
سردياتُ مونتريال وتحولاتُ الهويةِ في روايةِ الهجرةِ العربيةِ
سنرتكز في هذه المقالة على روايات الهجرة العربية التي اتخذت من مدينة مونتريال الكندية مسرحًا رئيسًا لأحداثها وفضاءً مركزيا لها في تمثيل الشخصيات، خلافًا للروايات العربية السابقة التي اتخذت من باريس «مَربِطَ خَيْلها» على حد تعبير الكاتب المغربي أحمد المديني(1). يثير هذا الصنف من الروايات قضايا المهاجرين العرب بمونتريال الذين لا يُعترف بهم قانونيًا وينظر إليهم على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية، الأمر الذي يحتم عليهم العيش في «الفضاء الثالث»(2)، لقدرته على استيعاب اختلافات الفضاءين المُنفصلين وتناقُضاتهما، وعلى طرح الأسئلة الجريئة عن الوطن والهوية والانتماء والمستقبل، بالنظر إلى ما تعرضت له الهوية الأصلية من تغيير وتبديل، بسبب دخولها منطقة المحظور والتيه ومعاناتها من الاندماج والانتماء وفقدان الهوية.
تناول الكاتب المصري-الكندي أسامة علام(3)، الذي تدور أغلب أعماله الروائية بمدينة مونتريال الكندية، في روايته الموسومة بـ«الحي العربي»(4)، قضايا الجيل الثاني من المهاجرين العرب بمونتريال، بدخوله مرحلة جديدة من الكتابة عن الهجرة والاغتراب. تبدأ أحداث الرواية بوصول منتخب عربي لكرة القدم إلى نهائي كأس العالم وفوزه بالبطولة، لتتحول احتفالات سكان الحي العربي بمونتريال إلى أحداث شغب تنتهي بفرض سور عازل (غيتو) حول الحي ومنحه حكمًا ذاتيًا (الاستقلال)، لتنشأ بذلك أصغر دولة في أمريكا الشمالية.
تنقل الرواية أطوار البطل «عبد الرحمن محمود»، الذي هاجر من مصر إلى كندا في بداية ثمانينيات القرن الماضي واستقر بمونتريال واشتهر باسم «رحمن زعبوط»، ويملك المقهى الأكبر والأشهر في قلب الحي العربي. يتولى «رحمن زعبوط» حكم الدولة الوليدة بناءً على تجاربه وخبراته، الأمر الذي كشف عن تناقضات قيمية في شخصيته نتيجة الترسبات التي راكمها الوطن الأم بدواخله، فهو يحمل آمالًا كبيرة لتطوير بلده الوليد، لكن كل محاولة لتحقيق ذلك تتحول إلى كابوس. ظل محتفظًا بتقاليده وذكريات وطنه الأم في قلبه، وفي الوقت نفسه، بدا منفتحًا على العالم الغربي ومندفعا نحوه، مستفيدا من تجاربه ومكتسباته.
واجه «رحمن زعبوط» -علاوة على ذلك- تحديات جمة إبان تأسيس الدولة الجديدة، تدهورت حالته الاجتماعية وتفككت أسرته برحيل زوجته «زينب» التي عانت من تجاوزاته وزواجه المتكرر من فتيات صغيرات لإمتاع نفسه، وتصاعدت المشاكل مع ابنه «ياسين» الذي انجرف وراء الجريمة، فانتهى به الحال إلى تشكيل عصابة للسطو والنهب، بينما اتجهت ابنته «نرجس» نحو حياة مستقلة مع حبيبها «وديع» القادم من المغرب، الأمر الذي أضاف لرحمن زعبوط عبئًا إضافيًا من الضغوط الاجتماعية والعائلية.
نشأ الابن «ياسين» ممزقًا بين جذوره العربية وبيئته الغربية، بينما انخرطت الابنة «نرجس»، في حياة الغرب وتخلت عن عذريتها فتبرأ الأب منها. فرغم النجاح الذي حققه الأب في عالم الهجرة على المستوى العملي إلا أنه يعاني هو وأبناؤه من آلام داخلية نفسية على مستوى الهوية: «رحمن زعبوط الذي يعتبره الكثيرون من أهالي الحي مثالاً حقيقيًّا للنجاح والتحقق في المهجر. لا تخلو حياته من المنغصات كما يعتقد البعض. فلرحمن زعبوط ابنة وولد من زينب زوجته الأولى هما نرجس وياسين. شخصان لا يمكن وصفهما سوى بأنهما يحملان الكثير من جينات والدهما الوراثية لكنهما بطبائع كندية. هذا التشابه مع والدهما صنع تنافرًا لم يكن مقبولاً قط بالنسبة إلى الأب»(5).
ويصف السارد الوضعية الهوياتية المضطربة والممزقة والمتأرجحة لأبناء رحمن زعبوط بقوله: «فنرجس الممرضة بمستشفى جون تالون والتي تحمل كل فتنة الجمال العربي. لم تتزوج مفضلة التنقل كنحلة بين الرجال. لا ترتدي الحجاب أو تنتظر الزواج من أحد أقارب العائلة المستقدمين من البلاد. كما يخطط الآباء العرب عادة هنا (…) أما ياسين الوسيم كوالده في شبابه، الذكي صاحب الشخصية القوية فعلاقته بوالده علاقة شد وجذب دائمين أصابه نجاح والده بنوع خاص من الجنون، جنون جمع المال الذي لم يترك له الوقت للاهتمام بالنساء غالبًا على الأقل في حدود معرفة رحمن. للدرجة التي جعلت رحمن يخشى أن يكون من يحمل اسمه ودماءه شاذًّا جنسيًّا»(6).
تتقاسم بهذا الحي العربي الآلافُ من الشخصيات المهاجرة آلامَ الغربة والاغتراب، بما في ذلك رحمن زعبوط وأبناؤه، الأمر الذي حتم عليهم الاندماج في عالم الآخر والذوبان فيه، بيد أن هذا الأخير قابلهم بالرفض بوضعهم خلف سور عازل؛ مما جعلهم يشعرون بالتيه والفقدان واللانتماء «خارج المكان» بتعبير إدوارد سعيد(7). يقول: «وفي مونتريال الكندية، التصق الآلاف في الحي العربي وأصبحوا كتلة واحدة من البشر رجال ونساء العرب يتماسون بأجساد لا شهوة فيها ولا تفكير للمرة الأولى..»(8).
تناقش رواية «هوشيلاجا» (مأساة إنسانية)(9)، للكاتب الفلسطيني الأصل سميح مسعود(10) مواضيع كثيرة، تدور حول المنافي والشتات والاقتلاع من الأرض والحرمان من الوطن. وذلك من خلال قصة المهاجر الفلسطيني «مسعود» بمونتريال، الذي ظلت ذاكرته مرتبطة بمسقط رأسه مدينة حيفا التي هُجِّر منها عام 1948 وعمره 10 سنوات، إضافة إلى مدينة يافا واللد أو الرملة والقدس وغزة، التي كانت حاضرة بقوة في الرحلات التي يزور فيها بعض الأماكن بمونتريال.
يقول مسعود: «إنه أول يوم لي في مدينة مونتريال، أفقت مبكرًا مع إشراق شمس الضحى، وجلست في شرفة شقتي منتشيًا بالنظر إلى جبل عال يطل عن قرب تكسوه الأشجار من كل الجهات راقني منظر صفوف أشجاره الممتدة على اتساع المكان، رافقتها بعيني فترة طويلة من الزمن، ولاحظت اختلاطها بألوان كثيرة تزينها، تظهرها كأنها أطر لوحات تشكيلية تزهو بتوهج في الشكل والمضمون»(11).
يقف السارد في هذه الرواية عند عدد من الأحياء والمقاهي العربية التي يرتادها بهدف التقليل من حدة غربته التي تعصف بداخله، بحثًا عمن سيجلب له الشجاعة في مواجهة الخوف والمجهول. ويكشف أيضًا كيف تحولت هويته الأصلية لتحل محلها هوية جديدة، تعيش في زمن التيه والمجهول بسبب بعدها عن موطنها الأصلي ومسقط رأسها: «شعرت أنَّ الأنا القديمة انتهت وحلت محلها الأنا المهاجرة الجديدة وتراءى لي كيف تتصارع مع التيه والمجهول، في ممرات طويلة لم أعهدها من قبل تلتحم في تتابع بالزمن الآتي»(12).
تَعرَّف مسعود على مدينة مونتريال ومعالمها الحضارية والتاريخية والجغرافية، ليكتشف أن مدينة مونتريال الحالية كانت عبارة عن قرية اسمها «هوشيلاجا» كان يقطنها الهنود الحمر وتعرضت للاستعمار من قبل الأوروبيين البيض الذين محوها من على الخارطة، وهي ذات حضارة ضاربة في عمق التاريخ، كانت لها منجزاتها المادية والتنظيمية الكبيرة، موضحًا كيف ظل الأمريكيون الأصليون (الهنود الحمر) يقاومون طيلة أربعة قرون زحف الأوروبيين (البيض) ثم خارت المقاومة وانتهت تمامًا بعد «مذبحة الركبة الجريحة» (Massacre de Wounded Knee) عام 1890 والتي وضعت حدا لحروب الهنود الحمر وأنهت عصر المواطنين الأصليين الذين كانوا يعيشون في البراري.
يستحضر الكاتب من خلال هذه القصة، قصة احتلال إسرائيل لفلسطين وتهجير سكانها وطرد أبنائها من موطنهم الأصلي وإبادتهم، ليكشف أوجه التشابه بينهما، من خلال تقاطع سرديتين للمعاناة والمأساة من الإبادة لكلا الشعبيْن: سردية الهنود الحمر وسردية الفلسطينيين، ليخلص قوله: «مأساتنا واحدة»(13).
وصدرت رواية «ترانس كندا»(14) للكاتبة المصرية سماح صادق(15) ضمن سلسلة «حكايات عربية في مونتريال» التي تصفها الكاتبة بأنها: «مجموعة أدبية، صالون ثقافي، نادي لمحبي الكتب، اتحاد كتاب، جلسة حكي أطلق عليها ما تحب من أسماء، ستظل كيانًا جميلاً يعشقه كل رواده، ووطن الكل محبي الأدب في كندا. شرفني أن أكون أول من بدأ الدعوة لهذه الجلسات في مايو 2011، ويشرفني أن تكون روايتي الأولى هي أحد إصدارات هذه المجموعة والحركة الثقافية المتميزة»(16).
تُصور الروايةُ قصةَ الفتاة «إيمان» التي تعيش في بيئة شعبية بسيطة بالقاهرة، ليقودها طموحها إلى تحدي المستحيل والسفر إلى كندا، لتقيم بمدينة مونتريال إلى جانب حبيبها «يوسف» ابن بلدتها الذي سبقها إلى هناك، وتبدو رحلتها كأنها مطاردة لحلمها وحبها. تتوالى الأحداث وتتصاعد، فيتعرض حبيبها إلى حادثة مرور أنهت حياته، لتظل وحيدة تعاني آلام غربتها، فيتم استغلالها من قبل من يعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الأولى.
ظلت إيمان مشدودة إلى موطنها الأصلي وذاكرته عبر فعلي الاسترجاع والتذكر الذين يساعدانها على استحضار ذكرياتها الماضية، وفي الوقت نفسه، واجهت الواقع الجديد وتعايشت معه بكل تناقضاته وصراعاته وتحدياته، مستفيدة من تجاربها السابقة، الأمر الذي خفف من تأثيرها السلبي على واقعها المعيش.
تقول الكاتبة واصفة حالة عيش المهاجرين بين فضاءين: «كنبتة عشب بين صخرتين هم المهاجرون، بين وطن لفظهم حتى ذهبوا عنه، وبين وطن آخر يحاولون الاندماج به، بين أم وزوجة أب يظل المهاجر منا في حيرته وعذابه، بين لغة تسري في الدماء وتنتفض في لحظات النشوة والغضب داخل الأوردة، وبين لغة يتعلمها ولا يجد فيها متعته بين بيتين وعائلتين وامرأتين أحيانًا، وبين أكثر من شخصية، لكل منا غربته الخاصة المغزولة من نسج مشاعره وذكرياته عن وطن أصلي لا مكان له سوى في خياله»(17).
وبما أن المهاجر يقطنُ في «الفضاء الثالث» الذي تُسيِّجُه قوانين وثقافات وأعراف وتقاليد ولغات خاصّة به، فقد كان مضطرًا إلى نهج سياسة «التفاوض» (Negociation)مع الآخر الأجنبي (في كل تفاوض هناك ربحٌ وهناك خسارة)(18) ؛ فإما أن يربح هويته الأصلية ويخسر هويته المكتسبة، وإما يحافظ على هويته المكتسبة ويخسر هويته الأصلية، حرصًا على التعايش المشترك، وتفاديًا الانسياق وراء الاستغراب أو الانكماش على الذات.
تتفاوض الشخصيات المهاجرة مع الذوات الأخرى المختلفة عنها في الرواية، حتى لا تفقد هوياتها الأصلية وتظل محافظة عليها، بحثا عن العيش السوي والسليم: «الآن أنا أتحدث مع الرجل وأتفاوض مثل أي كندي أصلي ولكن كندي شرقي «كيبيكي»، وهذا يختلف تمامًا عن ذلك الكندي الغربي «الأنجلوفون». أدركت بعد فترة أن خلفيتي الثقافية والاجتماعية مثل طول عظمة فخذي لا يمكنني تغييرها، لقد ولدت في مكان أقل، أقل من إمكانياتي وأحلامي، وبسبب أهلي ومستواهم المادي وحياتهم المأساوية كنت أقل من الكثيرات حولي. فأنا سندريلا ولكن بدون ساخرة أو فستان سهرة أو عربة تجرها الخيول وحذاء أفقده فيصبح وسيلة الأمير النجدي، كان لدي أمير يومًا ما، ولكنه ذهب ولم يعد»(19).
أما عن حالة الاختلاف اللغوي بين المهاجرين، فيصف السارد العلاقة المزيجة والمزدوجة بين اللغتين العربية والإنجليزية بقوله: «إذا دخلت ذلك المقهى المونتريالي على شارع سان لوران «مساء أي أحد، ووجدت مجموعة من البشر يجلسون في صمت ليستمعوا إلى نص بلغة مختلفة عن لغة المدينة الرسمية «الفرنسية»، أو لغتها الثانية «الإنجليزية»، إن لم تفهم! سوف تستغرب هدوء هذه المجموعة وانفعالاتها، ككل المونتريالين غير الناطقين بالعربية فهم يجلسون في هدوء كنتاك في محراب عبادة، وبعد انتهاء القراءة قد تنطلق الضحكات والتعليقات والأسئلة ستذهب لصاحب المقهى كما يحدث عادة، وستسأله من هؤلاء؟ وماذا يفعلون؟»(20).
يضم الفضاءُ المونتريالي هويات وأجناسًا من بلدان عربية مختلفة، يعيشون باحترام متبادل دون تفريق أو تمييز: «لو كنت عربيًا، ربما ستنضم إليهم، وستتفاجأ بأن هناك عربًا من مختلف الدول العربية يجلسون، ربما لأول مرة دون أن يتشاجروا أو يختلفوا حول الهوية أو السياسة أو الدين !!من العراق ودول الخليج والسعودية ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر والمغرب وموريتانيا والجزائر والسودان وتونس وليبيا، ومن جيبوتي أيضًا استقبلنا ضيوفًا وروادًا، تجمعنا اللغة والحب والود»(21).
وتتناول رواية «سيدة مونتريال»(22) للكاتبة الكندية من أصل سوري رؤى الكيال(23)، قصة مهاجرة عربية عاشت متنقلة بين دولتي الإمارات العربية وكندا؛ إذ خبرت الاغتراب بشقّيه العربي بإقامتها في الإمارات، والغربي بانتقالها مع طفلها للإقامة وحدهما بكندا، وتحديدًا بمونتريال، لتصطدم بتحديات كثيرة على مستوى اللغة، والثقافة، والاندماج، لبعدها الجغرافي عن موطنها الأصلي، علاوة على خيبات الأمل التي لاحقتها في طريق البحث عن فضاء الاستقرار وبناء الهوية في المجتمع الغربيّ الذي بات أقرب إليها من مجتمعها الشرقي.
تناولت الكاتبة تحديات المرأة في عالم الاغتراب، في خضم إثارتها لمواضيع مثل الحب والعلاقات الإنسانية والعمل، والزواج والطلاق.. وهي بذلك تلقي الضوء على قدرة المرأة على التمسّك بخيوط الأمل والنجاح والتحليق بعيدًا في العالم الجديد والمختلف.
ويميط عبدالكريم الحسني(24) الكاتب الفلسطيني المقيم في كندا، اللثام، في روايته المعنونة بـ «من حمامة.. إلى مونتريال»(25)، عن حياة المواطن الفلسطيني «عمر شاقة» المهاجر من بلدة «حمامة» الفلسطينية إلى مونتريال الكندية ودخول هويته الأصلية إلى منطقة «المحظور» (التابو)، مستعرضا -عبر هذه الرحلة- عددًا من المشاهد والتجارب التي عاشها عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون حالات من التشرد والتيه، بعيدًا عن وطنهم الأم الذي اُنتزع منهم قسرًا؛ وما زال يعيش داخلهم ويشعرون بشكل محزن بانتمائهم إليه.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه: «لقد أودعتُ في هذا الكتاب حبي الكبير لـ(فلسطين) وطني السليب، وجعلته يحتضن حنيني لبلدة «حمامة» مسقط رأسي»(26). وقد أهدى المؤلف كتابه إلى أرواح الشهداء والمناضلين والصامدين والمعذبين والمؤمنين بالوحدة العربية وإلى المنتميين إلى فلسطين وأبنائه وأحفاده من الأجيال القادمة.
تكشف الرواية أيضًا ما حل بأطفال فلسطين وأبنائها من عذابات، منذ أن دخل الجنرال البريطاني (اللَّنبي) مدينة القدس بعد دحر جيوش الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ويعاتب الكاتب في روايته الأمة العربية التي تخلت عن هوياتها الأصلية الموحِّدة لها وصارت عن جهل تعتنق عقيدة الإقليمية، وتجعلها دينًا وحياة حتى أضحى الإنسان العربي يعيش غريبًا فاقدًا للهوية، مستدلا بالإنسان الفلسطيني الذي يعيش مقتلعا من جذوره منذ عام 1948م.
تعالج رواية «نهاران»(27) للكاتبة المغربية لطيفة حليم(28) المقيمة بكندا، قضايا المرأة العربية المغتربة والمثقفة، التي أصبحت زاهدة في الانتصارات المزيفة والتاريخ المضلل بفعل وعيها وإلمامها بالحقائق. تحمل البطلة «مُنى» في وجدانها هم حرية الفلسطينيين واستقلال الأرض الفلسطينية المغتصَبة، وتكمن رحلة اكتشاف الذات لديها في استكشاف العالم من مونتريال إلى شيكاغو، ثم إلى المكسيك.
تقدم الرواية إيحاءات وتلميحات عدة، تلمح إلى أن المرأة العربية، بغض النظر عن تقدمها العلمي والمهني، لا يزال مجتمعها يربطها بمهام المنزل والطبخ، مستندةً في ذلك إلى أسلوب السخرية لالتقاط هذه المفارقة بين العالميْن باستحضارها لحوارات النساء في المطبخ: «تخرج «منى» مسرعة لا تنتظر جوابها، تخاف حريق الطنجرة، تترك «مي» غارقة في «غوغل»، تدخل إلى المطبخ تقلب طنجرة لحم الغنم بالبرقوق تجده على وشك الاحتراق وقد جف مرقه، تهرول وراءها «مي»، تقول لها مطمئنة: هنا في شيكاغو الطناجر لا تحترق. تجيبها «منى» متحسرة: اعتدت على حريق طناجر طبخي في المغرب وكندا»(29).
تدافع الروائية عن المرأة وتسعى للتأكيد على قدراتها وثقافتها الفريدة، بالإضافة إلى نجاحها في مجال الإبداع. تعبّر الروائية عن تفاؤلها بقولها: «إن زمن التواري والخوف قد ولى»(30). تُذكِّرنا هذه العبارة بفترة تاريخية معينة عندما كانت النساء المبدعات يتخفين وراء أسماء ذكورية أو أسماء مستعارة من أجل نشر أعمالهن الإبداعية. فعلى سبيل المثال، في الغرب، استخدمت الكاتبات مثل: شارلوت برونتي، إيميلي برونتي، وجورج إليوت أسماءً مستعارة. وفي العالم العربي، كتبت النساء تحت أسماء مستعارة مثل: مي زيادة وبنت الشاطئ ويمنى العيد وغيرها. ويعتبر هذا السلوك سمة للتحول الإيجابي في مجتمعاتنا، حيث يتم اعتراف الآن بمواهب النساء ويتم تقديرهن ونشر أعمالهن تحت أسمائهن الحقيقية.
رواية «سموم الإسكندرية»(31)، تطالعنا الروائية زينب ظاظا(32)، بصورة مختلفة تمامًا عن مدينة مونتريال، بتتبعها لقصة المهاجرة المصرية التي سافرت من بلدة الإسكندرية فاطمة العبيطة إلى مدينة مونتريال، وحديثها عن سردية السفر، وعلاقتها بشخصيات عربية مهاجرة مثل شخصية «جاني» المهاجر المصري أيضًا: «لما سافرت إلى مونتريال سنة 2000، وفي الصيف طبعًا، ذهبت لزيارة داني، الذي اختار أن يقضي هناك ما تبقى من عمره، بعد أن صارت الإسكندرية إلى ما صارت إليه، ولا داعي لتقليب المواجع، فكلنا نعرف. وداني المولود بالإسكندرية في العشرينيات يعرف أكثر»(33).
تجعل الروائية من حي هنري بوراسا الشعبي بمونتريال المليء بالمهاجرين العرب القادمين من بلدان عربية مختلفة فضاء مركزيا لها: «ركبت الأوتوبيس من وسط المدينة إلى حي هنري بوراسا الشعبي الفقير نسبيًا الذي يسكنه عدد كبير من اليونانيين والشوام والمصريين وغيرهم ممن ضاقت عليهم أوطانهم لأسباب متنوعة. كان داني وقتئذ على مشارف الثمانين، محتفظًا رغم ذلك بالكثير من جاذبيته القديمة، يعيش وحده مع قط رمادي عبوس بين الكتب والنباتات النادرة»(34).
تقدم الرواية رؤية جديدة لمفهوم السرد، بسرد أحداث الرحلة السَّفرية بين العالمين، وقدرتِها على تعزيز الشوقِ الإنساني، وإشباعِ روح المغامرة والتعرُّف على ثقافات وحضارات جديدة ومختلفة: «السرد والسفر قرينان، فالسفر قوة سردية كامنة يظهرها السرد، ويفتح عوالمها، ويستنهض حركتها، ويستحثها على إشعال الذاكرة، ونقل المتلقي إلى أجوائها وأحداثها»(35).
وتروي رواية «الصرصار»(36)، للكاتب اللبناني الأصل راوي الحاج(37) حكاية المهاجرين اللبنانيين في كندا. تتبع الرواية حياة لبناني يقيم في مونتريال، حيث يحاول الانتحار ويتم إنقاذه، ثم يتابع جلساته في العيادة النفسية ويتلاعب بأعصاب الطبيبة من خلال سرد أحداث غريبة وعمليات سطو وعن أمور عائلته، أمه وأخته(ما تراكم عليه من مشاكل في وطنه الأم). تكشف الرواية عبر هذه القصة عن الشخصيات التي تعيش بالعالم السفلي وتعاني على متنه حالات من التشرد والاعتداءات والعلاقات المشبوهة، وتتناول أحلامهم وصراعاتهم الدامية من أجل البقاء، وهي بذلك تقدم الصورة الحقيقية للضياع والإقصاء والتشرد وعدم الاستقرار في حياة المهاجرين.
وثمة أعمال روائية أخرى جرت أحداثها بمونتريال، لا يسمع المقال لذكرها، ومن أمثلتها: رواية «ميس طفلتي الافتراضية»(38)، للكاتبة الفلسطينية الكندية هناء الرملي(39) التي تجري أحداثها بين عَمَّان ومونتريال، ورواية «الكل يقول يحبك»(40)، للكاتبة المصرية الأصل «مي التلمساني»(41)، التي تجري أحداثها بين عوالم تورونتو ومونتريال والقاهرة، ورواية «الاختفاء العجيب لرجل مدهش»(42)، لأسامة علام، التي تشخص تجربة الهجرة والحياة بمونتريال، واستطاع فيها أن يمزج بين الواقعية السحرية وعوالم ألف ليلة وليلة، وبين الأصالة المصرية والعربية، ورواية «كرنفال»(43) للكاتب اللبناني الأصل راوي حاج(44)، التي اتخذت من مونتريال عالمًا بديلاً لها.
الخلاصات:
بناء على ما سبق، نخلص إلى ما يلي:
أ- تشخص رواية الهجرة العربية التناقض الواقعي الكامن بين الموطنيْن؛ الوطن الأم الذي يشعر فيه أبناؤه بالاغتراب، ويفتقدون فيه الدفء والأمان والحنان، والموطن الثاني، الذي تصبح الغربة، ملاذا آمنا، حيث يكتشف المغترب الدفء في مهجره، ويتحسر على الأعمار المبددة والطاقات والجهود الضائعة في بلده الأصل.
ب- تعكس أغلب الروايات الوضعية الصعبة للمهاجرين العرب في مونتريال، حيث يعيشون في مجتمع متنوع ثقافيًا يفصل بين موطنيْن مختلفين ثقافيا ومتباعديْن جغرافيا، مما يؤدي إلى توتر الهوية والثقافة.
ت- يعمل المهاجرون العرب بجد على التوفيق بين التقاليد القديمة والتحديات الحديثة، ويرغبون في المحافظة على هويتهم الأصلية رغم الإقصاء في بيئتهم الجديدة، مما يؤدي إلى شعورهم بالغربة والاغتراب والفقدان واللانتماء (خارج المكان).
ث- يساعد السرد الروائي المهاجرين على التكيف مع التنوع الثقافي واستكشاف طرق جديدة للتعايش المشترك، دون فقدان مكونات ثقافتهم الأصلية. يتم ذلك من خلال «التفاوض» مع الآخرين بحثًا عن موقع ثقافي مناسب في عالم الهجرة وتجنب الارتماء الأعمى في حضن الآخر المختلف.
الهوامش:
(1) انظر: أحمد المديني، نصيبي من باريس، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط2، 2015م، ص.157.
(2) يشكل «الفضاء الثالث» منطقة بَيْنِيَّة وُسطى، يتداخل ضمنها فضاءين أو عالمين مُختلفين ومتباعدين جغرافيا وثقافيا. وظفه هومي بابا لوصف العلاقة المتداخلة أو المتواشجة والمتنافرة بين الهويات المختلفة في الفضاء الكولونيالي. انظر:
Alice Ratcliffe, Exploring the “third space” in postcolonial Trinidadian Literature: presentations of Hybridity and Assimilation in Merle Hodge’s Crick Crack, Monkey and willi chen’s “Trotters” p .5. In Innervate leading Under graduate Work in English, Volume-6 (2013-2014), pp.13- 14.
(3) أسامة علام: روائي مصري، يعيش في مونتريال ويعمل طبيبًا بمقاطعة كيبك، ويتغلب على شبح الغربة بالمشاركة في الصالونات الأدبية المصرية والعربية المقامة بمونتريال، وتعد رواية «الحي العربي» الخامسة للمؤلف، إضافة إلى مجموعة قصصية واحدة.
(4) أسامة علام، الحي العربي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2019.
(5) أسامة علام، الحي العربي، م.سا، ص.10-11.
(6) المرجع نفسه، ص.12.
(7) إدوارد سعيد، خارج المكان، مذكرات، ترجمة فوّاز طرابلسي، دار الآداب للنشر والتوزيع، ط1، 2006.
(8) أسامة علام، الحي العربي، م.سا، ص.10.
(9) سميح مسعود، هوشيلاجا، مأساة إنسانية، الآن ناشرون وموزعون، الأردن، الطبعة الأولى، 2020.
(10) سميح مسعود: شاعر وكاتب وباحث، ولد عام 1938 في حيفا – فلسطين، درس في مدرسة البرج الحيفاوية حتى الثالث ابتدائي، ثم هاجر مع عائلته عام 1948 الى بُرقة التي تنحدر منها عائلته، بعد أن أنهى دراسته الثانوية درس في جامعتي سراييفو وبلغراد في يوغوسلافيا، ونال شهادة البكالوريوس ودرجة الماجستير ودرجة الدكتوراة في الاقتصاد عام 1967. عمل سابقاً مستشارًا اقتصاديًا في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية. انتخب في عام 1990رئيسًا للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين – فرع الكويت، وعضو رابطة الكتاب الاردنيين. يعمل حاليا مديرًا للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال، كندا، ورئيساً للصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال التابع لنفس المركز.
(11) سميح مسعود، هوشيلاجا، مأساة إنسانية، م.سا، ص.19.
(12) المرجع نفسه، ص.15.
(13) سميح مسعود، هوشيلاجا، مأساة إنسانية، م.سا، ص.31.
(14) سماح صادق، ترانس كندا، دار المصري للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2014.
(15) سماح صادق: كاتبة وشاعرة، ولدت وعاشت بالقاهرة ودرست الأدب بجامعتها، حصلت على ليسانس آداب في الأدب العبري عام 2003، ثم استكملت دراستها «بمجال الصحافة» بالولايات المتحدة الامريكية 2008-2009، ثم هاجرت إلى كندا في عام 2010، ونشرت ديوانها الأول «البنت البردانة في قلبي» في يناير 2010. عملت بالصحافة العربية وفي تحرير المواقع الالكترونية لعدة سنوات 2005 – 2012. أسست في 2011 مجموعة حكايات عربية في مونتريال الأدبية، وحاليًا تدرس الفرنسية وتصميم الجرافيك وتعمل كمترجمة ومحررة بالقطعة لبعض الدوريات العربية، تعتبر المدينة بصخبها هي مصدر الالهام الأول لديها، كما أثرت عليها تجربة السفر والترحال الدائم بين العديد من العوالم مما جعلها مهتمة في كتابتها بإشكالية الهوية والحرية وحقوقها كامرأة.
(16) سماح صادق، ترانس كندا، م.سا، ص.207
(17) سماح صادق، ترانس كندا، م.سا. ص.206
(18) يقصد بالتفاوض الثقافي أنَّ المهاجر) المُفاوِض (يكون مضطرًا إلى تحويل شيء فرض عليه، مقابل تنازلات تُرضي الطرف الآخر) المفاوَض معه (والوصول إلى اتفاق مشترك بين الطرفين. فتكون النتيجة اكتساب أشياء/هوية جديدة مختلفة دون التفريط في مقومات هويته الأصلية، بحثًا عن المشترك الإنساني الكفيل بترميم الهُويات المتصدعة على الحدود.
(19) سماح صادق، ترانس كندا، م.سا. ص.198-199.
(20) المرجع نفسه، ص.206.
(21) سماح صادق، ترانس كندا، م.سا، ص.207
(22) رؤى الكيال، سيدة مونتريال، دار النشر يافا ودندشي للطباعة والنشر، الأردن/ كندا، ط1، 2021.
(23) رؤى الكيال: كاتبة وروائية من أصل سوري، وأستاذة في العلوم الفيزيائية والكيميائية، ناشطة اجتماعية، بكندا، وصاحبة موقع Canadalive.net.
(24) عبدالكريم الحسني: كاتب وباحث وروائي فلسطيني، ولد في الحرب العالمية الثانية في بلدة حمامة الساحلية بفلسطين سنة 1943م. هاجر قسرًا ولجأ مع أسرته إلى قطاع غزة في عام 1948م وعاش حياة اللاجئين.
(25) عبدالكريم الحسني، من حمامة.. إلى مونتريال، مؤسسة شمس للنشر والإعلام، القاهرة، ط، 2009.
(26) عبدالكريم الحسني، من حمامة.. إلى مونتريال، م.سا، ص.12.
(27) لطيفة حليم، «نهاران»، منشورات فكر المغربية، الرباط، ط1، 2012.
(28) لطيفة حليم: الدكتورة لطيفة حليم روائية وباحثة أكاديمية في مجال توثيق الأدب النسوي داخل الوطن وفي بلاد المهجر. وهي أول مغربية عرّفت بالأدب النرويجي في المغرب. وقد سبق أن حضرت الى النرويج بدعوة من جامعة بلندرن في أسلو وبدعم من سفير النرويج في المغرب.
(29) لطيفة حليم، «نهاران»، منشورات فكر المغربية، الرباط، ط1، 2012. ص.112.
(30) المرجع نفسه، ص.114.
(31) زينب ظاظا، سموم الإسكندرية، بيت الياسمين للنشر والتوزيع، ط1، 2020.
(32) زينب ظاظا: هي كاتبة، وروائية ومترجمة مصرية تعيش بمونتريال الكندية، وُلدت في باريس بفرنسا عام 1956 لأب مصري كردي الأصل وأم فرنسية، ثم أقامت بمدينة الإسكندرية بمصر، وهي ابنة العالم المصري الراحل الدكتور حسن ظاظا الذي تخصص في علم اللغات وحضارات الشرق القديم.
(33) زينب ظاظا، سموم الإسكندرية، م.سا. ص.10.
(34) زينب ظاظا، سموم الإسكندرية، م.سا. ص.12.
(35) أنظر: د. عالي سرحان القرشي، السفر والسرد، الرابط:
https://www.alriyadh.com/215389
(36) راوي حاج، الصرصار، ترجمة أنطوان باسل، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2010.
(37) ولد راوي الحاج في بيروت في أول يناير 1964، ترعرع بين بيروت وقبرص، ثم انتقل إلى نيويورك عام 1982. درس اللغة الإنجليزية، عمل في البداية كبائع متجول ثم نادل في مطعم، ثم كسائق سيارة أجرة، وفي عام 1992 انتقل للعيش في مونتريال بكندا؛ حيث درس التصوير، والتحق بجامعة كونكورديا. فاز بجوائز عدة: جائزة هيو ماكلينان للآداب التي يمنحها اتحاد كتّاب كيبك عن رواية «لعبة دي نيرو» سنة 2006، وجائزة مكاسلان الأولى للكتاب سنة 2006، وجائزة «أمباك دبلن» الأدبية سنة 2008، وجائزة هيو ماكلينان للآداب عن رواية «صرصار» عام 2008، وجائزة كيبيك بوك سيليرز سنة 2008، وجائزة لي كومبات ديس ليفريس سنة 2009، وجائزة هيو ماكلينان للآداب عن رواية «كرنفال» عام 2012.
(38) هناء الرملي، ميس طفلتي الافتراضية، دار كتبنا للنشر، ط1، 2021.
(39) هناء الرملي كاتبة وباحثة متخصصة في شؤون الإنترنت الاجتماعية والثقافية. وهي مهندسة استشارية دولية في شؤون الإنترنت للإعلام العربي والإعلام العالمي الناطق باللغة العربية. صدر كتابها الأول «أبطال الإنترنت» حول التنمر الإلكتروني والتحرش الجنسي عبر الإنترنت.
(40) مي التلمسانى، الكل يقول أحبك، دار الشروق دار الشروق، ط1، 2021.
(41) مي التلمسانى: مي التلمساني (ولدت في القاهرة في 1 يوليو 1965) هي روائية ومترجمة وأكاديمية وناقدة سينمائية مصرية كندية، تنتمي إلى جيل التسعينيات. تعمل حاليًا بتدريس السينما والدراسات العربية بجامعة أوتاوا الكندية. نشرت لها أربع روايات هى: «دنيا زاد» (1997)، «هليوبوليس» (2000)، «أكابيللا» (2012)، و«الكل يقول أحبك» (2021)، وثلاث مجموعات قصصية.
(42) أسامة علام، الاختفاء العجيب لرجل مدهش، دار دون للنشر والتوزيع، ط1، 2013.
(43) راوي حاج، كرنفال، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، القاهرة، ط، 2014.
(44) ولد راوي الحاج في بيروت في أول يناير 1964، ترعرع بين بيروت وقبرص، ثم انتقل إلى نيويورك عام 1982. درس اللغة الإنجليزية، عمل في البداية كبائع متجول ثم نادل في مطعم، ثم كسائق سيارة أجرة، وفي عام 1992 انتقل للعيش في مونتريال بكندا؛ حيث درس التصوير، والتحق بجامعة كونكورديا. بدأ بكتابة القصص القصيرة؛ فنشر مقالات وقصصًا قصيرة ثم انكب على الكتابة الروائية.
عدد التحميلات: 0