النكتة لغتها ووظائفهاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2015-08-23 20:20:45

أكثيري بوجمعة

المغرب

ﺇنه لمن الصعوبة بمكان أن نعطي تعريفًا جامعًا مانعًا لهذا المفهوم الملتبس المسمى " النكتة " على صفة أنه مفهوم زئبقي يأبى الثبات . هذه الصعوبة تمتد إلى الضحك، ﺇذ هو الأصل الذي تتفرع عنه مجموعة من المفاهيم كالسخرية والفكاهة والهزل والنكتة، وقد فطن بركسون إلى صعوبة تعريف النكتة وﺇلى ارتباطها بالضحك، حيث قال: إن دراسة الضحك لا تكون كاملة ﺇذا هي أغفلت تعمق طبيعة النكتة، وتوضيح فكرتها، ولكن أخشى أن يكون هذا الجوهر اللطيف هو من تلك الجواهر التي سرعان ما تتحلل ﺇذا عرضتها للنور.1

وبعد أن أشرنا ﺇلى الصعوبات التي تواجه الباحثين في تعريف النكتة، لابأس أن نقف مليًّا عند وظيفة عملية التنكيت ومكونات هذه العملية والشروط السوسيو ثقافية لنجاحها، والأقسام الكبرى للنكتة، انطلاقًا من كتابات سكموند فرويد.

1 - وظيفة التنكيت

النكتة ظاهرة اجتماعية تقوم بوظائف متعددة، فباﻹضافة إلى التسلية، فهي تخفف من حدة التوتر والحقد والعداء، وتسعى ﺇلى نشر الفضيلة وتقويم اﻹعوجاج، وفضح الانحراف كما تعد وسيلة فعالة للتواصل الاجتماعي، ﺇنها استعمال براكماتي للغة، فعبرها يمكن للناس أن يُبلغوا مواقفهم ومعتقداتهم ورغباتهم وميولاتهم بشكل ملتو بعيد عن أعين الرقابة. الشيء الذي لن يتأتى لهم بوسيلة أخرى، فعن طريقها يمكن التعامل مع المواضيع المحظورة بسهولة ويسر، إنها بفضل مظهرها الخادع وشكلها المُحكم الصنع، تخفي أنها تحمل أي رسالة وبالأحرى موضوعًا مُحرمًا. وكمثال على ذلك النكت الجنسية التي تستعمل وسيلة لتبليغ الرغبة بطريقة غامضة لكنها مفهومة، يقول فاين (fine)  في هذا الصدد: إن التحول من علاقة لا شخصية إلى علاقة شخصية يمكن تسهيله من خلال الفكاهة؛2 فبالتواصل من خلال النكتة الجنسية يمكن للرجل أن يقيس رغبة المرأة في اتصال إضافي دون أن يرفض طلبه المباشر. هذا يبين أن الرجال يؤثرون مراودة النساء عن أنفسهن من خلال النكت الجنسية؛ أي بطريقة ملتوية أو مقنعة، مفضلين ذلك على الاقتراح المباشر؛ فالنكتة بهذا المعنى، توفر لهم ﺇمكانية التملص ﺇذا ما قُوبل اقتراحهم بالرفض أو التوبيخ، كما تمكنهم آنئذ من التظاهر بالخفة وعدم الجدية، أو بعبارة أخرى سيتظاهرون بأنهم يمزحون فقط. بالإضافة إلى التسلية والتعبير عن الأفكار المحظورة أو المحرمة تؤدي النكتة وظيفة أخرى. خصوصًا النكتة المبنية على اللغة أو اللعب بالألفاظ. إذ تسهم هذه النكتة في ترسيخ روابط الألفة بين الأفراد خصوصًا منها الفئة الشعبية، كما تساعد على تقوية روابط الصداقة والأخوة فيما بينهم، وتزيد من جاذبية المنكت لدى جمهور المستمعين.

1-2 مكونات التنكيت وشروطه

المقصود بمكونات فعل التنكيت الأطراف المشاركة في هذا الفعل، ﺇذ بانعدامها أو انعدام أحدها يفشل هذا الفعل. ويمكن إجمال هذه المكونات والشروط التي يلزم أن تتوافر فيه فيما يلي:

1-2-1  الإطار the setting

وهو مجمل الشروط الاجتماعية المرتبطة بالبيئة والمحيط والزمن الذي تلقى فيه النكتة، فلكي يفلح الفعل الفكاهي يجب أن يكون موافقًا للظروف الاجتماعية التي تحدث فيها، فالإطار عنصر مهم يحدد ﺇذا كانت النكتة مقبولة أم لا.

فالتنكيت ليس دائمًا ممكنًا وفي جميع المناسبات، ففي المجتمع الإسلامي لا يمكن التنكيت في الأماكن المقدسة كالمساجد أو وقت الصلاة، وفي أثناء تشييع الجنازة، لكن هناك مناسبات أخرى يستحب فيها التنكيت كمجالس الأصدقاء، غير أن عنصر البيئة يختلف من ثقافة لأخرى ففي بعض المجتمعات يسمح بالتنكيت في أثناء الجنازة لتحول هذه المناسبة الحزينة إلى مناسبة سارة. وما على المشارك في فعل التنكيت ﺇلا أن يكون واعيًا بالقواعد والشروط التي تحكم زمن ومكان التنكيت، فكما قالت العرب " فلكل مقام مقال".

1-2-2 المشاركون the participants

كما لا يستطيع المنكت التنكيت متى أراد وأنى أراد، فإنه لا يستطيع فعل ذلك مع أي كان، فالتنكيت يسمح به في أثناء التفاعل الاجتماعي بين الزملاء في العمل وبين الأصدقاء والمعارف الذين تجمع بينهم مودة.

ولعل من بين شروط نجاح فعل التنكيت بين المشاركين أن يكونوا من نفس السن والجنس والمستوى الاجتماعي، مع تفاوت بالطبع من مجتمع إلى آخر. غير أن هذه المودة والعلاقة بين المشاركين لا تكفي وحدها لنجاح هذا الفعل، ﺇذ لا بد من توافر شروط أخرى لها علاقة بالتواصل.

1-2-3 القواعد اللغوية the lingustic code

لكي تنجح النكتة يلزم أن تتوفر لدى المتكلم والسامع ملكة لغوية تمكن الأول من الإفصاح والتبليغ، وتساعد الثاني على فك رموز النكتة وتبين مواطن المفارقة.  خصوصًا في النكت المبنية على اللغة والتلاعب بالألفاظ. ومن ثم ففهم نكتة واستيعابها مرهون بتملك ناصية اللغة، كما أن الفشل في حل رموزها يبين أن المتعلم يحتاج لمزيد من الممارسة، وأنه بعيد عن امتلاك اللغة. وبما أن النكت اللغوية تنبني على جميع المستويات: المعجمي والدلالي والفنولوجي والتركيبي، فإن البعض يرى فيها أفضل وسيلة لتعلم اللغة واكتساب قواعدها.

1-2-4 الخلفيات الثقافية

لا يعني أن امتلاك اللغة شرط كافٍ لفهم النكتة. بل لا بد ﺇضافة ﺇلى ذلك من توفر شرط الاشتراك في الخلفية الثقافية، ذلك أن هذه الخلفية المتقاسمة بين المشاركين في الفعل الفكاهي وثيقة الصلة بفهم النكت. خصوصًا منها تلك المعتمدة منها على ثقافة، ويقول (nash) في هذا الصدد: نتقاسم الفكاهة مع هؤلاء الذين يقاسموننا تاريخنا. ويفهمون طريقة تفسيرنا للتجارب هناك ذخيرة، والذكريات المشتركة تعتمد عليها النكت مع تأثير لحظي5.لهذا نرى أن النكت تتضمن جملة من اﻹشارات الثقافية والحضارية التي يصعب فهمها خارج سياقها.

2 -أقسام النكتة حسب فرويد:

يقسم فرويد النكتة حسب مقصديتها إلى نكتة مغرضة (mot d’esprit tendacieux) ونكتة بريئة (mot d’esprit innocent)، فالنكتة المغرضة هي التي ترمي إلى ﺇشباع الميول والنزعات الجنسية والعدوانية، تلك الميول الأساسية المرتبطة بالحياة النفسية للإنسان، ومن نماذج هذا النوع النكت الماجنة أو الخليعة التي تشبع رغبات منعها الكبت أو كبحتها الأعراف الاجتماعية وحالت دونها. ويذهب فرويد بعيدًا في تحليله لهذه النكت حين يقول: بأنها تتجاوز حدود ﺇشباع الرغبة إلى اﻹثارة والتحريض؛ فهي موجهة في الغالب  حسب رأيه إلى امرأة بهدف تعريتها وتجريدها من ملابسها، بل ﺇن من يضحك من فُحش كأنما يضحك من مشاهدته لاعتداء جنسي6.

أما النكتة البريئة أو المجردة كما يسميها (esprit abstrait) فتعتمد على اللغة واللعب بالألفاظ، ولا تحمل أي شحنة عدوانية، ويرجع فرويد النكتة في جميع الحالات إلى اقتصاد الجهد النفسي. وبعد أن تطرقنا إلى أقسام النكتة لا بأس أن نُدرج بعض التقنيات التي تشتغل عليها النكتة. وقد قسمها فرويد إلى ثلاثة أقسام وهي: التكثيف والنقل والترميز أو التمثيل الغير المباشر.

2-1 التكثيف:

يحصل التكثيف في النكتة بالتركيب بين كلمتين تركيبًا مزجيًّا أو بأحداث تعديل بسيط على الكلمة نفسها، أو بإيجاد لفظة جديدة أو باستعمال نفس الكلمة أو الاسم (مرة كاملة ومرة أخرى مجزأة)، بمعنى مغاير يثير الضحك. والتكثيف عمومًا، مظهر من مظاهر الإيجاز والاختصار، الذي يعكس بدوره الاقتصاد في الجهد النفسي الذي تنهض به النكتة.

من أمثلة الرد بالمِثل الذي يُعدُّ مظهرًا من مظاهر تكثيف النكتة الآتية:" هذا واحد مراكشي كاليه واحد السيد إلى مامشيتي فحالك غادي نضربك حتى تدور، جاوبوا هذاك المراكشي: أنا حتى كاع تدور أو نضربك والملاحظ هنا أن المخاطب (بالفتح) رد تقريبًا بنفس العبارة، فنحن أمام جملة - حتى تدور - استعملت استعمالين مختلفين تمام الاختلاف. إذ إن من مظاهر التكثيف أيضًا التأويل، الذي تعطيه الفئات الشعبية لبعض الحروف، فالجيم الحمراء (ج) في سيارات البلديات والجماعات المحلية تعني" جابها الله" ، وليس جماعة محلية، وهذه النكتة تقر بذكاء عن تصورات ذلك الإنسان العامي البسيط لجملة من الدلالات.

2-2  النقل:

تعتمد مجموعة أخرى من النكت على إستراتيجية النقل والتحويل، وهو تحويل في مجرى الأفكار الناتج عن التباس وسوء تفاهم أو تفسير عكسي، وهذا ما تقف عليه في النكت التي تنبني على الحوار، سواء أكان بين الأشخاص، أم كان مفترضًا بين الكاتب والقارئ، فقد يركز أحد المتحاورين على عنصر من عناصر الخطاب، بينما ينصرف ذهن الآخر إلى عنصر مغاير. وكمثال على النقل والتحويل نذكر النكتة الآتية.

جاء على لسان أحد الساخرين المغاربة من أن " أكبر سد في المغرب هو سد فمك "  فهذا مثال على التكثيف، حيث تكررت كلمة سد باستعمالين مختلفين، ومثال النقل أيضًا؛ ﺇذ ينتقل ذهن السامع بصفة مفاجئة من كلمة سد الأولى التي توحي له بعالم السدود والزراعة، حيث يتوقع أن الخطاب جاد، وأن يكون الجواب هو سد " الوحدة " أو سد آخر، غير أن بقية النكتة تحوله أو تنقله ﺇلى معنى آخر ذي إيحاءات سياسية هو ضرورة سد الفم أو لجمه، لأنه قد يكلفه حريته في هذا البلد.

2-3  الترميز:

نجده في النكت التي تعتمد على التلميح والاشارة أو المقارنة التي تستند على اﻹضمار أو الحذف، وأغلب النكت السياسية والجنسية تعتمد على تقنية السياسة بأسمائهم. حتى إن مجرد ذكر أسمائهم يُعدُّ أفق انتظار يفتح شهية السامع، ويثير ابتسامته، ومن هؤلاء من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر.

وحاصل القول، يتضح بأن فعل التنكيت قد اعتمد على جملة من الميكانيزمات، لتحقيق المطلوب منه داخل محيطه السوسيو ثقافي. ومن ثم يصبح آلية من آليات التخاطب اليومية المحملة بشحنات دلالية ورمزية وثقافية طافحة بالمعنى.

 

الهوامش:

1 - هنري بركسون، الضحك البحث في دلالة المضحك، تر: سامي الدروني وعبد الله عبد الدايم، إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001.

2 - نفسه.

3 - نفسه.

4 -    Fine , gary alain , sociological approches to study of humour , in hand booie of hurmourresarch . volume 1.

5-     Walter mach , the language of  humour  le mot d’ésprit et ses rapports avec l’inconscient – gallimard.

 6 - أحمد الشايب، أبحاث في الضحك والمضحك


عدد القراء: 10176

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-