رحيل المفكر الفرنسي تيزفيتان تودوروف
فكر – الرياض:
بينما كان بصدد وضع اللمسات الأخيرة لكتاب سيصدر الشهر المقبل، رحل في باريس المفكّر البلغاري الفرنسي تزيفيتان تودوروف عن 77 عاماً، كما أعلنت أسرته صباح أمس الثلاثاء.
تودوروف الذي ولد في العاصمة البلغارية صوفيا سنة 1939، توجّه إلى فرنسا للدراسة وهو في سن الرابعة العشرين. فرنسا التي تحوّلت إلى موطن ثان حيث حصل على جنسيتها، وخصوصًا اعتمد لغتها في كتابة كل أعماله.
كان تودوروف من أبرز الأسماء في الساحة الأدبية والنقدية والفلسفية في فرنسا طيلة العقود الخمسة الماضية بعد أن حفر لنفسه اسمًا في المجال النظري عام 1970 بكتابه المرجعي "مدخل إلى الأدب الغرائبي".
بدأ تودوردف صوفيا حياته الفكرية في ستينيات القرن الماضي بترجمة كتابات الشكلانيين الروس، وهو ما ساهم في بلورة مشروعه النظري وتأثره بالمدرسة البنيوية التي رأت النور في خمسينيات القرن العشرين.
عرفت مسيرة صاحب "الأدب في خطر" تطوّرات متنوّعة، حيث انطلق من دراسة الأدب، مراوحًا في تناوله بين المقاربات اللسانية والسيميولوجية. كانت أبرز أعمال هذه المرحلة "نظرية الأدب" (1965) و"الأدب والدلالة" (1967) و"مدخل إلى الأدب العجائبي" (1970).
تُمثّل السبعينيات، فترة الاعتراف الأكاديمي بمساهمة تودوروف، خصوصًا وأنه أظهر بُعداً تنظيريًا لافتًا ومقدرة على الانتظام في النشر. كانت أبرز أعمال هذه المرحلة كتاب "الشعرية" الذي ظل إلى أيامنا مرجعًا في الدراسات الأسلوبية للكتابة الإبداعية، وقد ختم عقد السبعينيات بإصداره "القاموس الموسوعي لعلوم اللغة" بالاشتراك مع أوسفالد دوكرو.
كان عمله "غزو أمريكا: مسألة الآخر" أوّل خطوة خارج دائرته الأكاديمية، وفيه ظهرت عناصر مكوّنة جديدة، سيواصل تطويرها في أعمال لاحقة حيث بدأ ينهل من منهجيات الأنثروبولوجيا والتاريخ ويهتم أكثر فأكثر بقضايا الحياة العامة، حتى بدا أن الناقد والمنظر الأدبي قد توارى خلف مهمّات أخرى.
تبرز لدى تودوروف نزعة إنسانوية تترفّع عن الخطاب الهوياتي، كما تبرز قدرته على توليد الأفكار حيث أن خلفياته الأدبية كانت عامل تخصيب لقراءات تاريخية ثاقبة، سنجد أثرها في أعمال مثل "مديح اليومي" (عمل حول رسامي القرن السابع عشر في هولندا) و"التراجيديا الفرنسية" (يعود إلى تفاصيل حركة تحرير فرنسا من الغزو النازي) وصولاً إلى آخر إصداراته "الجامحون" وفيه يرسم ثمانية بورتريهات لشخصيات متمردة مثل مارتين لوثر كينغ ونيسلون مانديلا وإدوارد سنودن.
ضمن هذه الأعمال التي تجمع التاريخ والسياسة والفلسفة، يظل كتيّبه "ما الأنوار؟" أحد أبرز المراجعات للتاريخ الحديث من خلال الحفر في الجذور الفكرية للحداثة معتبراً أنه من دون فهم القرن الثامن عشر سيظل الحاضر غامضاً.
في كتاب شهير آخر، "اللانظام العالمي الجديد"، الذي أصدره في الذكرى الثانية لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، يظهر بالأساس وجه المفكر السياسي الذي يقول رأيه في ما يشغل البشرية اليوم، مقدّماً رؤية "أوروبية" في مواجهة الهيمنة الأمريكية الصاعدة.
حصر تودوروف اهتماماته في السنوات الأخيرة من حياته على العلوم الإنسانية منخرطًا في نضال ضد اليوتوبيات الشمولية والثورية وفي الدفاع عن قيم الحرية والسلام، وصدر له قبل عامين كتاب بعنوان "متمردون".
يمكن اعتبار سنوات الألفية الجديدة مرحلة نجومية ساطعة عاشها تودوروف حيث تحوّل إلى جانب أسماء مثل أمبرتو إيكو ونعوم تشومسكي إلى أحد مراجع الرأي في العالم، رغم أن مجرى الأحداث كان يأخذ مسارات لم تكن تسرّ تودوروف.
وقالت وزيرة التعليم الفرنسية نجاة فالو بلقاسم في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر إنها تشعر بحزن كبير على رحيل تودوروف، ووصفته بالإنساني العظيم وبالأوروبي ومؤرخ الأفكار العظيم.
تغريد
اكتب تعليقك