«المدنس» رواية تشويقية لعالم غامض

نشر بتاريخ: 2018-12-17

المحرر الثقافي:

الكتاب: "المدنس"

المؤلف: رضا سليمان

الناشر: دار غراب للنشر والتوزيع

"المدنس" إصدار أدبى جديد من لون أدب التشويق والرعب للكاتب والإعلامى رضا سليمان يلحق بأعماله الروائية "ماريونت. مطلب كفر الغلابة، وحى العشق، ظلال الموتى، شبه عارية، ما قبل اليوم الأخير"، وفى هذه الرواية الجديدة ينتقل بنا الكاتب إلى عالم نفسي غريب وتداخلات بين رغبات السيطرة اللانهائية حتى وإن تعامل راغبها مع الجان فتحل لعنة قاسية تحصد بلا رحمة من يلقي بنفسه إلى هذه الأرض المدنسة.

تحل اللعنة على أسرة الجندى شرموخ ويُقتل عدد غير قليل بطريقة مثيرة وغامضة حتى الجيل الثالث جيل الشباب لتتزعم "كرمة" ومعها شباب العائلة التصدي لهذه اللعنة.. تقابلهم عقبات مثيرة ومرعبة في جو روائي من الإثارة والتشويق والغموض.

ومن بدايات الرواية :
لهذه الرواية، و هى رواية ملعونة كما أُطلق عليها بشكل شخصى، بداية رهيبة، في أول الأمر كان مجرد حديث مع طبيب صديق حول الباراسيكولوجى جعلني أبحث عن أحد أهم فروعه وهو "التخاطر". فهل التخاطر أمر بشري صرف مرتبط بالنفس وما تحويه من بحور لم يسبر غورها العلماء حتى اليوم، أم أن ثمة تدخل من قوى خفية.. الجان مثلا؟!
مثل أي شخص كتبتُ كلمة "التخاطر" على مؤشر بحث جوجل كي أقرأ عنه واستقي المزيد.. و .. قرأتُ.. يمر اليوم الأول بسلام.
في اليوم التالي تتزايد أحلامي بشكل غريب وتأخذ اتجاه غير ما اعتدتُ عليه، كانت أحلامي غالباً مشتتة بين أحداث اجتماعية وأحداث أسرية، أصحو من نومي لا أتذكر معظمها، لكنها تحولت .. منذ هذا اليوم يغلب عليها طابع العنف والدماء.
أشاهدُ في أحلامي (التى أشعر بها وكأنها واقع ملموس يحتوي على الكثير من التفاصيل الدقيقة)خلالها شخوص وكأنى أعرفهم من زمن، حتى إني أتألم بعنف عندما يُصاب أحدهم بأذى، الغريب فى الأمر أن معظمهم كان له نفس صفات أصدقاء أو زملاء أو جيران أعرفهم بشكل مباشر، تمر عدة أيام ولم أهتم بهذا التغيير كثيراً، لكن حينما استيقظتُ في أحد الأيام مفزوعاً بعد كابوس رهيب يتم فيه تمزيق شخص ما إلى أشلاء بيد مجموعة تحمل أسلحة بيضاء وكأنهم مساعدو جزار يعملون بآلية في عجل ذُبح منذ لحظات. صفات هذا الشخص الغريب كانت تنطبق تماماً على جاري الأستاذ "وجدي" .. في هذا اليوم بالتحديد بحثتُ عن الأستاذ وجدي، مررتُ من أمامه وأنا أدقق النظر في تفاصيل جسده وأتخيله تحت أيدي صبية الجزار و هم يُعملون فيه أدواتهم. حاولتُ أن أتناسى هذا الكابوس وأنا أشاهد ابتسامة الرجل الذى لم يُخفي دهشته من نظراتي نحوه، ألقيت التحية عليه ورحلتُ.
لكن ساعات قليلة وكانت المصيبة الكبرى حينما أتى خبر مقتل الأستاذ "وجدي"، حادث مروع أصاب سكان المنطقة كلهم بحالة من الحزن الشديد، تتزايد حالة السخط العام مع انتشار مقطع مصور للحظات ذبحه أمام محله على مواقع التواصل، فقد كان يجلس في هدوء و دعة ولم يشعر بالقاتل يقترب حتى يقف خلفه ويمسك بشعر رأسه ليجذبه بقوة إلى الخلف بينما يده الأخرى التى تحمل سكين حاد تقطع رقبته لتفصل رأسه عن جسده، تفارق الروح الجسد بينما تُرسم على الوجه علامات الدهشة والفزع، لم تفارقنى نظرته الصباحية نحوي ولا نظرته الفزعة التي سجلتها كاميرات المراقبة المثبتة على واجهة المحل، كنتُ أشعر بأنه ما يزال ينظر نحوي ويود لو يعلم لِمَ قُتِل؟!
هنا بدأتُ أشعر بأن هناك أمر غريب يحدث لي، لم أتحدث مع أحد عن أحلامي، إنما أصبحتُ أنتظر وأراقب، أنتظر ما أشاهده ليلاً وأراقب ما سيحدث نهاراً، بنسبة كبيرة كان ثمة تطابق بين كوابيسي الليلية وأحداثهم النهارية .. أناس أعرفهم وآخرون أجهلهم .. وحينما أشاهد صورهم أتذكر كوابيسى. قررتُ أن أبحث عن آخرين يحدث معهم مثل ما يحدث معي، فهل هي حالة فردية أم ذاك يحدث مع غيري..؟
كتبتُ على صفحتي على فيسبوك عن التخاطر .. أو تطابق الأحلام مع الواقع .. أو رؤية بعض أحداث المستقبل.. وهل تعرض أحد الأصدقاء إلى تجربة ما .. لأن الأمر لم يعد مجرد حدث يمر كما غيره من تفاصيل الحياة، لقد تغلغل بداخلي بشكل جعلني أقرر الخوض في كتابة عمل أدبي يكون هذا محوره.
كنتُ أعلم أن ما أمر به ليس تخاطر بشكل حقيقى وإنما هو جزء منه، فلستُ ممن يتحدثون إلى آخرين عبر الأحلام و لكني لم أكن أمتلك الجرأة على التصريح بتفاصيل حالتي، ففي مجتمعنا يتم نبذ شخص مثلي في لحظات تحت مسميات عدة.
كانت هناك عدة تعليقات على ما كتبته من الأصدقاء و لكنها لا تزيد عن مجرد كلمات هلامية وساخرة. لكن بعد مرور عدة أيام وصلتني رسالة على الخاص، صاحب الصفحة أو صاحبتها أطلق على نفسه، أو أطلقت على نفسها "قلب غراب أبيض" .. اسم غريب يلفت الأنظار، لكنه لم يستوقفني كثيراً، لأتأمل مغزى اختياره، لأنني أسرعتُ أقرأ الكلمات وقد تملكتني حيرة وفزع شديدين. 
يعرفني الكثير من خلال أعمالي الأدبية، ومَن يفتح صفحتي على فيسبوك سوف يشاهد على هامش الصفحة كل التفاصيل الخاصة بي و بأعمالي، لذا كانت رسالة "قلب غراب أبيض" تدور حول هذه الجزئية. الرسالة الأولى كانت رسالة مقتضبة، نعم الأولى لأن هناك عشرات من الرسائل والمقابلات الشخصية مع صاحبة "قلب غراب أبيض" .. نعم .. كانت فتاة .. فتاة رائعة الحسن سوف أُطلق عليها اسم من اختياري "كرمة" .. فكل الشخصيات خلال الصفحات القادمة تم تغيير أسمائها، وكانت رسالتها الأولى كما يلي: 
" إن كنتَ تبحث فى كتابة عمل أدبي عما يطلقون عليه التخاطر فلن تجد أكثر رعباً وإثارة مما مرت به عائلتي، لكني فى البداية يجب أن أخبرك بأن ما سأرويه لك يحمل فى طياته لعنات لا نهاية لها .. أخبرني إن رغبتَ" 
ما سوف ترويه يحمل اللعنات .. !! .. وليكن ..
سيطرت الرواية المنتظرة على تفكيري و لم أهتم على الإطلاق بتلك اللعنات التي حُذِرت منها .. لكنى مستقبلاً وعندما أشرع في كتابة الرواية سوف أصاب بكم هائل من هذه اللعنات .. ذلك ما سيجعلني كما ذكرتُ في البداية أُطلق عليها اسم الرواية الملعونة.
من تلك اللعنات التي حلت عليًّ بمجرد الانطلاق في الكتابة حالات وفاة مفاجئة في عائلتي .. مرض أقرب الأشخاص إليًّ بأمراض خطيرة، وأمراض أصابتني أنا بشكل مباشر، تدهور في الكثير من صفقات العمل والعلاقات الاجتماعية ..
ما سبق يمكن أن يأتي بشكل طبيعي ولا علاقة له بتلك الرواية، لكن الغريب أن كل موقف من تلك المواقف كان يحدث مباشرة عند إمساكي بقلمي وأوراقي و كتابة أحد فصول الرواية.
كنت ألتقي كرمة لتحكي لي ما يعادل فصل من فصول الرواية، تحكي بقلب دامٍ وعيون مشتعلة تنزف. أترك الأحداث بداخلي يوم أو أكثر كي تجد لها المخرج الأدبي المناسب للرواية، وعندما أشعر برغبة في الكتابة أجلس لأبدأ .. فتحدث مصيبة ما.
كنتُ قد وصلت تقريباً إلى منتصف الرواية حينما أدركتُ ارتباط تلك الأحداث الرهيبة التى أمر بها بكتابتي فصل جديد فى الرواية، ففي البداية لم يذهب عقلي إلى هذا الربط .. لكن مع التكرار .. مع الترابط المباشر .. أدركتُ ذلك.
طالت مدة كتابة الرواية حتى تخطت الحد المعقول بسنوات، أخبرتُ كرمة بما يحدث وكانت إجابتها أنها تعلم و أنها أخبرتني من البداية وأنا مَن صممتُ على خوض التجربة.
من ضمن ما أخبرتني به فى اللقاءات الأولى أن لعنة ما .. تركها "لمدنس" .. لعنة تصيب كل مَن له علاقة أو على اطلاع بهذه الأحداث، ما بالنا وأنا أصوغها في رواية ..!! لكن ذلك العناد المتولد بداخلي مع رغبة في التحدي جعلوني أواصل العمل عليها حتى نهايتها.
قبل أن أبدأ فى سرد تفاصيل الرواية الملعونة .. رواية المدنس .. ثمة أمر أخير يتحتم عليًّ تنفيذه .. فقد أُمرتُ به .. و هو أن أخبرك صديقي القارئ بأنك ستكون ممن تصيبهم لعنة المدنس هذا .. فإن كنتَ تبتغى السلامة .. فنصيحتي لك ألا تقرأها .. أما إن كنت تحمل قلب مغامر حقيقي .. فلتقرأ .. و لتتحمل النتائج .. لكن لا تُلقي علىَّ بأية لائمة .. لأننى ببساطة حذرتك ألا تقرأ تلك الرواية الملعونة .. 
رواية المدنس .

ومن أجواء الرواية:

كانت هناك.. بين المقابر.. فى طرقاتها الموحشة والظلام كتلة صماء، يجرها من شعرها، زوجها مصطفى الجندي، بيد واحدة، رغم ألمها الرهيب تندهش، إنه بكامل قوته وعنفوانه وكأنه يجر دمية خلفه، بيده الأخرى سكين حاد يبرق فى الظلام مثل عيني ذئبٍ، تستعطفه وهي تحاول اللحاق به، قدماها لم تكونا قادرتين على الانتصاب وحملها، ثم أن قوته الرهيبة فى جرها بهذا الشكل قد ذهبت بأى قوة لديها فاستسلمت لما يحدث، لسانها فقط يلهج ببعض الحروف لتجتمع بين الفينة والأخرى بكلمات مثل "أرجوك.. أحبك.. لا تفعل.. إنها شائعات يا مصطفى"، لكن الرجل صاحب الوجه الصارم والعينين اللتين مثل قصعتي جمر ملتهب لم يكن يمتلك أذناً ليسمع بها، وأنه يتحرك مدفوعًا بقوى خفية، تمر الدقائق ثقيلة وهو ينتقل بها بين المقابر من شارع إلى شارع حتى يصل إلى مقبرة لها جدران مبطنة بالجرانيت الأسود، تتزايد سرعة الرياح لتضرب جدران المقابر فتصدر أصوات شبيهة بصرخاتٍ فزعة، يعوي ذئب، ينعق غراب، بوم ينعب.. يسقط شهب ناري من السماء بسرعة جنونية.

يقذف بها إلى تلك المساحة الضيقة أمام باب المقبرة، تتكور مكانها وعلامات الرعب الحقيقية قد طُبعت على وجهها، تلملم جسدها، تمزقت ثيابها إثر جرها على أرض صخرية، سالت الدماء من أماكن متفرقة، تشوَّهت تفاصيل جمالها بدماء مختلطة برمال الطريق ودموع تفيض مثل نهر، صدر نافر يعلو ويهبط بعنف ليفقد روعته ويلقى ذعرًا رهيبًا على صاحبته التى تختنق أنفاسها.

يتأمل مصطفى المكان لحظات، ينظر فى اتجاه باب المقبرة وشفتاه تتحركان ببطء، فجأة يرفع رأسه إلى السماء ثم يطلق عواء طويل مثل عواء ذئب مجنون قبل أن يرفع يديه إلى أعلى بذلك السكين الحاد ليهوي به فوق رقبتها ليفصل الرأس عن الجسد. مفزوعة تطلق صرختها التى تفر من قوتها خفافيش الليل وجنادب المقابر وزواحفها.

جدير بالذكر أن رضا سُليمان كاتب مصري، ولد عام 1972حصل على ليسانس الآداب قسم الإعلام جامعة الزقازيق، يعمل حاليًا مخرجًا بالإذاعة المصرية شبكة البرنامج العام، له العديد من المسلسلات والبرامج الدرامية الإذاعية تأليفًا وإخراجًا أشهرها أوراق البردي، قطوف الأدب من كلام العرب، همسة عتاب. محاضر مادة فن الكتابة والإخراج الإذاعى بكليات وأقسام الإعلام. حصل على العديد من الجوائز الأدبية والفنية منها جائزة كتاب اليوم الأدبي، جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة، جائزة زايد الذهبية للإبداع، جائزة الإبداع الذهبية في مهرجان تونس للإعلام العربي، جائزة الإذاعيون يبدعون.

صدر له: المسرحية الكوميدية: آدم تو.  روايات: عمدة عزبة المغفلين. مطلب كفر الغلابة. ماريونت. وحي العشق. ظلال الموتى. شبه عارية. ما قبل اليوم الأخير. وأخيرا رواية المدنس.


عدد القراء: 3925

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-