
قصيدة النثر أزمة قصيدة أم أزمة شعراء؟
كثيرًا ما تتهم قصيدة النثر بالقصور والأزمة وغياب الرؤية وغيرها من التهم الجاهزة وغير الجاهزة التي تكون مبنية على أسس لها من الحجية ما يجعل منها أحكامًا تستحق الوقوف عندها لتبين مدى إقناعيتها في الاتهام وأحقيتها في الحكم وجداليتها في بناء الوعي الشعري الذاتي الخاص بها وبنفسها ومحاولة هدم الوعي المضاد الذي يبني مشروعه على هدمها للتأسيس لتسيده للمشهد الشعري حتى وإن كان بلا أفق أو رؤية وما يكتبه مجرد ترديد تعسفي لآراء نقدية قيلت في الماضي وتجاوزها التاريخ ولا جذور لها حتى في حاضرها التي تدعي الارتباط به.
لكن ما يعاب على كلا المعسكرين معسكر المهاجمين والمدافعين هو قصورهم في إدراك ماهية الشعر وأسسه البنائية والجمالية والوعي بالكتابة الشعرية ككتابة لها مقوماتها وضوابطها التي يجب على الشاعر أو من يمكن أن يكتب الشعر أن يكون واعيا بها وقادرًا على التفاعل البناء معها رؤية وكتابة.
فالأزمة أزمة شعر وأزمة شعراء وهو ما يتجلى في أغلب النصوص سواء أكانت هذه النصوص تحت مسمى عمود الشعر أو شعر التفعيلة أو قصيدة النثر مفتقدة للعمق الإبداعي والوعي الشعري ذاتيا (بالعلاقة مع الذات الشاعرة مع ما تعنيه الذات الشاعرة من موهبة وإبداعية ورؤية …) أو موضوعيًا (بالعلاقة المنتج القصيدة وسياقات إنتاجه).
لذا فالكتابة الشعرية العربية التي تمتلك أفقًا للكتابة والإبداع قليلة جدًا إن لم نقل نادرة والنماذج الإبداعية المضيئة فيها قليلة مقارنة إلى الكم الهائل من الشعراء وما راكموه من دواوين وأشباه الدواوين التي تمتلئ بالكلام وينقصها الشعر والشعرية.
إن آفة الشعر العربي المعاصر والحديث هي غياب الوعي بالكتابة كعنصر أساسي في القصيدة أو انعدامه وانحطاطه إلى درجة دنيا في الكتابة الشعرية لمجموعة من الأسباب منها غياب أفق للكتابة لدى الفئة الغالبة وما يرتبط بهذا الأفق من مقومات تأسيسية مرتبطة بما هو ذاتي خاص بالشاعر الذي لا يعرف ولا يعي حدود قدراته الذاتية المتمثلة في الموهبة كأساس أولي للانطلاق في القصيدة أو الإبداعية كتجربة واعتراك للذات الشاعرة مع نفسها والعالم لتفجير ينابيع الإبداع الكامنة فيها والوعي بالكيفيات التي يمكن الاعتماد عليها وتلمسها بعناية لتطوير الطاقات الكامنة فيها لتبين الطريق الذي يجب عليه سلكه بالقصيدة.
هذا في ما يخص الذات الشاعرة كمنطلق أما في يخص الجانب الموضوعي الذي يهم القصيدة وتكوينها البنائي واللغوي بتنويعاتها الثلاث العمودية والحر وقصيدة النثر التي هي مربط الفرس في هذا السجال والتناظر.
فالملاحظ على القصيدة العربية المعاصرة أنها لا تنجز شيئًا في الأغلب بل تشتغل على المنجز الذي أنتجته الشعرية العربية منذ التأسيس الجاهلي إلى الآن مرورًا بعصر الازدهار حيث لم تخرج عن سياق الإتباع والتقليد إلا فيما ندر وأن بقع الضوء التي يستضاء بها في هذا المنجز الحديث والمعاصر ويتم الاقتداء بها كنتاج نوعي أنتجت بناء على عبقرية ذاتية وأفق ذاتي إبداعي واجتهاد ذاتي من الشعراء بشكل خاص وليست نتاجًا للسياق العام الذي كان عامل إحباط ومحاولة تدجين وقتل لما تمثله من تهديد للمألوف وليس تشجيع ودعم .
لذا فإن قصيدة النثر لا يمكن أن تكون هي المسؤولة عن أزمة الشعر بل الشعراء هم المسؤولين عن أزمتها إن كان فعلا من يكتبها شعراء ويستحقون حمل هذه الصفة وأن أزمة الشعر هي أزمة الشعرية التي لا يعي الأغلب الآليات والعناصر التي تبنى عليها مما يجعل أفق تداول الشعر وانتشاره لا يتعدى الذات وفي أحسن الحالات «الشلة» التي تدور حول الشاعر وتتحلق حوله.
عدد التحميلات: 1