للبحرين). جاء العصر الذهبي لصيد اللؤلؤ فيما بين عقد 1850م إلى عقد 1930م عندما كان اللؤلؤ أغلى من الألماس. كان هناك حوالي 30000 غواص لؤلؤ بحلول نـهاية عام 1930م كما كان صيد اللؤلؤ الصناعة الرئيسية في البحرين قبل اكتشاف النفط في 1932م. بعد انهيار صناعة اللؤلؤ تحول معظم الغواصين لقطاع النفط الذي تأسس حديثًا. حاليًا يحظر تداول اللؤلؤ الصناعي في البحرين ويوجد عدد قليل من غواصي اللؤلؤ اليوم. ويبدأ عمل الغواصين منذ الصباح الباكر وحتى المساء بحثًا عن المحار في مغاصات اللؤلؤ البحرينية التي تعد أفضل المغاصات في منطقة الخليج بواسطة سفن شراعية مهيأة لعمليات الغوص وعددها التي يحتاجها الغواصون. ويؤدي الغواصون أيضًا بعض أهازيج فنون البحر في أثناء عملية الغوص وبعدها. العمل الجماعي، التنظيم ، الإدارة الفاعلة، تقسيم المهام، تحمل المسؤولية كلها مهارات تظهر واضحة جلية في رحلة الغوص على اللؤلؤ، يقوم مجموعة من الرجال بالكثير من المهام المتكاملة المنسجمة التي تؤدي في نـهاية المطاف إلى رحلة غوص ناجحة، من هؤلاء الرجال: (النوخذة) وهو ربان السفينة والمسؤول الأول والمباشر عن رحلة الغوص، وقد يكون في الغالب مالكًا لسفينة الغوص... ومن أهم السمات التي يجب أن يتمتع بـها أن يكون صاحب خبرة كبيرة في مجال عمله، كأن يكون قد عمل لمدة طويلة في مجال الغوص. وأن يكون على علم ودراية بالأماكن التي يتواجد فيها اللؤلؤ ( الهيرات). وأن تتوافر لديه معرفة كافية بعلم الفلك؛ فعن طريق النجوم يعرف اتجاه السير؛ فيقود سفينته بنجاح. وأن يمتلك شخصية قوية؛ ليستطيع إدارة العمل، والسيطرة على جميع العاملين في السفينة. وأن يكون على علم بكل الأدوات الموجودة على ظهر السفينة، وطرق استخدامها. وأن يمتلك أمر بيع اللؤلؤ المستخرج للتجار ولديه مصادره التي تعينه على البيع. أما الرجل الثاني فهو المقدمي (المجدمي): رئيس البحارة، والمسؤول عن العمل في السفينة، والأمين على حاجاتـها. والشخصية الثالثة على متن سفينة الغوص هو الغيص (الغواص) حيث يغوص في البحر لجمع المحار. أما الشخصية الرابعة المهمة على متن سفينة الغوص فهو السيب والذي يقوم بسحب الغيص (الغواص) من قاع البحر. ثم يأتي دور السكوني وهو من يمسك بدفّة السفينة ويستجيب لأوامر (النوخذة) في توجيه السفينة. ثم يأتي دور المرفه عن فريق السفينة إنه النهّام (النهيم) الذي يغني لطاقم السفينة؛ فيخفف عنهم رحلة غربتهم، ويحفزهم على العمل. ثم يأتي دور الجلّاس (اليلاّس)، حيث يقوم بفتح المحار لاستخراج حبات اللؤلؤ منها. غير أن مهنة الغوص انتهت بسبب عدم جدواها الاقتصادية، وأن ما يحصل من إعادة المهنة للجيل الحالي هو إعادة اشتغال الذاكرة بمهنة الغوص حتى لا تندثر، بل تبقى معالمها بين الأجيال، لذا يسعى قطاع السياحة في البحرين لإحياء هذه المهنة بين جيل الشباب لحفظ تراث الأجداد من الاندثار. ويسعى القائمون على هذا المشروع إلى إحياء مهنة الغوص للبحث عن اللؤلؤ التي تلاشت مع تنامي اكتشاف النفط في الخليج خلال النصف الأول من القرن الماضي، التي كانت تعد أحد أهم الاقتصادات في دول الخليج. وفي ذلك دعوة مجانية إلى ماضٍ تهادى بثقله على موروثات  ثقافية تراثية تروي بصمتها العميقة ألف حكاية وحكاية من حكايات ذلك الزمن الغابر وهذه الأيام الحاضرة بكل ما بـها من تغيرات وتقدم وحضارة.


عدد القراء: 7550

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-