شبنهاور: العالم مثل مزحة سيئةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-11-07 00:59:41

د. عبدالرحمن إكيدر

المغرب

ترجمة: د. عبدالرحمن إكيدر

 

بالنسبة لشبنهاور Schopenhauer، فإن المرارة هي السائدة، هناك شيء غير مفهوم في علاقاته مع أمه جوهانا Johanna خاصة، هل هي المسؤولة عن موت هنري شبنهاور Henri Shopenhauer، والد آرثر Arthur عندما كان هذا الأخير مراهقًا؟ ففي عمر السادسة والعشرين، تشاجر آرثر مع والدته، ولم يجتمعا بعد ذلك. وقبل هذه القطيعة، كانت قد كتبت له في إحدى مراسلاتها: «أنت كائن مثالي». تحدث شبنهاور عن أمه السيئة التي سوف تقوم في نهاية المطاف بحرمان ابنها من الميراث ومن كل حقوقه الطبيعية.

يقول شبنهاور: يولد الضحك دائمًا من تناقض الوضع، فبالنسبة له فإن العالم هو مزحة سيئة وغير متناسقة. إن الإنسان كائن مكرس لسوء الحظ والمعاناة. وقد كتب: «تتأرجح الحياة مثل رقاص الساعة بين المعاناة والملل»، هذه هي أبرز أفكاره المتداولة. يعد شبنهاور أميرًا للفكاهة السوداء، كان يمكن أن يكون مشارًا إليه في "أنطولوجيا الضحك الأسود" لأندريه بريتون André Breton. لقد عاش شبنهاور كل حياته وحيدًا مع كلابه، من أجل الاسترخاء، ولعب الناي، لقد مات عازبًا. كما أنه في سنة 1818 عندما نشر "العالم كإرادة وفكرة" لم يكتب لهذا الكتاب النجاح، وفي سنة 1820 عيّن أستاذًا في جامعة برلين Berlin. ولأنه لا يتقاضى مرتبه من قِبل الدولة، بل من قِبل الطلبة، ظلت قاعات محاضراته فارغة، مما دفعه إلى الاستقالة. في الوقت الذي كانت القاعة ممتلئة عن آخرها لمتابعة محاضرات هيجل Hegel في ذات الجامعة.

لم يكن غريبًا إذن، أن يُكنّ شبنهاور كراهية لهيجل، يعامله على أنه «كاتب سخافات» لـ«عقول خرفة»، و«هيجل له مُحيا بائع النبيذ» ... إلخ. إن شبنهاور مهووس بالقدح سواء بتألق كثير أو قليل. إن ضحكه هو ضحك المنتقم. يكتب مرة أخرى بخصوص هيجل: «هذا الفيلسوف المعيّن من طرف الدولة .... أدى إلى تبني عقيدة ثورية حيث يكون مصير الإنسان موجودًا بكامله في الدولة، تقريبًا مثل النحلة في الخلية». في المقابل، يعتقد شبنهاور أن الدولة تجعل من الرجال خرفانًا، يقول: «إن الدولة ليست إلا كمامة هدفها تحويل الإنسان بطريقة غير مؤذية من وحش لاحم إلى نوع يكون عاشبًا».

تعد "الإرادة" المفهوم الأساس عند هذا الفيلسوف، إنها إرادة عيش عمياء، إنها دفعة حيوية لا تقاوم، الإرادة هي المبدأ الذي يحكم العالم، وغالبًا ما نلحظ أن شبنهاور قد تأثر بالفكر الهندوسي، ولكنه أيضًا مقرب من التصوف والزهد. وبالنسبة للفيلسوف المزداد في دانزيغ Dantzig، فإن الخنوع وعدم الاكتراث وحدهما يمكنان من تحقيق الصفاء. إن «الهدوء الحقيقي» مرادف لـ«وقف مطلق للإرادة»، كما أن السعادة غير موجودة البتة.

غالبًا ما يكون شبنهاور مضحكًا، كما هو الحال عندما يكتب مثلاً : «ليست الحياة سوى نضال دائم من أجل الوجود، مع اليقين أن تكون الهزيمة في الأخير»، أو أيضًا: «اليوم سيء، وكل يوم سيكون أسوأ، حتى يحدث ما هو فضيع». وعن الضحك، قال جوبر Joubert مؤلف كتاب "علاج الضحك" الذي نشر سنة 1579: «إن الضحك يخدم طرد الأرواح الشريرة التي تسمم، إنه يجنب الوقوع في الحزن. إن المؤلف الكوميدي مثل فيلدينغ Fielding لم يتخل عن هذا الإسقاط: النقاد يأخذون أبواق الأطفال من أجل أبواق الشهرة».

وفي "فن أن تكون دائمًا على صواب" الذي كُتب حوالي 1830، يكشف الفيلسوف عن حيله: إغضاب الخصم، الهتاف بالنصر على الرغم من الهزيمة، استعمال الحجج السخيفة، الدفاع عن طريق العناية المفرطة والدقيقة بالتفاصيل، فذلك هو الدليل الحقيقي عن سوء النية، والتي يمكن أن تستخدم اليوم بدقة أقل في حياة المقاولة، واستهلاكها بتعقل. لقد صارت الفكاهة الغاضبة والصادقة متعبة على المدى الطويل. إن التشاؤم مضحك شريطة عدم الإفراط فيه.

أما بالنسبة لكراهية النساء عند شبنهاور، فهو أمر مشهور؛ «المرأة بحكم طبيعتها، مقدر عليها أن تطيع»، لم يتردد في كتابة ذلك في "مقال حول النساء"، أو أيضًا: «إن الذي يجعل النساء بشكل خاص قادرات على رعاية طفولتنا الأولى وتربيتها، أنهن بأنفسهن صبيانيات وعديمات الجدوى ومحدودات، يبقين كل حياتهن أطفالاً كبارًا، هو نوع وسيط بين الطفل والرجل».

لقد كان ميشيل ويلبيك Michel Houellebecq معجبًا جدًّا بـ" شبنهاور"، كثيرًا ما اقتبس منه، لقد كتب في ذكرى هذا الفيلسوف الألماني مقالاً بعنوان: "العالم مثل سوق ممتاز ومثل سخرية". كاتب آخر، هو الإيرلندي صموئيل بيكيت Samuel Beckett، الذي اهتم بنصوص شبنهاور، يكتب: «عندما نكون في القرف إلى أقصى حدّ، لا يبق إلا أن نغني».

 

________

عنوان المقال :

Schopenhauer – Le Monde Comme Mauvaise Blague

مقتبس من :

 Filippe Arnaud,Le Rire Des Philosophes, Arléa, Paris, Février 2017,pp 133- 137.


عدد القراء: 7172

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-