زراعة حب القراءة في الأطفال


تتنوع الطرق التي تساعد على زراعة حب القراءة في الإنسان منذ الصغر، وتختلف من دولة إلى أخرى.

المكتبة العامة واختلاف الأساليب

فإذا أخذنا دولة كألمانيا مثالاً، نجد أنها تبدأ الاهتمام بزرع هذه العادة في الطفل منذ العام الرابع (هناك توجه الآن ليبدأ الأمر رسميًّا في المكتبات العامة بمجرد بلوغ الطفل عامه الثالث)؛ فنجد في المكتبات العامة يوم مخصص للقراءة، يجتمع فيه الأطفال مع أحد العاملين في المكتبة لقراءة كتاب، عادة ما يكون كتابًا مصورًا ذا قصة شيقة؛ ليجتذب بها أكبر عدد من الأطفال، ويكون الأمر أكثر تشويقًا.

فيعطون كل طفل ورقته الخاصة، تحمل اسمه، ويجمع فيها أختامًا عن كل مرة حضر فيها للاستماع، فإذا ما جمع عشرة أختام، أقيم له احتفال خاص، وقدمت له هدية أمام الجميع، وهي عبارة عن كتاب جديد، ليضيفه إلى مكتبته الخاصة في المنزل.

وهناك أسلوب آخر تتبعه المكتبة لتشجيع الأطفال على الحضور، وهو أنها تسلم كل طفل دفترًا صغيرًا يختم فيه ختم بكل زيارة، وعندما يكتمل الدفتر يفتح لهم صندوق الكنز، ذلك المحاط بسلسلة كبيرة قد أغلقت بقفل كبير، ليختار الطفل الهدية التي يريدها.

وتفضل المكتبة العامة ألا يمتلك الطفل كارت اشتراكه عن طريق والديه، فبمجرد وصول الطفل للصف الأول الابتدائي، يخصص يومًا لزيارة المكتبة عن طريق المدرسة، وهناك يتم عمل اشتراك لجميع الطلبة في المكتبة العامة، مع توضيح طريقة الاستعارة، وما هي الخدمات المتوقع أن تقدمها لهم المكتبة من الآن فصاعدًا.

فإذا ما بلغ الطلبة عامهم الرابع في المدرسة، قاموا برحلة أخرى للمكتبة، للتعرف على نظام المكتبة في الاستعارة، وكيفية تقسيم الكتب، وإلى ماذا يرمز كل رقم، وكل لون على غلاف الكتاب، وكيف يتم إدراجها إلى برنامج الاستعارة على الكمبيوتر، ويقوم الطلبة بتجربة ذلك بأنفسهم.

القراءة عند الأطفال مشكلة عالمية

تمثل القراءة وتنمية ميولها لدى الأطفال مطلباً تربوياً وثقافياً نظراً لما يتسم به عالم اليوم من انفجار معرفي سريع ومتغير، فالقراءة كما هو معروف من أهم وسائل كسب المعرفة والحصول على المعلومات، لذا أوضحت بعض الدراسات أنه كلما كان هناك تبكير في تثقيف وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية، كان استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل.

مسألة تشجيع الطفل على القراءة وتعويده من الأمور المعقدة في حياة الأسر، خاصة في مجتمعاتنا العربية، إذ يشير تقرير لليونسكو إلى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهاج الدراسي 6 % في السنة، فيما يقرأ كل عشرين طفلاً عربياً كتاباً واحداً سنوياً، فان الطفل البريطاني يقرأ سبعة كتب، والأمريكي أحد عشر كتاباً.

 وتشير إحصائيات أخرى إلى أن رصيد الدول العربية لا يتجاوز 1.1 % من الإنتاج العالمي لكتب الأطفال على الرغم من  وجود نحو 55 مليون طفل يمثلون 42 % من العدد الكلي للسكان في العالم العربي، بما يؤكد أن مصطلح القراءة ما يزال غائباً عن أولويات الطفل العربي. ويشهد العالم العديد من المشاريع والمبادرات للعودة إلى القراءة.

وتشجيع الأطفال والشباب عليها، بعد انشغالهم بمواقع التواصل الاجتماعي، التي يصل نصيب الفرد منها إلى أكثر من ثلاث ساعات يومياً، مقارنة بالقراءة الهادفة التي لا تتعدى في الغالب خمس دقائق، لذا سنحاول اليوم أن نستعرض بعض التجارب الناجحة التي نفذتها مؤسسات وأفراد بصفة شخصية، لعلمهم وإدراكهم بأهمية القراءة ومكانتها في بناء النفس والعقل ودورها في تهذيب وتقويم السلوك إذا ما أُحسِن استغلالها.

ترجمة كتب الأطفال

عندما ننتقل إلى أقصى الشرق حيث دولة اليابان، بلاد الشمس المشرقة التي تتميز بالاهتمام البالغ بمواطنيها منذ الطفولة، نجد أنها تقوم بتجربة عظيمة، لا تنم إلا عن اهتمام بإعداد أجيال على أعلى مستوى من الثقافة والتقدم، ولذلك تستحق الوقوف عليها والاستفادة منها، وتتلخص هذه التجربة في القيام بترجمة كتب الأطفال الجيدة على مستوى العالم من أي لغة إلى اللغة اليابانية.

ويبلغ متوسط ما يتم ترجمته سنوياً أكثر من مئتي عنوان، وتجدر الإشارة إلى أنه في كل عام يسافر من اليابان فريق إلى معرض ميونخ الدولي للكتاب بألمانيا، حيث يقوم هذا الفريق بدراسة وتمشيط كل ما هو في المعرض من كتب الأطفال بجميع اللغات، ثم يعود لدراسة المناسب منها لترجمته كي يستفيد كل طفل على أرض اليابان، ويصبح ملمًّا بكل ما يحصل عليه أطفال العالم من معلومات وخبرات، فيتفوق عليهم جميعاً.

مشروع كلمة قوية

 ابتكرت مكتبة (فريدريشسهاين- كرويتسبرغ) ومكتبة (وسط برلين) مشروعاً لتشجيع القراءة، وتحفيز اكتساب اللغة. تساعد ثمانية برامج متعاقبة فيه الأطفال حتى سن الثانية عشرة على أن يكونوا فصحاء، ويمتلكوا معارف ومهارات يصبحون بها أقوياء كالكلمة، يصبحون «كلمة قوية». يتكون البرنامج من 8 مجموعات، لكل مجموعة منها عروض متلاحقة، يزورها الطفل لمدة عام دراسي كامل في الأغلب.

وبشكل عام تنتظم المقابلات في برنامج منظم متصل الحلقات، دائماً ما يكون الكتاب فيها في بؤرة الاهتمام. حيث يُلهم برنامج (كلمة قوية) الأطفال ويعينهم للوصول إلى الكتاب، ويمهد لهم السبيل إلى موضوعات الكتب المصورة ومحتوياتها. ولكي يتم ذلك يتبع أمناء المكتبة برنامجاً متكاملاً، عن طريق اللعب والموسيقى والرسم والحركة، لتصبح اللغة والأدب فيه تجربة حياة.

ويعمل أطفال المرحلة الابتدائية طوال عام دراسي كامل في موضوع واحد من موضوعات برنامج (وقت للقراءة)، مثل: ألف باء جيم، أو برلين، أو الحيوانات والنباتات. وتتكفل المكتبة بتوفير المداخل المتنوعة والمتغيرة، بالاستعانة بالأساليب التعليمية المختلفة، محفزةً إياهم على التعمق في الموضوع في المدرسة.

وقد حقق برنامج (كلمة قوية) نجاحاً بالغاً، وحصد جوائز عدة، منها جائزة مسابقة الاتحاد التي كانت تحت شعار (تشجيع المواهب كلها) لمبادرة (ماكينزي تُعلم) لعام 2005. وقد سجل هذا البرنامج بوصفه نموذجًا (أحسن تطبيق) أصداء واسعة داخل البلاد وخارجها، حتى إن كثيرين حذوا حذوه.

ومن الأسباب الفعلية وراء هذه المعدلات المخيفة:

1. قصور مناهج التعليم والتربية في الوطن العربي وضعفها واعتمادها على الحفظ والتلقين، ما جعل كثيرين منهم يقف موقف العداء للكتاب وفي نفوسهم عداء تقليدي للكتاب المدرسي.

2. عدم تغيير أساليب تنمية مهارات القراءة في المرحلة الابتدائية فالثانوية فالجامعية.

3. عدم تشجيع أفراد الأسرة الطفل على القراءة والتفكير منذ الصغر.

4. منافسة وسائل الإعلام المختلفة للكتاب وخاصة الفضائيات والإذاعات، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر والواتس آب ونحوها.

5. غياب مفهوم التعليم والتثقيف الذاتي عند أفراد المجتمع.

6. حالة الإحباط واليأس التي يعيشها الإنسان في المجتمع العربي والإسلامي.

7. الغزو الثقافي الغربي وترويج ثقافة اللامبالاة والأنانية.

8. غياب الروح التشجيعية لدى المؤسسات الثقافية.

9. قلة الدعم المالي لإنشاء المكتبات العامة ودعم الكتاب ليصبح رخيص الثمن وفي متناول الجميع.

10. عدم اهتمام الدول بالكتاب وأعمالهم، ومكافأتهم على أعمالهم المتميزة كما تفعل الدول الأخرى.

11. اتباع بعض الدول سياسة فرض التخلف التعليمي على شعوبهم للسيطرة عليهم والتحكم في رغباتهم.


عدد القراء: 7450

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-