تاريخ من الآمال الكاذبة

نشر بتاريخ: 2023-11-01

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

 

الكتاب: "تاريخ من الآمال الكاذبة.. لجان تقصي الحقائق في فلسطين"

المؤلف: د. لوري آلن

الناشر: مطبعة جامعة ستانفورد الأمريكية

تاريخ النشر: 15 ديسمبر 2020

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 432 صفحة

نشر ريتشارد جولد ستون وثلاثة خبراء قانون دوليون، أوفدهم مجلس حقوق الانسان في منظمة الأمم المتحدة، بتاريخ أيلول/سبتمبر من عام 2009 وثيقة مفحمة مكونة من 450 صفحة تفصل جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل خلال قصفها لغزة والذي استمر لثلاثة أسابيع في وقت سابق من ذلك العام.

حذر السفير الأمريكي لدى إسرائيل قبل نشر التقرير نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايالون من "الصعوبات التي قد يفرضها تقرير جولد ستون والتي قد تشمل "عقوبات في المحكمة الجنائية الدولية" ضد إسرائيل.

نصح السفير الأمريكي إسرائيل بتقصي الادعاءات التي أثارها تقرير جولد ستون من أجل "المساعدة على نسف جهود الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية".

أعرب أيالون عن مخاوفه أيضاً من "محاولات إدانة إسرائيليين" بجرائم حرب موثقة في ذلك التقرير.

وفي اليوم التالي لنشر التقرير تداولت سوزان رايس السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة مع أيالون حول "أفضل السبل لاحتواء تقرير جولد ستون وصرف الأنظار عنه".

وتضرعت إليه قائلة "أعني على مساعدتك" عبر تحريك المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية. وأضافت سيمنح التقدم الإيجابي في "عملية السلام" المزعومة الولايات المتحدة فرصة "لتدبير التقرير واحتواءه".

يشكل تقرير جولد ستون واحداً من ستة لجان دولية قامت الدكتورة لوري آلن، أستاذة الأنثروبولوجيا بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، بعرضها في كتابها الراهن.

وتقول آلن: أعتبر الفلسطينيون تقرير جولد ستون "نقطة تحول" لما ظنوه تأكيد جديد ومتنامي على محكمة الجنايات الدولية كوسيلة قانونية محتملة لضمان المساءلة وإنهاء الحصانة الإسرائيلية.

ولكن الولايات المتحدة أخمدت أثار التقرير ودفنته في النهاية لمنع خضوع إسرائيل للمساءلة جراء تدميرها المتعمد للبشر والبنية التحتية في قطاع غزة.

يبرهن تعاون إدارة أوباما المتحفظ مع إسرائيل لقتل التقرير آلية عمل القانون الدولي كمولد "للآمال الكاذبة" للمقهورين والمضطهدين وفق تعبير آلن.

فالقانون الدولي مجرد "إيديولوجية وشبكة من الأفكار والاعتقادات التي تتستر على عمليات السلطة وفي الأثناء تعرض أدوات لتحدي وتقييد السلطة".

كتبت آلن هذا الكتاب لاستكشاف "أسباب تذبذب الفلسطينيين في الانخراط الوثيق مع الشرعية الليبرالية" مع فشل اللجان واحدة تلو أخرى بإنهاء العنف أو تحقيق السلام.

وبالفعل فإن التعجرف والرضا الذي يبديه كثير من أعضاء اللجان وحقيقة أن "الكثير يشعر بالغبطة إزاء فعل القليل يوفر الماحة حول قدرة اللجان على الإغراء والتنصل".

أو كما تصف آلن في مقطع بليغ حول لجنة ميتشل التي أرسلتها الأمم المتحدة بعيد اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول من عام 2000 فإن اللجان الاستقصائية تغلف "إغراء القانون الدولي وعقمه البارد".

بدأت اللجان الاستقصائية مع لجنة كينج وكرين، التي أوفدها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون إلى المقاطعات العربية السابقة في الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، للتيقن من التطلعات السياسية لسكانها.

قام الفلسطينيون الذين أدلوا بشهاداتهم أمام اللجنة بالتعبير بلباقة وصدق عن تطلعاتهم التحررية والتوق لتقرير المصير والديموقراطية ولكن الكثير من أفراد اللجنة الأمريكية قابلوهم بالازدراء والتشكيك.

ترسم آلن لوحة كارثية لويليام ييل أحد المستشارين الأساسين للجنة والجاسوس على شركة ستاندرد أويل التي عمل بها.

"امتزج تخيل ييل الشرقي الوهمي بمعرفة تاريخية ضحلة" لتقنعه بأن المطالب الفلسطينية القومية تخفي ورائها تشدداً دينياً متأصلاً.

لم يتبنى كافة أفراد لجنته نفس الرؤى وأوصت اللجنة بدولة سورية موحدة (تشمل فلسطين ولبنان) يقودها الملك فيصل (الأول) تحت الانتداب الأمريكي.

وكان البرلمان السوري المنتخب في طريقه لتأسيس ملكية دستورية ليبرالية في ذلك الوقت.

وفي أول تحذير من تلك التحذيرات حذرت اللجنة من استحالة تطبيق وعد بلفور بدون استخدام القوة ضد احتجاجات السكان الفلسطينيين الأصليين.

وبالرغم من كشوفات لجنة كنج وكرين كافأت عصبة الأمم بريطانيا ومنحتها الانتداب على فلسطين وكان تنفيذ وعد بلفور حجر الزاوية في حكمها.

وبذا بدأت "دورة كاملة من الأمل والخيبة والتي ستصبح علامة مستقبلية للتدخل الدولي في فلسطين".

تمثل ذلك "بالآمال الجماعية التي قدحتها الوعود الامبريالية والاهتمام بالرأي العام" وبالرغم من تقييم اللجان لمقدرة وجاهزية الفلسطينيين للحكم الذاتي أودت المكائد السياسية بشكل متكرر بالآمال التي رفعتها تلك اللجان.

وكما توثق آلن في كتابها الاستثنائي تكرر هذا النمط عبر العديد من اللجان الامبريالية التي أرسلتها بريطانيا العظمى خلال انتدابها على فلسطين.

قاطعت اللجنة العربية العليا-وهي الجسم السياسي الفلسطيني الذي أدار الدفة السياسية القومية خلال الانتداب البريطاني- والتي سئمت من تلك اللجان في البداية لجنة بيل عام 1936.ولكنها تراجعت وشاركت متذمرة بعد الضغط من الدول العربية المجاورة شبه المستقلة والتي لم تزل تحت السيطرة الاستعمارية.

يحتوي فصل آلن عن لجنة بيل العديد من الملاحظات المثيرة عن التضامن القومي مع الشعب الفلسطيني والذي قدحته الثورة العربية التي تزامنت مع اللجنة.

كانت الثورة العربية والتي استمرت ما بين عامي 1936 و1939 انتفاضة مسلحة للفلسطينيين وحملة مستدامة من العصيان المدني ضد الحكم البريطاني وأهداف الحركة الصهيونية. ولكنها قُمعت بوحشية من قبل حكومة الانتداب.

وربما استفاد هذا الفصل من استكشاف أعمق للانخراط الفلسطيني المسبق مع اللجان البريطانية وللأسف لا تظهر تلك الملاحظات إلا في الهامش.

يفصل أفضل فصول الكتاب الانخراط الفلسطيني مع اللجنة الامريكية البريطانية لتقصي الحقائق لعام 1946.

ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية استمرت معاناة الناجين اليهود من المحرقة ضمن الظروف الفظيعة في مخيمات النزوح وكسبوا تعاطف الرأي الليبرالي عبر العالم.

تعيد آلن ببراعة تشكيل صورة موافقة الدول العربية والممثلين السياسيين الفلسطينيين على تحمل المسؤولية لتوطين الناجين اليهود كجزء من الجهود الدولية.

وتضيف آلن" سبقت تعابير التعاطف مع اليهود كل نقاش عربي مقدم إلى اللجنة شفوياً وكتابياً. وبدا أن العرب قد علموا أن النقاش لن يجد آذاناً صاغية ما لم يقدم فوق وسادة من التعاطف."

أصر الفلسطينيون وداعميهم على أن الاهتمام الإنساني بمعاناة الشعب اليهودي يجب ألا يصبح مقدمة لاستيلاء الصهاينة على فلسطين.

وبخ بروفسور التاريخ اللامع في جامعة برنستون فيليب حتي زملائه الأمريكيين أثناء التحدث للجنة نيابة عن معهد الشؤون الأمريكية العربية بسبب تآمرهم لإعادة توطين اليهود المهجرين حصراً في فلسطين.

وأضاف: “لم أسمع أي منهم يرفع أصبعاً لصالح اليهود والمطالبة برفع القيود على دخول اليهود إلى الولايات المتحدة. ويجب أن نشعر بالخزي لتقصيرنا تجاههم."

خسر أعضاء اللجنة التحدي الذي قدمه حتى وأوصوا بدلاً من ذلك بحل يتمثل بالسماح ل 100 ألف من الناجين اليهود بالدخول إلى فلسطين.

تتحدث آلن في فصل آخر عن تعاون الفلسطينيين مع اللجنة الأممية الخاصة بالتحقق من الممارسات الإسرائيلية المتعلقة بحقوق الانسان في المناطق المحتلة وهي لجنة تأسست عام 1968 وأصبحت مدخلاً أساسياً للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني.

ساعدت اللجنة وفقاً لآلن على جعل الأمم المتحدة "مرآة عاكسة" لهوية ومطالب الفلسطينيين وبوقاً يصدح بمعاناتهم وادعاءاتهم وضخمتها بفضل شرعية الأمم المتحدة التي تمثل القيم العالمية وترعى النظام القانوني العالمي.

سعى أعضاء اللجان حتى ضمن أكثر الأجواء الإيجابية "للمحافظة على تراتبية سلطوية خاصة بهم كمفسرين رسميين للقانون."

قام أحد أعضاء اللجنة بتوبيخ جراح فلسطيني أثناء إدلاءه بشهادته أمام تلك اللجنة والذي طردته إسرائيل من الضفة الغربية بسبب مناقشة انتهاكاتها للقانون الدولي. وسأله قائلاً: "أرجو ان لا تدلي بآرائك الشخصية وتستنتج تدخلاتك الخاصة. نحن من يقرر ذلك. يجب أن تقول الحقائق فقط.... لأننا نرغب بالحصول على الكثير من المعلومات منك ولا أرغب بتبديد الوقت في مواضيع لا تخص أحد سواك".

تختزل تلك المواجهة التجربة الفلسطينية مع اللجان الدولية. طُلب من الفلسطينيين على الدوام تقديم مؤهلاتهم الليبرالية أمام الهيئات الدولية والتي يخفي إنصاتها المتعاطف في بعض الأحيان هدفاً أبعد من ذلك بكثير والذي يجعل تقرير المصير أمراً بعيد المنال.

تستنج آلن أن "القانون الدولي كان قوة تخدير مضادة للثورة "في فلسطين وتشبهه "بثقب أسود: إذ شد الثقل الهائل لآلياته، المؤسساتية والأيديولوجية، الطاقة والأفعال والأفكار والحوافز عميقاً نحو مركزه داخله وخنق حيويتها."

إذا كانت مهمة التاريخ توفير معلماً للمستقبل فإن كتاب آلن يظهر القصور الذي اعترى اللجان الدولية والقانون الدولي كوسيلة لحصول الفلسطينيين على حقوقهم المسلوبة.

المؤلف:

الدكتورة لوري آلن: أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة لندن.

محاضرة سابقة في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة كامبريدج.

أستاذة زائرة قسم الأنثروبولوجيا في جامعة فيينا بالنمسا.

إضافة إلى هذا الكتاب نشرت عام 2013 كتاب: نهضة وسقوط حقوق الإنسان: الاستخفاف والسياسات في فلسطين المحتلة.

 

المصدر:

The Electronic Intifada


عدد القراء: 878

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-