العبث عند نجيب محفوظ العائش في الحقيقةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-02-05 17:35:58

محمود كحيلة

مصر

يحتفل عالم الأدب في الحادي عشر من ديسمبر من كل عام بذكري ميلاد "نجيب محفوظ" (1911 - 2006م) صاحب جائزة نوبل في الآدب الذي يعرف من يعرفه أنه أبعد ما يكون عن العبث لأن العبث المعني هو النشاز أو اللا معنى والعبثية مدرسة أدبية فكرية ترى أن الإنسان كائن ضائع لم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة ولم يعد لأفكاره مضمون وإنما يجتر أفكاره لأنه فقد القدرة على رؤية وتمييز الأشياء ومسرح العبث أو اللا معقول هو بالتالي جنس أدبي لم يخرج عن هذا الإطار، وعلى هذا الأساس وفي ضوء دراستنا لشخصية وأعمال محفوظ يفترض أن يكون العبث أبعد الممارسات الأدبية عن تجاربه وأفكاره ورغم أن أول إبداعاته الروائية كانت بعنوان "عبث الأقدار" إلى أنه كان مجرد عنوان لرواية تاريخية واقعية بعيدة عن العبث وهي تؤسس لحقيقة أن محفوظ أهم رواد كتابة الأدب الواقعي العربي، وأول من حقق بالاستغراق التام في كتابة الواقع أفخم الجوائز الأدبية العالمية لكنه برغم من ذلك اضطر في مرحلة خاصة من حياته أن يلجأ إلى العبث ويكتب للمسرح لكي يقول من خلال الدراما ما لا يمكن قوله بالسرد، وقد ذهب إلى المسرح لأنه وسيلة أدبية أسرع للتواصل مع جمهور عريض أغلبه ممن لا يعرفون القراءة، ولما في تراجيديات المسرح من فضاءات ربما تطوي أحزانه إثر هزيمة 1967م التي كسرت الوجدان العربي، وبددت أحلامه الوطنية.

صرح محفوظ بأنه كتب نصوص مسرحية عبثية في محاولاته الأولى لكتابة مسرح بقوله: «مرت بي حالات فقدت فيها توازني فكتبت أعمالاً ظاهرها العبث ولكن حرصي على الانتماء أفسد عبثيتها، ويبدو أنني لم أستسلم للعبث بل صورته وكلي رغبة في تجاوزه» إذ تأثر محفوظ مثل كافة مبدعي ذلك الوقت بما ألم بالوطن فلجأ إلى العبث بالمسرح وكتب نصوصًا عبثية محاكيًا بذلك ما فعله كبار الأدباء المسرحيين بالعالم ممن عاصروا الحرب العالمية الأولى والثانية كردة فعل لإحساسهم بما يتربص بالعالم من جراء هذه المذابح الكبرى من خراب ودمار وارتداد إلى عصور الموت والتخلف بعد أن كانت الإنسانية قد غادرت عصور الظلام، فانتشرت المسرحيات العبثية القصيرة ذات الفصل الواحد، وهي نصوص ذات مادة درامية مكثفة لا تحمل تطورًا دراميًا  كبيرًا لأنها تتركز على موضوع واحد به أزمة أو حالة أو يطرح مرحلة في حياة شخصية ما، دون الدخول في التفاصيل ولذلك لا تحمل الحبكات الثانوية، وهي خصائص التزامها محفوظ في بناء نصوصه المسرحية، ولم يكن محفوظ وحده من اتجه إلى كتابة العبث وإنما اتجه إليه كثير من مبدعي العالم وتبعهم كتاب المسرح العربي الكلاسيكي بما فيهم "توفيق الحكيم" الذي كتب "يا طالع الشجرة" و"مصير صرصار" ويوسف إدريس الذي كتب "البهلوان" و"الفرافير"، وتشمل تجربة العبث عند نجيب محفوظ ستة مسرحيات نشرت جميعها ضمن مجموعة قصصية بعنوان "تحت المظلة" قدمت ثلاث منها في عرض مسرحي واحد من إخراج "أحمد عبد الحليم" تحت العنوان نفسه تحت المظلة عام 1969م، ولما لهذه التجربة المسرحية من أثر بارز في مسيرة محفوظ المسرحية التي استمرت عشر سنوات ختمها برواية تدور أحداثها في فضاء المسرح هي "أفراح القبة 1979م" وقرر بعدها أن يغادر المسرح إلى النهاية، ومن مسرحيات هذه  المجموعة "التركة" التي يُحرك أحداثها ويمسك بتلابيب خيوطها من العالم الآخر شيخ صالح صاحب كرامات استشعر قرب أجله فخرج إلى الخلاء ليلقي ربه وفاء لنذر قطعه على نفسه وقبل أن يغادر بيته أو خلوته أوصى بالتركة لحق ابنه الضال الفاسد بشرط أن يقرأ الكتب القديمة التي تركت له مع المال في ذات الخزينة.

 يقبض الفتى على النقود ويهمل الكتب مقررًا أن يعود في الحال إلى لهوه وفساده ومجونه حينذاك يداهم بيت أبيه رجل يدعي أنه شرطي ويتهمه بقتل والده، ويبتزه ويهدده حتى يسلبه أموال التركة فيفطن الفتى إلى ذلك وفي لحظة انصراف الرجل يهجم عليه محاولاً طعنه بمطواة لكن الرجل ينتبه لذلك ويتفادى الطعنة ويعيد ضبط الموقف لصالحه ويقبض على الفتى ويلكمه ويُسقطه أرضًا ويقيده مع فتاته بحبل ويأخذ أموال التركة وينصرف، وعندما يتمالك الفتى نفسه مجددًا يصرخ مستغيثًا ليأتي غلام أبيه ولا يساعده امتثالاً لوصية الشيخ الأب الذي أمره بألا يساعده طالما لم يقرأ الكتب يدرك الفتى أن الأمثل لحياته أن يكون امتدادًا لوالده الذي لم يكن بالطيبة التي يحسبه عليها الناس فقد كان يبيع الطمأنينة نظير المال فيذهب الفتى إلى الكتب الصفراء ليحاول أن يتعلم منها كيف يبيع الأوهام.

تجري أحداث هذه المسرحية العبثية ذات الفصل الواحد في مكان واحد هو حجرة الانتظار في بيت "ولي الله" الذي يحاول أن يحافظ على مستقبل ولده فيترك له ميراث مشروط أن يقرأ، ولا أحد يختلف على أن الوصية بالقراءة وإن كانت لها قراءة تقليدية خاصة بالنص إلا أن لها مدلول عام شامل وجامع عندما تأتي من مورث هذا البيت العتيق بحصره المزركشة المعلقة على الجدران على حد وصف "نجيب محفوظ" لخلق التغريب والبعد بالنص عن الخصوصية، وفيها نرى الرجل الصالح يطرد ابنه لأنه غير صالح ولد ضال لا يتحدث بالاحترام الواجب عن أبيه، ولم يفت نجيب محفوظ أن يعبر عن رأيه في هذه الشخصية التي تدعي الورع والصلاح أما فساد وانحطاط المستوى الفكري والثقافي الذي ينتمي إليه الفتى وفتاته والذي يؤكد أنهما ما جاءا إلى هذا المكان العتيق إلا طمعًا بالثروة لتحويل (الماخور) الصغير الذي يملكه الفتى الوارث إلى ملهى ليلي بمستوى عالمي إذ يحلم الفتى أن يصبح قواد دولي كبير وهو بذلك يستحق كل ما ألم به من مصائب، ويغلق ستار ختام مسرحية "التركة" التي صيغت صياغة أقرب إلى لواقع منها إلى الخيال والعبث حيث اقترب الكاتب أكثر من الواقع وكلما تقدم خطوة على طريق العبث هدمها بإفراطه الطبعي في تلمس الواقع الذي ما كان لمثله أن يخرج من عباءته فالرجل العائش بكل وجدانه في الحقيقة لم يستطع أن يستمر في مجاراة العبث، ولذلك كلما حاول أن يبدأ كان ينتهي عند ذات النقطة من الواقع لا يحلق طويلاً بعيدًا عن أسلوبه الأدبي وشخصيته الأدبية التي كونها عبر السنين.

أما مسرحية "يميت ويحي" فيتعرض بطلها لاعتداء كبير ويرغب في استعادة كرامته المهدرة حيث يعرض عليه رجل "عملاق" أن يساعده في استعادة حقه لكن بشرط يرفضه الفتى فينضم العملاق إلى جنب عدوه الذي تربطه به صلة قرابة ما أبسط تأويل هذا النص وقراءته سياسيًا في ضوء العلاقة بين العرب والغرب بقواه الاستعمارية التي عالجها محفوظ في مسرحية من مشهد واحد يبدأ بلحظة الصراع بين البطل وغريمه في وجود فتاة تراقب ما يجري وكفاح الفتى لاستعادة حقه حتى قراره النهائي بالمواجهة. أراد (نجيب محفوظ) أن يؤكد بصياغته لهذه المسرحية التجريدية العبثية التي ما دفع إلى كتابتها إلا بدافع من مرارات الهزيمة، وهو هنا في هذا الموقف يعرض رأي مسام يقبل ببلاء الهزيمة لأنه أفضل من الموت بينما الرأي الآخر المحرض الثائر الذي يعتنقه كاتب هذا النص كما هو بادي من أرائه التحريضية هو أن الموت أفضل وأكرم من الهزيمة، وفي النص تيمنًا بالعبث يستخدم الفتى كلمة "التراب" تعبيرًا عن عامة الناس الجالسون على المصطبة كما يقول محفوظ في الجانب الآخر من المسرح حيث يوجه لهم الفتى حديثًا سرعان ما يعود إليه صداه بعد قليل مرددًا نفس الكلمات التي نطق بها وبينما هم مستمرون في تداولهم لسيرة الموت يسمعون صوت قهقهة ساخرة تأتي من ناحية اليسار، وعبثًا تحاول أن تلهيه عن تتبع الصوت الراجع الأمر الذي يجعله يودعها، ويخرج لملاقاة عدوه تحاول أن تستوقفه لتثنيه عن عزمه وبدلاً من خروجه تخرج هي مع استمرار الحوار بينه وبين صدى صوته الذي يكتفي أن يردد الكلمة الأخيرة في كل حوار يجريه.

استعدادًا للمعركة يستدعي الفتى طبيبًا يدخل هو أيضًا بثياب تجريدية له لحية وبيده حقيبة يسأله الفتى عن الكيفية التي يتأكد بها أنه مريض وأنه ليس مرهق أو مدعٍ فيخبره الطبيب أنه لم يستدعِ قبل ذلك لأفراح، وأنه عندما يدعى لابد أن يكون هناك مرض هذا عمله ولذلك في اليوم الواحد يعمل يومين وأن سبب إجهاده في العمل على هذا النحو هو "وباء أتى من الخارج" لأن الخارج وما يثقل به علينا من تحرش هو ما يشغل الكاتب ويزعجه يذهب أينما ذهب محاولاً التجريد والعبث ثم سرعان ما يعود إلى ما يود أن يتحدث عنه وفيه. عودة إلى النص يفيد الطبيب أن البلدان الفقيرة تمثل بيئة حاضنة للوباء الذي استفحل هذه المرة وانتقل إلى مناطق راقية، وعلى عكس المتوقع يعتبر الطبيب أن كل إجابات الفتى هي إجابات مراوغة لا يستند إليها في بناء تصور معقول لحالته الصحية لوصف العلاج المناسب، ويشخص حالته إصابة بالوباء لوجود أثنى عشر عرضًا هي نفس الأعراض التي يعانيها هو أيضًا كطبيب مريض يصف له العلاج وقد لجأ محفوظ إلى التجريد تعبيرًا عن مشاعر نبيلة تجاه بلده التي أظهرها فتاة تحب الفتى – شعبها- الذي يستحق هذا النصر لما يقر به من تقدير لها وبما يحاول أن يبذل من جهد وعطاء لأجلها، وهي تبدأ عملها المسرحي بحركة مضطربة قلقة بين ساقية صامتة ربما حزنًا على ما ألم بها وبين نخلة صامدة رمز الأصالة والعراقة والعروبة بينما أغلب الشعب على المصطبة يشاهد ويمارس حياته التقليدية لكن بإيقاع حزين صامت هو الآخر بلا فعل بلا صراخ أو غضب أو ثورة أو تمرد على الواقع والكاتب يندد بالسلبية، ولذلك أنجز هذا النص ليدعو فيه الشعب إلى المشاركة فيما تمر به البلاد من أحداث جسام دعاهم بلطف أن يشاركوا في صناعة مستقبل بلادهم لكنه بوعيه الوطني والفلسفي تأملهم جيدًا وعرف أنهم يحتاجون فقط لمن يشعل شرارة البدء ويحمل راية التحرك فإذا هم نار عظيمة تحرق عدوهم كما كان (الأعمى) هنا في هذا النص نائبًا عن قوى الظلام صاحبة المصالح العظيمة في القضاء على شوكة العرب وهي تعرض خدماتها التي لا غنى عنها وقت الحرب التي ستكون عظيمة ونحتاج فيها إلى كل القوى هذا ما حاول أن يعبر عنه في إخلاص نجيب محفوظ في مسرحية "يميت ويحيى" ذات الفصل الواحد والتي صدرت عام 1969م يعني هي مكتوبة في أعقاب نكسة 1967م لتعبر عن مشاعر كاتبنا المبدع تجاه النكسة ورؤيته الفلسفية والفكرية للخلاص منها بالإصرار على الموت طلبًا للحياة كما أثبتت الأحداث بعد ذلك حيث استطاع الفتى الدفاع عن نفسه واسترداد أرضه وكرامته، وأهم ما في ذلك العرض أن الفتى الذي بلا معالم هنا يمكن اعتباره هو نفس الفتى بالعرض السابق وقد تعرض هو وفتاته إلى هذه الدراما المسرحية التي طالعناها.

وفي مسرحية "النجاة" بينما رجل جالس بحجرة استقبال منزله على مقعد كبير جوار المدفأة يدق جرس الباب دقًا متواصلاً يفتح فتقتحم البيت امرأة جميلة لا يمنعها لأنها جميلة ولأنه بمفرده يُطرق الباب من جديد فترتبك المرأة، وتختبئ في حجرة نومه بعد أن تهدده أن تنتحر إن هو أرشد عنها، ولما كان الطارق صديق له لذا لم يضطر إلى أن يخبر عنها رغم المعلومات الخطيرة التي عرفها من صديقه عن الشرطة التي تحاصر العمارة وتفتش كل شيء حول المنزل بحثًا عن امرأة هاربة يشتم الصديق عطرها ويسأله عنها فينكر وجودها، ويستمر في الإنكار بعد ذلك تتفقد الشرطة بيته وتسأله عن السيدة الهاربة فينكر مجددًا لتغادر الشرطة ويغادر الصديق ويبقى "الرجل" وحده مع "المرأة" يسألها عن الأسباب التي تجعل سيدة بمثل جمالها تطارد من الشرطة ويسألها أيضًا عما إذا كانت عزبة مثله أم مطلقة أم مجرمة ولكنها ترفض أن تجيب ويشتعل الصراع بينهما ويصل إلى حد أن يضربها وتضربه ويشتبكا في عنف ينقلب فجأة إلى لقاء حميمي ينتهي إليه المشهد العبثي ليبدأ مشهدًا جديدًا وهما بحالة أكثر رضا. تختلس المرأة لحظات لتكلم حبيبها، وتؤكد له أنها عازمة على الرحيل وأنها ستستمر في حبه حتى الموت فيما يعد إشارة إلى الفصل القائم في ثقافة هذه المرأة بين الحب وبين الجنس وتفعيلاً لذلك تتناول سمًّا من أنبوبة دواء تحفظها في حقيبتها وما أن تشربه حتى تسقط أرضًا حيث يظن الرجل أنها نامت من كثرة الشراب فيتركها ترتاح قليلاً حتى يعود صديقه لزيارته، وبعده يحضر رجال الشرطة لمعاينة نافذة البيت ثم ينصرف الجميع ويعود الرجل وحيدًا مع المرأة يحاول مجددًا أن يوقظها فرحًا بالنجاة ثم يحملها ويخرج على خلفية من تبادل إطلاق النيران بين بعض الأشقياء مع الشرطة استمرارًا للعبث، ونص عبثي رمزي كهذا عندما يعرض في ليلة واحدة مع العرضين السابقين فلابد له من تأويل يتناسب مع وضع الحالة الدرامية التي أضيف إليها حيث تجرد الأفعال والأقوال لصالح الحالة المعروضة، وهذه المرأة التي داهمت بيت الرجل ومنحته جسدها رغمًا عنها وفي حالة من الاضطراب والغضب لأن مشاعرها الحقيقية ووفاءها الطبيعي لذلك الآخر الذي حدثته بالهاتف وأخبرته أنها لن تخونه، ووعدته على الإخلاص إلى آخر العمر الذي لم يكن يعرف إنه قصير إلى هذا الحد إنها ليست مجرد امرأة لكنها وطن انتهك جسده – أرضه- لأسباب تخرج عن إرادتها ولكن قلبها ومشاعرها لمن يستحقها ويسكن قلبها من أصحاب الأرض حتى الفناء، ويحتوي الكتاب على مسرحية أخرى هي "مشروع للمناقشة" وفيها تجتمع العناصر البشرية للعرض المسرحي وهم بطل الفرقة وبطلتها ومخرج الفرقة ومؤلفها ومعهم الناقد لمناقشة مشروع مسرحي قادم سبقه سلسلة من النجاحات الفنية لكن ينتقل نقاشهم من الحوار إلى صراع واشتباك وعراك، والمسرحية الأخيرة بهذه المجموعة القصصية هي "المهمة"، وفيها يتربص عجوز بشاب فيطارده كظله ثم يتركه وحيدًا في مواجهة عصابة تعذبه وتخيره أن يختار من وسائل الموت ما يناسبه.

النص السادس في منظومة العبث عند محفوظ نشر عام 1973م ضمن مجموعة قصصية أخرى بعنوان (الجريمة) وبها نص مسرحي وحيد من فصل واحد هو (المطاردة) وهي مسرحية رمزية بطلاها شابان في ريعان الصبا يرتدي أحدهما قميصًا أحمرًا ولذلك أسماه الكاتب (الأحمر) والآخر يلبس قميص أبيض، ولذلك يسمي (الأبيض) أثناء لهوهما صغارًا يسمعا وقع أقدام تقترب ليظهر في عمق المشهد رجل أبيض الشعر متين البنيان يرتدي قميص أسود بيده سوطًا يحركه بسرعة تتسارع مع تقدم العمر، ويتزوج الشابان من فتاة واحدة، وبرغم ما في ذلك من خيال وعبث إلا أنه يقود القارئ إلى فك شفرة المسرحية ورمزيتها، وهي أن الأبيض والأحمر هما وجهان لشخصية واحدة هما الطيب والشرير يتضح ذلك عندما يجعلهما الكاتب يقبلان العروس معًا في ذات اللحظة مما يؤكد على عدم واقعية النص وأنه واقع في دائرة العبث التي غادرها محفوظ بكامل إرادته قبل أن يختم مساره المسرحي بمسرحية تقليدية من الواقع هي (الجبل) وأخرى من ألف ليلة وليلة هي "الشيطان يعظ" عام 1979م، وجعل عنوان الكتاب لأول مرة باسم المسرحية (الشيطان يعظ) وبذلك أنهى علاقته بالكتابة للمسرح بعدما رصد محفوظ كافة المستجدات الثقافية والأدبية وخاض بالفعل تجربة الكتابة العبثية لعلها تحتضن همومه ففكر أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون وكتب مسرحيات عبثية تعالج موضوعات وأفكار أقرب إلى الواقع المؤلم الذي كان يشعر به منها إلى العبث الذي كان ينشده ولذلك لم يحقق المأمول واعترف كما رأينا بأنه في مجال العبث لم يحقق ما أدركه من نجاحات في غيرها من مجالات الكتابة والأدب.


عدد القراء: 5942

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة عبدالله من مصر
    بتاريخ 2019-02-06 21:58:20

    مقال هام

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-