الترجمة العربية لكتاب «الحقّ في الكسل» لـبول لافارغ

نشر بتاريخ: 2023-07-11

المحرر الثقافي

الكتاب: "الحقّ في الكسل"

المؤلف: بول لافارغ

المترجم: محمّد حسّونة

الناشر: المركز القومي للترجمة

سنة النشر: 2013

من المُفاجئ أن يفتتح كاتبٌ ومفكّرٌ مسارَه الإبداعي بكتابٍ عن الكسل، بينما لم يبلغ الأربعين من العُمر بعد. لكنّنا عندما نقترب أكثر من حياة بول لافارغ وتجربته، سنعرف أن هذه المفارقة ليست إلّا نتيجةً لقناعات مبكّرة اعتقد بها الكاتب والاقتصادي والمناضل اليساريّ الفرنسي، وظلّ متمسّكاً بها طيلة حياته (1842 ــ 1911).

عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "الحقّ في الكسل"لـ بول لافارغ، بترجمة محمّد حسّونة؛ وهو كتابٌ ظهر للمرّة الأولى عام 1880، وسعى فيه المؤلّف إلى تفنيد أحد الشعارات والمطالب الأساسية لثورة 1848 في فرنسا: الحقّ في العمل.

لا يتموضع الكتابُ كانتقادٍ لفكرة العمل من الأعلى، أي من موقفٍ أرستقراطيّ يرى في الشغل تدنيساً أو مضيعةً لوقت الإنسان؛ كما لا ينطلق في مقولته من عدم فائدة العمل في حدّ ذاته. ما يريد انتقاده وتفنيده هو، قبل كلُّ شيء، "عقيدة العمَل" وتقديسه بدءاً من القرن التاسع عشر في أوروبا.

لافارغ، الذي كان مقرّباً من الأجواء العمّالية بحُكم مواقفه السياسية والاقتصادية (كان من أبرز يساريّي زمنه في فرنسا، ومن المقرّبين من إنغلز وكذلك ماركس، الذي سيتزوّج لافارغ ابنته لاورا)، كان على اطّلاع على الظروف القاسية التي كان يعيشها العمّال، ويصفها في كتابه بشكل نقديّ، حيث يُضطرّ العمّال والعاملات والأطفال للبقاء في المصانع والمناجم والورَش نحو 12 ساعة يومياً، بينما لا ينالون من فوائد ما يُنتجونه إلا الفُتات.

وإذا كان انتقاده لأرباب العمل وأصحاب العقلية الصناعية والرأسمالية أمراً مفروغاً منه، تماماً كما هو الحال مع انتقاده للتقنية والمكننة، فإنه يبدو مُجدِّداً في كتابه عندما يتوجّه إلى طبقة العمّال قبل غيرها، كما لو أنه يبحث عن إيقاظ وعيها بظروفها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. فهو لا يتردّد بإعلان اندهاشه أمام عمّالٍ يتمسّكون بأعمالهم رغم استعبادهم تقريباً من أرباب العمل، ورغم شروط شغلهم التي يقول إنها توازي ظروف عمل العبيد أو تفوقها أحياناً.

ويقول لافارغ إن الاعتقاد السائد في مجتمع زمانه كان يؤمن بأن الآلة ستأخذ مكان الإنسان، أو ستقلّل من الحاجة إلى جهده على الأقل؛ لكنّ ما حدث كان العكس؛ إذ بدلاً من زيادة أوقات الراحة للعمّال، راح الإنسان يضاعف من جهده ووقت عمله، "كما لو كان في سباق مع الآلة"، بحسبه.

كذلك يحلّل طبيعة العقلية الرأسمالية، إن كان في استعانتها برجال السياسة والدين والأمن والقضاء لتثبيت سلطتها على الطبقة العاملة، أو في رغبتها المستمرّة بإيجاد مستهلكين جدد وأيادٍ عاملة جديدة، ضمن حلقة مفرغة من فرط الإنتاج والمنتجات على حساب الاستهلاك الحقيقي.

مفارقات تدعوه لاقتراح نظام عمل لا يتجاوز الثلاث ساعات في اليوم، وهو كافٍ في نظره لكي يربح الجميع: العمّال وأرباب العمل، وكذلك الطبيعة، التي يربط بين عافيتها وعافية العمّال، فالأرض، مثلهم، ترتاح حينما يخفّ الإنتاج. وهو في مقولاته هذه يُعَدّ من طليعيي الفكر البيئي النقدي، الذي يدعو إلى حلول كتلك التي دعا إليها لافارغ في زمانه.


عدد القراء: 926

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-