فلسفة الحبالباب: حياتنا

نشر بتاريخ: 2015-05-10 10:12:20

سعاد الورفلي

ليبيا

إن الحب هو العامل الرئيس لكل ما يقوم به الكائن تُجاه الآخر، فالحب قيمة عظيمة وهبها الله لنا لا يستشعرها سوى من فقه فضل النعم المنعَم بها المتفضل على عباده.

الحب: كلمة بسيطة المبنى لكنها عميقة المعنى، بحارها عريضة، وأغوارها عميقة، قيمة رهيبة تُؤتي أكلها كلما استحسن استعمالها.

إن الحب عامل البناء؛ البناء الذي يسهم في التطور والتقدم والعطاء والتضحية ..

فما موت الجندي الصغير إلا نابع من حبه لبلاده، حبه لِما قاتل من أجله؛ فبلا حب لا يوجد عطاء، وهل هناك أعمق وأخطر من أن يضحي الإنسان بروحه؟!

فالتضحية هي رأس الهرم لقيمة الحب، وهي قاعدته العريضة، وأضلاعه المتوازية..

استلْفت فيما استلْفت نظري قطة تحنو على صغارها الأربع؛ تغمغم بأصوات غير مفهومة وهي الأولى من نوعها، بيْد أنها كانت تموء بشراسة حينما تكون وحيدة؛ تنحني عليهم وتقاتل دونهم وتُضرم حربًا شعواء، لو لمست إنسيًّا يقترب من الكوة التي تقطن فيها القطط الصغيرة ....تُرى قلتُ في نفسي؛ ما الداعي لهذه القطة أن تحنوَ كل هذا الحنو على قطط ستنافسها على الطعام مجرد أن يتفتق بصرها للنور؟ قيل غريزة الأمومة لكن هذا لا يكفيني لبناء فلسفتي العميقة في الحب ..

عن غريزة الأمومة مدعومة بدعامة عامة قوية، ما دخلت في شيء إلا حولته إلى قوة مضاعفة لا تشبهها باقي القوى؛ هذه الدعامة (دعامة الحب)

نعم ...إن هذه القطة الأم أصابها شيء من حب فأكسبها حنو غريزي على جِراها الصغيرة ... فباتت لا تشبع قبل أن يشبعوا، ولا تنام أو تبحث عن رزقها حتى يناموا، ولا يهنأ قلبها وهي بعيدة وهم يتصارخون في جحرهم.

أعرفتم معنى قيمة الحب؟

إن الحب شعور عميق تظهر سيماه في أفعالنا وأقوالنا، دون أن نقصد نحن ذلك بأن نتعمد فعل التضحية !

إن فلسفة الحب مبنية على أساس قوي ينبع من شغاف القلب، فكم من قاسيَ القلب حينما تمر من أمامه فتاة حسناء؛ تنقلب سنحة وجهه إلى نضارة، ويعتدل تقطيب الحاجبين إلى استقامة، وما هذا إلا بدافع محبته لما رآه، وليس الإعجاب سوى قبس من المحبة المتأصلة، فالمحبة موجودة لكن المحرك لها قد يخبو وتخمد جذوته حتى موعده ...

ربما تجد في مناطق نائية في دول آسيوية (أكلة الصراصير) بينما تشمئز وتصاب بالغثيان لمجرد ذكر اسمها، ولكن ما الذي دعاهم إلى أن "يقرمشوا " الحشرات ذات القشريات المقززة؛ هل هو فعل المغامرة؟ حسنًا وما الذي دعاهم ودفعهم للمغامرة؟ هل هو حب الشهرة؟ حب الشجاعة؟ حب الحشرات والتلذذ؟

ألم تقرؤوا تساؤلاتي التي بدأتها بحب؛ سواء أكان حب الظهور والشهرة أم حب المغامرة والانفلات ...إذن الدافع هو حب ذلك الشيء ..

وهذا ما أردتُ إيصاله هنا في هذه المقالة أن الحب دافع لفعل كل شيء وأي شيء ...

فهناك الحب القاهر الذي يجتاز كل السدود والحدود ليصل إلى مبتغاه .

إن الإنسان في أضعف حالاته يقوى بالحب، والقوي في أشرس وأعتى  حالاته يرِقٌّ بالحب ...أو يضعف !

والعنيد إذا أحب تنازل، والقوي إذا أحب لاَن َ..

الحب بفلسفته ومعناه لا نستطيع سبر أغواره، عودوا إلى التاريخ واقرؤوا ما تيسر من مواقف متنوعة وأحوال مختلفة لاقت، وعانت، وهاجرت، وكافحت، كل ذلك بفعل الحب ...!

نحن عندما نقوم بالعبادات، فإن الدافع لنا هو حب الله عز وجل- نحن نعبد الله لحبنا له ولحبنا لأوامره وشرائعه تولّد فينا (فعل الطاعة).

فالحب أن تفعل ما يرضي المحبوب، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم زرع قيمة الحب في قلوبنا ودعمها بقوله (حتى أكون أحبَّ إليه) فلقيمة الفعل يجب أن يكون مقرونا بالحب.

ذكّرني أحدُهم  قائلاً: ليس بالضرورة أن تكون أغلب أعمالنا نابعة من الحب ...فهو صدق في كلامه لكنه لم يستشعر ما نتفلسف الآن حوله، إن الحب طيف رقيق يتغلغل في النفس ليس بالضرورة أن يظهر شاخصًا أمامك ليشعرك أنك الآن في حالة حب، ولهذا تفعل هذا ...كلا..  كانت هكذا إجابتي وردي على المعترض لما ذهبتُ إليه .فالحب كامن في النفس فأنت تقوم صباحًا وتتوجه إلى عملك، ليس لأنك تريد أن تعمل وتحصل على النقود، بل هناك نشاط داخلي منبعه محبتك لكل لحظة تبتدئ فيها عملك.. صحيح أن هناك أمزجة قاهرة قد تشوب وتشوش سماء الحب وتكدر صفاءها؛ هذه الأمزجة أن تقوم مكدرًا مثلاً أو كارهًا لمدير العمل ، أو ناقمًا على الروتين؛ لكن دافعية الحب للعمل، هو وَقود حركتك ونشاطك؛ هي إكسير حياتك.

ولهذا تنوعت فلسفة الحب بما يطرأ على النفس من مشاغل تمنعها من تذوق القيمة دون حجب ...

 


عدد القراء: 4335

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-