أدباء .. لكنهم جواسيس


دخلت الجاسوسية عالم الأدب في القرن التاسع عشر، إثر الفضيحة السياسية الخاصة بالضابط الفرنسي دريفوس، التي تابع الشعب أحداثها بشغف كبير من عام 1800 إلى 1890، ما لفت انتباه الكتّاب والناشرين.

وهكذا تناول الروائيون موضوع الجاسوسية في أعمالهم، إلا أن هذا الجنس لم يرق إلى مصاف الأدب إلا بعد الحرب العالمية الثانية. بقيت ساحة أدب الجاسوسية حكرًا على الكتاب البريطانيين زمنًا طويلاً، وأبرز من كتبوا في هذا الإطار عملوا خلال مرحلة من حياتهم جواسيس لبلدهم أو عملاء مزدوجين.

جون لوكاريه ديفيد جون مور كورنويل الذي عاود الكتابة عن عالم الجاسوسية بعد 11 أيلول/سبتمبر، وظهر واضحًا في كتاباته موقفه من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم وتغير عالم الجاسوسية بدخول لاعبين جدد كالشركات الخاصة وتحولات الجواسيس الذين عملوا لمصلحة أنظمة سقطت. ونتيجة للحراك السياسي وما تشهده المنطقة العربية من حروب ازداد الاهتمام بأدب الجواسيس الذي يبلغ قراؤه الملايين.

ويعد جون لوكاريه صاحب عشرات روايات التجسس ذائعة الصيت، ومخترع شخصية الجاسوس الغربي الظريف "جورج سمايلي"، المنخرط أبدًا في معركة حامية الوطيس ضد "كارلا"، الشخصية النقيضة والضابط في الـ KGB. وهو بريطاني سليل الغرب الأوروبي وأحد كبار الأساتذة في التخييل الروائي البوليسي حول المواجهة بين الشرق والغرب. كان لوكاريه لا يزال عميلاً سريًّا حين دغدغته غواية الأدب، فكتب أولى محاولاته الروائية، ووقّعها باسم لوكاريه المُستعار الذي أراده تغريبيًّا. اشتهر الكاتب أيضًا برفضه للقب "فارس" الممنوح من ملكة بريطانيا، كما اشتهر في الآونة الأخيرة بمواقفه المعارضة لأيديولوجية الهيمنة الأمريكية وحربها على العراق وما يسمى بالإرهاب.

انضم لوكاريه إلى سلاح الاستخبارات في الجيش البريطاني في عام 1950 وكان بمثابة محقق اللغة الألمانية في النمسا. كانت وظيفته تكمن بمقابلة الناس الذين عبروا "الستار الحديدي" إلى الغرب من أجل جمع معلومات استخباراتية منهم.

عمل لو كاريه في السفارة البريطانية في بون وهامبورغ ألمانيا حتى عام 1964, ترك جهاز الأمن السري من أجل الرواية وابتكاره شخصية "جورج سمايلي".

وبعد أن انتهت الحرب الباردة أصدر لو كاريه كتابًا يمكن اعتباره واحدًا من أهم كتبه وهو "الرحلة السرية". وهو كتاب تكمن أهميته في كونه يلخص بشكل من الأشكال رحلة الكاتب نفسه، مع العمل المخابراتي ومع العمل الأدبي في آن معًا.

ولا يغيب عن بالنا أن لوكاريه: مثل غرين وموم، اشتغل على رفع أدب التجسس من دائرة الأدب الشعبي الترفيهي والمثير، إلى عالم الأدب الروائي الكبير.

ويعد أولن ستاينهاور الكاتب الأمريكي الذي انتقل من كتابة الروايات التاريخية إلى رواية الجاسوسية أبرز كتاب ذلك النوع في الجيل الحالي. كتب ستاينهاور ثلاثية «السائح»، والسائح تعبير أطلقه على القتلة المحترفين الذين يعملون لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وتبدأ أحداثها في عام 2001. وينتقل في رواية "عملية القاهرة" الصادرة في 2014 إلى الشرق الأوسط بعد الربيع العربي. حبكة الرواية معقدة وأحداثها تنتقل من الولايات المتحدة إلى بودابست وليبيا لكن معظم الأحداث تدور في القاهرة. تمتلئ الرواية بالشخصيات والأماكن والأحداث وتتميز بالإثارة والخطوط المتشعبة للقص على خلفية الأحداث الكبرى في الشرق الأوسط لكن ذلك يربك الحبكة. (إبراهيم فتحي، الحياة).

سومرست موم الذي ولد في 25 يناير 1874 وتوفي في 16 ديسمبر 1965، روائي وكاتب مسرحي إنجليزي عمل في المخابرات البريطانية ومن هنا كتب روايته الشهيرة "عندما كنت جاسوسًا" التي حققت مبيعات هائلة، وقد عمل جاسوسًا للمخابرات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى وكان يتلقى الأوامر من كولونيل أوضح في كتابه "عندما كنت جاسوسًا" إنه يكاد لا يتذكر اسمه فكان منتقلاً ما بين فرنسا و سويسرا وإيطاليا وقد اختاره الكولونيل لأن عمله كمؤلف روايات يبرر له تحركاته الكثيرة في القارة الأوروبية.

الروائي الشهير جورج أوريل كان عميلاً لجهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي «إم آي 5»، واستخدمت روايته "مزرعة الحيوانات" وما زالت كأداة لمحاربة الشيوعية، حيث ترجمت خلال الحرب الباردة إلى عدد كبير من لغات العالم وأنتجت منها مسرحيات ومسلسلات إذاعية بثت بلغات مختلفة للتحريض ضد الاتحاد السوفيتي.

وقد تعاون غراهام غرين الروائي وكاتب القصة والمسرحية والصحافي مع المخابرات البريطانية أو مكتب (إم 16)، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وكان رئيسه المباشر الجاسوس والعميل المزدوج كيم فيلبي. وقد ساعده حبه للسفر والمغامرة والمخاطر على القيام بمهامه في العديد من البلدان ليستقيل من دوره التجسسي عام 1944. ويعزو البعض سبب استقالة غرين، لتفادي الشهادة ضد صديقه كيم فيلبي الذي تبين بأنه عميل مزدوج لصالح الاتحاد السوفيتي.

الروائي البريطاني إيان فليمنج، ضابط المخابرات البحرية البريطانية في الحرب العالمية الثانية، اشتهر بتأليف سلسلة روايات جيمس بوند أو 007، الذي كان بطل 12 رواية وتسع قصص قصيرة، مع بيع ما يزيد على 100 مليون نسخة من أعماله في مختلف بلدان العالم.

وأول رواية صدرت له حملت عنوان (الكازينو الملكي) عام 1953، وبطلها العميل السري جيمس بوند. ومكنه نجاح رواياته في بريطانيا أولاً ولاحقًا في الولايات المتحدة، نال التقاعد في نهاية الخمسينيات واستقر في جامايكا.

إريك جوردان أحد ضباط المخابرات الأمريكية الذين عملوا في الشرق الأوسط، وكان قبل تقاعده مسؤولاً عن عمليات الاستخبارات CIA الأمريكية في الشرق الأوسط قام بتأليف رواية "العملية هيبرون" تروي أحداثًا عن الصراع الاستخباري بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

والذي يحكي كيفية زرع جاسوس إسرائيلي في البيت الأبيض، هذا العميل ليس كبير الموظفين أو طباخ الرئيس أو سكرتير الرئيس، بل جورج جونسون نائب الرئيس الذي يجري إعداده ليكون رئيس الولايات المتحدة القادم عبر توفير كل فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية.

وإذا كان نجاح الأدب بشكل عام يتكئ في أحد محاوره على عنصر التشويق المستلهم من الفضاء اللانهائي للخيال، ففي أدب الجاسوسية يكاد يكون هذا هو العنصر الرئيسي والأكثر أهمية على الإطلاق، حتى أنه ومن وجهة نظر النقاد قد يأتي على حساب التقنيات الفنية، مثلما هو الحال في أدب الجريمة، ولقد حقق "إريك جوردان" نجاحًا منقطع النظير في توظيف عنصر التشويق، بل والمفاجأة في رائعته "العملية هيبرون"، وقد انتابت ملايين القراء حالة من الذهول حين اكتشفوا أن عميل الموساد ما هو إلا جورج جونسون نائب الرئيس والذي أطلق عليه الموساد اسم هيبرون وكلمة "هيبرون" تعني في العبرية مدينة الخليل.

وكتب الروائي البريطاني لين ديتون Len Deighton روايته ملف إيبكريس  الذي حقق من ورائها شهرة كروائي.  ورواية " ملف إيبكريس " وهي رواية جاسوسية حولت لفيلم سينمائي من بطولة مايكل كين . ولد لين ديتون في 18 فبراير 1929 في ماريلبون في لندن، وكان والده سائقًا وميكانيكيًّا، وكانت والدته طباخة، وهو ومؤرخ عسكري بريطاني وكاتب سيناريو، وكاتب مسرحي، وكاتب خيال علمي.

وقد زرع حب روايات الجاسوسية ما شاهده وهو صبي في الحادية عشرة من عمره، وهو اعتقال آنا فولكوف، وهي مهاجرة من أصل روسي عملت جاسوسة لصالح النازيين.

الروائي البرازيلي باولو كويلهو أخرج في روايته الجديدة "الجاسوسة" من الأرشيف الخبر الصحافي الذي وثق إعدام ماتا هاري رمياً بالرصاص سنة 1917، وكيف أن مجلس الحرب الثالث في باريس كان قد حكم عليها بالإعدام بتهمة الجاسوسية والأعمال الاستخباراتية لصالح العدو الألماني.

تناول شرارات ممهدة للحرب العالمية الأولى، والكراهية التي كانت في تصاعد قبل اندلاعها، وكيف أنه كان هناك في كل طرف من ينتقص من الآخر بطريقة شعبوية، دافعًا الأحداث إلى التفجر، وكيف أن حفنة من الضباط كانت تقود ملايين البشر إلى الموت والجوع والحرب.

أحيا كويلهو المرأة الهولندية التي اشتهرت باسم ماتا هاري؛ والتي ألهبت مسارح باريس ومدنا أوروبية عديدة في بدايات القرن العشرين، والتي كانت قد وصلت إلى درجة من اليأس دفعتها للاتفاق مع القنصل الألماني في هولندا على أن تزوده بالمعلومات والأخبار من فرنسا، وكان قد اختير لها اسم حركي تعريفي يرمز إليها لتوقع به رسائلها التي يفترض أن تكتبها بالحبر السري، تنقض اتفاقها معه، وتخبر الجانب الفرنسي بذلك، وبدأ الجميع يشكك بها، ويعتبرها عميلة مزدوجة، ويتم إعدامها بناء على الظنون والشكوك.

اشتهر المؤلف البريطاني إيريك كليفورد آمبلر برواية قناع ديمتريوس والتي نشرها عام 1929، نشرت في الولايات المتحدة بعنوان "كفن ديمتريوس"، وقد حوّلت إلى فيلم سينمائي عام 1944، و "ضوء النهار" (1962) التي حولت لفيلم توبكابي (1964).

ولد في 28 حزيران/يونيو 1909 وتوفي في 22 تشرين أول/أكتوبر 1998، وهو مؤلف بريطاني مرموق، اختصّ بروايات الرعب والتشويق، وتحديدًا روايات التجسس، قدّم واقعية جديدة لهذا النوع الفني. كما عمل ككاتب سيناريو واستخدم اسم مستعار إليوت ريد لكتبه التي ألّفها بالتشارك مع تشارلز رودّا.

الروائي الأمريكي توم كلانسي كتب روايته الأولى "The Hunt For Red October" مطاردة أكتوبر الأحمر في عام 1984 عندما كان في السابعة والثلاثين من عمره ، قدِّمت الرواية على فكرة انشقاق طاقم لغواصة روسية حيث تدور الأحداث داخلها بطريقة مشوقة، لم يعرف أنها كانت كافية لتصدُّر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في صحيفة نيويورك تايمز الرسمية بعد أن صرّح الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان" حينها بأن صياغة كلانسي للسيناريوهات العسكرية متينة لدرجة أنها توهمك بواقعية أحداثها، وبعد إنتاج ذلك الكتاب بمدة بسيطة أصبح الكتاب من الوجهات العسكرية المفضلة لدى الجيش الأمريكي، حتى أن بعض كتاباته اللاحقة قد دخلت مناهج الأكاديميات العسكرية رسميًّا في الولايات المتحدة. طبعت كتاباته لأكثر من 50 مليون نسخة حول العالم، وقد تم تحويل مجموعة منها إلى أفلام ضخمة.

الروائي البريطاني كين فوليت هو مؤلف روايات جاسوسية، وقد بلغت مبيعات أعماله أكثر من 100 مليون نسخة. أربعة من كتبه وصلت إلى رقم 1 في قائمة أفضل الكتب مبيعًا لنيويورك تايمز، منها مفتاح ريبيكا، الثلاثي، وعالم بلا نهاية. كما يعد كتاب "دعامات الأرض" أحد أشهر أعماله، و"الرجل القادم من سانت بطرسبورغ".


عدد القراء: 8271

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-