لماذا ننظر إلى ساعتنا اليدوية؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-10-11 22:00:21

د. فيصل أبو الطُّفَيْل

أستاذ مشارك. الدراسات العربية - الكلية المتعددة التخصصات خريبكة - المغرب

ماري دينيوي

ترجمة: د. فيصل أبو الطُّفَيْل

 

لماذا تتحكّم ردّة الفعل اللاإرادية هذه في إيقاع حياتنا؟ في ما يلي، يفكّك أربعة فلاسفة آليات هذا السلوك الذي يتكرر بشكل شبه مَرَضِيّ.

لكي لا نضيّع أوقاتنا

سينيكا (SÉNÈQUE)

(عاش بين القرنين 1 ق.م -1 بعد.م).

على الرغم من أننا نملك الوقت، فإننا نضيّع منه الكثير: تلك هي الأطروحة التي ينطلق منها سينيكا في كتابه المعنون بـ: "في قِصَرِ الحياة". فنظرنا إلى عقارب الساعة يعني إدراكنا مِقْدَارَ الوقت الذي نضيّعه في التفاهات: "قُم بحساب ما تنفقه من وقت، وأخبرنا كم منحت منه لدائن، أو متهم، أو زبون (...). ثم أَضِفْ إلى ذلك ما ضَيَّعْتَ مِنَ الأوقات في التقاعس والخمول، وستجد سنوات عمرك أقلّ بكثير مما كنت تظن". ومن ثمّ، يرى الفيلسوف سينيكا أنّ من الواجب علينا أن نقتصد في استعمال الوقت بدلاً من أن نضيّعَهُ: فالوقت من ذهب.

 لأننا لا نستطيع التماهي مع الامتداد الزمني

هنري برغسون (HENRI BERGSON)

(عاش بين القرنين 19 و20).

أن تنظر إلى ساعتك اليدوية هو دليل على خضوعك لزمن حُوّلَ إلى فضاء. كما أن قيامك بوضع جدول زمني، أو بضبط مواعيدك، ما هي إلا محاولة لتقسيم الوقت وقياسه والتموقع فيه. هذا ما يوضّحه مؤلِّف "المعطيات المباشرة للوعي". بيد أن ما سبق يتمّ على حساب الطبيعة الحقيقية للزمن، ونقصد بذلك المُدّة. والحال أن المُدّة هي ذلك التيّار المتدفّق من الوعي، والذي ليس في مقدورنا أن نتحكّم به فوريًا، والذي لا يسمح بالتعاقب. ولهذا السبب تمتصّنا الوقتية الاجتماعية بدلاً من الوقتية التي نعيشها. مع ما يحمله ذلك من إمكانية ابتعادنا عن ذواتنا.

لأننا نعيش في عصر التسارع

هارتموت روزا (HARTMUT ROSA)

(القرنين 20 و21).

يرى عالِم الاجتماع الألماني هارتموت روزا أنّ تَسَارُعَ إيقاعِ الحياة هو العلامة البارزة في حداثتنا. فنحن ننظر إلى ساعتنا اليدوية لأننا لا نطيق البطء. ولا شكّ في أنّ هذا الضغط المتسارع يشكّل محرّكًا للنموّ- وتحقيق النمو يعني أن تستغلّ كل ثانية بشكل أفضل من الثانية التي سبقتها، ومن ثمّ تحقيق الكثير في ظرف سنة واحدة-. بيد أن الزيادة المتسارعة للفُرص المُتاحة أمامنا تُشعرُنا بأننا نعجز عن إنجاز أي عمل يتطلب الصبر والأناة. وكلما تزايدت أوقات الفراغ لدينا، زاد معها شعورنا بأننا في حاجة دائمة إلى المزيد منها.

لكي نضفي طابعًا واقعيًّا على ما نعيشه

موريس ميرلوبونتي (MAURICE MERLEAU-PONTY)

(القرن 20).

يرى مؤلِّف كتاب "المرئي واللامرئي"، "أن ما سيحدث ما كان ليصبح بالنسبة إلينا واقعيًّا لو أننا لم نكن نعرف متى سيحدث". ولكن أهمية الوقت لا تكمن بالنسبة لنا فقط في كونه يمكننا من معرفة أن شيئًا ما حدث بالفعل في ساعة محدَّدَة. فهذه النظرة القلقة للساعة تحيلنا على أسئلة أخرى أكثر جوهرية، حيث تَكْشِفُ "الحركةَ العميقةَ التي بموجبها حللنا بالعالم، والتي تتكرر مجددًا لبعض الوقت". وبعبارة أخرى، يثير النظر إلى الساعة السؤال عن علاقتنا بالعالم في كُلِّيَّتِه. وفي الواقع، ليس السؤال المركزي هو: "كم الساعة؟" بل "من أنا؟". ويعد هذا الفعل - في واقع الأمر-فعلاً فلسفيًّا.

 

هوامش:

مصدر الترجمة

نُشِرَ هذا المقال باللغة الفرنسية في:

Marie Denieuil, Pourquoi regarde-t-on sa montre ? Philosophie magazine, n° 110, juin 2017, p. 76.

وبالإضافة إلى النسخة الورقية، يمكن الاطلاع على النص الأصلي بالفرنسية على الرابط الآتي:   

http://www.philomag.com/les-idees/divergences/pourquoi-regarde-t-on-sa-montre-24052

 


عدد القراء: 6107

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-