«لم نعد وحدنا في العالم» يحكي عن ورثة النظام الدولي ووكلاءه

نشر بتاريخ: 2016-11-13

فكر – المحرر الثقافي:

 

الكتاب: "لم نعد وحدنا في العالم، النظام الدولي من منظور مغاير"

المؤلف: برتران بادي

المترجم: الدكتور جان جبور

الناشر: مؤسسة "الفكر العربي"

 

عن مؤسسة "الفكر العربي" وبترجمة الدكتور جان جبور صدر كتاب "لم نعد وحدنا في العالم، النظام الدولي من منظور مغاير" بالعربية. فيه يستكمل المؤلف برتران بادي، وهو أحد أهمّ الباحثين في العلاقات الدولية، المشروع الذي بدأه سابقاً في تفكيك النظام الدولي الراهن ونقده، وكانت الحلقة الأخيرة في كتابه الشهير "زمن المذلولين" (2014).

يرى الكاتب برتران بادي أن العالم الأوروبي اخترع، منذ عصر النهضة، نظاماً دولياً لا نزال جميعاً إلى اليوم ورثته ووكلاءه. ولكن، في الوقت نفسه، كان يُبلور ويُبنى كنظام مقفل، وكنادٍ منغلق على ذاته وغير قادر على التفكير في من هم خارجه، ولا التفكّر بالعولمة الآتية طبعاً. يوضح الكاتب أن هذا الانغلاق كان مفهوماً في زمن كانت فيه الاتصالات بين القارّات محدودة جداً، لكنه سرعان ما أفضى إلى التجاوزات كافة، لا سيما إلى هذا الاختراع المريع لفكرة العالمية التي قادت إلى تقييم الآخر من خلال تماثله المتدرّج مع صورة الأوروبي. في أعقاب ذلك، أُرتكبت التجاوزات كافة: الاستعمار، هرمية الثقافات، معايير حضارة متفوقة، ويبقى في النهاية عدم القدرة الهائلة على تقبّل الآخر.

تعقّدت الأمور بسرعة كبيرة في القرن العشرين، إثر عملية إنهاءٍ للاستعمار عنيفة وفاشلة، واتّباعٍ قسري في البلدان التي نالت الاستقلال لنموذج غربي للدولة لا يتطابق مع تاريخ تلك البلدان، ما أدّى بالتالي إلى مزيد من التسلّط وإحلال حاكمية عالمية لم يطرأ عليها أي تحسين تقريباً، استبعدت بكل بساطة قارّات بأكملها. في غضون ذلك، أتت العولمة لتسرّع كل شيء، وتضخّمه، وصولاً إلى استثارة أشكال مأساوية من العنف الدولي. وها نحن اليوم ندفع الثمن!

إصلاح الدبلوماسية

للخروج من هذه الدوّامة العقيمة والخطيرة، يقترح بادي في كتابه "لم نعد وحدنا في العالم، النظام الدولي من منظور مغاير" الالتفات إلى الدبلوماسية بشكل أساسي للعمل على تطويرها وإصلاحها. نبدأ أولاً بوضعها على السكّة الصحيحة، والتحدّث إلى الجميع، والنظر إليها لا كأداة للعقاب، أو لتعزيز الذات أو للخطابة، بل لإدارة الأزمات. إنها تقنية الطوارئ التي لا يجب أن تستجيب لأية عقلانية سوى تلك التي تهدف إلى الانكباب على التوتّرات لأجل الحدّ منها.

مهمتها أيضاً، بحسب الكاتب، تكمن في إحياء التفاوض الذي نرى مساحته تتقلّص على مرّ الأيام. أما العولمة، فعليها أن تعلن عن تكافؤ المصائر البشرية، وعن حق الجميع بالتساوي في المشاركة في حُكم العالم، وإصلاح نظام اجتماعي عالمي يعاني تفاوتات اجتماعية- اقتصادية ظاهرة للعيان أكثر فأكثر، وهي أصبحت غير محتملة. وبالتالي، فإنها تتّسم بالخطورة، والتركيز على المُلكيات المشتركة، الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، التي يتوقّف عليها بقاء الكوكب، والتي تتعرّض للانتهاك من الأنانيات الوطنية التي تتستّر تحت الشعار المحبّب "الدفاع عن المصالح السيادية". أما أهم منحى فيتمثّل بسياسة القبول بالآخر التي يحتاج العالم إليها، وهي ليست خيالية ولا هي فعل إحسان. إنها تفترض أولاً إعادة تحديد السيادة وتجديدها، لأنه لم يعد بوسعها في زمن العولمة أن تكون مرادفاً للانغلاق والانطواء، وإنما يجب أن تتجسّد بالمطالبة بحق كل دولة في المساهمة بشكل متساوٍ في بلورة مفهوم العولمة. إنها تنطوي على وضع حدّ نهائي لأي شكل من أشكال التدخّل من جانب واحد. عليها أن تعيد الاعتبار إلى الفاعل المحلّي والفاعل القريب الاجتماعي والسياسي، كي يتمكّن من ممارسة حقه كاملاً في المشاركة في إدارة الأزمات التي تعصف به. كذلك تتطلّب تفعيل المعالجة الاجتماعية للأزمات في مواجهة هذه الحروب الجديدة التي تنشأ من التفكّك الاجتماعي والمؤسساتي أكثر من التنافس القائم على القوة، والذي لا تستطيع الأدوات العسكرية التقليدية التأثير فيه بأي شيء.

ويوضح المؤلف أن سياسة القبول بالآخر تستند في نهاية المطاف إلى فرضية المنفعة، وتجد صدى لدى الفاعل السياسي لأنها تتيح له توفير إمكاناته، والحدّ من التكاليف المقدّرة بمئات مليارات الدولارات التي أُنفقت منذ نهاية الحرب الباردة لأجل تمويل تدخّلات عسكرية لم تحقّق أياً من أهدافها. كذلك تتيح له في وجه المخاطر التي تُحدق بالمستقبل أن يضمن بفاعلية أكبر احتواء العنف الذي يهدّد الغد، وأن يعيش على سطح كوكب يمكن التحكّم به. وحده هذا السلوك يمكن أن يضمن عالماً قائماً على الاستقرار.

ترتبط سلامة كل فرد الآن بسلامة كل الآخرين، كما يبيّن الكاتب، وأصبح من الوهم النظر إلى الأمور من خلال الأسوار والحصون. فحين نعمل على تأمين الأمن للآخر، نكون نعمل على تأمين سلامتنا الخاصة. لكن أمن الآخر لا يمكن الوصول اليه إلا من خلال الاحترام الذي نكنّه له وإمّحاء الذات الذي نُظهره له. فعالم يرغب في العيش بسلام لا يمكنه بلوغ ذلك إلا على مستوى شامل، ومن خلال الاعتراف الكامل بالآخر.

المؤلف والمترجم

المؤلف برتران بادي أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس. صدرت له مؤلفات عدة تُعتبر مرجعاً في العلاقات الدولية، وتُرجم معظمها إلى اللغة العربية. من آخر إصداراته: "دبلوماسية التواطوء" (2011)، "الدبلوماسي والدخيل" (2008)، "عجز القوة" (2004، أُعيدت طباعته 2014)، "زمن المذلولين" (2014). شارك في تحرير "الموسوعة العالمية للعلوم السياسية" (2011).

أما المترجم جان جبور، فأستاذ في الجامعة اللبنانية، وباحث ومترجم. له مؤلفات عدة، من بينها: "الشرق في مرآة الرسم الفرنسي"؛ "النظرة الى الآخر في الخطاب الغربي"؛ "معجم المنجد الفرنسي-العربي الكبير". كذلك له أكثر من عشرين كتاباً مترجماً، من بينها: "الخوف من البرابرة" لتزفيتان تودوروف؛ "مذكرات جاك شيراك: كل خطوة يجب أن تكون هدفاً"؛ "أطلس العولمة" لماري- فرنسواز دوران وبنوا مارتان؛ "الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى" لدومينيك بارتيليمي؛ "زمن المذلولين، باتولوجيا العلاقات الدولية" لبرتران بادي.


عدد القراء: 3084

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-