
حسين مؤنس .. أديب المؤرخين
حسين مؤنس هو الأستاذ والمؤرخ والأديب والكاتب والمترجم والمحقق صفات جليله لعالم متميز في مجاله تشكلوا جميعًا في بوتقة تاريخيه وأدبيه وقصصيه قدم بها روائع بديعة للقارئ العربي وما أعظم أن يبدع المؤرخ في التاريخ فيجعله حيًّا نابضًا بالحكايات.. شخصيه بديعة ومغردة استمتعت بالكتابة عنها ووجدت فيها زادًا كثيرًا من جمال التاريخ وحكاياته وقصصه أستحق بها أن يكون واحدًا من أهم مؤرخي العرب المحدثين ورائد الدراسات التاريخية الأندلسية في الوطن العربي حيث كتب في عصور مختلفة وحقب متنوعه امتدت لتشمل أربعه عشر قرنًا من الزمان، كان باحثًا جادًا، ومؤرخًا نشيطًا ثبتًا، وإنسانًا نبيلًا ترك العديد من المؤلفات التاريخية ذات الثقل العلمي لذلك يستحق لقب المؤرخ الموسوعي حيث أن مؤلفاته العلمية لـم تقتصر على التاريخ، بل في الجغرافيا والدين والروايات الأدبية كما ساهم في أثراء الحياة العلمية بمصر عن طريق مدرسته التي أنشأها لتكون صرحًا علميًا أو إسهاماته في مشروع الالف كتاب، كما ساعد في التقاء الحضارات والثقافات بين الشرق والغرب خلال فتره إدارته للمعهد العلمي للدراسات الإسلامية بمدريد.
ولد حسين مؤنس في مدينة السويس 28 أغسطس 1911م، والتحق بكلية الآداب بقسم التاريخ، وعمل مترجمًا بعد تخرجه عن الفرنسية، واشترك مع جماعة من زملائه في تأليف لجنة أطلقوا عليها «لجنة الجامعيين لنشر العلم» وعزمت اللجنة على نشر بعض ذخائر الفكر الإنساني، فترجمت كتاب (تراث الإسلام) الذي وضعه مجموعة من المستشرقين، وكان نصيبه بالمشاركة ترجمة الفصل الخاص بإسبانيا والبرتغال، ونشر في هذه الفترة أول مؤلفاته التاريخية وهو كتاب (الشرق الإسلامي في العصر الحديث). ثم حصل على درجة الماجستير برسالة عنوانها «فتح العرب للمغرب» ثم عين مدرسًا بقسم التاريخ بكلية الآداب، وأخذ يرقى في وظائفه العلمية حتى درجة أستاذ في التاريخ الإسلامي ثم انتدبته وزارة التربية والتعليم المصرية؛ ليتولى إدارة الثقافة بها، كما تولى رئيس تحرير مجلة الهلال وروايات وكتاب الهلال 1977.
والمتأمل لجميع كتاباته على تنوعها بوصفه أستاذًا للتاريخ يظهر شغفًا واهتمامًا بالتاريخ الإسلامي كما كشفت أعماله الأدبية عن عالم موازٍ عاشه بوقائع وأحداث وشخصيات من صنع خياله وليس التاريخ وقد أتسمت بالواقعية وغلب عليها الاتجاه الاجتماعي، فهو كان أديب معني بقضايا الواقع وقد عالجها بثقافه تحمل وعيًا بالسلبيات من خلال رسائل هادفه ذات مغزى تدفع إلى التفكر كما اعتمد في كتابته على اللغة الفصحي وقد ألف نحو 50 كتابًا في مسيرته العلمية، في التاريخ الإسلامي قمر الأندلس وموسوعة تاريخ الأندلس وفتح العرب للمغرب وتاريخ المغرب وحضارته وطريق النبوة والرسالة والتاريخ الصحي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتاريخ قريش وتاريخ المسلمين في البحر المتوسط وأطلس تاريخ الإسلام، كما قدم في مجال الحضارة والفنون كتب تاريخ الحضارة المصرية والحضارة والمساجد، أما في مجال التراجم فقد قدم كتاب (نور الدين محمود سيره مجاهد صادق) وفي التاريخ العام فنجد تنقية أصول التاريخ الإسلامي ودستور أمة الإسلام وعالم الإسلام، وفي التاريخ الحديث باشوات وسوبر باشوات ودراسات في ثوره 1919 أما المؤلفات غير التاريخية نجد له باع في التأليف في مجالات أخرى مثل المؤلفات الجغرافية ومنها تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس، كما له مؤلفات تندرج تحت مسمي (إسلاميات) ومن رواياته الأدبية نجد: «أهلاً وسهلاً» (رواية) «الطريق الأبيض» (مسرحيه من 8 مشاهد)، أداره عموم الزير وقصص أخرى، أحاديث منتصف الليل، حكايات من أيام زمان، وقصة أبو عوف (أربع روايات قصيرة)، ورحلة الأندلس وتقاسيم على أنغام بلدنا وعصر الفتوات، والجارية والشاعر، وغدًا تولد شمس أخرى، وهداة الإنسانية في الشرق، وحكايات خيرستان (قصص رمزية)، ومهر العروسة (رواية).
أما جهوده في التحقيق فنجد أن كل الكتب التي قام بتحقيقها أغلبها مخطوطات مغربيه حيث كان لا يلتزم فيها بمنهج واحد في التحقيق حيث كان يعتمد على التأكيد على المعلومات الواردة بالنص الأصلي ويقارن بين نصوص الكتاب المحقق وبين ما يماثله من معلومات في الكتب الأخرى التي تتناول نفس الأحداث وذلك ليصل إلى التثبت من صحة النص ومن أهم كتبه المحققة كتاب: وثائق المرابطين والموحدين للمراكشي وكتاب الحلة السيراء (لابن الآبار) في مجلدين والكتاب يترجم لأعلام ورموز الأندلس والمغرب حتى القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، والنزاع والتخاصم للمقريزي، ولمؤرخنا كتاب محقق في مجال جغرافيا الرحلات عباره عن ترجمة لأحد الرحالة وهو ابن بطوطه بعنوان ابن بطوطه ورحلاته تحقيق ودراسة وتحليل والكتاب ترجمه أكثر منه تحقيق للكتاب.
واستمرارًا لمعينه الذي لا ينضب في مجال العلم فقد كان له باع طويل في مجال الترجمة وكان يتقن عدة لغات فضلاً عن العربية والفرنسية فهو يتقن الإنجليزية والاسبانية ومن ترجماته كتاب (تاريخ الفكر الأندلسي للمستشرق الإسباني الكبير (جونثالث بالنثيا) ترجمه عن الإسبانية، أو هذا الكتاب يعد موسوعة في الأدب والشعر الأندلسي، وكتاب الإمبراطورية البيزنطية لـ«نورمان بينز»، وكتاب تراث الاسلام لـ(جوزيف شاخت /كليفورد دبوز ورق) وقد ضرب لنا مثلاً وقدوه لما يتميز به من حبه للعمل الجماعي والتعاون المشترك بين أقرانه في مجال الترجمة إذ نرى أغلب تراجمه تتم بالاشتراك مع الآخرين فهو لا يكتف بترجمته للعمل فحسب بل يلجأ إلي مراجعه الترجمة عن طريق أصدقائه وأقرانه للتأكد من صحه العمل قبل إخراجه مما يدل على تواضعه وحرصه على سلامة العمل ليتمكن القارئ من الاستفادة منه على أكمل وجه وتراه يقدم الشكر لكل من عاونه في مجال الترجمة.
ويعد كتابه (مصر ورسالتها دراسة في خصائص مصر ومقومات تاريخها الحضاري ورسالتها في الوجود) من أوائل الكتب التي تناولت الشخصية المصرية ودورها في الحضارة العالمية؛ حيث صدرت النسخة الأولى عام 1955، حيث يتناول الكاتب في رسالة حب كتبها عاشق لهذه الأرض وتاريخها بأسلوب علمي مبسط يصل لكافة المستويات.
* كرم في عهد الرئيس جمال عبدالناصر بجائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية سنة 1965. وحصل على نيشان إسبانيا بدرجه فارس، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولي عام 1966.
وقد ظل في أواخر حياته وافر ومتوقد الذهن على الرغم من كبر سنه وضعف قدرته على الحركة وملازمته المنزل حتى لقي ربه في 17 مارس 1966، تاركا وراءه أرثًا فكريًا وثقافيًا وأدبيًا عظيمًا وقد نعاه الأديب شوقي ضيف واصفًا بأنه: علمًا شامخًا من أعلام مصر في القرن العشرين وركنًا من أركان نهضتنا العلمية والفكرية والأدبية، وقد خلدت أبنته د. مني حسين مؤنس سيرته ومسيرته في كتاب بعنوان (في بيت حسين مؤنس) الصادر عام 1997 عن دار المعارف.
عدد التحميلات: 0