ذكْر الحيوان والحشرات في القرآن الكريم وفي أمثال وأشعار العربالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-08-04 17:10:09

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية - كلية الهندسة - جامعة الملك سعود - الرياض

ذكْر الحيوان في القرآن الكريم:

قبل أن يهتم العلم الحديث بعالم الحيوان من مختلف الأنعام والدواب والحشرات ويهيئ له المعاهد المتخصصة والدراسات المتعمقة والأبحاث المستقلة لدراسته ومتابعته ومراقبته للوقوف على بعض أسرار حياته وأنماط معيشته نجد أن القرآن الكريم يسبقه بنحو أربعة عشر قرنًا من الزمان، إذ أكد التنزيل اهتمامه بالحيوان واعتبره عالمًا بذاته وأمة مثل الأمم الأخرى حيث يقول عز من قائل: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الأنعام 38. وقد أكد التنزيل اهتمامه بأصناف الحيوان من الأنعام والطيور والحشرات بأن أطلق أسماء بعض تلك الأصناف على سوره الشريفة مثل: البقرة والأنعام والنحل والنمل والعنكبوت والعاديات والفيل. وقد ورد ذكر الدابة والدواب عدة مرات في آيات التنزيل كقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) النور 45. كما بين الحكمة من خلق الدواب ألا وهي السجود له والتسبيح بحمده في قوله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج 18. كما ذكر الجمل في قوله تعالى: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) الأعراف 40. كما ورد ذكر الخيل في قوله تعالى: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ) آل عمران 14، وبلفظ الجياد في قوله تعالى: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) ص 31. كما جاء ذكر الفيل في قوله سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) الفيل1. وجاء ذكر الضأن والمعز أيضًا في سورة الأنعام في قوله تعالى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الأنعام 143. كذلك ورد ذكر الإبل في قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية 17. كذلك ورد لفظ النعجة في عدة مواضع منها قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)  ص 23. أما لفظ الأنعام فهو يطلق على تلك الحيوانات الأليفة والمفيدة للإنسان كالبقر والأغنام والإبل وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله جل وعلا في سورة النحل: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأنعام 5-8. وقوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) النحل 80.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) المائدة 1. ولقد ورد ذكر الكثير من أصناف الحيوان في القرآن الكريم كالحمار والعجل والكلب والخنزير والأسد والذئب لتبيان منافعها أو مضارها للإنسان، وكذلك الطيور كالغراب والهدهد، كذلك ورد ذكر أصناف لحشرات مثل الذباب والبعوضة والعنكبوت والنمل والنحل والجراد والحية والثعبان وذلك لحكمة أرادها الخالق سبحانه إما للتشبيه أو المقارنة أو التعجيز أو لتبيان أضرارها والتحذير منها وتفادي الوقوع فيها أو لعرض قوة الخالق وقدرته (ولله المثل الأعلى) وإظهار ضعف المخلوق وهوانه، وكذلك لبيان السخط وفرض العقوبة كما في قوله جلت قدرته: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) الأعراف 133. وفي عالم البحار ذكر القرآن الكريم الأسماك على اختلاف أنواعها وألوانها بلفظ اللحم الطري وذلك في معرض إفراد تعدد النعم على الإنسان سواء في البر أو البحر كما في قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)  فاطر 12. ولا شك أن السمك أحد النعم التي جاد الخالق بها على عباده غذاءً ودواءً يمده بالبروتين والزيت والمواد اللازمة لجسمه وصحته نظرًا لقيمته الغذائية العالية، ويطلق على بعضها اسم "حوت العنبر" حيث يستخرج منه الدهن والطيب المعروف بالعنبر، كما ورد ذكر الحوت وهو أقوى المخلوقات البحرية وأكبرها حجمًا في الكتاب الحكيم في قوله تعالى: (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) الصافات 142. وكذلك في سورة القلم: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) القلم 48، وقوله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا). ولقد ورد ذكر الحوت في الحديث الشريف أن ابن عمر روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال" رواه الإمام أحمد في مسنده. ويعد الحوت في عالم البحار أحد الظواهر الفريدة والآيات المدهشة، والتي تدل على عظمة الخالق عز وجل في تصويره وتكوينه وإبداعه. والحوت حري بالدراسة البحتة بغية الوقوف على معرفة مكوناته وخصائصه وما أودع الله تبارك وتعالى فيه من أسرار وخفايا، وهو أيضًا مما سخره رب العزة والجلال لخدمة الإنسان ونفعه (هل من خالق غير الله سبحانه وتعالى عما يصفون).

الحيوان في أمثال وأشعار العرب:

يُعد الحيوان المعلم الأول الذي تتلمذ عليه الإنسان منذ بدء الخليقة وذلك عندما بعث الله سبحانه وتعالى غرابا لهابيل ليعلمه كيف يدفن شقيقه قابيل بعد أن قتله وحار في كيفية التخلص من جثته حيث قال تعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة 31.

إن اهتمام العرب بالحيوان وخصائصه وطباعه قد أثرى التراث العربي بمعين لا ينضب ومنهل لا يغيض، فقد اغترف منه الحكماء في حكمهم والوعاظ في وعظهم والشعراء في شعرهم والكتاب في نثرهم، ولقد عرفوا الكثير من عادات وميول الحيوانات وطباعها وصفاتها مما جعل من ذلك كنزًا غنيًّا ورافدًا ثرا للحكم والأمثال والتشبيه والقصص والأساطير والتندر. ولم يقتصر دخول الحيوان على ثقافة العرب العلمية وعلى الأمثال والقصص بل تعداها إلى ضروب أخرى كالأسماء والكنايات والألقاب فسموا بأسماء الحيوان فمن الحيوان: أسد وليث وشبل ونمر وذيب وثعلب وجمل وحصان، ومن الطيور: حمام وغراب وعصفور وصقر وباز وشاهين.

وفي القسم التالي سنورد بعضًا من الحيوان الذي ورد في ذكره شيء من أمثال وحكم وأشعار العرب كما يلي:

الذئب:

من الحيوانات المعروفة عند العرب كأحد الضواري العادية والسباع الكاسرة، وهو عدو لدود للرعاة فكم من مرة فجعهم في أسمن كباشهم وأغنامهم، يعيش في البراري والسهول والبيئات الجبلية ووديانها وفي الغابات الطبيعية، ومن عادته أن يخرج إلى الافتراس في جماعات عندما يجن الليل وبخاصة في ضوء القمر حيث يكره الليالي الحالكة ويعشق الليالي المقمرة، ولقد عرف العرب عن الذئب نهمه وشراهته وحبه للأكل فقالوا في هذا المعنى: "أجوع من ذئب"، وكذلك: "رماه الله بداء الذئب" يريدون بذلك الجوع. والعرب تزعم أن الذئب شديد الاحتراس وأنه عند النوم يراوح بين عينيه فتكون إحداهما مطبقة نائمة وتكون الأخرى مفتوحة حارسة، ولهذا يقول أحد الشعراء في شدة حذر الذئب ويقظته:

                                        ينام بإحدى مقلتيه ويتقي     

                                               بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع

كما أن الذئب يضرب به المثل في الخبث والغدر وسوء الطبع لأنه قد لا يتوانى عن الفتك بذئب آخر ولو من قطيعه والنيل منه إذا رآه جريحًا أو في حالة ضعف، ولهذا قال أحد الشعراء يذم أحد أصدقائه لأنه أعان عليه في أمر نزل به:

                                   وكنت كذئب السوء لما رأى دما

                                                  بصاحبه يومًا أحال على الدم

وفي معرض صفة الغدر ورجوع المتطبع إلى طبعه، يقول أحدهم بعد أن قام بتربية جرو ذئب بدلاً من كلب للحراسة فعدا على شاة له وافترسها:

                                أكلت شويهتي وفجعت قلبي                    

                                                     وأنــت لشاتنـــــا ولـــد ربيب

                             غذيــت بدرهـــــا وربيت فينــــا

                                                     فمن أنباك  أن  أبــــــاك ذيب

                            إذا كان الطبــاع طبــــاع سوء

                                                    فليس  بنافـع  فيــها   الأدـيب

الكلب:

أثبت القرآن الكريم كثيرًا من الحقائق العلمية قبل أن يتمكن العلم من اكتشافها بأربعة عشر قرنًا ونيفًا من الزمان، ومن تلك الحقائق أن جسم الكلب خال من الغدد العرقية التي تساعده على إفراز العرق وتلطيف حرارة الجسم، لذا فإن الكلب يستعيض عن تلك الغدد الموجودة في سائر الحيوان باللهاث لخفض درجة حرارته، لذا يعرض أكبر مساحة من الفم واللسان للهواء وذلك دأبه سواء أكان مستريحًا أو مجهدًا، ولذلك شبه الخالق جل وعلى كل من أتته آياته فعمي عنها ولم يستفد منها بسبب غيه وزيغه مثل الكلب حال تنفسه، وإليك البيان القرآني في ذلك:

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف - 175 - 176.

والكلب من المخلوقات التي لازمت الإنسان لوفائه وألفته ووده وسرعة ترويضه وتعليمه وتلقينه وتدريبه لأغراض يستفيد منها الإنسان مثل المرافقة والصيد والحماية والشم واقتفاء الأثر ودفع اللصوص وحراسة الماشية، ويعد صيده حلالاً إذا كان معلمًا ومدربًا على الصيد كما في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) المائدة 4. ومما جاء عن الكلب في الأمثال العربية: جوع كلبك يتبعك، آلف من كلب، وفي وصف الكلب بالود يقول علي بن الجهم الشاعر البدوي يمدح أحد الخلفاء (وقد عرف هذا البيت بسوء الاستهلال في معرض المديح):

                          أنت  كالكلب  في  حفاظك  للود

                                            وكالتيس  في  قراع الخطوب

النعامة:

إذا نظرنا إلى جسم النعامة وجدناه خليطًا بين جسم الطير وجسم البعير فقد أخذت من الطير الريش والجناحين والمنقار ومن البعير العنق والمنسم، ولذا قيل في الأمثال: مثل النعامة لا طير ولا جمل. ولقد شبه أحد الشعراء بعض الناس الذي لا فائدة منه ولا طائل من ورائه بأنه مثل النعامة في عنادها وتصرفاتها المتقلبة إذ لا تمتثل لأي أمر ولا تستجيب لأي رغبة، فإذا أمرت أن تحمل أثقالاً لأنها كالبعير ادعت بأنها من فئة الطيور، وإذا ما أمرت أن تطير لأن لها جناحين ادعت بأنها من عائلة البعير. ولهذا يقول ذلك الشاعر في هذا المعنى:

                               ومثل نعـامـــة تدعـى بعيـــــرا      

                                               تعاصيـنا إذا ما قلنـا طيـري

                            فإن قلنا احملي قالت فإني                       

                                             من الطير  المربة  في الوكور

وتوصف النعامة أيضًا بالغباء حيث تدفن رأسها في الرمل ظنًا منها أن الصياد لا يراها، كذلك توصف بالجبن كما في قول الشاعر:

                           أسد علي وفي الحروب نعامة

                                     فتخاء تخشى من صفير الصافر

كذلك تعرف بالحمق والغباء وذلك ربما خرجت لطلب الطعم فمرت ببيض نعامة أخرى فحضنته وتركت بيضها، ولذلك يقو الشاعر في هذا المعنى:

                            كتاركة بيضها في العراء

                                             وملبسة بيض أخرى جناحا

ومن المعروف بأن رجلي النعامة تنهضان معًا وتقعان معًا فإذا عابت إحداهما جثمت ولم تعد تقوى على النهوض، ولهذا يقول أحد الشعراء يصف نفسه وصديقًا له:

                                وإني وإياه كرجلي نعامة

                                        على ما بنا من ذي غنى وفقير

ويقصد بأنه وصاحبه سواء وأن لا غنى لأحدهما عن الآخر في السراء والضراء.

الجمل:

خلق الله الجمل وجعله من المخلوقات العظيمة والعجيبة، وكان ذا منزلة رفيعة عند العرب، وهو خير معين للتنقل والحمل كما أنه مصدر للغذاء وأنثاه (الناقة مصدر للحليب. وقد جاء ذكر الجمل في عدة مواضع وبأسماء مختلفة في القرآن الكريم (مثل البعير والإبل والناقة)، ومعظم الآيات الواردة في القرآن الكريم تذكر أن الجمل من آيات الله الدالة على عظمته ومنها قوله تعالى: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) الأعراف 40. وقوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية 17. وقوله تعالى: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) الشمس 13. وقوله تعالى: (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) يوسف 65.

السلوك الإنساني والسلوك الحيواني:

اتفقت آراء كثير من العلماء حول الظواهر السلوكية لدى الإنسان والحيوان على أن سلوك الإنسان نوعان: سلوك فطري غريزي وآخر طبعي مكتسب، أما سلوك الحيوان فكله فطري غريزي، وقد يتشابه أحيانًا سلوك الإنسان وسلوك الحيوان، فنحن مثلاً نرى في عالم الحيوان غرائز مشابهة لغرائز الإنسان، ويتبدى ذلك مثلاً جليًّا في مشاعر الأبوة أو حنان الأمومة في رعاية الصغار وإطعامها وتعليمها وتدريبها والعناية بها والدفاع عنها، كما نرى التعاون عند الضواري عندما تهم بالصيد وافتراس طرائدها، فالمعروف أن الضواري كالأسود والضباع والذئاب والنمور والفهود لديها الأنياب الحادة والمخالب الفتاكة ولكنها في ذات الوقت تتسم بصغر الحجم مقارنة بطرائدها التي قد تكون أكبر منها حجمًا وأسرع عدوا وقد تكون تلك الطرائد في شكل مجموعات كبيرة وقطعان ضخمة يصعب تفريقها والصيد منها، لذا تقوم بالعمل بروح الفريق لتفريق تلك المجموعات واستفراد واحد منها ومن ثم الانقضاض عليه معًا من كل جانب لإخضاعه والسيطرة عليه. وفي مجتمع الحشرات (النحل والنمل مثلاً) في بناء مساكنها وممارسة نشاطاتها، كما ندرك غريزة حب البقاء لدى الحيوان في ما وهبه الله من وسائل وقدرات ذاتية للعيش في بيئاته والحصول على طعامه والدفاع عن نفسه والحفاظ على جنسه، وبهذا تكون نواميس الحياة التي يسير عليها كل من الإنسان والحيوان واحدة، وهذه الظاهرة ينبغي أن يعبر عنها بالآتي: "وحدة الخلق هي المضاهاة والتوافق بين الإنسان والحيوان في الخصائص النفسية والسلوكية وحب البقاء والحفاظ على الجنس، تبارك الله أحسن الخالقين.

 

 

المراجع:

1) القرآن الكريم.

2) عبدالله، محمد محمود، "عالم الحيوان بين العلم والقرآن، مؤسسة الإيمان، بيروت، لبنان، 1996.

3) عبدالحميد، زهران محمد، "تهذيب حيوان الجاحظ"، دار الجيل، 1992.

4) العاني، فلاح خليل، "موسوعة: الحيوان عند العرب"، مطبعة البهجة، إربد، الأردن، 1998.

5) هارون، عبدالسلام محمد، "تهذيب الحيوان للجاحظ"، سلسلة الأدب والنقد، الجزءان: الأول، والثاني، مكتبة نهضة مصر، 1957.

6) النصيح، حسن محمد، "رؤى ثقافية في أدب الحيوان"، دار الغالي للنشر والتوزيع، الرياض، 1991 .

7) الدينوري، ابن قتيبة، "عيون الأخبار - طبائع الحيوان"، وزارة الثقافة والإرشاد، جمهورية مصر العربية، 1960.

8) النيسابوري، أحمد محمد، "مجمع الأمثال للميداني"، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة، مصر، 1959.

9) غزالي، كمال شرقاوي، "القدرات الخفية في عالم الحيوان"، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1996.

10) العزي، عزيز العلي، "الحيوان في تراثنا"، دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1987.

11) الدميري، كمال الدين محمد، "حياة الحيوان الكبرى"، الجزءان الأول والثاني، دار الألباب للطباعة والنشر، دمشق، 1980.


عدد القراء: 8369

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-