كتاب «البئر المسمومة» تسمم علاقة الشرق بالغرب
فكر – المحرر الثقافي:
الكتاب: "البئر المسمومة"
المؤلف: روجر هاردي
الناشر: C Hurst & Co Publishers Ltd
ISBN: 9781849046398
تاريخ النشر: 15/08/2016
يكاد هذا الكتاب ينتمي إلى فصيل المؤلفات التحليلية المعمقة التي صدرت على مدار سنوات وعقود من الزمن عن منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها مثلاً: كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» الصادر في عام 1935 بقلم رجل الاستخبارات البريطانية الشهير - لورانس العرب، كما يسمى بعض الأحيان.
لكن فيما كان لورنس معبرًا عن مطامع ومخططات الاستعمار البريطاني في المشرق العربي، جاء كتاب «البئر المسمومة» لمؤلفه روجر هاردي، الصادر، أخيرًا، ليشكل ما يكاد يكون وثيقة إدانة لحقبة الاستغلال الكولونيالي الإنجليزي- الفرنسي بالذات لمقاليد وموارد الشرق الأوسط، ولدرجة يذهب معها الكتاب إلى أن مؤثرات الحقبة المذكورة أدت في نهاية المطاف إلى تسميم العلاقات بين منطقة الشرق الأوسط وأقطار العالم الغربي، بكل ما أفضت إليه من آثار سلبية لحقت بالمنطقة المذكورة.
«جذور الأزمة في الشرق الأوسط». هذا ما يشرحه ويدرسه الباحث البريطاني في كتابه الصادر منذ بضعة أشهر، تحت عنوان أقرب إلى عناوين الاستشراق أو الاستعراب، وهو:
البئر المسمومة: النزعة الإمبراطورية وميراثها في الشرق الأوسط. ويؤكد فيه المؤلف أن النزعة الإمبراطورية وميراثها هما جذر أزمات المنطقة.
وفي اختيار العنوان، يومئ مؤلف الكتاب إلى أن الأزمات، التي ما برح الشرق الأوسط يعانيها حتى المرحلة الراهنة، إنما تستمد جذورها – في تصور روجر هاردي - من التركة المقيتة التي تخلفت عن الحقبة الكولونيالية- حقبة السيطرة الاستعمارية البريطانية في أرجاء المشرق العربي والسيطرة الإمبريالية الفرنسية في أقطار المغرب العربي.
يبين مؤلف الكتاب، بداية، أن الشرق الأوسط تعبير يصدُق على منطقة بالغة الحساسية شديدة الأهمية، فوق خريطة العالم. والمشكلة أن هذه الأهمية لم تعد كما كانت في عقود مضت، دلالة على الموقع المتميز والحسّاس للشرق الأوسط.
ولا عادت تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط التي كانت موئلاً للحضارات العريقة التي صاغت حياة وتقدم البشرية، ولا أنها الأرض الطيبة التي أضاءت فوق مهادها جميع رسالات السماء، إذ جاءت نورًا للبشر وهداية لحياتهم الروحية، ومَعيناً لمنظومة القيم التي رسمت الطريق القويم لحياة الإنسان.
لكن تشاء تصاريف الأقدار، كما يشرح الكتاب، أن تعصف الظروف بمنطقة الشرق الأوسط: ما بين تركة تخلّفت عن حقبة الاستعمار الغربي إلى مواريث من التخلف عن ركب التقدم التكنولوجي الذي حققه العالم، منذ أواخر القرن 19 وعلى امتداد القرن العشرين، ناهيك عن آفة العنف الذي لا يزال متجسدًا في لعنة اسمها الإرهاب.
والاستعراض الموضوعي للتاريخ الحديث الذي عاشه الشرق الأوسط، لا يلبث أن يفضي موضوعيًا إلى حقيقة أن المنطقة المذكورة ورثت أوضاعها ومشاكلها بل ومآسيها، عن حقبة حالكة السواد في تاريخ العالم الحديث في القرن العشرين، وتحمل الوصف التالي:
يحكي الكتاب عن الحقبة الكولونيالية في منطقة الشرق الأوسط، مبيناً أنها المرحلة التي سيطرت فيها القوى الاستعمارية والمصالح والمطامع الإمبريالية- البريطانية والفرنسية بالذات- على مقاليد منطقة الشرق الأوسط منذ العقود الاستهلالية من القرن الماضي.
ويتعامل الكتاب مع الحقبة الزمنية الممتدة من نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1917 ووصولاً إلى عدوان إسرائيل على الأراضي العربية في قلب الشرق الأوسط (مصر وسوريا) في عام 1967.
إنها حقبة نصف قرن بين الحرب العظمى الأولى وذروة الحرب الباردة شهدت- كما يؤكد الكتاب-، وشهدت نضالاً لم ينقطع من جانب شعوب الشرق الأوسط ضد السيطرة الأوروبية والاستغلال الاستعماري.
عبر هذه المراحل من بحوث الكتاب، يلاحظ القارئ كيف أن المؤلف يرى أن هذا المدّ الاستعماري الأوروبي مسؤول عن نشر البذور الشريرة التي ما لبثت أن شكلت جذور الصراعات التي أقضّت مضاجع الشرق الأوسط وسكانه في مستقبل الأيام، ما أدى إلى ما يصفه المؤلف أيضاً، بأنه تسميم آبار العلاقات بين الشرق الأوسط والغرب، إلى حد ليس بالقليل.
نلاحظ أيضًا، أن فصول هذا الكتاب لم تقتصر في تحليلها التاريخي لأحوال ومتغيرات الشرق الأوسط على التركة الإمبريالية المتخلفة عن الاستعمار الإنجليزي أو الفرنسي، بل حرص المؤلف على أن يوسع آفاق العرض والتحليل لكي تشمل أيضاً مؤثرات ارتبطت عبر سنوات القرن العشرين بقوى أخرى، كان على رأسها كل من: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي.
وربما تزداد قيمة هذا الكتاب وتتسع فائدته بفضل ما حرص المؤلف أيضًا، على إثباته من حكايات وكتابات مستمدة من واقع تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها الدراسات والوثائق الصادرة عن شخصيات مثل: توماس إدوارد لورنس (1888- 1935) رجل الاستخبارات البريطانية الشهير.
تغريد
اكتب تعليقك