الإلحاد والملحدونالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 17:39:58

أحمد حسن ياسو

مصر

الإلحاد مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية، أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى. فيدعى الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، وهى الخالق في الوقت نفسه ومما لا شك فيه أن أكثر دول العالم تعاني من نزعة إلحادية عارمة، جسدتها الشيوعية المنهارة والعلمانية المخادعة.

الإلحاد بدعة لم توجد في القديم إلا في النادر في بعض الأمم والأفراد. ويعد أتباع العلمانية هم المؤسسون الحقيقيون للإلحاد، ومن بين هؤلاء أتباع الشيوعية والوجودية والداروينية.

وبدأت الحركة الصهيونية في نشر الإلحاد في الأرض بشكل ممنهج ومنظم، ولم يكن عملاً فرديًّا قط، ولكن تم التأثير به على الأفراد. فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد، والمادية المفرطة، والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية، لكي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها، وانساقت جموعًا وأفرادًا خلف نظريات ماركس وفرويد ونظريات دارون ودور كايم، وكل هذه النظريات من أسس الإلحاد، وأصبحت مذهب يعتنق، وله تأثير كبير في عقول المجتمعات.

وصنفت الأفراد نفسها بكل مذهب وأخذوا كل منهج وكل نظرية لهؤلاء منبرًا لهم. ثم تحول الإلحاد بعد ذلك لمجرد فكرة تضيئ في العقل، وبنى الملحد من خلالها أسس إلحاده سواء عن علم، أو لمجرد فكرة التحرر، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقًا.

تفشي الإلحاد في أوروبا مع العقلانية الحديثة مستغلين الأخطاء التي وقعت فيها الكنيسة بمحاربتها للعلم، فقامت ثورة العلم ضد الكنيسة وبالثورة الفرنسية والداروينية والفرويدية. وبهذه الدعوات الهدامة للدين والأخلاق تفشى الإلحاد في الغرب، وكان وراء الهدف الشرير لليهودية العالمية هو إزالة كل دين ليبقى اليهود وحدهم أصحاب الدين. 

انتشر الالحاد في أوروبا وانتقل بعد ذلك إلى أمريكا وبقاع العالم، وعندما آل الحكم للشيوعية  في مكان يعرف بالاتحاد السوفيتى قبل انهياره وتفككه فرضت الإلحاد على شعوبه وأنشأ له مدارس وجمعيات وحاولت الشيوعية نشره في شتى أنحاء العالم عن طريق أحزابها. 

المنظمات السرية

المتنورون تنظيم سرى تأسس في بافاريا في 1 مايو 1776 في الحقبة التي تسمى آنذاك بعصر التنوير، وعلى الرغم من عدم قانونيته في تلك الحقبة، إلا أن معظم أعضائه من المشاهير والسياسيين. وكان الهدف الرئيسي إقامة مجتمع عقلاني من خلال التنوير ويعد عدم الإيمان بالله شرطًا للانضمام  لعضوية هذا التنظيم، وهذا وراء جاذبيته لكثير من الملحدين. ولهذا يعد الإطاحة بالأديان السماوية من أبرز أهدافه، ويعتقد الكثيرون بأن تنظيم التنورين لايزال يعمل بالخفاء إلى هذا الوقت، وربما تحت مسمى آخر أو من خلال انشاء جمعيات أخرى ويتدخل التنظيم في العمل السياسي حيث يتحكم بقرارات معظم الحكومات والدول حول العالم لما له من نفوذ من قبل أعضائه في كافة المجالات؛ حيث يتم التأثير من خلالهم على الإعلام والإنتاج السينمائي وألعاب الأطفال، مما يبين لنا الحرب الشرسة التي تدار في الخفاء.

انتشار الحركات الإلحادية في مصر

البداية عندما ألقى الدكتور أحمد زكى أبو شادي محاضرة بعنوان (عقيدة الألوهية) التي ألقاها في ندوة للثقافة بالإسكندرية مساء الثلاثاء 3 نوفمبر 1936 التي نشرت ملحقة في مجلة (أدبي) في العام نفسه، ونحى فيها منحًا أدبيًّا وصوفيًّا وجمع بين العقل والقلب والفطرة في اثبات الألوهية.

وعلى الجانب الآخر الدكتور إسماعيل أدهم الذى رد على محاضرة د. أبو شادي بمقال (لماذا أنا ملحد) وهو المقال الذى رفض فيه قيام الكون الطبيعي البشري على قانون السببية وعلاقته بالأسباب والمسببات واضعًا بدلاً من ذلك قانون الاحتمالات، رافضًا وجود سبب أولي لما في الوجود من أسباب.

تحدث أدهم في رسالته (لماذا أنا ملحد) عن خطته التي تعمل في التوفيق بين الدين وحقائق العلم، حين قال: فإنى بروحي المتصوفة المتدينة التي تتغذى في الوقت ذاته على العلم أميل إلى الإدماج، وكما تشرب الإسلام العلم وهذه هي طبيعته الأصلية ازداد نفعًا وعظمة وتألقًا وقوة على مسايرة القرون.

وكانت لنشأة د. أدهم أثر كبير في إلحاده، حيث نشأ بين أبوين من ديانتين مختلفتين من أب تركي مسلم وأم ألمانية مسيحية بروتستانتية، فحمل على عاتقه المقارنة بينهما ومدى قسوة تعاليم الإسلام بالنسبة لطفل في مثل سنه، ومدى الحرية التي تتمتع بها أمه وشقيقتاه مما أثر في إلحاده دراسته في الاتحاد السوفيتي وانخراطه بالمجتمع الغربي الشيوعي.

وقد ذكر في مستهل رسالته (لماذا أنا ملحد) أن الأسباب التي دعتني للتخلي عن الإيمان بالله كثيرة، منها ما هو علمي بحت، ومنها ما هو فلسفي صرف، ومنها ما هو بين بين، ومنها ما يرجع لبيئتي وظروفي، ومنها ما يرجع لأسباب سيكلوجية.

وانتهى به المطاف منتحراً في مياه البحر المتوسط على شواطئ الإسكندرية، ولم يكن أسماعيل أدهم غارقًا في نزعته الالحادية بمفرده.

فقد أصدر اسماعيل مظهر سنة 1928 جماعة نشر الإلحاد تحت شعار رابطة الأدب الجديد. يدعو فيها إلى الإلحاد، وكان أمين سرها في ذلك الوقت كامل الكيلاني. وفى عام 1930 ألف إسماعيل مظهر حزب الفلاح، ليكون منبرًا للشيوعية والاشتراكية، وقد تاب بعد أن تعدى مرحلة الشباب، وأصبح يكتب عن مزايا الإسلام.

ومن الشعراء الملاحدة الذين كانوا ينشرون في «مجلة العصور» الشاعر عبداللطيف ثابت الذى كان يشك في الأديان بشعره.

وأيضًا من الشعراء والمفكرين الشاعر الزهاوي، الذى يعد عميد الشعراء المشككين في عصره في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر وحتى ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

ومن الكتّاب الدكتور مصطفى محمود الذى عانى من نزعة إلحادية، حيث ذكر في كتابه «رحلتي من الشك إلى الإيمان» بدايته مع الإلحاد بقوله: لقد رفضت عبادة الله لأنى استغرقت في عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة منذ مهد الطفولة.

وسنتوقف عند الدكتور مصطفى محمود، لأن في رحلته الالحادية ردًّا على كثير من التساؤلات، التي تدور في ذهن من يتحسس خطاه في طريق الإلحاد، وأخرج لنا كتابًا تخطى فيه حدود العقل بحوار مع صديقه الملحد، الذى اختلق فيه شخصية وهمية تناول فيها كل الأسئلة التي تدور في ذهن الملحدين والإجابات المقنعة من شخص ألحد نتاج علم جم، والعودة منه إلى إيمان أكثر ثباتًا ورسوخًا. وقال في مقدمة كتابه «حوار مع صديقي الملحد»: لأن الله غيب،  ولأن المستقبل غيب، ولأن الآخرة غيب، ولأن من يذهب إلى القبر لا يعود. راجت بضاعة الإلحاد وسادت الأفكار المادية.

وإذا بدأنا الحديث عن الدكتور مصطفى محمود سنملأ صفحات من الكتب والمقالات.

وإنما هنا تجتزئ من كتبه لنصل لهدف معين ما بين رحلته ورحلة الملحدين في الوقت الراهن، وإن كان الدكتور مصطفى محمود بنى أساس إلحاده على العلم متناسيًا قواعد الدين وكل الثوابت الإيمانية، التي نشأ عليها مصاحبًا عقله في رحلة إلحادية، ثم العودة منها مدافعًا عن الدين بكل ما أوتي من قوة، ونظم حملة ممنهجة، ليواجه بها الفكر الإلحادي.

وأظهر لنا هذا في كتابه «حوار مع صديقي الملحد» الذى عرض علينا إشكالية من النوع المعقد.

الملحد يريد أن يقفز بعقله بعيدًا عن النورانية الإلهية وفكرة الوجود الإلهي، ووجود الجنة والنار، وكل ما ذكر الله وتكذيبه لكل الكتب السماوية.

وليست الإشكالية هنا الدين، ولكن الثورة قامت في ذهن الملحد على الله.

إذن ليس الدين محور اهتمام الملحد، وذلك لن يثنيه عن إلحاده، غير أنه قرر عدم الاعتراف بالذات الإلهية.

الملحد لا يقوى على التفكير ولم يكن له دليل مقنع ولا حجة واحدة يستطيع أن يبنى عليها حجته، ولو شاء الله لفعل ذلك، ولو كان هناك حجة دامغة لبقى الدكتور مصطفى محمود على إلحاده. إنما الملحد يريد التحرر من كل ما هو مرتبط باسم الله وفكرة الوجودية هو يرى أنه مخلوق بذاته ولذاته، وإنه سيد قراره ورغباته. فأخذ في اعتباره وحمل على عاتقه مشقة الكشف عن الله، ومن البديهي أن يفشل العقل في اكتشاف الخالق، فكانت تلك هي البوابة الرئيسية التي فتحت له الطريق إلى الإلحاد. 


عدد القراء: 9491

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 6

  • بواسطة على ياسو من مصر
    بتاريخ 2017-05-15 19:20:07

    ربنا يزيدك من علمه يارب احسنت

  • بواسطة ابراهيم يونس البيلى من مصر
    بتاريخ 2017-05-15 18:09:45

    الحمد لله على نعمة الاسلام نشكر الكاتب وكل من ساهم فى هذا العمل الجيد

  • بواسطة ابراهيم سليمة من مصر
    بتاريخ 2017-05-14 12:25:56

    احسنت يا أستاذ أحمد وضحت لى ما اجهله عنهم

  • بواسطة عزه احمد من الولايات المتحدة
    بتاريخ 2017-05-13 16:29:00

    جزاك الله كل خير أستاذ احمد. فعلا موضوع مهم جدا وخصوصا انه منتشر جدا فى بعض الدول ألعربيه من بعد الثورات والحروب وأصبح بعض الشباب لا يعتقدون فى اى ديانه ولا فى وجود الله (استغفر الله العظيم) ووصلت نسبه الإلحاد الى ٢٪‏ فى العالم (المسجلون رسميا فقط).

  • بواسطة هبة الله من مصر
    بتاريخ 2017-05-13 14:25:43

    ماشاء الله بجد بجد اكتر من رائع

  • بواسطة هبه محمد من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2017-05-12 17:43:40

    ربنا يهدى الملحدين جميعا وفقك الله ايها الكاتب

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-