
اللوحة المفقودة في أدب الأطفال: أطفال فلسطين
يتشكل أدب الأطفال عالميًا حول موضوعي «البراءة» و«الأمل»، لكن واقع الأطفال الفلسطينيين يُهمش بشكل منهجي في هذه السرديات. ينشأ أطفال فلسطين في ظل الحرب والدمار، بينما يتجاهل عالم الأدب قصصهم أو يختزل معاناتهم في رموز سطحية.
تبحث هذه المقالة في أسباب تغييب الأطفال الفلسطينيين عن أدب الأطفال، سواء من الناحية السياسية، الثقافية أو في صناعة النشر. إذ غالبًا ما تتجاهل مؤسسات النشر الغربية القضية الفلسطينية تحت ذريعة «الحياد»، أو تختزلها في استعارات سطحية. بينما يعيش الأطفال الفلسطينيون في ظل الاحتلال والعنف الذي يفرض عليهم واقعًا مختلفًا. لكن يجب ألا يُنسى أن أدب الأطفال ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو مرآة تعكس الضمير الجمعي للمجتمعات.
يتحدى الأطفال الفلسطينيون اللغة العالمية لأدب الأطفال من خلال تجاربهم في الاحتلال، العنف واللجوء. وتتناول هذه الدراسة الاستراتيجيات الأدبية التي طورتها الكاتبتان الفلسطينيتان «سونيا نمر» و«ابتسام بركات» لكسر حاجز الصمت، كما تلقي الضوء على آليات الرقابة الموجودة في النشر الدولي. ترى «نمر» أن أدب الأطفال ليس مجرد شكل من أشكال السرد، بل هو مجال مقاومة يستطيع أن يكون صوتًا للأطفال الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، تؤكد المقالة على أهمية النصوص التي تحقق توازنًا بين «المأساة» و«الصمود»، وتعزز وعي الطفل القارئ تجاه هذه القضايا. يجب أن يُنظر إلى أدب الأطفال ليس فقط كوسيلة للترفيه، ولكن أيضًا كأداة للكفاح تُضيء الطريق أمام العدالة الإنسانية.
القوة التي جعلت أطفال فلسطين ينسون اللعب: المقاومة
تتشكل الطفولة عادةً في عالم من الأحلام واللعب، لكن بالنسبة للأطفال الفلسطينيين، فإن هذه الحقيقة الطبيعية قد انقطعت منذ سنوات طويلة. يكبرون في ظل الاحتلال والعنف والنزوح، ويتعلمون الخوف والمقاومة في سن مبكرة، على عكس أقرانهم في باقي أنحاء العالم. في حين أن أدب الأطفال يُعرف عالميًا بلغة البراءة والأمل، فإن صوت الأطفال الفلسطينيين يتلاشى منهجيًا في هذه السرديات.
في فلسطين، لا تعني الطفولة النمو فحسب، بل تعني أيضًا النضال من أجل البقاء. قبل أن يتعلم الطفل قواعد اللعب، يجب عليه أن يتعلم كيف يعيش في ظل الصراع. اللغة العالمية لأدب الأطفال تظل صامتة أمام هذه الحقيقة، لكن بعض الكُتّاب اختاروا كسر هذا الصمت وتحويله إلى شكل من أشكال المقاومة الأدبية لإيصال صوت الأطفال الفلسطينيين.
عملت الكاتبتان الفلسطينيتان «سونيا نمر» و«ابتسام بركات» على كسر هذا الصمت باستخدام الكلمات كأدوات مقاومة. ترى «نمر» أن أدب الأطفال يجب أن يُظهر صورة الفلسطينيين في عالم الأدب، بينما تسلط «بركات» الضوء على تجربة الهوية واللجوء التي يواجهها الأطفال الفلسطينيون. هؤلاء الكُتّاب يبرهنون على أن أدب الأطفال ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل أيضًا أداة للنضال تعكس الضمير الجمعي.
تتحدى هذه الدراسة فكرة أن أدب الأطفال يمكن أن يكون «غير سياسي»، وتؤكد على أن هذا المجال هو في الواقع ساحة لصراعات السلطة والتأثير. تدعو هذه المقالة إلى إعادة التفكير في دور أدب الأطفال، وتبرز أهمية النصوص التي تحقق توازنًا بين «المأساة» و«الصمود»، مما يسمح للطفل القارئ بفهم هذه القضايا بعمق أكبر.
لأن لكل طفل الحق في رؤية واقعه ينعكس في صفحات الكتب.
المقاومة الراسخة في المأزق الفلسطيني والأسماء الباقية في أدب الأطفال
يولد الأطفال الفلسطينيون وسط الدمار، وتتلاشى صرخاتهم الأولى تحت ظلال القنابل والانفجارات. تتوارى أسماءهم في دعوات آبائهم، على أمل أن تتردد ذات يوم في أغاني الفرح، لكن قسوة الحرب تأبى ذلك. الطفولة، التي يجب أن تتشكل في عالم اللعب والأحلام، قطعتها سنوات من الصراع، وجعلت المقاومة والمواجهة جزءًا لا يتجزأ من نشأتهم.
لكن قصص هؤلاء الأطفال ليست مجرد موضوع أدبي، بل هي أيضًا قضية سياسية وثقافية تتطلب الاعتراف والتمثيل الحقيقي في الأدب العالمي. يجب أن تجد أصواتهم صدى في الأدب العالمي، وأن تُروى تجاربهم ليس فقط كحكايات مأساوية، ولكن أيضًا كقصص صمود وتحدٍّ. الأدب العالمي غالبًا ما يتجاهل الأطفال الفلسطينيين أو يخفي معاناتهم وراء استعارات سطحية، ولكن هناك من يكسر هذا الصمت: شعر «محمود درويش»، روايات «غسان كنفاني»، وكلمات «سونيا نمر»، كلها تصرخ بالحقيقة الفلسطينية.
وكما أكد “إدوارد سعيد”، الأدب ليس مجرد وسيلة سرد، بل هو أداة مقاومة- ويجب أن تُسمع أصوات الأطفال الفلسطينيين. أدب الأطفال، الذي يُعرف بأنه حامل البراءة والأمل، قد فقد هذه البراءة عندما تعلق الأمر بفلسطين. تحولت المقاومة إلى بديل للألعاب، وأصبحت الحجارة ألعابهم، وتحولت أحلامهم إلى أناشيد للنضال.
قصة أطفال فلسطين
يجب ألا تُنظر إلى قصة الأطفال الفلسطينيين على أنها مجرد مأساة نشأت في ظل الحرب، بل هي أيضًا نتيجة للصمت العالمي والتجاهل السياسي المنهجي. اليوم، يُخضع أدب الأطفال حقيقة هؤلاء الأطفال للطمس تحت شعار «الحياد»، إما بإقصائهم تمامًا أو بحصر معاناتهم داخل استعارات سطحية فارغة. لكن الأدب لا يقتصر على خلق أبطال خياليين؛ بل يجب أن يجعل الأصوات غير المسموعة مرئية للعالم. إن هذا التهميش للأطفال الفلسطينيين يغذيه عمدًا النظام النشري الغربي، حيث يواصل تجاهل قضيتهم في الساحة الأدبية. غير أن بعض الأسماء البارزة تحدّت هذا الصمت واستخدمت أقلامها كأدوات مقاومة، مثل «غسان كنفاني»، الذي تناول في أعماله مخاوف الأطفال الفلسطينيين وآمالهم بعمق بالغ، و«محمود شُقير»، الذي يصور واقع الأطفال المحاصرين في منازلهم بينما يكبرون دون أن يدركوا محنة آبائهم المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
هؤلاء الأطفال لا يواجهون الحروب الجسدية فحسب، بل يخوضون أيضًا صراعًا مستمرًا للحفاظ على هويتهم من الطمس. ألقى «إدوارد سعيد» الضوء على الكيفية التي يُستثنى بها الأطفال الفلسطينيون من السرديات العالمية، في حين أن «محمود درويش» و«سميح القاسم» حوّلا هذا الاستبعاد إلى شكل من أشكال المقاومة الأدبية.
هذه القصائد لا تنقل مجرد مشاعر شخصية، بل تمثل صرخة شعب بأكمله تم محو أحلامه عبر العقود. إنها مكتوبة للأطفال، لكنهم في الواقع لا يستطيعون قراءتها، لأن حياتهم قد سُلبت منهم قبل أن يتمكنوا من الاحتفاء بالكلمات.
إن الأطفال الفلسطينيين ليسوا مجرد أفراد منسيين في النظام العالمي؛ بل هم من بين الفئات الأكثر تهميشًا وطمسًا. يجب أن تحظى أصواتهم بمكان أوسع في أدب الأطفال، ليس فقط باعتباره ضرورة أدبية، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية. ومع ذلك، فإن صناعة النشر اليوم تفضل الصمت على المواجهة. يجب ألا يكون أدب الأطفال مجرد مساحة للهو والبراءة، بل يجب أن يكون رواية للحقائق التي لا يمكن نسيانها.
تعكس كلمات «محمود درويش» هذه الحقيقة الموجعة:
«اسمي طفل،
يدي تحمل حجراً،
عيني تحمل أملاً،
قلبي يحمل فلسطين…» (درويش، 1985)
وبالمثل، يصف «سميح القاسم» في شعره رحلة الأطفال الفلسطينيين في المقاومة والأمل:
«كنا أطفالاً،
كان البحر حرًا،
وكانت السماء زرقاء،
الآن لدينا حجارة،
ونحن كبرنا.» (القاسم، 1978)
كما يُذكّرنا «نزار قباني» في قصيدته (القدس) بمحنة هؤلاء الأطفال داخل الدمار المستمر:
«من سيمسح الدماء عن الجدران؟
من سينقذ الإنجيل؟
من سينقذ القرآن؟
من سينقذ المسيح من قاتليه؟
من سينقذ الإنسانية؟»
العالم الذي يتجاهل معاناة الأطفال الفلسطينيين لا يخسر قصصهم فحسب، بل يخسر أيضًا ضميره الإنساني. يجب أن يُكسر هذا الصمت، وأن يستعيد أدب الأطفال وظيفته الحقيقية- ليس فقط كوسيلة للترفيه، ولكن أيضًا كمنبر للصمود والعدالة. لأن لكل طفل الحق في أن يكون بطل قصته-وأطفال فلسطين لا يقاتلون فقط للبقاء على قيد الحياة، بل ليقولوا للعالم: نحن هنا…
الخاتمة
إن صوت الأطفال الفلسطينيين صرخة مكتومة في الأدب العالمي. قصصهم ليست مجرد آثار دمار وحروب، بل هي أيضًا انعكاس للصمت العالمي والتجاهل السياسي المستمر. يجب أن يكسر أدب الأطفال هذا الصمت، وأن يكون مساحة لتقديم روايات بديلة تُسمع فيها أصوات هؤلاء الأطفال.
كما أوضح «إدوارد سعيد»، لا تقتصر السرديات الثقافية على كونها أعمالًا أدبية، بل تُعتبر أدوات مقاومة قوية. إن المأساة التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون ليست مجرد محنة فردية، بل جزء من نظام يسعى إلى محو هويتهم وأحلامهم. لكن «محمود درويش»، «غسان كنفاني» و«سونيا نمر»، استخدموا كتاباتهم كوسيلة للدفاع عن هؤلاء الأطفال وإيصال أصواتهم للعالم.
يجب ألا يُنظر إلى واقع الأطفال الفلسطينيين على أنه مجرد قصة حزينة، بل يجب أن يُعترف به كجزء من نضال طويل من أجل الوجود. لأن لكل طفل الحق في أن يكون بطل قصته- وأطفال فلسطين لا يقاتلون فقط للبقاء، بل ليُسمعوا ويُعترف بوجودهم.
صرخة أطفال فلسطين الصامتة:
كانوا أطفالاً…
قبل أن يأتوا إلى هذا العالم، كانت أسماؤهم مختبئة في دعاء آبائهم.
انتظروهم بأغنياتٍ في أيديهم وأملٍ في عيونهم…
حين ولدوا، بدت صرخاتهم الأولى وكأنها ستتحول إلى أغنية يومًا ما.
حينها، لم يكن أفاعي الظلم قد لدغت جلودهم بعد.
ولم تكن القنابل التي أمطرت بيوتهم قد أحرقت أحلامهم بعد.
ثم… ثم كبروا. ومع كل يوم يمر، تشققت قلوبهم كتربة فلسطين.
حين رفعوا رؤوسهم إلى السماء، لم يسمعوا إلا طنين الطائرات دون طيار.
في الأرض الحزينة، لم يرافقهم سوى عصافير ترفرف بأجنحتها.
لم يسألوا أبدًا «لماذا نحن؟» لأن أطفال القدس لا يكبرون بالأسئلة،
بل بالمقاومة.
وأصبح عد القنابل لعبتهم.
وأصبحت ألعابهم كتبًا منسية في الملاجئ.
وطرق مدرستهم تمر بين المقابر.
كانوا اختبار الأمة في آخر الزمان…
في يدهم دمى، وفي الأخرى حجارة ترمي الأمل.
لكن ألم يعلموا؟ أطفال فلسطين يعيشون بجذورهم.
كما تنبت الأرض بصبر، هكذا يصمدون.
تعلموا النوم بين الانفجارات.
واستيقظوا ليجدوا نصف بيوتهم قد اختفى.
لكنهم مع ذلك يبتسمون، لأن الابتسام أيضاً مقاومة.
ويومًا ما…
سيصبح كل حجر يرمونه صرخة في وجه كل قنبلة تسقط:
«نحن هنا!» لأن أطفال فلسطين لم يتعلموا الرقص مع الموت،
بل تعلّموا القتال من أجل الحياة.
هم أولئك…
أطفال الألعاب المنقوصة…
ملحنو الأغاني المبتورة…
مهندسو الأحلام الناقصة…
لكنهم جنود مقاومة لن تنقص أبدًا
أما أنتم، أيها الطغاة؟
لقد راهنتم على دماء الأطفال الأبرياء؟
لعلكم لم تشبعوا بعد من القتل والدمار.
لكن مهما طال الليل، فإن الفجر لا محالة قادم…
لأطفال فلسطين، لأن الشمس لا تغيب عن الأرض المقدسة!
عدد التحميلات: 0