القراءة في الزمن المتغير


يقول العالم الأمريكي راي باردبوري: «هناك جريمة أكبر من جريمة حرق الكتب، ألا وهي جريمة عدم قراءتها»

وقبل ذلك بقرون وفي مكان آخر من العالم وضمن حضارة مغايرة ولغة مختلفة، قال الشاعر العربي الشهير أبو الطيب المتنبي:

 

       أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ         وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ

 

فعلى الرغم من فارق الزمان والمكان واختلاف الثقافة واللسان، اتّفق الرجلان على أهميّة الكتاب وقراءته.

وإن عدنا إلى الوراء أبعد من ذلك قليلاً، وجدنا أن الدين الإسلامي الحنيف أشار إلى أهميّة القراءة منذ البداية، فأول آية نزلت على الرسول  وهو يتعبّد في غار حراء كانت:

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق

ونظراً للتطور التكنولوجي الهائل والانفجار المعرفي الذي يشهده العصر الحالي والاهتمام بحرية التعبير وإبداء الرأي اتسع مفهوم القراءة، وأصبحت القراءة عقلية انفعالية تشمل تفسير الرموز والرسوم التي يتلقاها القارئ عن طريق فهم المعاني والربط بين الخبرة السابقة للقارئ وهذه المعاني والاستنتاج والنقد والحكم والتذوق وحل المشكلات، ومن هنا جاءت أهمية ربط القراءة بالابتكار والإبداع، وخرجت القراءة من مفهومها التقليدي الذي أصبحت لا يفي بحاجات العصر إلى القراءة الابتكارية التي تجعل من الكتاب مصدراً للتفكير والإبداع، وتجعل المتعلم يغوص في المادة المقروءة ليكتسب الحقيقة فيما يقرأ، ويستدعي الأفكار المخبوءة التي يمتلكها هو والتي يمزجها بتخيله، فيزداد رصيده من المادة المقروءة، ويصبح قادراً على توظيفه واستخدامها أو إعادة كتابتها والتعبير عنها.

يعاني الوطن العربي من قلة القراءة ففي احصائية وُجد أن كل مليون عربي يقرؤون 30 كتاباً فقط. إذا فالمقارنة تكشف لنا أن وضع القراءة في العالم العربي مزرٍ للغاية، ونحن هنا نتحدث عن القراءة أياً كانت، (كتب الطبخ مثلاً أو التنجيم) فما بالك بقراء النقد الأدبي، أو النص الإبداعي. بعض أسباب ضعف القراءة في العالم العربي منها: الوضع الاقتصادي المتدهور الذي لا يسمح بشراء الكتب، وكذلك انتشار الأمية التي تبلغ أعلى مستوياتها في دول عربية مثل: اليمن، موريتانيا، وجيبوتي، إضافة إلى انتشار الجهل هناك نسبة واسعة من المواطنين يتركون الدراسة بعد انتهاء المرحلة الابتدائية، ويلتحقون بسوق العمل. فالناس، أو أكثرهم، في العالم العربي لا يجدون قوت يومهم لذلك ظلوا يعدون لقمة الخبز أهم من الحرف، وصحن طعام أهم من جملة مفيدة، وكيساً من المواد الغذائية أهم بكثير من مقال في جريدة أو قصة قصيرة.

ونظراً للتطور الحاصل في الغرب من أهم ركائزه حرص المواطن الغربي على القراءة، وليس غريباً أن ترى أن القراءة تستهوي المواطن الغربي بأعماره المختلفة، ولا تجد غرابة عندما تدخل مستوصفاً أو أي مكان رسمي وتجد رفوف الكتب وكأنك داخل إلى مكتبة. وما يزيد تشجيعهم على القراءة أن الطالب بمجرد تسجيله في المدرسة يمنح كارت المكتبة العامة التي تكون عادة قريبة من مدرسته، لكي يتمكن من استعارة الكثير من الكتب وبشتى التوجهات, وبالمقارنة إذا نظرنا إلى عالمنا العربي نجد بالفعل ما يخيب الآمال في هذا الاتجاه، وأن أمة (اقرأ) أصبحت اليوم للأسف لا تقرأ.

 ودليل ذلك ما نجده من أرقام طرحت من قبل مؤسسات بحثية عن مستوى القراءة بين الشرق والغرب، فقد أكدت إحدى دراسات المركز العربي للتنمية أن مستوى قراءة الطفل العربي لا يزيد على 6 دقائق في السنة، ومعدل ما يقرأ 6 ورقات، ومتوسط قراءة الشاب من نصف صفحة إلى نصف كتاب في السنة، ومتوسط القراءة لكل مواطن عربي لا يساوي أكثر من 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الأوروبي.

ينشر العالم العربي أقل من 2000 كتاب في السنة، كتب الطبخ تحتل الصدارة بنسبة 23 % على الإنترنت.

وأوردت الدراسات أن عدد الكتب المؤلفة سنوياً والمتوافرة للطفل العربي لا تزيد على 400 كتاب، مقارنة بالكتب المؤلفة والمتوافرة للطفل الأمريكي مثلاً، والتي فاقت 13260 كتاباً في السنة، والطفل البريطاني 3837 كتاباً، والطفل الفرنسي 2118 كتاباً، والطفل الروسي 1458 كتاباً في السنة الواحدة.

يحتل البحث عن كتاب في قوقل المرتبة الـ 153 من بين اهتماماتنا العربية.

وأوضح تقرير (التنمية الثقافية) الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، وقدمت مضامينه في الدورة العاشرة لمؤتمر (فكر) المنعقد في 5 - 7 كانون الأول/ديسمبر 2001 بدبي بالإمارات، أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً، في حين يتناقص معدل القراءة لدى الفرد العربي إلى 6 دقائق سنوياً، واصفاً نسبة القراءة المسجلة في الوطن العربي بـ(المخيفة والكارثية).

وأضافت الوثيقة، أن مستوى القراءة في الدول العربية يتفاوت من بلد لآخر حسب العديد من المحددات أبرزها عامل السن والمستوى الثقافي والاقتصادي، والوسط المعيشي والجغرافي والبيئي.

وأبرزت أن بيئة التعليم الناقصة هي السبب في تعطيل علاقة الإنسان بالكتاب، حاثة على تطوير المناهج الدراسية في المنظومات التعليمية العربية من أجل تكوين جيل جديد قادر على رفع نسبة القراءة وتنمية مداركه.

وأفادت دراسة أخيرة حول معدلات القراءة في العالم أن قراءة  ربع صفحة أي كل 20 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً فقط في السنة، بينما يقرأ كل مواطن ألماني أو بريطاني 7 كتب أي 140 ضعف ما يقرأه المواطن العربي، أما المواطن الأمريكي فيقرأ 11 كتاباً في السنة أي 220 ضعف ما يقرأه المواطن العربي في السنة.

وانتهت الدراسات إلى أن إجمالي ما يتم تأليفه من الكتب سنوياً في الدول العربية لا يساوي أكثر من %1.1 من الإنتاج العالمي السنوي من الكتب، بينما يزيد عدد سكان الوطن العربي مقابل سكان العالم بنسبة 5.5.

أما في مجال دعم البحث العلمي فقد سجلت أمريكا أعلى معدلات الإنفاق، بنسبة فاقت 3.1 % من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما سجلت الدول العربية 0.2 % فقط، مما أدى إلى تراجع إجمالي علماء البحث العرب إلى 35 ألف باحث.

وقد أدى نمو الأهمية الاجتماعية للكلمة المطبوعة في عالمنا المعاصر إلى ظهور عدد كبير من البحوث والدراسات في بلدان أوروبا وفي أمريكا بشكل خاص. وخلال الثمانين سنة الأخيرة نشر في العالم أكثر من 40 ألف بحث علمي مكرس لقضايا القراءة، وعقدت عدة مؤتمرات دولية نظمتها (IRA) الرابطة الدولية للقراءة.

وفي تقرير التنمية العربي أن هناك كتاباً يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي بينما يصدر كتاب لكل 500 مواطن إنجليزي أي أن معدل الإصدار في العالم العربي لا يتجاوز 4 % من معدل الإصدار في إنجلترا.

أما الكتب الإلكترونية فالواقع أشد ألماً .. تصل مبيعات الكتب في الغرب إلى أكثر من 40 ألف نسخة في اليوم الواحد، وتصل المبيعات للملايين. أما في العالم العربي فلا تكاد المبيعات تُذكر، وما زالت الأمية في العالم العربي منتشرة في حين أنها اختفت تماماً في بلد مثل اليابان منذ القرن التاسع عشر.

فإن تقرير منظمة اليونسيف يبين أن 70 مليونًا عربيًّا ما زالوا أميين وثلثاهم من النساء والأطفال.

وتعالج هذه الدراسات دوافع القراءة، واهتمامات القراء، واتجاهات القراءة الأدبية للأجناس الأدبية المختلفة. وتركز هذه الدراسات بصورة خاصة على الجانب السيكولوجي للقراءة وللقارئ.

يقول الباحث فيليب ديفيس: «إن للأدب قوة وتأثيرا على العقل وقدرة في توليد أفكار جديدة»، ووجد باحثون بريطانيون «أن قراءة الأعمال الأدبية للشعراء والمؤلفين الكبار باللغة الإنجليزية - ولم يجب الباحثون لماذا تحديداً الشعراء والمؤلفين الكبار ولماذا تحديداً الأدب الإنجليزي- يوفر دفعاً كبيراً للدماغ ما يرفع المعنويات ويحفز على الاستمرار بالمطالعة لأوقات أطول» وخلص الخبراء في جامعة ليفربول إلى أن «قراءة الأعمال الأدبية لكبار الأدباء مثل شكسبير ووليام وورد زوورث ومن في منزلتهما الأدبية تترك تأثيراً مفيداً على الذهن، وترفع المعنويات من خلال جذب انتباه القارئ وحضه على التفكير».

أما الصين فهي تعمل على ترجمة وطباعة كل كتاب يصدر في أمريكا خلال ثلاثة أيام من صدوره، في حين أن أكبر الدول العربية لا يترجم فيها إلا 400 كتاب في السنة.

يقول خبير القراءة السريعة جمال الملا على قناة العربية في برنامج إضاءات بأن هناك أبحاثًا ودراسات علمية أكدت بأن المواطن الأمريكي يقضي 200 ساعة في السنة في قراءة الكتب ... وأن المواطن العربي يقضي 6 دقائق في السنة في قراءة الكتب ... وأن أرباح دار نشر واحدة في دولة غربية أكثر من أرباح دور 22 دولة عربية , مع العلم أننا أمة (اقرأ).


عدد القراء: 10944

التعليقات 1

  • بواسطة Azar من المغرب
    بتاريخ 2020-08-03 21:41:29

    شكرا على المجهود واسمحوا لي ان اضيف: حقيقة هناك قطيعة كبيرة في عالمنا العربي مع الكتاب، ربما بسبب كون القراءة تلامس مواطن الجهل المتراكم داخلنا، وقد يكون نظام التعليم الرديء هو الذي جعلنا ننفر من القراءة، وقد يكون التشبث بمعتقدات معينة ومقاومة التغيير والتحديث هو السبب، أوقد يكون بسبب عدم الاقتناع بأن القراءة مفيدة ومهمة لنا في حياتنا. مهما كانت الأسباب فالحقيقة واحدة للأسف، الكتاب بمجتمعنا العربي لا يحتل مكانة مهمة، فالكتب لا تجد من يشتريها، ومعارض الكتاب شبه خاوية. https://www.ta9afa-net.com/2020/07/reading.html?m=1

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-