عيون في غزة

نشر بتاريخ: 2023-11-04

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

 

الكتاب: "عيون في غزة"

المؤلف: الدكتور مادس جيلبرت، الدكتور أريك فوس.

الناشر: كوارتر بوكس

تاريخ النشر: 6 أيلول 2010

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 332 صفحة

يتحدث كتاب "عيون في غزة" عن تجارب الطبيبين النرويجيين مادس جيلبرت واريك فوس في مشفى الشفاء خلال الاعتداء الإسرائيلي الدموي على غزة في شهر كانون الأول/يناير عام 2008 وكانون الثاني/يناير عام 2009. كانوا في ذلك الوقت الطبيبين الغربيين الوحيدين على أرض الواقع وقلة من الشهود الغربيين على "المجزرة الإسرائيلية التي راح ضحيتها 1400 من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين. ومن هنا جاء عنوان الكتاب يحمل شهادة على وضعهم كشاهدين على المأساة.

دخل جيلبرت وفوس ظهيرة آخر يوم من عام 2008 وبعد أربعة أيام من بداية الهجوم الإسرائيلي قادمين من مصر.

وعادا في صباح العاشر من كانون الثاني/يناير عام 2009 قبل انتهاء الحملة الإسرائيلية بأسبوع وتم استبدالهم بطاقم طبي نرويجي آخر. وقاما خلال تلك الفترة بمساعدة زملائهم الفلسطينيين مع الإشادة "ببطولتهم التاريخية"(112) التي لا حدود لها حيث قاموا بإجراء حوالي 20 عملية جراحية يومياً للضحايا المدنيين بسبب القصف والقنص الإسرائيلي. وفي ظل غياب وسائل الاعلام الغربية قاموا بدور المراسلين الصحفيين ("أصوات بيضاء"-121-122) عبر إجراء من عشرة إلى خمسة عشرة مقابلة يومياً.

لا يدعي الطبيبين أي حياد بل يفخران بكونهم نشطاء سياسيين ملتزمين بمناصرة الحقوق الفلسطينية ونددا بالتواطؤ الغربي مع الجرائم الإسرائيلية. ويؤكد جيلبرت باعتزاز "نحن أطباء ولكننا لا نريد أن نكون مجرد أطباء"(306).

أثار هذا المظهر من نشاطاتهم في غزة حفيظة الغرب مما دعا قناة فوكس نيوز لنعت جيلبرت "بطبيب الدعاية لحماس"(123) لأنه وصف الفظائع التي شهدها بدلاً من التكتم عليها. وتساءل جيلبرت "ألا يجب أن يكون هناك حد لعدد المرات التي مُنعت فيها وسائل الاعلام العالمية من دخول غزة وتُؤخذ عوضاً عن ذلك مصحوبة بوسائل الاعلام الإسرائيلية إلى الحدود الإسرائيلية حيث سقطت الصواريخ الفلسطينية ولم تحدث سوى حفر بسيطة في الأرض؟"(130).

تضم المقدمة التي كتبت مشاركة بين الاثنين (بينما كُتبت باقي الفصول مناصفة فيما بينهما) رفضهما الاختباء خلف "شاشة دخان" اللغة التقليدية التي سادت فوق علاقات القوة والحقائق السياسية". فالضفة الغربية وغزة هي "فلسطين “أو "فلسطين المحتلة" و"المستوطنات" هي "مستعمرات" و"المستوطنين “هم "محتلين" وقوات الدفاع الإسرائيلية هي “القوات العسكرية الإسرائيلية “و"الإرهابيين"(بالطبع الفلسطينيين وفق السياق الغربي) هم "محاربون" وغيرها من الأمثلة (16-17).

وبالرغم من أسلوب الكاتبين الرقراق والذي يماثل الكتابة الشائعة ولكنه لا يعتبر كتاباً سهل المطالعة. إذ يضم بعض المشاهد المؤلمة للجروح المرعبة وكثير منها ناجم عن استخدام الذخائر المحرمة دولياً مثل متفجرات المعادن الخاملة الكثيفة (85-87،118،140) والفوسفور الأبيض (284) وسجلات الطب الشرعي التي تضم أسماء الأدوات الجراحية المخيفة. كما يحفل الكتاب بصور الضحايا وأحياناً خلال أو بعد العمليات الجراحية.

يساهم هذا التوثيق البليغ بصدقية الكتاب وقوته الطاحنة. خذ على سبيل المثال قصة "الفتاة ذات الأعوام الثمانية وهي ترتدي السترة الزهرية...والتي خضعت لعلاج جرح في رأسها" وفي ظل انعدام الكراسي عولجت وهي واقفة “مدفوعة إلى الجدار" وكذلك الطبيب الذي ينظف جراحها..."

ويتساءل فوس:"يا ترى ما الذي جال في خاطرها؟ ربما ارتعدت من الخوف. علمت أنها نجت من هذا الهجوم ولكنها قد تصاب مرة أخرى. لا يوجد ملاذ آمن في غزة...التمست العائلة ملتجئاً في مدرسة الأمم المتحدة وكانت تلعب مع أطفال آخرين. عندما سقطت قذيفة الدبابة. أي نوع من الخوف والأذى النفسي قد حاق بالبريئة ذات السنوات الثمانية؟"(149-150).

تلك هي مشاعر جياشة وأحاسيس مرهفة تعزز أثرها بصورة على الصفحة التالية تظهر المشهد الذي وصف للتو سترة زهرية وكل شيء.

ويتفكر بالدوافع المحتملة للجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار من الخلف على إمراه فلسطينية في الثالثة والخمسين من العمر "بينما كانت تمشي إلى سيارة الإسعاف التي تنتظرها والتي من المفترض أنها جاءت لتنقلها إلى بر الأمان" ويتأمل فرصها وفرص عائلتها لإعادة التأهيل اللازمة مدى الحياة" ويختتم جيلبرت: لن ترقأ الجراح ما لم يخضع المسؤولين السياسيين عن هذه الجرائم للمحاكمة أمام محكمة دولية جراء ما اقترفته أيديهم في غزة."(217-218). ووفق تعبير طبيب فلسطيني" لا يوجد لدينا 5400 جريح فحسب بل لدينا مليون ونصف المليون جريح. كل شخص في غزة مصاب."

ووفق أحد المعلقين الذي كتب في موقع يدعي تفحص "معاداة السامية واللوبي المضاد لإسرائيل في النرويج" فإن تأثير كتاب "عيون في غزة" يدخل في قلب القارئ الاعتقاد المؤكد بأن عملية الرصاص المصبوب كانت غير مبررة وتعاطفاً مخلصاً مع القضية الفلسطينية واشمئزاز عارم من إسرائيل. وفي هذا السياق نجح الكتاب أيما نجاح".

تعرض الطبيبان لوابل من الإدانة وتشويه السمعة منذ نشر الكتاب في النرويج. حيث يصور الجانب الآخر جرائم إسرائيل كفضائل ولهذا أصبح نجاح الكتاب هدفاً للاستهجان.

وهنا مثال آخر على نقد الكتاب والذي جاء على لسان ريكي هولاندر الذي كتب "للجنة مصداقية تقارير الشرق الأوسط في أمريكا" والتي على غرار معظم تلك المنظمات التي تفعل عكس ما تنادي به. وفي مقال بعنوان “أطباء نرويجيون في غزة: مراقبون موضوعيون أم أبواق دعاية حزبية؟ “ويضيف هولاندر أن الأطباء دخلوا غزة “ظاهرياً بهدف تقديم المعونة الطبية للفلسطينيين في مشفى الشفاء".

تختزل كلمة "ظاهرياً" كل شيء ولكن هولاندر يتمادى في التجني ليدعي "أن جيلبرت هو ماركسي راديكالي" و"أن تحرق فوس للعمل مع الفلسطينيين نبع من الوقت الذي قضاه في لبنان"(خلال هجوم إسرائيل الاجرامي على ذلك البلد عام 1982) وبالتالي “إذا أخذنا بعين الاعتبار المنظور الحزبي الذي يمثلانه فإن شهادة فوس وجيلبرت يجب أن تؤخذ بأقصى قدر من الحذر".

لقيت هذه الشهادة منذ نشر الكتاب دعماً هائلاً عبر تقرير لجنة جولد ستون التابعة للأمم المتحدة. وربما ساعد التشهير الذي تعرض له فوس وجيلبرت في تعزيز قيمة الكتاب وتصدره لقائمة الكتب الأكثر مبيعاً في النرويج.

هذا كتاب يستحق القراءة على أوسع نطاق. ويجب أن يفرض على المتفيهقين الذين يقولون “أن جيش إسرائيل هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم." وعلى الساسة الغربيين الذين يسهلون الاستشهاد المستمر للشعب الفلسطيني.

المؤلف:

- الدكتور: مادس جيلبرت. طبيب في المشفى الجامعي في شمال النرويج. حائز على شهادة الدكتوراه من جامعة أيوا وتخصص بعلم التخدير. عمل رئيساً لقسم طب الإسعاف في جامعة ترومس. بدأ منذ عام 1981 بالذهاب الدوري إلى فلسطين كأستاذ وطبيب إسعاف في المشافي الفلسطينية التابعة للأونروا. شارك بتأليف كتاب عيون في غزة والذي اعتبرته صحيفة كلاسكامبن النرويجية أفضل كتاب لعام 2009 وكتب أيضاً كتاب "ليلة في غزة" عام 2015.

- الدكتور أريك فوس: جراح نرويجي وناشط سياسي. ترأس قسم الطب التدخلي في المشفى القومي منذ عام 1995. شارك في الأعمال الطبية التضامنية على المستوى الدولي منذ عام 1979 وساهم بتأسيس اللجنة النرويجية للإغاثة في عام 1983. وحظي بإشادة دولية نظير أعماله الإنسانية في قطاع غزة مع الدكتور مادي جلبرت خلال حرب غزة.

من منشوراته:

-جراحة الحروب بالاشتراك مع هانس هوسوم وسوي تشاي (1995).

-من داخل مشفى الشفاء في غزة. صحيفة اللانسيت 17 كانون الثاني عام 2009.

-عيون في غزة مع مادس جيلبرت (2010).

-"حياة بين يديك" عام 2013.

-"مركز التدخل-كتاب ارشادي" عام 2001.

 

المصدر:

The Electronic Intifada


عدد القراء: 1111

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-