كتاب «إدوارد سعيد ونقد تناسخ الاستشراق» ينتقد التناسخ لإعادة إنتاج الشرق
فكر – المحرر الثقافي:
نقد الاستشراق يبدأ بتوضيح معالم تأسيس واختراع الأنا "الغربي" بصفته معيارًا يعود مخترقًا لجوهر ذلك الكيان المرعب الذي وصل إلى أوروبا واقتحمها.
صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في بيروت وعمان، ومكتبة كل شيء في حيفا، كتاب جديد للكاتب والباحث وليد الشرفا، بعنوان “إدوارد سعيد ونقد تناسخ الاستشراق: الخطاب، الآخر، الصورة”.
ينتقد الكتاب التناسخ الذي حدث في إعادة إنتاج الشرق اعتمادًا على الأطروحات النظرية الكبرى التي أنجزها إدوارد سعيد في كتابه “العالم والنص والناقد”، الذي شكل المرجعية التأسيسية للنظرية النقدية التي أنجزها سعيد، والتي ترفض الانفصال بين اللحظة التاريخية واللحظة الإبداعية، بالتأكيد على أنها جزء من العالم الاجتماعي، بعد مناقشة مستفيضة لأطروحات ميشال فوكو وجاك دريدا ومدارس النقد المعاصر التي حاولت إغلاق النص عن هذه الدنيوية.
يبدأ نقد الاستشراق بتوضيح معالم تأسيس واختراع الأنا “الغربي” بصفته معيارًا يعود مخترقًا وفاحصا لجوهر ذلك الكيان المرعب، الذي وصل إلى أوروبا واقتحمها، وستكون هذه المرحلة بحثية بامتياز، فقد نُشر عن الشرق في قرن مئة وستون ألف مطبوعة، وقبل ذلك قرار مجمع فيينا الكنسي بتأسيس كراسيّ للغات: العربية، العبرية، السريانية. يناقش ناقد الاستشراق كتاب المكتبة الشرقية، “لدير بيلو” بصفته بداية لتراكم أرشيف معرفي تسلطي في قراءة الشرق فكتابته، ومن ثم حملة نابليون على مصر بصفتها تجسيدًا لتلاحم المعرفيّ بالتسلطيّ بالسياسيّ.
يستمرّ الكتاب بملاحقة حالات ومحطات التناسخ في عصر التنوير، حيث يعود التنوير معيارًا أوروبيًا في مواجهة الظلامية الشرقية، ويناقش الكتاب هنا المقتطفات العربية التي أوردها سعيد لدوساسي بصفتها جغرافيا تخيلية استعارية وإن كانت نصوصًا حقيقية حيث يقوم الاختيار مقام التخييل في إعادة إنتاج الثقافة العربية. تستمرّ فصول الكتاب برصد التناسخ الذي حدث مع رينان؛ حيث تمت إعادة إنتاج فقه اللغة معيارا غربيا، يعيد التعارض بصيغة لغوية: لغة عربية، لغة غربية، وهنا ترث اللغة الجغرافيا والعرق.
يفكك الكتاب بعد ذلك الاستشراق المعاصر بصفته محطة تناسخ مفصلية، حيث تحوّل الامتياز المعياري من العقل الأوروبي إلى العقل الأمريكي، حين تمّت إعادة استنساخ المعيار في الحقل الاجتماعي بديلا عن فقه اللغة، في محاكمة الإسلام هذه المرة، وسيكون برنارد لويس مؤسسها الأبرز؛ إذ تعطي المعرفة تسويغًا للتدخل السياسي في عالم الإسلام بين ثقافتين: الأولى للعرب، والثانية لإسرائيل، وهنا تناسخ مزدوج في نقل المعيارية والدونية والتسلط والإلغاء في آنٍ معًا. يناقش الكتاب بعد ذلك منهج إدوارد سعيد في نقد هذا التناسخ حيث مفاهيم البنية والأمة والطبقة والخطاب والموقف من ماركس، بصفته إشكالاً منهجيًا أثار كثيرًا من الجدل مع كثير من النقاد العرب، مثل: صادق جلال العظم ومهدي عامل وهشام شرابي وهشام ومحمد أركون وغيرهم.
يمثل الإعلام المحطة الأخيرة لأحداث وتجسيدات التناسخ بين المعيارية الغربية، والشرائحية الشرقية، وتمثل التغطية الإعلامية للثورة الإيرانية عودة هائلة لكل تصنيفات التمايز الغربي، بداية من الجغرافيا وليس انتهاء بحق العربي بتعريف نفسه وانتهاء بعجزه عن هذا التمثيل، تصبح الصورة الإعلامية تكثيفًا صارخًا لكل الأرشيف الاستشراقي في تأكيد التفوق، وتصبح الصورة جغرافيا تخييلية جديدة، ويظل الشرق صدى للمعيار الغربي.
تغريد
اكتب تعليقك