كيف نحن؟.. سلطان العادة ونموذج تغيير

نشر بتاريخ: 2015-08-11

فكر – الرياض:

من الآراء الشائعة التي تتكرر حول سلوكيات البشر أنهم يتصرفون مثلما يفرض عليهم سلطان العادة. وبالتالي فإن الطبع يغلب التطبّع وما تمثلناه من عادات وأنماط سلوك من الصعب تغييره وتبنّي أنماط سلوك جديدة. وبالتأكيد ليس قليلاً عدد أولئك البشر الذين راودت أذهانهم رغبة تغيير «نهج حياتهم».

هل يستطيع الإنسان أن يخرج من قوالب السلوك التي امتلكها عبر مسيرة حياته ومن خلال مرجعيات مختلفة تبدأ بالمدرسة وتتعزز عبر المدرسة والمجتمع والمرجعيات الفكرية والإيديولوجية؟ على مثل هذا السؤال يجيب فانسان ديراي، المعالج النفساني البريطاني، بالقول «نعم«.

وهذا ما يشرحه في كتابه الذي يحمل عنوان «كيف نحن»، والذي نال بسرعة فائقة مكانة متميّزة في قوائم الكتب الأكثر انتشاراً في العالم الأنكلوسكسوني. المادة الأساسية التي يعتمد عليها في شرحه لذلك تتمثل بتجربته الخاصّة كما عاشها «بحثاً عن ذاته» عبر «الخروج من الرتابة»، كما يكتب. ويشرح أن البشر «يعيشون القسم الأكبر من حياتهم بشكل آلي ــ أوتوماتيكي ــ في عوالم صغيرة من الروتين المــــريح إلى هـــذه الدرجة أو تلك».

يســـرد فانســـان ديراي تجربته تلك منذ البداية. أي منذ أن تكوّنت في رأسه كفـكرة لفترة من الزمن، قبل أن يتوصّل وهو في الأربعين من عمره لقرار حاسم هو أنه سوف يغيّر مسار حياته، و«يختار» ما يريد أن يفعله. هكذا لم يتردد في بيع منزله الواقع في الضاحية الجنوبية لمدينة لندن والرحيل إلى مدينة «أدنبورغ»، حيث «انزوى مع نفسه» في غرفة صغيرة بأفق البقاء وحيداً لمدّة عامين كاملين.

كان وراء مـثل ذلك القرار أنه سوف يقـــوم في «عزلته الاختيارية» بتأليف كتـــاب، كما حلم دائماً. لكنه يحدد مباشرة القول أو ربما «الانعزال عن الآخرين للتفكير في تأليف كتاب». هكذا أمضى طيلة العام الأول والأعوام التي تلته بين جدران غرفته الصغيرة وهو «يجمع المعلومات» ويدوّنها في منظور تأليف الكتاب الذي «وعد نفسه فيه». بل يشير إلى أنه شرع بمثل ذلك الجمع للمعلومات قبل عشر سنوات من تركه للندن.

لكن بعد خمس سنوات من العزلة لم ير الكتاب النور بل بقي «مخزّناً» في ذاكرة «الحاسوب الشخصي» لصاحبه الذي لم يتحدث عن عمله مع أحد، وتعامل مع الأمر كأنه فصل ختامي في تجربة «معترضة» في سياق حياة إنسان. بل عاد فانسان ديراي للعمل كباحث في إحدى الجامعات. لكنه تجرأ أخيراً على أن يطلب من صديق قديم كان قد عمل لعدّة سنوات صحافياً في مجلّة «غرانتا» رأيه في الكتاب.

من هنا كانت بداية مغامرة «تغيير نهج الحياة» والانتقال من مهنة «المعالج النفساني» إلى مهنة «الكاتب». لقد أبدى ذلك الصديق إعجابه الشديد وتبعه في ذلك العديد من الأشخاص بعد قراءة المخطوط.

ثمّ تتالت بسرعة عروض دور النشر على ذلك المؤلف «المغمور»، كما يعبّر هو نفسه، ليقع الاختيار في النهاية على الناشر «آلن لين»، أحد فروع دار نشر «بنغوان» الشهيرة. وتمّ عندها نشر العمل.

«تغيير نهج الحياة» هو بالتحديد والدقّة موضوع هذا العمل. لكن المؤلف يؤسس خلفية عمله على شرح التكدّس الحضاري الطويل الذي يصوغ عاداتنا وعالمنا وأشكال سلوكنا على مدى أجيال متعاقبة. لكن مع الإشارة أن هذا البعد الحضاري للعادة لا يمنع واقع أن الكثير من البشر، وكثير من المــرضى الذين جاؤوه للعلاج، يطمحون إلى «تغيير نهج حياتهم»، كما يشرح.

ويمكن رؤية هذا الكتاب أنه نوع من «الدليل» الذي وضعه مؤلفه ــ المعالج النفساني من أجل البحث عن سبل لـ«المساعدة الذاتية». لكن عبر تجربة شخصيّة للمؤلف، وعلى عكس تلك السلسلة الطويلة من الكتب التي تحمل عنوان «دليلك إلى...».


عدد القراء: 2475

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-