إسرائيلنا الأمريكية: حكاية التحالف المتواشج

نشر بتاريخ: 2023-11-02

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

 

الكتاب: "إسرائيلنا الأمريكية-حكاية التحالف المتواشج"

المؤلف: أيمي كابلان

الناشر: جامعة هارفرد

تاريخ النشر: 2018

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 368 صفحة

ترك القومي الأبيض ريتشارد سبنسر، في كانون الأول من عام 2016، حاخام جامعة تكساس هليل مشدوهاً ومذهولاً عبر رسم مقارنة بين حركته والحركة الصهيونية.

وكان الحاخام قد وجه دعوة لسبنسر لدراسة رسالة التوراة "عن الاحتواء الراديكالي والحب" معه مفترضاً أنها ستكون ترياقاً لرؤاه المترعة بالكراهية.

ردد سبنسر"هل تريد الاحتواء الراديكالي ضمن دولة إسرائيل؟ وأقصد بذلك الاحتواء الراديكالي حقيقة! ربما سينتقل الشرق الأوسط برمته إلى تل أبيب أو القدس. هل تريد ذلك حقاً؟"

رد الحاخام متلعثماً بعد صمت مربك "لن أجيبك ".

يجسد افتتان سبنسر بالصهيونية ما تسميه أيمي كابلان في كتابها المفصلي: "إسرائيلنا الأمريكية-حكاية التحالف المتواشج " الظلال المعتمة للاستثنائية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

تعترف كابلان بأن "الأمريكان يتشاركون مع إسرائيل بسرد تأسيسي حيث يستند التحرر القومي من الحكام الاستعماريين إلى تاريخ الفتح الاستعماري وتعتمد قصص النزوح الكبير من الطغيان إلى التخلص من السكان الأصليين." وعبر هذا الاعتراف تقلب كابلان بديهيات الساسة الذين يرددون كالببغاء التحالف الراسخ والوطيد بين البلدين.

رحلت كابلان، التي عملت أستاذة للغة الإنجليزية في جامعة بنسلفانيا واشتغلت في حقل الدراسات الأمريكية، عن عالمنا في تموز من عام 2020. قامت زميلتها وصديقتها الدكتورة جوديث فرانك برثائها واعتبرتها "مفكرة وكاتبة فريدة حولت كتاباتها عن ثقافة الامبريالية الأمريكية ذلك الحقل وستظل لأجيال قادمة نبراساً للعلماء".

كان كتابها الأخير أول كتاب مخصص لإسرائيل أو بشكل أدق للأسس الثقافية للدعم الأمريكي لإسرائيل. ويعتبر تحفة آسرة تعزز تقييم فرانك لمساهماتها العلمية.

تنبش كابلان، شأنها شأن أي عالم آثار ثقافي، التربة السطحية لنقاط الحديث السياسي، التافه والمبتذل، عميقاً لكشف الأرضية الثقافية الصلبة التي توفر قاعدة مكينة للدعم الأمريكي لإسرائيل.

ويعتبر هذا الكتاب قراءة لازمة لأي باحث عن تفسير هذه الظاهرة السياسية التي تتعدى التواريخ الدبلوماسية واستراتيجية أمريكا الإمبريالية ومجموعات المصالح الداخلية.

تنسج كابلان ببراعة نقاشاً أسراً حول العوامل الثقافية والتاريخية والدينية التي تشكل النسيج الموشى للدعم الأمريكي لإسرائيل عبر تفحص الكتب الخيالية والرصينة والأفلام وبرامج التلفاز والأغاني والعظات.

تستعير عنوان كتابها من خطبة عيد الشكر التي ألقاها قس ماساتشوستس ابيل ابوت في عام 1799"يكاد شعب الولايات المتحدة يقترب من مثيل إسرائيل القديمة أكثر من أي أمة على سطح الكوكب. ولذلك يعتبر تعبير "إسرائيلنا الأمريكية" شائعاً ولائقاً وفق مقولة ابوت.

لاحظت كابلان أن "هذا التوازي مع إسرائيل الانجيلية يضفي هوية استثنائية على الولايات المتحدة منذ البداية. وطد هذا التفرد هوية الأمة الأمريكية الجديدة المتزعزعة ضمن إطار إسرائيل الإنجيلية."

بنيت هذه الهوية بأسلوب اقصائي و"ومسحت ذاكرة المجتمعات الساذجة التي استأصلتها الحروب والأمراض والتجارة والزراعة لتفسح المجال أمام شعب الله المختار."

  تبدأ كابلان الكتاب مع فجر القرن التاسع عشر ويركز سردها على الطرق المتعددة التي استخدم بها المنتوج الثقافي الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لتثبيت دعم الولايات المتحدة للصهيونية. وتتفحص ألية قيام إسرائيل بدور الوكيل لمخاوف المجتمع الأمريكي الذكوري المسيحي الأبيض وكافة تحيزاته وتطلعاته بشكل أساسي وإن لم يكن بشكل حصري.

تبحر كابلان عبر الثقافة الأمريكية الرخيصة والرائجة لتثبت وجهة نظرها. ابتداء بكتاب وفيلم "النزوح" الاستشراقي الواسع الانتشار إلى سلسلة كتب الصهيونية المسيحية "تركونا لوحدنا" المقززة حيث تثبت إن إسرائيل تستخدم كأمثولة لما يجب أن تتطلع إليه الولايات المتحدة وكتذكرة لما يفترض بالولايات المتحدة فقدانه في خيال تلك العمليات الثقافية.

(كما أنها تستعرض قصة السلسلة التلفزيونية الاستخبارية نسيس التي تضم شخصية تدعى اري اشراوي ووالدها رئيس الموساد ووالدتها الطبيبة الفلسطينية).

وليس بمستغرب بالنسبة للرجال اليهود والمسيحيين الذين ينتجون تلك الثقافة مقارنة الإسرائيلي الفحل المفتول العضلات بالأمريكي العقيم الواهن والمترهل بتعابير جنسية مخنثة.

وبذلك يُصور ليون أوريس في "النزوح" بشخصية اري بن كنعان كترياق لوالي كليفر المتحضر والمدجن في سلسلة "دعها لبيفر" في حقبة أيزنهاور. أما سلسلة تركونا خلفهم فهي تحذير لأمريكا المفلسة أخلاقياً والتي ابتعدت عن العسكرة الذكورية وقيم الأسرة الأبوية في حقبة ما بعد فيتنام لصالح السلام ونزع السلاح النووي وحقوق النساء الإنجابية.

وفي حقبة ما بعد 11 أيلول توجه سلسلة نسيس مشاهديها للتخلي عن إصرارها على حقوق الإنسان لتبني نهج المراقبة الجماعية وفق النموذج الإسرائيلي.

تظهر كابلان ببراعة دور الكتب الجادة في تشكيل مسار سياسة الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل.

 يتلقى كتاب جوان بيترز "منذ الزمن السحيق"-والذي يتلاعب بالبيانات الديموغرافية للإمبراطورية العثمانية ليقترح أن عرب فلسطين كانوا وافدين جدد هاجروا للانتفاع من التطور الاقتصادي الصهيوني-ما يستحقه من ازدراء.

وتعيد كابلان تشييد المسارات المنسية لزمن طويل وتضع دوائر على المسارات الشهيرة والحديثة.

ومن الأمثلة السياقية كتاب بارتلي كرم"خلف الستارة الحريرية: توثيق شخصي للدبلوماسية البريطانية الأمريكية في فلسطين والشرق الأوسط". كان كرم محام كاثوليكي تقدمي لحقوق الانسان ونشطاً في حركة معارضة الاعدام في الولايات المتحدة والجهود المناوئة للفاشية في اسبانيا.

عين كرم مندوباً أمريكياً في لجنة تقصي الحقائق البريطانية الأمريكية والتي أوصت في عام 1946 بالسماح بدخول 100 ألف نازح يهودي من الناجين من المحرقة إلى فلسطين. ولكن اللجنة رفضت التصديق على الهدف الصهيوني السياسي للسيادة على فلسطين.

كان كرم يميل لليسار على الطيف السياسي وفق كابلان مما دعا وزارة الخارجية الأمريكية لمحاولة منع تعيين "الرفيق كرم".

وكما يذكر كرم في كتاباته اعترف بعدالة المطالب الفلسطينية ولكنه أفاد الصهيونية عبر المقارنة التي شهدها بين مشاهد تعصر القلوب لأفراد في مخيمات النزوح الأوروبية والمجتمع الصهيوني المزدهر في فلسطين.

"رأيت في فلسطين الكثير من الأطفال اليهود من الشقر ذوي العيون الزرقاء وقيل لي إنها كانت طفرة جماعية لم تجد لها تفسيراً بعد" وفق كرم. وتلاحظ كابلان بحصافة كيف دفعت وجهات نظر كرم العرقية لرؤية المشروع الصهيوني كامتداد للمدى الأمريكي.

وتكتب " عاد اليهود الذين انهكم النفي وحياة الشظف إلى أرض الميعاد وإلى جذورهم كعمال أشداء يتوقدون فتاءً للعمل في الأرض. وفي الوقت ذاته بدأوا أشبه ما يكونون بالأمريكيين البيض."

لعب كتاب كرم والدعم اللاحق دوراً كبيراً في تحضير الأرضية للدعم الأمريكي لتقسيم فلسطين في عام 1947. وتعتبر حكايته واحدة من القصص العديدة في كتاب كابلان والتي تظهر أن الصهيونية كانت حركة ليبرالية وحتى تقدمية خلال تلك الفترة الحرجة.

تعرض كابلان أيضاً الدور الرئيس الذي لعبته الكتب الرصينة المؤخرة في تشكيل المسار الأمريكي نحو إسرائيل والشعب الفلسطيني. بدأ التعاطف الأمريكي مع القضية الفلسطينية بالارتقاء بشكل ملحوظ في اعقاب الغزو الإسرائيلي الوحشي للبنان عام 1982 وقمعها الفظيع للانتفاضة التي بدأت عام 1987.

ومن أجل إخفات نقد إسرائيل "ظهر توافق ليبرالي في الثمانينات حول سردية شعبين يتصارعان على أرض واحدة واعتقاد بأن الاعتراف المتبادل بين الطرفين سيمثل الحل الوحيد للصراع."

افترض هذا التوافق المشوه تناظراً بين إسرائيل والشعب الفلسطيني بدلاً من تحديد العلاقة بموقعها الحقيقي كمستعمر مقابل المستعَمر.

شكل خطاب "الجانبين" الأساس "لعملية السلام" والذي لا يزال سائداً لغاية اليوم.

وتلقي كابلان الضوء على مساهمات مراسلي النيويورك تايمز دافيد شيبلر وتوماس فريدمان ودورها في بناء هذا التوافق.

يرسم شيبلر في كتابه "عرب ويهود: أرواح جريحة في أرض الميعاد" مساواة سيكولوجية بين اليهود المصدومين والجماعات الفلسطينية. وخط توماس فريدمان تكافؤ سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين في كتابه" من بيروت إلى القدس".

لقد خلفت كابلان من خلال هذه التمحيصات والتفسيرات الفريدة والمكتوبة بسلاسة ورشاقة وبأسلوب تحليلي راق كتاباً مجلجلاً وفر لنا الكثير من الايضاح والعمق لتفهم سبب استمرارية وثبات الدعم الأمريكي لإسرائيل.

المؤلفة:

د. أيمي كابلان: (1953-2020) أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة بنسلفانيا الأمريكية. ركزت كتاباتها على الدراسة النقدية لثقافة الامبريالية وأدب السجون والنحيب والحرب والذكرى. حازت شهادة الدكتوراه من جامعة جون هوبكنز. شاركت عام 1994 في تحرير كتاب: "ثقافة الولايات المتحدة الامبريالية" مع دونالد بيس. ومن مؤلفاتها:

-فوضى الإمبراطورية في تشكيل الثقافة الأمريكية.

-البنية الاجتماعية للواقعية الأمريكية.

إضافة إلى العديد من المقالات المتميزة.

المصدر:

The Electronic Intifada


عدد القراء: 855

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-