ساروجيني نايدو .. قصة كفاح القارة الهندية للاستقلال الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-08-19 04:16:05

نزار سرطاوي

تحتل ساروجيني نايدو مكانة بارزة في ذاكرة شعوب شبه القارة الهندية. فإلى جانب كونها واحدة من أعظم شعراء الهند في العصر الحديث، ارتبط اسمها بحركة استقلال الهند وتحررها من الاستعمار البريطاني إلى جانب المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو ومحمد علي جناح. كما كان لها دور كبير في الصحوة النسائية في الهند، والمطالبة بمنح المرأة حقوقها.

ولدت ساروجيني نايدو تشاتوبادياي في حيدر أباد في 13 شباط/فبراير عام 1879 في بيت علم وأدب. فقد كان والدها عالمًا وفيلسوفيًّا ومربيًّا، وكانت أمها شاعرة بنغالية معروفة. تلقت نايدو تعليمها كسائر أبناء وبنات الأسرة باللغة الإنجليزية. واستطاعت أن تجتاز امتحان الثانوية العامة لجامعة مدراس وعمرها لا يتجاوز اثني عشر ربيعًا، وهكذا أصبحت بين عشية وضحاها معروفةً في كل أنحاد الهند.

بدأت قصة كفاح ساروجيني وعمرها لا يتجاوز 15 عامًا، حين وقعت في حب الدكتور غوفيندوراجو نايدو. ولأن نايدو لم يكن من طائفة البراهمة التي تنتمي إليها ساروجيني، فقد جوبهت رغبتهما في الارتباط برباط الزوجية بمعارضة شديدة من عائلتيهما. وأرسِلت ساروجيني تبعًا لذلك إلى إنجلترا للدراسة رغمًا عنها. ومكثت هناك حتى 1898، ثمّ عادت إلى مدينة حيدر أباد. ولم تلبث أن تزوجت من الدكتور نايدو في العام نفسه.

كان للمدة التي قضتها في إنجلترا أثر كبير في حياتها. فقد تحررت روحها الشعرية. كما أتيح لها أن تلتقي في أثناء تلك المدة بالشاعر والناقد آرثر سيمونز والشاعر والناقد إدموند غوس، وتوثقت علاقتها بهما، فظلت على اتصال بهما حتى بعد عودتها إلى الهند. وقد أقنعها سيمونز بنشر بعض قصائدها. فنشرت مجموعتها الشعرية الأولى العتبة الذهبية (1905). ولقي الكتاب ترحيبًا كبيرًا من القراء الهنود في أرض الوطن وفي الشتات. بعد ذلك صدرت لها مجموعات شعرية أخرى منها طائر الزمان: أغاني الحياة والموت والربيع (1912)، و الجناح المكسور (1917)، كما صدر لها كتاب بعنوان محمد جناح: سفير الوحدة (1916). وبعد وفاتها صدرت لها برعاية من ابنتها مجموعة شعرية بعنوان ريشة الفجر (1961) )، كما صدرت لها مجموعة أخرى بعنوان النسّاجون الهنود (1971).

في عام 1916، التقت نايدو المهاتما غاندي، ومنذ ذلك الحين بدأت بتوجيه طاقاتها للكفاح من أجل الحريّة، وأصبح استقلال الهند شغلها الشاغل. فكانت تسافر في طول البلاد وعرضها وتبث الحماس بين أبناء وطنها للوقوف في وجه الاستعمار الإنجليزي. وكانت معظم القصائد التي كتبتها في تلك الحقبة تعكس آمال وتطلعات الشعب الهندي.

في عام 1925، ترأست قمة الكونغرس في مدينة كانبور. وفي عام 1930 سافرت إلى الولايات المتحدة حاملةً معها رسالة حركة اللاعنف من المهاتما غاندي. وحين اعتقل المهاتما في عام 1930، استلمت نايدو زمام الأمور قي حركته.

شاركت في عام 1931 في مؤتمر قمة المائدة المستديرة، جنبًا إلى جنب مع غاندي. وفي عام 1942، تم إلقاء القبض عليها خلال الاحتجاج الذي كان شعاره "اتركوا الهند." ومكثت في السجن 21 شهرًا.  وفي عام 1947، إثر استقلال الهند أصبحت نايدو حاكمة لولاية أوتار براديش، فكانت أول امرأة هندية تستلم هذا المنصب. وقد توفيت في الثاني من آذار/مارس عام 1949.

تتميز قصائد نايدو بصورها الشعرية الخلّابة والغنائية العذبة وسبكها الشعري المحكم ومفرداتها وعباراتها المنتقاة بعناية فائقة. فقد صيغت قصائدها بلغة إنجليزية رصينة تضاهي ما كتبه الشعراء الإنجليز المعاصرون لها أو من سبقهم. وقد اعتبرها إدموند غوس أبرع من كتب من الهنود باللغة الإنجليزية وأكثرهم أصالةً ودقةً في التعبير. تأثرت نايدو  كثيرًا بكبار الشعراء الإنجليز مثل بيرسي بيش شيلي وإليزابث باريت براوننغ وألفرِد تينيسون وسواهم. وقد انعكس ذلك على بداياتها الشعرية. وهذا ما دفع غوس إلى أن ينصحها بأن تلقي بما كتبته في سلة المهملات، وأن تخرج من عباءة الشعر الإنجليزي وتكتب بعقلية هندية. وكان لتلك النصيحة أثرها البالغ فيما أنتجته نايدو بعد تلك المرحلة. فقد انطلقت تكتب للهند وعن الهند بروح هندية خالصة. لذا فإن من يقرأ قصائدَها لن يفوته اهتمامها البالغ بالثقافة الفولكورية للشعوب الهندية. فقد احتلت الحياة اليومية بحركتها وصخبها وتنوّع مظاهرها حيّزًا كبيرًا من إنتاج نايدو الشعري. فالكثير من قصائدَها تتغنى بمختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف العقائد والمذاهب والمهن والعادات والممارسات. فهناك قصائد تحتفل بشتى أصحاب الحِرَف والصناعات: المغنين، التجّار، الباعة، صيّادي الأسماك، الحمّالين، الشعراء، النسّاجين، سحرة الثعابين، المتسولين، الغجريات، الراقصات، وحتى الأميرات والأمراء والملكات والملوك. وتحتفل قصائد أخرى بالأديان والطوائف والمذاهب على اختلافها: الإسلام – شيعةً وسنّة – الهندوسية، المسيحيية، والزرادشتية. كما تتناول قصائد أخرى مختلف الطقوس كإحراق المرأة الهندوسية لنفسها بعد موت زوجها، واحتفال المسلمين بعاشوراء، واحتفال الشيعة بالنيروز، وطقوس الحب الحوارية بين العشاق.

هناك أيضًا قصائد تحتفل بالطبيعة: بالربيع والصيف، بالحقول والغابات، بأشجار الأشوكا والشامبا والغلموهار واللوتس وجوز الهند والمانجو واللوز حين تتفتح أزهارها، وبطيور القاوند والكويل والببغاء والصفارية والزقزاق وهي تتنقل ما بين الأشجار والأنهار والبحيرات.

وبين هذه وتلك قصائد تتناول فيها نايدو الحياة والموت تناولاً فلسفيًّّّّّّا لا يخلو من نزعة صوفية، تكاد الحياة فيها تستوي مع الموت.

لكن على الرغم من هذه الروح الصوفية التي تميل إلى السلام والسكون، وهذا الانشغال بفلسفة الحياة والموت، فقد كرست نايدو جانبًا من شعرها للدعوة إلى استقلال الهند. فراحت تستنهض الشعب الهندي وتدعوه لأن ينتفض، ويسعى لنيل حريته. لقد رأت نايدو في الهند دولةً عظمى تغطّ في سبات عميق، غير مدركةٍ بعدُ لما تملك من طاقات هائلة – دولةً مؤهلةً لقيادة الشعوب التي ترزح تحت نير الاستعمار الغربي والأخذ بيدها نحو الحرية: "الشعوب التي تنتحبُ في الظلمة المكبلة بالقيود/تتوق إليك لتأخذي بيدها إلى فجر صباحات عظيمة..."

هكذا كانت نايدو شاعرة الحب والسلام والحرية والإنسانية، فاستحقت بجدارة اللقب الذي عُرفت به: عندليب الهند.

*  *  *

حاملو الهودج

برفقٍ، آه برفقٍ نحملها ونسير،

وهي تتمايل كأنها زهرة تحملها ريح أغنيتنا؛

تنساب مثل طائر على زَبدِ جدول،

تطفو مثل ضحكةٍ على شَفَتيْ حلم.

بابتهاجٍ آه بابتهاجٍ ننطلق بها ونغنّي،

نحملها ونسير بها كأنها لؤلؤةٌ في خيط.

بلطفٍ، آه بلطفٍ نحملها ونسير بها،

وهي معلقة مثل نجمة يحملها  ندى أغنيتنا؛

تعلو مثل شعاعٍ ينطلق على جبين المدّ،

تهبط مثل دمعة من عيون عروس.

برفقٍ، آه برفقٍ ننطلق بها ونغنّي،

نحملها ونسير بها كأنها لؤلؤةٌ في خيط.

 

*  *  *

النساجون الهنود

أيها النساجون، يا من تنسجون عند انبلاج النهار،

لِمَ تنسجون ثوبًا بهذه الروعة...؟

أزرقَ كجناح طائر القاوند البري،

إننا ننسج جلابيبَ طفلٍ حديث الولادة.

أيها النساجون، يا من تنسجون عند هبوط الليل،

لِمَ تنسجون ثوبًا بهذا البريق...؟

مثل ريش الطاووس، أرجوانيًّا وأخضر،

إننا ننسج وشاحات زواج لملكة.

أيها النساجون، يا من تنسجون بوقار وسكون

ما الذي تنسجون في البرد تحت ضوء القمر...؟

أبيضَ مثل ريشةٍ وأبيضَ مثل سحابة،

إننا ننسج كفنًا لجنازة رجل ميت.

 

*  *  *

أغنية قروية

طفلتي الحلوة، يا طفلتي الحلوة، إلى أين تمضين؟

هل ستلقين بدُرَرِك إلى النسائم حين تهبّ؟

وتتركين أمّك التي أطعمتك من الحبوب الذهبية؟

هل ستجلبين الحزن على عاشقك الذي أتى راكبًا ليقترن بك؟

أمّاه، إلى الغابة البرية ماضيةٌ أنا،

إلى حيث تتفتح براعم الشامبا على أغصان الشامبا؛

باتجاه الجزر النهرية التي تسكنها طيور الكويل

حيث تتلألأ زنابق اللوتس، أصوات جماعة الجن تناديني!

طفلتي الحلوة، يا طفلتي الحلوة، الدنيا مليئة ببهجة

أغنيات العرائس، وأغنيات المهد، والراحة المعطرة بالصندل.

وثياب زفافك على النَّوْل، تتوهّج بالفضة والزعفران،

وكعكات زفافك على الموقد: إلى أين تمضين؟

أغنيات الزفاف، وأغنيات المهد لها إيقاعات شجيّة،

اليوم تضحك الشمس، وغدًا رياح الموت.

ألحان الغابة أعظم حلاوةً حيث تسقط جداول الغابات،

أمّاه، لا يمكنني أن أبقى، جماعة الجن ينادونني.

*  *  *

أغنية حلم

ذات مرة في حلم الليل وقفت

وحيدةً وسط أضواء غابة سحرية،

وقد غابت روحي عميقًا في رؤىً طلعت كأنها أشجار الخشخاش،

أرواحُ الحقيقة كانت الطيور التي تغرد،

أرواحُ الحب كانت النجوم التي تتوهج،

أرواحُ السلام كانت الجداول التي تتدفق

في تلك الغابة السحرية في بلاد النوم.

وحيدةً كنتُ وسط أضواء ذلك البستان السحري،

أحسست بنجوم أرواح المحبة

تجتمع ويسطع سناها حول شبابي الرقيق،

وسمعت أغنية أرواح الحقيقة؛

ولكي أبُلَّ شوقي انحنيت انحناءً شديدًا

إلى جانب جداول أرواح السلام المتدفقة

في تلك الغابة السحرية في بلاد النوم.


عدد القراء: 5574

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-