تاريخ تطور الصحافة الإلكترونية


يرى بعض الباحثين أن ولادة الصحافة الإلكترونية كان مع بداية السبعينيات،  وظهور خدمة (التلتكست) عام 1976، كثمرة تعاون بين: مؤسستي:   Independent  Broadcasting and BBC

ولقد شهد عام 1979 ولادة خدمة (الفيديوتكست) الأكثر تفاعلية مع نظام Prestel على يد مؤسسة British Telecom Authority البريطانية. وبناءً على النجاح الذي أحرزته هذه المؤسسات في توفير خدمة النصوص التفاعلية للمستفيدين، دخلت بعض المؤسسات الصحفية الأمريكية منتصف الثمانينيات على هذا الخط. وبذلك بدأ العمل على توفير النصوص الصحفية بشكل إلكتروني إلى المستفيدين عبر الاتصال الفوري المباشر.

إلا أن هذه المحاولات لم تلق النجاح المطلوب، وتكبدت خسائر مالية قدرت حينها ب 200 مليون دولار أمريكي. لذلك توقفت مشاريع هذه المؤسسات الصحفية، ويرجع المختصون البداية غير الموفقة للصحيفة الإلكترونية، إلى عدم توفر تقنيات متطورة بما فيه الكفاية  لتسمح بوصول غير مكلف وسهل إلى المحتوى الإلكتروني، زيادة على نقص الاهتمام بهذا النوع من الخدمات الإعلامية من قبل المعلنين والمستفيدين على حد سواء. لكن مع بداية التسعينيات تطورت تقنيات النشر الإلكتروني، إضافة إلى حاجة المستفيدين إلى الخدمات الإلكترونية. ولقد ارتبط نجاح خدمة التلتكست باعتمادها على جهاز التلفزيون، أما نجاح الصحيفة الإلكترونية في انطلاقتها الثانية فمرتبط بتوفر جهاز الحاسب الآلي وتطوره.

وتعد صحيفة (هيلزنبرغ إجبلاد) السويدية أول صحيفة تنشر بالكامل على الإنترنت، وتلتها صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية سنة 1994 التي قامت بإعداد نشرة يعاد تحديثها فوريًّا في كل مرة تتغير فيها الأحداث، مع وجود مراجع وثائقية و تاريخية وإعلانات. وقد أطلق على هذا النوع من النشر في بدايته الأولى مصطلح الحبر الرقمي.

ومن ثم، وقبل نهاية التسعينيات، كانت هناك عشرات الصحف في العالم وخصوصًا الكبرى منها قد سخرت إمكانيات معتبرة لتنشئ مواقع على شبكة الإنترنت نظرًا لقلة التكلفة والسهولة، رامية بذلك المسعى إلى توسيع آفاق التوزيع والانتشار، لتتجاوز التقييدات المالية والنقل وبصفة خاصة قيود الرقابة.

إلا أنه سرعان ما اكتشف مسيرو هذه الصحف أن النسخة الإلكترونية المشابهة للطبعة الورقية لم تعد تلبي احتياجات القراء، إذ إن المستخدم يبحث عن الجديد بعيدًا عن الطبعة الورقية على الإنترنت. وهكذا، بدأت الصحف بإنشاء إدارات تحري خاصة بمواقعها الإلكترونية تتولى تحرير جريدة منفصلة عن النسخة الورقية. ومن ثم، أصبحت الصحف الإلكترونية منافسة للصحف المطبوعة، كما أن الأهمية المتزايدة للصحافة الالكترونية أدى إلى ظهور اتجاه آخر من هذه الصحف يتمثل في ظهور مواقع إخبارية إلكترونية، تتخذ مظهر صحيفة متكاملة من حيث المضمون والمسمى. ولكن تخضع للنمط الإلكتروني وهي صحف إلكترونية محضة، لا علاقة لها بأي صحيفة ورقية، إذ نشأت في بيئة الإنترنت وحققت نجاحًا كبيرًا، حتى إن نجاحها شجع بعضها على الخوض في عالم النشر التقليدي الورقي، وهذا ما أصبح يعرف بعبارة (الهجرة المعاكسة).

نشأة الصحافة الإلكترونية

تجدر الإشارة إلى أن التاريخ الدقيق لانطلاق أول صحيفة إلكترونية من حيث متى وأين غير متفق عليه حيث تتباين الروايات بهذا الشأن. وعليه، ومع اتجاه المزيد من الناس نحو الإنترنت، كمورد ومصدر للمعلومات كان من الطبيعي لوسائل الإعلام أن تلتفت إلى فرصة الاستثمار هذه.

وبحسب رأي الباحث الأمريكي (مارك ديويز) في دراسة له حول تاريخ الصحافة الإلكترونية، فإن أول صحيفة في الولايات المتحدة دشنت نسخة إلكترونية لها على الإنترنت كانت (شيكاغو تريبيون) عام 1992 مع نسختها (شيكاغو أون لاين). وتوالى بعد ذلك ظهور المواقع الإخبارية والصحفية على الإنترنت، سواء التابعة للصحف والقنوات التليفزيونية أو المواقع الإخبارية المستقلة التي تعد قناة صحفية إلكترونية مستقلة في حد ذاتها.

 وقد بدأت الصحافة الإلكترونية تلفت الأنظار إليها في أعقاب حرب الخليج الأولى عام 1991، عندما عرضت وكالات الأنباء العالمية صورة البطة البرية، وهي تشرف على الموت بعد أن غرقت في مياه الخليج الملوثة بالنفط. وقد تعاطف الكثيرون في مختلف بلاد العالم مع هذه الصورة المؤثرة، وأدان ما حدث من اعتداء صارخ على البيئة والطبيعة، وتلويث شديد لمياه الخليج بسبب الأعمال الحربية التي تجاوزت كل الحدود الشرعية والمشروعة.

  من جهة أخرى، يشير البعض أن الصحافة الإلكترونية شهدت ازدهارًا كبيرًا بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، الذي استفاق العالم فيه على وقع حدث مهول في أمريكا، إذ استطاعت الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية الإلكترونية أن تنقل بالكلمة والصوت والصورة ذلك الحدث التاريخي بدقة وكفاءة نادرة، بينما تعثرت بعض الصحف والفضائيات التقليدية، وأثبتت فشلها في تلك المهمة.

  بينما يرى فريق آخر أنه مع عمليات التطوير في مجال استخدامات الإنترنيت، بدأت شبكات الإذاعة والتلفزيون المشهورة مثل B.B.C  و C.N.N والجزيرة تخصص مواقع مستقلة لها، لتحمل  ما يصلها من بيانات وأخبار لكل من يريد أن يتصفحها. أيضًا، بدأت الصحف المهمة هي الأخرى تظهر على شاشات شبكة المعلومات من خلال المواقع التي أعدتها لذلك، والتي لاقت إقبالاً كبيرًا من جانب رواد الإنترنيت الذين وجدوا فيها ضالتهم المنشودة واستغنوا بها عن الصحف الورقية المأثورة. وفضلاً عن ذلك، بدأت الصحف الإلكترونية البحتة أو الخالصة تظهر إلى حيز الوجود، سواء في الدول الأجنبية أو في البلاد العربية.

وتجدر الإشارة إلى أن الصحف الإلكترونية لم تكن في البداية ذات عائد مادي كبير يشجع على الاستمرار أو الاستفادة منها. وذلك راجع لعدم معرفة أو اهتمام أصحاب الإعلانات بها، وعدم ثقتهم فيها كوسيط إعلامي مؤثر. غير أن مع تزايد استخدامات الإنترنيت وكثرة رواد مواقع الصحف الإلكترونية تنبه المعلنون لأهمية الإعلان عبر الإنترنيت، وبدأت الصحف الإلكترونية تحقق عائدًا ماديًّا يتوقع تزايده في المستقبل بشكل كبير جدًّا.

 ولقد كانت بداية الصحافة الإلكترونية «مجرد مواقع تحتوي على مقالات وموضوعات وأفكار وأطروحات ورؤى بسيطة. وتحديدًا انطلقت من منتديات الحوار، ال

تي تتميز بسهولة تحميل برامجها وبساطة تركيبها، إذ يكفي أن تقوم بتحميل هذه البرامج المجانية في الغالب ورفعها لموقعك في أقل من ساعة، ليبدأ بعدها الموقع بأثره في العمل المحدد له وفي اجتذاب عدد كبير من الزوار».

عوامل ظهور الصحافة الإلكترونية وأسبابه

 يرى بعض الباحثين أن هناك ثلاثة عوامل أسهمت في ظهور و تطور الصحافة الإلكترونية، هي:

- الارتفاع المدهش في قدرات الإعلام الآلي لطاقات الكمبيوتر على تخزين ومعالجة المعطيات.

- التقدم في مجال ترقيم المعطيات فكل معلومة مشفرة في شكل رقمي، مما منحها لغة عالمية، حيث يمكن نقل وتبادل المعطيات رقمية من نقطة إلى أخرى من العالم دون النظر إلى اللغة الأصلية التي كتبت بها.

 - تطور تقنية ضغط المعلومات و إزالة ضغطها التي تمكن من إرسال المعلومات بسهولة، بدل تخصيص مساحات كبيرة تعرقل من عملية إرساله.

- ظهور القارئ الرقمي الذي أصبح يفضل الاطلاع على الأخبار والمعلومات في المواقع الإلكترونية، لما تتمتع به من خصائص فنية كأن يتم تحديثها باستمرار، وتوفرها على كم هائل من المعلومات ويتم اقتناؤها بطرق تفاعلية مختلفة.

- مواجهة الصحف المكتوبة على المستوى العالمي صعوبة كبيرة، بسبب غلاء مادة الورق والطباعة وقلة المادة الإعلانية التي فضلت التلفزيون و الإنترنت.

وفي دراسة أجرتها (ميكروسوفت) تقول: "إن العالم سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في عام 2018 على الأقل في الدول المتقدمة، لذا فإنه ليس من المبالغة أن نتحدث عن إمكانية حدوث توقعات ميكروسوفت، طالما سارت الأمور على وتيرتها الحالية، وطالما بقيت الصحافة المطبوعة تعنى بالخبر، الذي يحترق عليها بلغة الصحافة قبل طباعته بأربع وعشرين ساعة".

- الصحفيون والتطورات التكنولوجية الراهنة

يرى (جون  بافيليك) John Pavlik  في مقال له بعنوان «الرسول هو وسائل الإعلام: وسائل إعلام جيدة، قواعد جديدة» أن شبكة الإنترنت تشكل تحديًا ضخمًا لمؤسسات الإعلام التقليدية، وهو تحدٍّ من نوع جديد، يساعد الجمهور، ويعيد تحديد دور الصحفيين في المجتمع، ويضيف (إيدن وايت): «أن الصحفيين يجب أن يكونوا على حذر، وهم في عجلة للحاق بالأحداث المهمة. حتى لا يتأثرون بالتحيزات البغيضة للمعتوهين أو تخدعهم المعلومات الزائفة التي تنشر حول الإنترنت».

لقد ألغى الصحافيون الجدد الذين اتخذوا من صفحات الواب مساحات لنشر أخبارهم كل القواعد التي  قامت عليها الصحافة، كما أزاحوا من طريقهم كل النظريات التي توجه العمل الصحفي في مختلف وسائل الإعلام التقليدية.

- الصحف الإلكترونية (بوابات صحفية بلا صحف ورقية)

في عام 1999 ظهرت عبر الإنترنت موجة (الدوت كوم)، والتي يقصد بها الشركات التي ظهرت وتأسست لكي تعمل عبر الإنترنت فقط دون أن يكون لها نشاط أو وجود مادي على أرض الواقع. وظهرت مئات الشركات من هذا النوع في مجالات عديدة، شملت السياحة والسفر والتجارة الإلكترونية والمجالات العلمية والصناعية وأيضًا المجال الإعلامي والصحفي. فتشكلت شركات لم تكن سوى مواقع على الشبكة تعمل في مجال الصحافة والإعلام، وعرفت باسم بوابات الإنترنت الصحفية، وتخصصت في تقديم المواد الإخبارية والتحليلات الصحفية والمقابلات والحوارات والمحادثة والنشرات البريدية الإلكترونية وخدمات البريد الإلكتروني وخدمات البحث في الأرشيف. وحاليًا تجسد هذه البوابات نموذجًا للصحافة الإلكترونية التي تمارس عملها بالكامل عبر الإنترنت دون أن يكون لها أي نسخ مطبوعة. الأمر الذي يجعل منها مدخلاً جيدًا وغنيًّا، يمكن الاقتراب منه وفقًا للعديد من النقاط الخاصة بالتصميم ودورية التحديث وتنوع الخدمات، والجهات القائمة على الموقع، وتوجهاته العامة، والرؤية التي يحملها القائمون عليه.


عدد القراء: 33986

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-