كتاب: «اختبار المرآة».. حروب أمريكا في العراق وأفغانستان لكايل ويستون
فكر – المحرر الثقافي:
الكتاب: "اختبار المرآة".. حروب أمريكا في العراق وأفغانستان
المؤلف: كايل ويستون
الناشر: Knopf
سنة النشر: 24 مايو 2016
المعيار الدولي: 0385351127
معظم الأدبيات التي ناقشت الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان ألّفها حفيون غطوا تلك الحروب ومحاربون شاركوا فيها. وقد ناقشت تلك المؤلفات جوانب متعددة في الحرب باختلاف تجاربهم. وفي هذا الإطار، يُقدم كتاب "اختبار المرآة: أمريكا في حرب العراق وأفغانستان" لمؤلفه كايل ويستون نظرة ثاقبة عن الديناميكيات القبلية والثقافية والدينية، وحدود القوة العسكرية كأداة سياسية، واستخدام الطائرات من دون طيار، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على الشركات الخاصة، وفشل التعاون بين الأجهزة العسكرية والوكالات والحلفاء.
كما يُقدم نظرة فاحصة للتفاعل بين الجانبين السياسي والدبلوماسي للحروب الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان. ويتناول أمريكا في العصر الحالي، كيف ينظر إليها العالم وكيف تنظر الأمةُ الأمريكيةُ إلى نفسها، وهل ستحاول الولايات المتحدة تصحيح الصورة العالمية التي ظهرت بها عقب تلك الحروب؟
ويُعد هذا الكتاب هو الأول الذي يتناول التكاليف البشرية للصراع، والأوضاع القائمة في زمن الحرب كالرقابة والتعذيب والاعتقال والاستجواب. وترجع أهمية الكتاب إلى خبرة مؤلفه الذي عمل مستشاراً سياسياً لدى وزارة الخارجية الأمريكية على مدار سبع سنوات في بعض المواقع الأكثر خطورة ودموية في العراق وأفغانستان، مما يمكّنه من تقديم وجهة نظر مغايرة عن تلك الحروب معتمداً على إجراء مقابلات مع قادة عسكريين وأعضاء في مجلس الشيوخ وسفراء وحلفاء للناتو ومقيمين في العراق وأفغانستان.
ويُركز الإطار العام للكتاب على عنوانه، بتناوله حالات الجنود الذين أصيبوا بجرح خطير في وجوههم، وبالتحديد لحظة المواجهة عند شفائهم والنظر إلى وجوههم للمرة الأولى بعد إجراء عملية إعادة هيكلة الوجه، فيما يُعرف باسم "اختبار المرآة". ولكن الكاتب هنا يرى أن الاختبار الحقيقي للمرآة ينبغي أن يكون حول الدور العالمي للأمة الأمريكية بعد حربي العراق وأفغانستان.
يُحاول الكاتب وصف ما يراه من سيناريوهات الحرب الصحيحة والخاطئة –كما تناولها في كتابه- من خلال ثلاثة أقسام رئيسية: الأول يبحث في الحرب الخطأ، ويقصد بها حرب العراق، التي كانت غير ضرورية من وجهة نظره، والثاني يناقش الحرب الصحيحة والمهملة ويقصد بها حرب أفغانستان التي كانت ضرورية، من وجهة نظره. فيما يتطرق في الجزء الثالث إلى الانفصال بين الأمريكيين الذين تأثروا بعنف الحرب وبين الذين لم يتأثروا، وهم العدد الأكثر، ويرثي عدداً من جنود المارينز، مشيراً لزياراته إلى أسر الضحايا والمصابين ومواقع القبور من تكساس إلى كولورادو والمدن الصغرى حيث تقع أمريكا الحقيقية، كما ذكر.
ويلفت الكاتب إلى أنه منذ اختياره العمل في العراق عام 2003، كأول منطقة حرب يُرسل إليها في مهمة، كان مُصراً على معرفة الأشخاص الذين من المفترض أن يساعد بلدهم في إعادة تعميره من خلال مشاريع البنية التحتية والانتخابات وهيئات الحكومة المُشكلَّة حديثاً على الرغم مما يمثله ذلك من خطر شخصي عليه.
وعلى الرغم أنه كان يتواصل مع السكان المحليين من خلال المترجمين، إلا أنه نجح في إقامة روابط متينة مع سائقي الشاحنات الشيعة في بغداد وشيوخ السنّة في الفلوجة. كما عمل في محافظتي خوست وهلمند في أفغانستان، وتواصل مع طلبة المدارس والجامعات وشيوخ القرى وأعضاء سابقين بحركة طالبان.
ويتوقف الكاتب عند الكثير من الأحداث المروعة خلال الحربين، سواء بعد معركة الفلوجة في العراق عام 2004 أو ما احتضنه مستشفى هلمند الأفغاني من أطفال أفغان مصابين وقوات من المارينز ممن بُترت أطرافهم وشُوهت أجسادهم.
وفي هذا السياق، يروي الكاتب زيارته لمصنع بطاطس في العراق، كان بمثابة المشرحة، والذي جسّد الوجه القبيح للحرب، إذ كان هناك الكثير من الجثث بعد وقوع معركة الفلوجة حيث امتلأت الشوارع بالجثث.
ويعرب الكاتب عن استيائه من وفود الكونجرس التي ذهبت إلى العراق فيما أسماه "سياحة الحرب"، مشيراً إلى عدم وجود أي مبرر لزياراتهم وانعدام دورهم، تطرقاً
إلى الحادث الذي تعرضت له قافلة السناتور سام براونباك وفريق العمل التابع له في العراق، وإنقاذ القوات البحرية له، مما يدعم حجة الكاتب في أن القوات البحرية تبذل جهوداً أكثر بكثير مما يبذله أعضاء مجلس الشيوخ في واشنطن.
وفي سياق حديثه، ينتقد الكاتب إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش لاتخاذها قرار خوض حرب العراق، معتبراً أن القرار "غير صائب تماماً"، واصفاً الوجود الأمريكي في العراق بـ"الفاشل"، ومشيراً أن العراق أصبح أكثر عنفاً بعد الحرب. ومع تغيير الإدارات الأمريكية برحيل بوش ومجيء باراك أوباما، كان التغير في زمن الحرب فحسب سواء في العراق أو في أفغانستان، فيما أطلق عليه الكاتب "التحول من حرب بوش إلى حرب الرئيس أوباما"، موضحاً أن الحرب "تختبر قوة التحمل الأمريكي، وليس قوة النيران".
وخلال كتابه، يدين الكاتب قوات "Fobbits"، وهو مصطلح استُخدم عند الحديث عن الجنود الأمريكيين في العراق، والذين نادراً ما تركوا قاعدة العمليات المتقدمة (FOB) خلال حرب تحرير العراق (2003-2011)، مما جعلهم يبتعدون عن التفجيرات والقنابل المزروعة على جانب الطريق، لذلك يعيشون حياة أكثر أمناً وراحة مقارنة بسواهم، نظراً للأمان النسبي في القاعدة العسكرية. وفي المقابل، هناك الجنود القابعون في الشوارع "grunts"، والذين يقومون بعمل دوريات بصورة مستمرة، وقد عمل الكاتب معهم في الفلوجة من خلال الدوريات اليومية.
وفي الجزء الأخير من كتابه، يروي الكاتب مأساة الحرب وشعوره بالمسؤولية الشخصية تجاه مقتل 31 جندياً أمريكياً في صحراء الأنبار في العراق؛ لأنه أرسلهم في مهمة، ولكن المروحية التي كانت تستقلهم تحطمت. ويبين أن ذلك الحادث واحد من أكبر حوادث الخسائر البشرية في حربي أمريكا في العراق وأفغانستان، مشيراً إلى أنه يقوم بزيارة قبور الضحايا في يوم ذكرى تحطم الهليكوبتر.
ويذكر أنه عندما زار عائلات الضحايا كان لدى بعضهم فضول حول معرفة ما كان يجري في العراق في ذلك الوقت، والحصول على بعض المعلومات عن الحادث، وهو ما قام به، معرباً عن أمله في أن تكون تلك المعلومات قد ساعدتهم بعض الشيء، ومضيفاً أنه لم يناقش ذلك الأمر في كتابه لاعتقاده أنه أمر شخصي بينه وبين تلك العائلات.
وفي سياق متصل، يوضح الكاتب أن الإدارة الأمريكية لا بد أن تأخذ الأمر على محمل الجد حتى يتذكر الأمريكيون الضحايا في جميع الأوقات وليس في ذكراهم فحسب، مشيراً إلى النصب التذكاري لضحايا فيتنام في جنوب بوسطن، والذي يُذكّر بأن هؤلاء ماتوا دون جدوى، وأن تلك النصب أفضل رسالة ينبغي تطبيقها على كل حرب سواء أكانت صحيحة أم خاطئة.
ويقول إنه منذ عودته إلى وطنه والتساؤلات في ذهنه لا تنقطع: متى ستنتهي تلك الحروب؟ وكيف سيتم تذكرها وإحياء ذكرى الضحايا؟ وما الدروس المستفادة منها؟ وفي النهاية، يمكن فهم سبب الغضب الذي كان يسيطر على الكاتب، فقد كان شاهداً على العواقب الدموية لاستراتيجية الحرب التي كانت عبارة عن خليط من الغطرسة والإهمال، مما أدى إلى تشريد وموت مئات الآلاف من العراقيين والأفغان فضلاً عن وقوع آلاف الإصابات للجنود الأمريكيين.
تغريد
اكتب تعليقك