العدد الحاليالعدد رقم 44ترجمات

صَـرَّارُ اللَّـيــــلِ

ترجمة: محمد إبراهيم الفلاح

في أثناء زيارة إلى قلب مدينة نيويورك، وَبالقرب من ميدان التايمز في مانهاتن، كان يمشي اثنان من الأصدقاء أحدهما كان من الهنود الحمر. كان الوقت وقت الذروة والشوارع تعج بالبشر القادمين من كل حدب وصوب. وكانت آلات التنبيه في السيارات تصمُّ الآذان من حدتها والسيارات الأجرة تسمعُ صوت احتكاك ورنين إطاراتها وهي تنعطف عند جنبات الشوارع. وفجأة قال الهندي الأمريكي لصديقه: «أسمع صوتَ صرَّارِ اللَّيـلِ».

فأجابه صديقه قائلًا: «ماذا؟ لقد فقدتَ عقلكَ لا محالة. في وسط كل هذا الضجيج لا يمكن لأحدٍ أن تسمعَ أذناه صوتَ صرَّارِ اللَّيـلِ».

فردَّ عليهِ قائلًا:

«أنا على يقينٍ مما أقول. أنا بالفعل أسمع هذا الصوت».

فَعقَّبَ الآخرُ قائلًا:

«هذا جُنون».

وَبعدها راح الرجل الهندي الأمريكي يتَتَبعُ أثرَ الصوت، ثمَّ عبرَ الشارعَ إلى أن وصلَ إلى وعاء أسمنتيٍّ كانت مغروسةٌ فيه بضعة من الشجيرات. وأخذَ ينظرُ فيما بين هذه الشجيرات وأسفل أفنانها وأشار بعدها على الفور وكله يقينٌ وثبات إلى صرَّارِ ليلٍ صغير للغاية. كادت الدهشة والحيرة بعدها أن تذهبا بعقل صديقه وخاطبه قائلًا:

«هذا غير معقول. لا جرم أنَّ لك أذنين تختلفان عن باقي البشر».

فأجابهُ على الفور:

«كلَّا، مُطلقًا. أذنايَ مثلُ أذنيكَ ومثلُ أُذُنِ باقي البَشَر. السِّرُّ كُلُّهُ يَكمنُ في هذا الَّذي تُفكِّرُ فيه وَيشغَلُ عليكَ بالَكَ».

فأردفَ صديقُهُ قائلًا:

«لكنَّ هذا لا يمكنُ أنْ يحدُثَ. فأنا لا يمكن لي أبدًا أن أسمعَ صوتَ صرَّارِ اللَّيلِ في وسط هذه الجلبةِ المُصِمَّة».

فبادرهُ الهندي الأمريكي بقولهِ:

«نعم، ما تقوله صحيح. الأمرُ يتوقفُ على ما يشغلُ بالَكَ أنتَ أكثرَ دون غيرِكَ. وَدَعني أُبرهنُ لك على صحة ما أقولُ عَمَليًّا».

وبعدها راح يفتشُ في جيبه قليلًا ثمَّ أخرج منه بعضًا من العملات المعدنية وَطَفِقَ يَنثرُ إياها على الأرض دون أن يلفتَ الأنظارَ. وَرغمَ صَوتِ الضَّجيجِ في الشارع الذي كان مكتظًا بالخلقِ حينها والذين كان يُدَوِّي في آذانهم ذلك الصوت حَدَّ الصَّمَمِ، إلَّا أنَّ الصديقينِ لاحظا وفي ذات الآن أنَّ كُلَّ الأنظارِ كانت مُصَوَّبَةً عليهما مِن على مسافةِ سبعةِ أمتارٍ لِيروا إنْ كان صوتُ الرَّنينِ هذا لهما أم لا.

وعندها سألَ الصديقُ الهندي الأمريكي صديقَهُ قائلًا:

«هل صَدَّقتَ الآنَ ما قُلتُهُ لكَ؟ المسألةُ كلُّها تَتَوقفُ على ما يكون مهمًّا لكَ أنتَ دُونَ غَيرِكَ».

 

 

– HISTOIRE DU GRILLON, RECUEIL DE SAGESSE, p 11.

https://coachingsavoie.com/blog/devenez-egophile/

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى