المفهوم الثقافي للغيريةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-10-03 18:35:22

أ. د. محمد كريم الساعدي

العراق - جامعة ميسان كلية التربية الأساسية

تعد الغيرية من المفاهيم الثقافية التي أخذت حيز التنفيذ اصطلاحًا في ما بعد الحداثة والتي أصبحت في مواجهة ما يسمى العقل التنويري الذي دعا إلى تأكيد مفاهيم رسخت مفهوم الواحدية في الفكر العالمي من خلال تأكيدها على المركزية في المرجعيات الثقافية الداعية على إبراز دور الفكر الغربي ومركزيته في تأصيل البعد المرجعي للثقافة العالمية، مما جعل مفاهيم ما بعد الحداثة ومنها الغيرية تبحث في ثقافات الآخر والتهميش الذي طاله نتيجة النظرة الأحادية للفكر الغربي، إذ ولّد ذلك غموضًا في تشكيل صورة  ثقافة لما بعد الحداثة في مواجهة  الضد من المفاهيم الحداثية التي تحاول فك شفراتها وتحليلها من خلال البحث في المخفي الذي يشرعن بقائها والتركيز أيضًا في الاختلاف الذي يقوض وجودها، لذلك فقد عمل فكر ما بعد الحداثة إلى تفعيل المفاهيم النقدية للعقلانية والتمركز العقلي والتراث التنويري والذات الغربية المتمركزة فيها مفاهيم التفوق وصولاً إلى كشف ومعالجة الغموض والبحث في القواعد الحداثية في سبيل إعادة صياغة طرائق التواصل معها وليس إلغائها أو استئصالها لأن نظامها يشكل جزءًا من عملية تقويمها والاستفادة منها.

لقد برز استخدام مصطلح (الغيرية) والذي يعود في الأصل إلى الكلمة الإغريقية (alterity) والكلمة اللاتينية (alteritas) ذات المركزين في المعنى على الاختلاف عن الآخر أو ما يسمى بالأخرية التي تشكل البديل الثقافي عن الأنا أو الهوية الذاتية للذات الآنوية، والذي فعَل المصطلح في فهم الاختلاف الذي طرأ في أثناء تحليل المركزية الغربية ونظرتها ضد من يقع خارجها ثقافيًا وجغرافيًا، وبالتالي انعكس على طريقة النظام السياسي والاقتصادي، وفي البنى الاجتماعية والمنظومة التمييزية على طبيعة البناء الأخلاقي للمجتمعات الخارجة عن الهوية المركزية الغربية. ومن هنا انطلقت عملية البحث في الفكر الفلسفي الغربي، وخصوصًا من بعد المرحلة التي أتت بعد المفاهيم القديمة للنظام الميتافيزيقي والمثالي ورصد التحول الحاصل في النظام الحداثوي القائم على (الكوجيتو) في التفكير والوجود والوعي بالآخر الغيري وصولاً إلى البناء ذات الطابع المتعالي في تشكيل المفاهيم النظرية والتطبيقية في معاملة الآخر الغيري ثقافيًا لذلك كان لابد أن يفرق بين الذات وموضوعها التي لا يمكن النظر إليها  بمعزل عن التصورات والمنطلقات الفكرية والثقافية في تكوين الموضوع (الآخر الغيري) الذي يقع خارجها.

إنَّ اشتغالات مصطلح (الغيرية) تقوم على البحث في الاختلاف الثقافي بين الأنا والآخر وما يميز ويفَعل المختلف بينهما في تشكيل صورة الصراع والعلاقة بينهما، وهذا الاختلاف هو من يبرر طريقة التعامل بين الذات الآنوية والآخر الغيري، بل هو من يسهم في تحديد هوية كل منهما، فالهوية في ضوء المنطلق الغيري للآخر تصبح أكثر تفعيلاً مقابل الأنا التي تسعى إلى التميز في الاستغلال الثقافي للوصول إلى إخضاع الآخر ثقافيًا، وخلق هيمنة تجعل من البحث عن الهوية الغيرية مطلب في بحث الروح الأصلية للتابع ثقافيًا، أي أن من الملاحظ سيوسيولوجيًا إن مطالب الهوية ترتفع أكثر في أوقات الأزمات والضعف والوهن، حيث الذات تكون في أشد الحاجة الاعتراف والتعضيد فالفرد يحلم أن يكون نفسه حينما لا يملك أن يفعل ما هو أفضل من ذلك انه يحلم بذاته بالاعتراف بالذات حينما يفقد كل خصوصية، وهذا الفقدان للخصوصية هو نتاج ضغط ثقافي واجتماعي وسياسي لتجريده من ملامحه وانتماءاته، وبالتالي يكون العمل على خلق مبررات تدفعه إلى التمسك بالحد الأدنى الذي يكون ركيزة فيما بعد لاسترجاع الذات المهيمنة والهوية المحجوبة بفعل الإخضاع الثقافي.

إنَّ الاختلاف الثقافي يعمل على تكريس التباين بين طرفي الصراع في جعل الهوية الثقافية من المبررات التي تدعو إلى عدم الاندماج الثقافي للانا وسلطتها في تشكيل الآخر الغيري، مما يجعل وجوده في المنظومة الثقافية الآنوية مدعاة للقلق وعدم الانسجام مع الرؤى الجديدة التي يسعى في تكوينها ثقافة المسيطر، وبالتالي سيكون عاملاً في انحراف خط التشكيل الجديد للثقافة الأعلى التي ستعمل بمجموعة من الإجراءات التي تخفي وراءها الأهداف الحقيقية في صياغة الصورة الثقافية الجديدة، أي إن الثقافة الغيرية (ثقافة الاختلاف) ستجعل من مفهوم الآخر الغيري يقع تحت تصنيف استعبادي يقتضي إقصاء كل ما لا ينتمي إلى أي نظام فرد أو جماعة أو مؤسسة، سواء كان النظام قيماً اجتماعية أو أخلاقية أو سياسية أو ثقافية، ولهذا فهو مفهوم مهم في آليات الايدلوجيا، ولعل سمة (الآخر) المائزة هي تجسيد ليس فقط كل ما هو غريب (غير مألوف) أو ما هو (غيري) بالنسبة للذات أو الثقافة ككل، بل أيضاً كل ما يهدد الوحدة والصفاء، وبهذه الخصائص امتد مفهوم (الغيرية) هذا إلى فضاءات مختلفة من التعامل الثقافي مع الآخر الغيري سواء أكانت اجتماعية أم سياسية أم ثقافية أم نفسية ..الخ.

إنَّ معطيات التصور في بناء الاختلاف البيني في علامة الأنا والآخر الغيري تستنطق جذور البناء المختلف عليه في ما بينهما، وخصوصًا في الجانب الغيري الذي يؤكد حضوره  من خلال مرجعيات الهوية الغيرية التي يحاول تأكيدها في العلاقة الثقافية المبنية على نظرة إيديولوجية تعمل على تحقق الأفعال ودوافعها في الإرث الحضاري عند الآخر، لهذا يعمل الغيري في تعديل المعادل بينه وبين الأنا من نظرة التحقيق في البنى التي يريد حضورها في العلاقة غير المتوازنة مع الأنا، لذلك يحاول الدفع بكل مرتكزاته في بناء آفاق جديدة على وفق علاقات اقلها تقوم على استثمار الفضاءات المتخيلة في العلاقة من جهة الآخر، أي أن الغيرية عند الآخر تنبني على مرتكزات العرق والجنس والدين واللسان، الأهم أن تنهض على شبكة من القيم التخيلية التي تستثمر العلاقات غير المتوازنة بين الأطراف المشكلة (...) الخاضع لشروط انتماءات ثقافية معقدة، بمستويات الصراع الأزلي بين الذات ومحيط الفتها (أو غربتها)، وبناء على ذلك فان التشكيل الجمالي لـ (الغيرية) يضحى محصلة لتفاعل العلاقات النصية، التي من شأنها أن تنتج (تراثًا صوريًا) لصلات الذات بالآخرين، وهذا التراث الصوري يصنف بحسب نوع العلاقة وطبيعتها وأهم ما تشكله في الوعي الغيري من أثر في تحديد وتصنيف الدال المبعوث على وفق هذه العلاقة، لذا تضمن هذا التصنيف الصوري في بناء أنماط صورية قائمة على مستويات مختلفة من التعبيرات لتشكيل منظومة علاماتية تنتج صيغ معرفية جديدة في ضوء كل نمط من الأنماط التي تخضع لإجراءات التحول والانتقال الفارقة للوقائع الموضوعية، إذ  أن من أنماطها الصور الرمزية (Embiem) التي تنطوي على اختزال تكثيفي لمغزى أخلاقي والصور الكاريكاتورية المتضمنة لفعلي التحوير والتشويه بقصد السخرية والإضحاك، والصور النمطية (Cliche) التي تحضر في سياق أسلوبي معين حاملة معها مقومات جاهزيتها بقصد تضمين (حكم قيمة)، ثم (الصور الثقافية والصور الأسطورية التي تشير كلها إلى نمط الرؤية الذاتية لكيانات الغير). لذلك فأن طبيعة العلاقة بين الغير والذات الآنوية تصنع على وفق ما يريده الأنا في تحديد الأشكال المصنوعة والموصوفة في إطار الذاتية، وليس الموضوعية إذا كانت هذه العلاقة في إطار تنافسي في تحقيق وتثبيت مديات التفوق الذاتية اتجاه الآخر، حتى إن طريقة التدرج الصوري على وفق بناء وتشكيل مركزي في تعميماته وتوصيفاته للهوية الغيرية تقع كلها في دائرة الأحكام الواحدية في إنتاج العلاقة وشكلها وطبيعتها من أجل الاستمرار في تأكيد لها في الجوانب الثقافية والإيديولوجية للعلاقة بين الطرفين.

إنَّ الصورة الغيرية التي يظهر فيها الآخر الغيري من وجهة النظر الغيري هي ثلاثة، تصنع مفهوم الآخر ومعناه في المنظومة الثقافية وهي:

1. الآخر الغيري ألضدي الذي يرى بأنه يقع تحت الانتقاص والتقليل من قبل الذات الآنوية وإعلاء قيمتها الثقافية أمامه.

2. الآخر الغيري المشهدي الذي يعمل على صناعة صورة مثالية مكتملة ومسيطر عليها، وهذه الصورة تأتي على وفق مفهوم العالم النفساني الفرنسي (جال لاكان) في المرحلة المرآوية وتحقيق الذات.

3. الآخر الغيري الرمزي الذي يحقق كينونته من خلال (القول) في استخدام نظام تمثيلي يسبق وجوده الفعلي، وهذه العناوين الثلاثة للآخر الغيري تجعل من وضعه في داخل المنظومة الثقافية يقع في ثلاثة أنواع من التواجد يمكن أن تحقق الوجود في المسافة الغيرية أمام الذات الآنوية، أي أن نقطة الانطلاق تبدأ من تحديد الوضع الثقافي ألضدي أو الاختلاف الثقافي من الذات الآنوية التي تعمل دائمًا على تثبيت قيمتها الثقافية المنقصة لوجود الآخر الغيري، ثم يعمل على صناعة وجوده الغيري والسيطرة عليه في المسافة الغيرية ضد الذات الآنوية وثالثًا يعمل على تحقيق ما لا يمكن الوصول إليه من خلال النظام الرمزي والنظام التمثيلي للظهور في الوجود العقلي للموضوع الآنوي الثقافي للذات المسيطرة ثقافيًا.

إنَّ الاشتغال الثقافي بين طرفي الصراع الذي يحدث ويحدد ملامحه في المسافة أو الفضاء الذي يبني فيه كلا الخطابين الآنوي والغيري، يتشكل على وفق الموضوع الذي يريد كل منهما تحقيقه تجاه الآخر في تأكيد الصياغة والتكوين لهذا الموضوع من حيث ظهور كل طرف ثقافي لإمكانياته في تثبيت الصيغ الثقافية التي تعمل على جعل، الموضوع داعمًا في نقد وإضعاف دلالات الطرف الثاني، لذلك يجب أن يحدد طبيعة العلاقة مع الموضوع وخصوصًا في مسألة الاختلاف الثقافي أو الظهور الثقافي التي يحاول الغيري تأكيده في ظل التعميمات الثقافية وصورها للذات الآنوية وهويتها المسيطرة على المشهد الذي يقع فيه الموضوع، والتي تحاول الهوية الغيرية إثبات غيريتها وعلاقتها بموضوعها، لذا فأن كل موضوع حالما يغدو مموضعًا Thematise على الصعيد المعرفي يبقى مموضعًا بصفته يمتلك هوية أصلية نوعية، لمجرد السبب أن التنبه المعرفي هو على مستواه البدائي الأكثر  فعالية لتحديد الهوية الغيرية، بما أن حقيقة الواقع تقبل تقطيعات متبادلة وأن هذه الحقيقة بهذا المعنى  تلبث دائمًا نسبية، فإن تحديد ملامح الوجود الثقافي في الموضوع ذاته عائد بحسب مقبولية هذا الموضوع عند الآخر الغيري في المساهمة بحسب أهداف هذا الوجود المعرفي، والعمل على تشكيل الإطار المعرفي، أو حتى إيجاد ثغرات ثقافية يعمل الغيري إلى العبور من خلالها أو التسرب عن طريقها إلى ذات الموضوع والظهور فيه، حتى وان كان هذا الظهور هو لأجل الاختلاف الثقافي الداعم للوجود الثقافي الغيري، وهنا تحدد ملامح الهوية الغيري على وفق العلاقة في الفضاء أو المسافة المراد العمل عليه يكمن في نقطتين هما:

1. علامات التنبه لذات الموضوع.

2. سلوك الاندراج المعرفي في العلاقة مع الموضوع ذات الدلالات الثقافية الذي يشكل طبيعة العلاقة بين الأنا والآخر الغيري.

إنَّ وجود الأثر الغيري في داخل الموضوع، هو وجود تمثيلي الذي يؤكد على فعل تضمين الوجود الغيري عن طريقة محاكاة الهوية الآنوية من أجل هدفين هما: التواجد في المساحة التي يقع فيها الفعل الآنوي من جهة، وكذلك العمل على تأكيد الاختلاف لمشروعية الأهداف التي يعمل الحضور الآنوي على تثبيتها وتفكيك صيغها، لذلك فأن الأثر التمثيلي للوجود الغيري يعمل على الحضور المزدوج في داخل الموضوع لتفكيك هوية الموضوع الآنوي ووجود ذاته الحاكمة في الموضوع للوصول إلى خلخلت الأهداف الخفية للذات الآنوية الكامنة وراء الموضوع، ومن هنا يكون للوجود التمثيلي الغيري في المساحة بين طرفي الصراع وجود مزدوج لغايات غيرية، أي إن الإشكال ينبثق من خاصية الازدواج التي تسم التمثيل، حيث يتمفصل على حدود التوتر بين نوعين مختلفين، ولكن أهمية معنى التمفصل المزدوج لا تقتصر على الجانب الاستطيقي  الذي ينتج عن عملية الأسلبة بين وعيين مختلفين، ولكنه يطال تفكيك الذات الآنوية وما ترمي إليه من مقاصد في شرعنة وجودها في المساحات والفضاءات الأخرى المناوئة لها ولقيمها المتمركزة في جعل الآخر الغيري تابع لمنظومة الوعي المركزي للثقافة المسيطرة (الثقافة الآنوية).

إنَّ الوجود الغيري في ذات الموضوع يتطلب أن يكون قادرًا على ممارسة إمكانيات اللعب في تمثيله في داخل الموضوع، من أجل خلق توتر يجعل الحضور الآنوي حضورًا غير مستقر لأجل خلق الفراغات في داخل الفضاء الذي تقع فيه عملية تكوين الموضوع، لذلك يكون توتر اللعب التمثيلي للوجود الغيري وأثره في سياقات تكوين الموضوع،  ينعكس في علاقته مع الحضور الآنوي في تحقيق مقاصده التي يعمل لأجلها في تأكيد حضوره في داخل الموضوع، ومن هنا فان اللعب الذي يقدمه الوجود الغيري في الموضوع هو "تمزيق للحضور، فحضور عنصر ما هو دائمًا مرجع دال واستبدالي مرقوم في نظام الاختلافات، وفي حركة سلسلة ما، أن اللعب دائماً هو لعب غياب وحضور، ولكننا إذا أردنا أن نفكر فيه جذريًا، فيجب أن نفكر فيه قبل تناوب الحضور والغياب، ويجب التفكير في الكائن كحضور وغياب انطلاقًا من إمكانيات اللعب وليس العكس، أي إمكانيات وجوده في ذات الموضوع وتمثيله الذي يمنح إمكانيات إيجاد مساحات كافية للظهور التمثيلي واللعب في تأكيد ذاته كوجود غيري قادر على تفكيك الذات الآنوية في الموضوع من خلال لعبة إظهار المخفي وقلب المعادلة بين الحضور والغياب بين الدوال الآنوية والغيرية.

إنَّ الوجود الغيري في ذات الموضوع الذي يعد ساحة صراع مع الذات الآنوية، يعمد إلى إيجاد متقابلات تجاه ما تقدمه الذات الآنوية في الموضوع، وهذا التقابلات هي التي أوجدها الآخر الغيري من خلال ما يريد تأكيده من حضور غيري في ذات الحضور الآنوي، أو بمعنى يريد أن يسعى إلى إظهار ما هو مخفي من وراء الأهداف التي عمل المسيطر ثقافيًا على فرضها في ذات الموضوع، ومن هنا يمكن تحديد بعض المتقابلات في داخل لعبة الحضور والغياب في ذات الموضوع، فإن الغيري يعمل على زحزحة الشكل المتصل والمقفل من خلال اللاشكل المتقطع والمفتوح، ومقابل القصد يأتي اللعب في ذات الموضوع من أجل تفتيت المقاصد التي يعمل عليها الأنا في الموضوع، ويعمل الغيري على الاشتراك في المسافة لإظهار إن المسافة هي ليست خاضعة ثقافيًا للآنا، في حين أن الأنا  يعمل على تأكيد واحديته في المسافة دون منافس ثقافي فيه، كذلك فأن الذات الآنوية (الأنا) تعمل على مفهوم الشمولية والتركيب ويقابلها التفكيك والنقض لهذه الشمولية والتفكيك للتركيب في صياغات الموضوع، كما أن تناثر الموضوع الذي يعمل عليه الآخر الغيري من أجل الاشتراك وخلق الثغرات، تعمل الذات الآنوية على التمركز في الموضوع، إنَّ هذا التمركز جاء نتيجة للسبب الذي يعود إلى الأصل في تكوين هذا التمركز، في حين أن الآخر الغيري يعمل على فعل الاختلاف مع الأصل وعلى الأثر لهذا الاختلاف والعمل على البحث في الدوال التي تحمل في داخلها أسباب مهمة في تفكيك المدلولات لتأكيد على تقديم قراءة أخرى خاطئة عن القراءة المتمركزة في الوعي ألقصدي للذات الآنوية أي تقديم تفسير ضدي آخر مناقض لتفسير الذات الآنوية.

إنَّ مفهوم الغيرية يأتي كموقف فكري وثقافي (إيديولوجي وسوسيولوجي) بالضد من الرواية الرسمية التي تقدمها السلطة أو الذات الآنوية المسيطرة على المشهد الثقافي الذي يعد الآخر هو الطرف المسيطر عليه في هذا المشهد. وتنطلق كاشتغال ثقافي معرفي في الحقل الثقافي ما بعد الحداثي الذي يعمل على تقويض المفاهيم الثقافية الحداثوية التي كانت للعقل التنويري مفاهيم السيطرة الثقافية على الآخر الغيري الذي يقع خارج جغرافيتها الثقافية والمعرفية. ويتمظهر مفهومها في دائرة الصراع الثقافي والمعرفي بحسب لحظة الظهور الغيري في هذا الصراع مما يجعل من ظهوره عاملاً يحدد المسافة أو الفضاء الفكري والثقافي بين طرفي الصراع (الأنا/الآخر)، وتكون لحظة الظهور الغيري هي من أجل تثبيت المفاهيم والقيمة الغيرية التي عملت الذات الآنوية على إخفائها أو تغييبها لصالح الثقافة الآنوية للذات المسيطرة. إنَّ الغيرية تعمل على إيجاد أثر للآخر في داخل موضوع الصراع وهو وجود تمثيلي يؤكد هدفين، هما: التواجد في الساحة التي يقع فيها الفعل الآنوي، وكذلك يعمل على تأكيد الاختلاف الغيري في الأفعال الذاتية الآنوية المسيطرة. وتتخذ غيرية الآخر من إمكانيات اللعب والتمثيل في داخل الموضوع أسلوب للظهور في مواجهة مفاهيم التمركز والتموضع والقصدية التي ترتكز عليها الذات الآنوية في تثبيت صورة الغيري المشوهة ثقافيًا. تعمل غيرية الآخر على إيجاد متقابلات في ظهورها الثقافي في مسافة الصراع الفكري في الضد من الذات الآنوية تعمل على إظهار المخفي، وتأكيده في الأشكال الثقافية المتصارع عليها بين (الأنا / والآخر)، وذلك من أجل العمل على صنع الاختلاف الثقافي وكذلك لتفكيك المفاهيم الآنوية المكرسة لفعلي السيطرة والتحكم بالآخر الغيري.


عدد القراء: 4997

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-