الكوكب الخاوي.. صدمة انخفاض عدد سكان العالم

نشر بتاريخ: 2023-11-10

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

مراجعة: آدم جونرمان

الكتاب: "الكوكب الخاوي صدمة انخفاض عدد سكان العالم"

المؤلف: داريل بريكر، جون ابيستون

الناشر: سيجنال بوكس Signal

تاريخ النشر: 5 فبراير 2019

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 304 صفحة

ما الذي سيحدث لو تغير مستقبل البشرية بدلاً من عالم خانق مزدحم إلى انخفاض سكاني مستديم؟ وبالطبع لا يحدث ذلك بسبب مذابح جماعية أو وباء أو حرب نووية أو سقوط مذنب يفضي إلى انخفاض عديدنا بل تحول بالاقتصادات ونوعية الحياة يؤدي بنا إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال. هذا ما يقترح الكتاب حدوثه الآن في العديد من الدول حول العالم على غرار اليابان وهنغاريا والذي سيصبح نمطاً معتاداً في الدول المتقدمة بل وحتى في الدول النامية في السنوات القادمة ويقدم قضية مقنعة في ثنايا "الكوكب الخاوي".

قام المؤلفان بواجبهما على أكمل وجه عبر البحث في البيانات الإحصائية والدراسات الديموغرافية والسجلات التاريخية والذهاب إلى أماكن عديدة مثل كوريا والهند والبرازيل والتحدث مع الأفراد، وخاصة النساء، حول تجاربهم وتطلعاتهم حول قرارات الزواج والتخطيط الأسري. وتمكنا من نسج قصة متجانسة حول تلك الصور وربطها بنتائج أبحاثهم والتي دفعتني للتمسك بالكتاب حتى الانتهاء من الصفحة الأخيرة.

قد يظن المرء أن الانخفاض السكاني أمر رائع وربما قد يكون كذلك إلى حد معين ولكن الكتاب يبين أن ثمة جانب قاتم لعدم الحفاظ على السكان. إذ سيضعف الاقتصاد مع انخفاض عدد المنتجين والمستهلكين وتراجع عدد الشباب العاملين والقادرين على دفع الضرائب وحيث تصبح المحافظة على مزايا التقدم بالعمر صعبة وعسيرة. وتتجه بعض الدول التي يتقلص عددها مثل هنغاريا واليابان إلى عدم الترحيب باللاجئين وربما تصبح أكثر عدائية تجاههم مما يجعل ظروف تلك البلدان أكثر حرجاً. تُذكر الولايات المتحدة وكندا كأمثلة على المجتمعات المهاجرة والتي ستبقى معافاة على المدى الطويل ما لم تنحرف عن تقبلها التاريخي للقادمين الجدد. وكما نعلم فإن الشعور المعادي للهجرة اكتسب بعض القوة في بعض المناطق من الولايات المتحدة بالرغم من الانخفاض التاريخي بالهجرة. وفي الحقيقة بدأ بعض الأفراد بالعودة من الولايات المتحدة إلى أوطانهم الأصلية بأعداد كبيرة منذ عام 2008.

"ستصبح الهجرة المعاكسة ظاهرة متصاعدة خلال السنوات القادمة حيث يُغرى المهاجرين بالعودة من حيث أتوا وإلى عوائلهم وشعبهم وطعامهم السابق. يجب أن تقوم الدول المتقدمة التي تحتاج للمهاجرين للمحافظة على سكانها بالقيام بكل ما في وسعها للمحافظة عليهم. وبدلاً من ذلك أصبحت تلك الدول عدوانية تجاه القادمين الجدد والذي يمثل نزعة انهزامية". (صفحة 149).

حضرتني لحظة تأمل لدى إشارة الكتاب إلى الخلل في كيفية رد الأفراد من اليسار على مثل تلك التوجهات: "ولكن القاء اللوم في هذه الحالة المزرية لا يقع على الشعبويين والقومين والمعادين للهجرة من اليمين فحسب. حيث يساهم المدافعون عن الهجرة من اليسار بذلك أيضاً عبر تصنيف الهجرة كاختبار للتقبل والتعاطف الشخصي. إذ إن معارضة الهجرة بالنسبة لهم أمر أناني وعنصري. لا يستجيب الأفراد بشكل طيب لتلك الاهانات ويقومون بالرد العنيف على متهميهم وتحقيرهم بوصفهم نخبة معزولة عن الواقع ومن ثم يصوتون للساسة الذين يعتقدون أنهم سيناصرونهم. يتعين على الساسة العقلاء من الجانبين بيان أن تقبل المهاجرين لا يتعلق البتة بالتعاطف أو التحمل ولكنه مفيد لقطاع العمل ونمو الاقتصاد كما أنه يوسع القاعدة الضريبية. ينحو الأفراد للتصرف وفق مصالهم الأنانية أكثر من التضحية لأجل الآخرين."(صفحة 152).

لا شك أن العنصرية تقف وراء قدر كبير من الخطاب المعادي للهجرة في هذا الزمان ولكن استحضارها في كل مرة لن يؤدي إلى فائدة تذكر. ومن المنطقي المطالبة بالمهاجرين لإن الاقتصاد ليس كعكة ثابتة يأخذ الأفراد منها شرائح ولكنه قيمة على شكل منتجات وخدمات يولدها النشاط البشري عبر العمل والابداع. ويعود ذلك إلى الجذور التي فهمت من خلالها الاقتصادات وأظن أنني سأفعل لنفسي معروفاً بالعودة إلى تلك العقلية وفي الوقت ذاته أقوم بواجبي الأخلاقي الذي يحتم عليّ الترحيب بالهجرة واللاجئين.

أعتقد أن بعض أقسام الكتاب ستتعرض للنقد مثل القسم الذي يتحدث عن تحسن الظروف المعيشية للسود في الولايات المتحدة. كما أنه يسعى لتوضيح أن تلك الحالة تبقى مرفوضة حيث العنصرية المنتظمة والفقر ولكنني أخشى أن يظن البعض أنهما يهونان من قدر تلك المعضلة. رأيت كيف حدث ذلك مع كتاب ستيفن بنكر الذي قال مستنداً إلى البيانات والاحصائيات أن نوعية الحياة البشرية عموماً أفضل اليوم من أي وقت مضى في التاريخ الإنساني. ولكنه لا يتحدث بما يكفي عن حالات مخصصة من البؤس البشري بل يكتفي بالتركيز على الصورة الكبرى بحيث أتهم بأنه يرسم صورة وردية زاهية تقوض من جهود العدالة الاجتماعية.

وربما لا يعجب بعض الأفراد استخدام هذا الكتاب للبيانات التي تبدو مقصرة في تصوير معاناة اللاجئين وغيرهم. ولكن ذلك سيبعدنا عن الهدف. بالطبع ثمة مشاكل حقيقية يجب أن تحظى بالنقاش وربما لم يعطها الكاتبين ما تستحقه. ولكن جودة بعض الأمور اليوم أفضل من السابق لا يعني أن الوضع الراهن مقبول عموماً.

يمتاز هذا الكتاب بالسلاسة والانسيابية رغم تشارك شخصين بإنجازه وأعتبره مقدمة مشجعة ومحفزة لتقديم تحذيرات واقعية في المسار المستقبلي وأعتبره يستحق قراءة متأنية وواعية.

المؤلفون:

- الدكتور داريل بريكر: رئيس مؤسسة ابسوس للشؤون العامة المعنية باستطلاعات الرأي. حائز على شهادة الدكتوراه بالعلوم السياسية من جامعة كارلتون والدكتوراه الفخرية بالقانون من جامعة ويلفريد لورير. من مؤلفاته:

-البحث عن اليقين: من داخل العقلية الكندية الجديدة (2002)

-نعلم بما تفكر (2009)

-دراسة الكندي (2011)

-التحول الكبير (2013)

*جون ابستون: كاتب في صحيفة جلوب ان ميل الكندية.

نشرا قبل هذا الكتاب كتاب “التحول الكبير"

من مؤلفاته:

-الثنائي: ديفنبيكر وبيرسون وتشكيل كندا الحديثة.

-حرب جيريمي (2013)

-الهبوط (2013)

-ستيفن هاربر (2016)

-الأرض الموعودة: داخل ثورة مايك هاريس (1997)

-الثورة المهذبة: تقان الحلم الكندي (2011)

-جيريمي والجنرال (1991)

-لا ولاء بعد الآن: صراع أونتاريو من أجل هوية مستقلة (2001)

المصدر:

Medium


عدد القراء: 962

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-