جامع الحياة: جورجيو فاساري واختراع الفن

نشر بتاريخ: 2018-03-07

المحرر الثقافي:

 

الكتاب: "جامع الحياة: جورجيو فاساري واختراع الفن"

المؤلف: إنغريد رولاند ونواه شارني

الناشر: نورتون

عدد الصفحات: 432 صفحة

 

يتناول هذا الكتاب من أنقذ الكثير من فن مايكل أنجلو وغيره من الفنانين، حتى عدّ من اخترع تأريخ الفن وحفظه. إنه جورجيو فاساري، الذي كان هاجسه حفظ تركة معاصريه وأسلافه.

في أواخر حياته، بدأ مايكل أنجلو بوناروتي، الفنان الأشهر في عصر النهضة الإيطالية، بحرق رسوماته. فهو لم يعتبرها أعمالًا فنية في حد ذاتها على قدر ما اعتبرها سقالات تصويرية. ساعدت أعماله على عملية تحديد الشكل الذي قد تبدو عليه اللوحة أو المنحوتة عندما تُنجز، وأظهرت نضالاته الحقيقية في تحقيق الكمال الجمالي.

عبقري لا يقهر

من خلال القضاء على هذه الرسومات، أراد بوناروتي للأجيال المقبلة، عندما تفكر في مايكل أنجلو العظيم، أن تواجه شخصية عملاقة لعبقري لا يُقهر؛ باردة وقاسية تمامًا كالرخام الذي استخدمه في أعماله. بالمختصر، رجل استحضر روائع كبيرة في الفن الغربي بجهد ضئيل.

تمكّن الناس من رؤية ما وراء هذه الواجهة بسبب تدخل شخص بارز آخر من عصر النهضة: هو جورجيو فاساري (1511-1574)، الرسام والمهندس المعماري والمؤلف الذي أنقذ رسومات عدة من عملية التطهير التي شنّها مايكل أنجلو. وصار هاجس فاساري حماية تركة من حوله وأسلافهم.

في عام 1550، نشر فاساري عمله العظيم، "حياة الرسامين والنحاتين والمهندسين المعماريين الأكثر امتيازًا"، سجل فيه العيوب والمنافسات والرذائل، فأنشأت معًا صورة عائلية للقرنين الخامس عشر والسادس عشر. كما جرّد الشخصيات التي تناولها في كتابه من ركائزها الفنية، ورسم خصائصها الإنسانية. فماساتشو كان شارد الذهن، في حين كان فيليبو ليبي نهمًا جنسيًا على الرغم من كونه راهبًا. أما باولو أوسيلو فهرب مرة عندما قدّموا إليه الجبنة.

الصارم المبدع

في كتابهما "جامع الحياة: جورجيو فاساري واختراع الفن" الثاقب عن فاساري، تجنّب إنغريد رولاند ونواه شارني النقاش اللامتناهي حول ما إذا كانت القصص التي كتبها صحيحة أو خاطئة. بدلًا من ذلك، ركّزا على ما تم تضمينه في السير الذاتية بوصفها وسيلة لمعرفة المزيد عن فاساري نفسه.

فالقصة الميلودرامية عن موت ليوناردو دا فينشي بين ذراعي ملك فرنسا فرانسيس الأول، وهو يرثي بمرارة عدم تفانيه في فنه، تكشف المزيد عن موقف فاساري من العمل أكثر منه عن موقف ليوناردو.

حقق فاساري شهرة معاصرة وثروة كبيرة من أخلاقيات العمل الصارمة التي اتّبعها. ولطالما أرهقته قدرته على التزام المواعيد النهائية، لكنها ضمنت دفقًا مستمرًا من اللجان المهمة من ميديشي والبابوية.

متجاهلًا سخرية منافسيه الغيورين عن قصر قامته، أبدع فاساري أعمالًا في جميع أنحاء شبه الجزيرة الإيطالية، أشاد بها معاصروه، وجعلته مشهورًا بقدر بعض الفنانين الذين كتب عنهم.

طال انتظاره

يعتقد مؤلّفا الكتاب أن مظهر فاساري غير الجذاب ربما يكون السبب في دفاعه عن جيوتو وبرونيليشي اللذين يملكان مظهرًا مماثلًا، مذكّرًا القارئ بأنّ كتل الأرض غالبًا ما تخفي عروقًا من الذهب.

في الواقع، رسم رولاند وتشارني رؤية بانورامية لعالم الفن في عصر النهضة، واضعين فاساري في مركزه. فهو ذهب إلى أقصى الحدود للحفاظ على قطع من ورق المسودّة، كانت تحتوي على رسومات أبدعها مايكل أنجلو، واعتبرها قيّمة.

من خلال إعطاء الأولوية للمبدعين أنفسهم، وليس لما خلقوه، والدفاع عن أعمالهم ورفع أوضاعهم، ساعد فاساري على وضع أسس تاريخ الفن وكيفية فهم الفن اليوم.

هذا كتاب مهمّ طال انتظاره. أنجز المؤلفان عملًا يستحق الثناء، أعاد إلى المكانة الصحيحة رجلًا رفع سمعة الفن والفنانين بنجاح إلى درجة أنه أخرج نفسه من الصورة.


عدد القراء: 3222

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-