محطّات في تاريخ العملة والنقود في الكويت

نشر بتاريخ: 2018-08-24

المحرر الثقافي:

الكتاب: "محطّات في تاريخ العملة والنقود في الكويت"

المؤلف: محمّد عبد الهادي جمال

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب

"محطّات في تاريخ العملة والنقود في الكويت" هو عنوان الكتاب الصادر حديثاً للباحث الكويتي محمّد عبد الهادي جمال (1942) عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في العاصمة الكويتية باللغتين العربية والإنكليزية، والذي يعود فيه إلى القرن الثامن ليرصد بدايات تأسيس بلاده كيان مستقلّ، إثر ازدهار الحركة التجارية مع الجوار.

يستهل محمد عبدالهادي جمال كتابه "محطات في تاريخ العملة والنقود في الكويت" بالحديث عن أول عملة تداولها الناس في الكويت، ويقول ضمن هذا الإطار: "يعود تاريخ أول عملة استخدمت في الكويت إلى نحو العام 300 قبل الميلاد، وكشفت حملات التنقيب في فيلكا في 1958 و1959 بعض النقود منها ثلاث قطع نحاسية، أحدثها ضربها "سلوقس الأول" باسم الإسكندر الأكبر (310-300 قبل الميلاد) أما القطعتان الأخريان فمن عهد أنطيوخوس الثالث (223-187 قبل الميلاد)".

يتابع: "كذلك اكتشفت بعثة الآثار الدنماركية في العام 1961م قطعة نقدية قديمة في جزيرة فيلكا تحمل على أحد وجهيها صورة "أنطيوخوس" الثالث، حاكم الإمبراطورية السلوقية، بينما نقشت على وجهها الآخر صورة الإله "أبوللو" الذي كان يعتبر حامي الأسرة السلوقية. عُثر أيضاً على 12 قطعة نقدية أخرى تحمل صورة "البطل هرقل" على أحد وجهيها، وصورة الإله "زيوس" على وجهها الآخر. وهذه النقود مسكوكة باسم الإسكندر الأكبر. ويسود الاعتقاد بأنها ضربت في جزيرة فيلكا، وإن كان ثمة اعتقاد آخر بأنها ربما ضربت في «جرها»، وهي مدينة مقابل البحرين".

وفي العام 1984م اكتشفت البعثة الفرنسية، كما يوضح المؤلف، أعداداً أخرى كثيرة من العملات الفضية من الفترة "الهلينستية" ضربت في فترة ما قبل الميلاد، يحمل بعضها صورة الملك فيليب، والبعض الآخر صورة الملك سلوقس الأول، وأخرى الإسكندر المقدوني.

حركة تجارية

ويشير جمال في إصداره إلى بداية تأسيس الكيان المستقل للكويت، ويقول ضمن هذا الصدد: "راجت في الكويت عملات عدة في بدايات مراحل التأسيس، عندما بدأت خطواتها الأولى نحو تأسيس كيان مستقل مع بداية القرن الثامن عشر. كان يشار إليها بالقرين وازدهرت فيها الحركة التجارية، وصارت سفنها المصنوعة محلياً تجوب البحار متوجهة شرقاً إلى الهند وموانئ فارس، وغرباً إلى عمان واليمن وشرق أفريقيا لجلب مختلف أنواع البضائع، ما أدى إلى رواج عملات تلك البلدان في الكويت، وأخيراً الروبية الهندية، التي أصبحت تدريجياً العملة الوحيدة المستخدمة في الكويت بعد الحرب العالمية الأولى".

ويستطرد المؤلف في الحديث عن العوامل التي أدت إلى رواج تلك العملات محلياً، مشيراً إلى تحوّل الكويت تدريجياً إلى مركز تجاري لاستيراد مختلف أنواع البضائع من الهند وشرق أفريقيا، وإعادة تصديرها إلى الدول المجاورة، كذلك عدم توافر عملة محلية رسمية يتداولها السكان. وكان الكويتيون لا يفضلون أية عملة من العملات المذكورة على الأخرى لمعرفتهم بقيمتها، كذلك كان التجار يقبلون تسوية معاملات الدفع في ما بينهم بأي من تلك العملات.

طويلة الحسا

تشبه هذه العملة "مشبك الشعر" الذي تستخدمه النساء وهي من النحاس أو الفضة، تداولها السكان في نهاية القرن السابع عشر الميلادي وبداية القرن الثامن عشر في الأحساء، وكانت من أولى العملات المستخدمة في الكويت. تعادل قيمة كل قطعة منها وزنها من المعدن المصنوعة منه. وكان الناس يتداولونها كأي عملة أخرى للبيع والشراء. وتحدث الرحالة بالغريف (plgrave) عنها في كتابه المطبوع في العام 1866م، ووصفها بأنها تتكون من عمود صغير من النحاس أو الفضة طوله إنش أو أطول بقليل، يتشعب من إحدى نهايتيه، وتساوي كل ثلاث قطع نحاسية منها قرشاً عثمانياً.

الليرة العثمانية

يشير المؤلف إلى أن الدولة العثمانية بسطت سيطرتها على معظم البلدان العربية في الجزيرة العربية والشرق الأوسط إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ما ترتّب عليه استخدام عملتها في معظم تلك البلدان كعملة وحيدة، ما عدا عدد من بلدان الجزيرة العربية التي كانت تستخدم عملات مختلفة، من بينها العملة العثمانية، والروبية الهندية، والريال النمساوي (ماريا تيريزا)، وعملات محلية سكت باسم شيوخ وسلاطين تلك البلدان. ويوضح أن الليرة العثمانية الذهبية كانت تصل إلى بلدان الخليج والجزيرة العربية كعملة تجارية، بينما يجري التعامل بالفئات الفضية والنحاسية إن توافرت، كذلك كانت الحال بالنسبة إلى بقية العملات الأخرى الرائجة في هذه البلدان.

ونظراً إلى قرب الكويت من العراق، الذي كان يستخدم العملة العثمانية كونه تحت الحكم العثماني آنذاك، وإلى النشاط التجاري الكبير الذي كان يربط البلدين، فإن العملة العثمانية راجت في الكويت آنذاك من بين العملات الأخرى التي كانت مقبولة للتداول.

ريال ماريا تيريزا

يوضح جمال أن الريال النمساوي، أو ريال ماريا تيريزا، الذي كان يُطلق عليه محلّياً اسم "الريال الفرنسي" كان من أوائل العملات الرائجة في الكويت منذ أيامها الأولى إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، نظراً إلى القوة المالية لتلك العملة، وانتشارها في مختلف بلدان العالم كعملة تجارية قوية ومعروفة منذ العام 1740م. فقد نالت قوة وسمعة عالمية، وصارت متداولة خارج حدود الإمبراطورية النمساوية من الشرق إلى الغرب، واستمر ذلك لنحو قرنين من الزمان بعد وفاة الإمبراطورة ماريا تيريزا. وتحمل العملة صورة الإمبراطورة على أحد وجهيها، بينما يحمل الوجه الآخر شعار إمبراطورية النمسا.

الجنيه الذهبي

ومن العملات الأخرى التي سادت في الكويت الجنيه الذهبي الإنكليزي، كذلك الجنيه الذهبي الفرنسي، واستخدم الأخير لإنجاز المعاملات التجارية ذات القيمة المرتفعة بين الكويت والهند وغيرها، في ظل غياب الفئات الورقية من النقد والشيكات. وكان للازدهار التجاري بين البلدين، ونقل الكميات الضخمة من التمور إلى الهند في السفن الكويتية وعودتها محملة بالبضائع المختلفة بالإضافة إلى المتاجرة باللؤلؤ من التجار الكويتيين وبيعه في أسواق الهند أثر كبير في دخول الجنيه الذهبي الإنكليزي إلى البلاد كعملة ذات قيمة مرتفعة لإنجاز المعاملات التجارية من هذا النوع.

ويستطرد جمال في الحديث عن العملات التي شهدت تداولاً كبيراً ومنها العملة الزنجبارية والبيزة العمانية والريال البرغشي الذي يتكون من 136 «بيسة» ويساوي روبيتين هنديتين، وكانت البيزة العمانية تحمل صورة ميزان على أحد وجهيها، واسم السلطان برغش على الوجه الآخر وسُكت في العام 1822م، فيما حملت البيزة التي سكت لاحقاً (في العام 1887م) اسم زنجبار بدلاً من السلطان.

أما البيزة العمانية فهي أول عملة عمانية محلية سُكت في العام 1893م في عهد السلطان فيصل بن تركي آل بوسعيد، وهي تتكون من فئة "البيزة" و"الآردي" وقد كتب على أحد وجهيها "ضرب في مسقط" والعام الهجري الذي سكت فيه، بينما كتب على الوجه الآخر "فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان إمام مسقط وعمان". وقد سُكت أنواع منها في ما بعد.

أول محاولة لإصدار عملة وطنية كويتية في عام 1886

كانت أول محاولة لإصدار عملة وطنية كويتية في العام 1304 هـ (1886م) في عهد الشيخ عبد الله بن صباح، الحاكم الخامس للكويت الذي أمر بسك عملة نحاسية من فئة "البيزة" ونُقش على أحد وجهيها اسم الكويت وتاريخ الإصدار (1304هـ)، بينما حمل الوجه الآخر إمضاء الشيخ عبدالله الصباح.

سكتها محلياً محلات الصفارين (النحاسين) في الكويت، ولما كانت أشكال قوالب السك اليدوية مختلفة، فاختلف شكل القطع بعضها عن بعض. وكان وزن القطعة خمسة غرامات، ومتوسط قطرها بين 20 و22 مليمتراً وقد استمرت في التداول لفترة قصيرة ثم سُحبت من الأسواق.

واستخدمت الكويت كثيراً من الروبيات الهندية حتى عام 1961م عندما صدر الدينار الكويتي.


عدد القراء: 3589

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-