الإسلام العالمي: البحث عن أمة جديدةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-05-19 01:12:09

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان

Olivier Roy أوليفير روي

مراجعة: Jonathan Steele جوناثان ستيل

ترجمة: عمر عثمان جبق

 

الكتاب: الإسلام العالمي: البحث أمة جديدة

المؤلف: أوليفير روي

تاريخ النشر مارس 2006

الناشر: Columbia University Press

عدد الصفحات: 320

 

عادة ما يستند الخوف إلى تبسيط الأخطار التي تحيط بالإنسان الخائف أو حتى إيجاد مثل هذه الأخطار. و انطلاقًا من هذه المقدمة فإن  مهنة أوليفير روي  Olivier Roy بوصفه أحد أكثر الباحثين في الغرب اطلاعًا على "ممارسة الإسلام" مكرسة لمحاربة شيطنتها. فمن خلال تقديم (روي) نماذج متعددة لسلوك المسلمين، فهو يهدف دائمًا إلى إظهار عدم وجود نموذج واحد للإسلام، تمامًا كما هي الحال مع المسيحية. ويقول، بنوع من الاستفزاز، إن الحركات الإسلامية بدأت مغادرة الاتجاه الثوري بعد فشل الإسلام السياسي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين. فقد أصبحت هذه الحركات إما أحزابًا سياسية عادية، كما حدث في الأردن فيما بعد وتركيا، أو أنها أخذت تقود نوعًا من الأصولية الفردية الجديدة، بحيث أخذ أتباعها بالانسحاب من الحلبة السياسية، مفضلين أن يصبحوا مسلمين ولدوا من جديد، يركزون على القضايا الاجتماعية والأخلاقية وأسلوب الحياة، عوضًا عن التركيز على التغيير السياسي أو تشكيل ولاية إسلامية.

يقدم كتابه هذا إحدى أفضل الصور وأكثرها تفصيلاً عن "الإسلام الحقيقي الموجود" حاليًا. ويتابع في الكتاب مناقشته من خلال التركيز على ما يسميه ما بعد الحركات الإسلامية أو "الإسلام العالمي". هناك الآن ثلث تعداد المسلمين في العالم يعيشون كأعضاء أقلية معظمهم في البلدان الغربية وذلك بفضل الهجرة. وهذا ما جعل من الإسلام يتخطى الحدود الجغرافية. إن محاولة تشكيل ولاية إسلامية أمر غير منطقي لجماعات تشكل أقليات وستبقى أقليات لعقود قادمة. ويرى الكاتب أزمة في السلطة الاجتماعية للإسلام في كل مكان يرافقها تصادم حتمي بين أجيال المهاجرين المختلفة وتمرّد الأولاد أو انفصالهم فكريًا عن أبويهم. وبعضهم يتخلى عن ذلك كليًّا. بالنسبة للآخرين، فإن الطريق يقود إلى تحول باتجاه التدين أكثر من الدين لأنهم يبحثون عن تفسيراتهم الخاصة عما يشكل السلوك والاعتقاد الصحيحين؛ إذ هناك نوع من الخصخصة في العقيدة.

ويؤثر هذا التغيير على المسلمين في البلدان المسلمة تأثرًا مماثلاً. ويؤثر زحف الغرب باتجاه الداخل على مجتمعاتهم أيضًا، وحتى مع وجود ردة فعل معاكسة لهذا التوجه فإن الهدف العادي يكمن في عدم الرجوع إلى العصر الذهبي قبل العصر الحديث، وإنما يكمن في كيفية "أسلمة الحداثة". وبما أن الكاتب صحافي وأكاديمي في آن واحد، فإن أفكاره مستندة إلى بيانات حقيقية ملموسة على نحو متجدد؛ فهو يعيش في مدينة فرنسية صغيرة، حيث يشكل المسلمين ثلث سكانها. ويمتلك معرفة موسوعية عن الاتجاهات الإسلامية في العالم. فهو يبحث بلا هوادة عن أدلة وأفكار من عدد كبير من المواقع الإلكترونية المسلمة وغرف المحادثات حتى هذه اللحظة.

ويذكر في كتابه مثالاً نموذجيًّا عن التدين المعقد لرجل تونسي يبيع الخمر في محل على إحدى نواصي باريس،      ويحضر إلى المسجد (للصلاة)، ويتبرع بالمال لمنظمة أصولية، ويصوت للجبهة الوطنية Front National لأنه مستاء من الجريمة. و يذكر أيضًا في كتابه أمثلة عن مسلمين فرنسيين يدعون أولادهم يحضروا حفلات رأس السنة الميلادية في المدارس، أو أنهم انضموا إلى اتحاد بقيادة الشيوعيين في مصانع السيارات حيث يعملون، وهذا دفع الاتحاد في المقابل للضغط لتخصيص غرف للصلاة في أماكن عملهم. ويتطرق (روي) إلى فكرة أن مشكلات العالم المسلم المعاصر يمكن تفسيرها من خلال الإسلام. ويسره كثيرًا مبيعات المصحف الكبيرة في الغرب بعد أحداث 11/سبتمبر؛ إذ اندفع غير المسلمين لمعرفة ما يقوله القرآن عن هذا الأمر وذاك. ويكتب قائلاً: "ليس السؤال ما يقوله القرآن حقًّا، ولكن ما يقول المسلمون: إن القرآن يقول". "و ليس مدهشًا أو مفاجئًا أنهم يختلفون في حين يؤكد جميعهم أن القرآن واضح. فالقضية هنا ليست الإسلام كمجموع وثائق دينية، ولكنها حوارات المسلمين وممارستهم." ويشير الكاتب إلى أن السبب الرئيسي للتخلف السياسي للعالم العربي قد يكون في الثقافة العربية وليس في الإسلام، نظرًا لأن معظم مسلمي العالم ليسوا عربًا. و ليس صحيحًا أن التحول إلى فصل الدين عن السلطة يقود إلى الديمقراطية. ففي الشرق الأوسط التحول يرافق فصل الدين عن السلطة الديكتاتورية، كما هي الحال مع شاه إيران أو صدام حسين أو رئيس تونس بن علي، أو إلغاء الانتخابات البرلمانية في الجزائر عام 1992 بسبب فوز الإسلاميين. ويتابع الكاتب قوله: إن القضية ليست إذا كانت الديمقراطية تحرز تقدمًا ما، فالذي يحدث هو التحديث الاجتماعي. ومع أن جمهورية إيران الإسلامية قد خفضت سن زواج النساء إلى تسع سنوات، إلا أن متوسط سن الزواج الحقيقي ارتفع ووصل إلى سن الثانية والعشرين في عام 1996، كما ارتفعت معدلات التعلّم بين النساء الإيرانيات من 28% إلى 80% بين عامي 1976 و 1996.

ومن إحدى أفكار الكاتب (روي) الرائعة فكرة أن المسلمين في الغرب لم يعودوا أجانب. ولا يعني ذلك أنهم اندمجوا بالمعنى الفرنسي أو بالمعنى الإنجليزي بوصفه مكونًا من مجتمع جديد متعدد الثقافات، إذ يتقبل كل فرد مسلم - كأي شخص آخر - هويات محتملة عديدة يمكنه إبرازها في أي لحظة ما حسب اختياره. ولذلك لا يمكن وضعه في قوالب جامدة بعد الآن. ويعدّ احتمال عدم عودة طلاب الشرق الأوسط إلى أوطانهم نهائيًّا إحدى نتائج زوال الحدود الجغرافية. فقد يدرس شخص مصري هو عضو في حركة الأخوان المسلمين في كوالالمبور قبل انتقاله إلى فلوريدا أو برلين. وفي كلا الحالتين يشكل هذا الشخص جزءًا من طبقة المفكرين المسلمين العالميين المهجرّين  (وقد تكون لغتهم الشائعة اللغة الإنجليزية وليست العربية)، ولا يمكن وصفها بالتشرد، لأنها بعيدة جدًّا جدًّا عن بلد الأصل "يمكن لكردي عراقي في المنفى أن يقرر إذا كان بالأول عراقيًّا أو كرديًّا أو مسلمًا". عندما ندرك أن الدين والثقافة تم عزلهما عن بعض عندها يصبح حوار "صراع الحضارات" غير ذي صلة.

ويختم الكاتب (روي) قائلاً: إن العولمة والتحول باتجاه الغرب لا يمكن إيقافهما بين المسلمين الذين يعيشون في الغرب، والمسلمين الذين ما يزالون  يعيشون في مجتمعات مسلمة. ومكونها المركزي هو التركيز الجديد على الفرد.

قد يعني هذا تحولاً للبعض باتجاه الأصولية، أو إحياء للإسلام أو العودة إلى الإسلام. ويقول (روي): إن "هناك تأكيدًا على الذات، والبحث عن تحقيق الذات الشخصية، وإعادة بناء المواقف الفردية تجاه الدين. فالإيمان أهم من العقيدة". ويروق هذا النوع من الدين غالبًا للشباب المثقفين جيدًا والمحبطين. وغالبًا ما يحتوي على جرعة ضخمة من اللاعقلانية، ويقود إلى تدينٍ أكثر عاطفية يستند إلى الإيمان، ويزود المسلمين بهوية بالإضافة إلى تضامن مع الناس الذين "يمارسون" دينهم بانتظام. ومع صدق الكاتب تجاه مبدأه العام هذا في محاولة إزالة الغموض عن الإسلام، يشير أيضًا إلى أن العوامل نفسها موجودة في إحياء الأصولية البروتستانتية. قد نشجب غياب المفكرين الإصلاحيين الإسلاميين المتحررين في الإسلام، ولكن هذه مشكلة البروتستانتية العالمية أيضًا. والأخبار السعيدة كما يراها الكاتب (روي) هي أن التحول باتجاه فصل الدين عن السلطة هي اتجاه الأغلبية.

 

رابط المراجعة:

http://www.theguardian.com/books/2004/nov/13/highereducation.news


عدد القراء: 6205

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-