العدد الحاليالعدد رقم 44ثقافات

الترادف في اللغة العربية والقرآن الكريم

المقدمة

امتازت لغتنا العربية بكثير من الخصائص والميزات، أهمها الاتساع؛ فهي بحر زاخر بالألفاظ. والمفردات التي تمكن العربي الفصيح من التعبير عن فكرته بما يختاره من مفردات دقيقة، تتسع باتساع معرفته بهذه اللغة المعجزة، فهي تعطيك مجموعة من الألفاظ التي تعبر بدقة عن الاسم، أو صفته، أو صفة الصفة، أو درجة الاسم وقوة الصفة فيه، وما فيه من العموم والاختصاص، والحقيقة والمجاز، وكذلك تتدرج في استعمال الأفعال من حيث التعدية واللزوم، والتجرد والزيادة، إضافة إلى المعاني المختلفة التي تفيدها الزيادات في الفعل، وكذلك سعة الاشتقاق فيُشتق من الاسم أو الفعل مجموعة كبيرة من الأسماء، تختلف في دلالاتها، فهناك أوزان متعددة لصيغ المبالغة، والصفات المشتقة من الفعل، فهل هذه المفردات المتعددة من الترادف؟؟ وما المقصود بالترادف في اللغة؟؟ وما رأي العلماء في هذه الظاهرة في لغتنا العربية، وفي القرآن الكريم، وهل الترادف موجود في لغة القرآن؟ هذا ما ستحاول الباحثة الإجابة عليه في هذه الدراسة.

  • الترادف في اللغة والاصطلاح

الترادف لغة:

الردف: ما تبع الشيء وكل شيء تبع شيئًا فهو ردفه، وإذا تتابع شيء خلف شيء فهو الترادف(1)، وقال الجوهري: الترادف التتابع(2)، ويقول ابن فارس: الراء والدال والفاء أصل واحد مطرد، يدل على إتباع الشيء فالترادف التتابع(3).

ثانيًا: الترادف في الاصطلاح:

من خلال تتبع الباحثة لتعريفات الترادف في مصنفات العلماء القدامى فقد لاحَظَت أنه ليس هناك اتفاق تام بين علماء اللغة على تعريف الترادف، مما أدى إلى اختلاف واسع، وتباين في الآراء فيما بينهم، من مؤيد للترادف متعصب له، إلى منكر متشدد في إنكاره، وقد انطلق العلماء القدامى من تقسيم سيبويه للكلام وتقسيمه العلاقة بين الألفاظ والمعاني، فقد جعل في كتابه فصلاً بعنوان: (هذا باب اللفظ للمعاني) جاء فيه: «اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين»(4). وقد ظهرت فكرة الترادف لدى اللغويين الأوائل على هذا الأساس من تعدد الألفاظ للمعنى الواحد، وقد تعددت الآراء حول ظاهرة الترادف، ولم يزل المصطلح غير واضح في أذهان اللغويين القدامى، ولكن تعريف الرازي ربما يكون الأقرب إلى الموضوعية إذ عرفه كما يلي: «الألفاظ المفردة الدالة على شيء باعتبار واحد»(5)  فقد فرق بين الاسم والحد، وبين المتباينين، وبين التوكيد، وبين التابع، فالحد ليس من الترادف فهو وإن كان يحمل معنى الاسم ويشرح ويفصل معنى الاسم، إلا أنه جملة مركبة، ويخرج كذلك من هذا التعريف ما يُعرَف بالكناية والمجاز، وقد اشترط الرازي اللفظة المفردة.

وفي قوله باعتبار واحد أخرج الألفاظ المتباينة كالسيف والمهند لأن الأول يدل باعتبار الذات، والثاني يدل على المعنى باعتبار الصفة.

كما أخرج التوكيد لأن التوكيد يفيد تقوية المعنى، والترادف يفيد ما أفاده الأول، وأخرج الإتباع لأن التابع وحده لا يفيد شيئًا كقولنا: خراب يباب(6) وترى الباحثة أن هذا التعريف قابل للاعتماد نسبيًا إذ إنه يضع ضوابط وقيودًا على علاقة اللفظ بالمعنى، ولا يكتفي بالقول بأنه اختلاف اللفظين والمعنى واحد.

  • جهود العلماء القدامى في الترادف

اختلف اللغويون العرب في وقوع الترادف التام، فمنذ بدأ العلماء الأوائل من اللغويين في القرنين الثاني والثالث الهجريين في جمع اللغة من أفواه فصحاء العرب من جانب ودراسة ألفاظ القرآن الكريم، والبحث عن معانيها وتفسيرها من جانب آخر، أخذ العلماء في تصنيف هذه الظاهرة في أنماط شتّى، وعنّ لبعض هؤلاء العلماء أن يجمعوا الكلمات التي تدّل على معنى واحد في العربية في تأليف مستقلّ، سمّوه أحيانًا “بالترادف” وأحيانًا أخرى باسم “ما اختلفت ألفاظه واتّفقت معانيه”. وقد بالغ بعضهم في جمع تلك الألفاظ وحشد بينها طائفة كبيرة لا تمّت إلى المترادف الحقيقي بصلة، فوضع الأصمعي كتابًا جمع فيه الألفاظ المترادفة سماه “ما اختلف لفظه واتفق معناه” وكان يحفظ للحجر سبعين اسمًا(7)، ووضع المبرد كتابًا سماه “أسماء الدواهي عند العرب”(8) وكان ابن خالويه يحفظ للسيف خمسين اسمًا وللحية مائتين(9) ووضع الرماني كتابًا سماه “الألفاظ المترادفة والمتقاربة في المعنى”(10) وغيرها من المصنفات التي تحمل أسماء مختلفة للريح والحجر والخمر والكأس والحية والناقة وغيرها ووضع الفيروزأبادي كتابًا سماه “الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف”(11).

وقد أدّت مبالغة هؤلاء العلماء إلى ظهور طائفة أخرى من العلماء تعارض هذا الاتّجاه وترفض ظاهرة الترادف في العربية رفضًا تامًا، ومن هؤلاء ابن فارس وثعلب وأبو علي الفارسي وأبو هلال العسكري.

وستعرض الباحثة فيما يأتي جملة من آراء العلماء القدامى في ظاهرة الترادف في اللغة والقرآن.

1 – أحمد بن فارس (ت 395)

ينكر ابن فارس الترادف في اللغة العربية، ويعد هذه الظاهرة من باب التوسع في اللغة العربية، والدقة في التعبير والإبانة، يقول: «وإن أردت أن سائر اللغات تُبين إبانة اللغة العربية فهذا غلط؛ لأنا لو احتجنا أن نعبر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذلك إلا باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة، وكذلك الأسد والفرس، وغيرهما من الأشياء المسماة بالأسماء المترادفة»(12).

ويعرض ابن فارس مجموعة من آراء اللغويين مؤيدي الترادف أمثال الأصمعي، الذي يتباهى أمام الرشيد بحفظه سبعين اسما للحجر، وابن خالويه يفتخر أنه جمع للأسد خمسمائة اسم، وللحية مائتين، وعلّق ابن فارس على تقسيم سيبويه للألفاظ وعلاقتها بالمعاني يقول: «يسمى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر الكلام، وتسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو عين الماء، وعين المال، وعين السحاب، ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو السيف والمهند والحسام، والذي نقوله في هذا أن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها معناها غير معنى الأخرى، وكذلك الأفعال نحو مضى وذهب وانطلق، وقعد وجلس، وكذلك القول فيما سواه ، وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحي ثعلب»(13).

وقد أورد ابن فارس آراء اللغويين من مثبتي الترادف أمثال الأصمعي وابن خالويه وناقشها، فهم يقولون: لوكان لكل لفظة معنى غير معنى الأخرى لما أمكن أن نعبر عن شيء بغير عبارته، وذلك أن نقول في “لا ريب” “لا شك” فلو كان الريب غير الشك، لكانت العبارة عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عبر عن معنى هذا بهذا، عُلِم أن المعنى واحد.

ويرد ابن فارس على هذا الرأي فيقول: «إنما عبر عنه عن طريق المشاكلة، ولسنا نقول إن اللفظين مختلفان، فيلزمنا ما قالوه، وإنما نقول إن في كل واحدة منهما معنى ليس في الأخرى»(14).

وقد ذكر ابن فارس مجموعة من الألفاظ مبينًا الفروق الدقيقة بين معانيها، وبنى ذلك على عادة الاستعمال عند العرب؛ فلا يقال للمائدة مائدة إلا إذا كان عليها طعام، وإلا فهي خوان، وكذلك الكأس لا تكون كأسًا حتى يكون فيها شراب، وإلا فهو قدح وهكذا(15).

2 – أبو هلال العسكري (ت 395 هـ)

تصدى أبو هلال لظاهرة الترادف التي تباينت فيها الآراء في عصره، وكان مؤيدًا لمنكري الترادف أمثال المبرد وابن فارس وأبو علي الفارسي، الذين ينكرون وجود الترادف التام ويؤكدون وجود المعاني الفارقة بين الألفاظ التي تبدو مترادفة، وقد وضع العسكري كتابه (الفروق اللغوية) للإبانه عن الفروق الدقيقة بين المترادفات، مدللاً بصورة علمية على ما ذهب إليه، وقد هدف من وضع هذا الكتاب إلى دحض فكرة الترادف.

يقول في مقدمة الكتاب: «ثم إني ما رأيت نوعًا من العلوم، وفنًا من الآداب، إلا وقد صنفت فيه كتب تجمع أطرافه، وتنظم أصنافه، إلا الكلام في الفرق بين معان تقاربت حتى أُشكِل الفرق بينها، نحو العلم والمعرفة، والفطنة والذكاء والمشيئة والإرادة»(16).

وهو يرى انتفاء الترادف بين الألفاظ انتفاءً تامًا، ويمثل على ذلك بأن اختلاف العبارات والأسماء يوجب اختلاف المعاني، وأن الاسم كلمة تدل على معنى الإشارة، فإذا أُشير إليه مرة واحدة عُرِف، والإشارة إليه مرة ثانية وثالثة غير مفيدة، ويرى في هذا دليلاً على أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني في لغة واحدة، ودعم رأيه هذا بقول المبرد في تفسير قوله تعالى: ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا” (المائدة: 48) فعطف منهاجًا على شرعة؛ لأن الشرعة لأول الشيء، والمنهاج لمعظمه ومتسعه، ويُعطف الشيء على الشيء وإن كانا يرجعان إلى شيء واحد إذا كان في أحدهما خلاف الآخر، أما إذا أُريد بالثاني ما أُريد بالأول، فعطف أحدهما على الثاني خطأ(17).

وقد تنبه العسكري إلى ضرورة اتحاد اللغة؛ أي أن يكون الحكم في نفي الترادف مرتبط بأبناء اللغة الواحدة، وهو يقصد اللهجات يقول: «إلا أن يجيء ذلك في لغتين، فأما في لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد»(18).

ويشير العسكري إلى اختلاف صيغ المبالغة في معانيها: فمثلاً صيغة مِفْعَل إذا كان الرجل عُدَّةً للشيء، وإذا كان قويًا على الفعل يُقال فَعُول مثل صبور، وإذا فعل الفعل وقتاً بعد وقت يُقال له فَعّال، مثل صَبّار، وإذا كان ذلك عادة له قيل مِفْعال مثل مِهْداء، يقول: «ومن لا يتحقق المعاني يظن أن ذلك كله يُفيد الترادف، وليس الأمر كذلك، بل هي مع إفادتها المبالغة تفيد المعاني التي ذكرناها»(19).

وأبو هلال العسكري وإن كان من أشد الناس إنكارًا للترادف، إلا أنه يُقِر بأن الألفاظ المتقاربة تشترك في دلالتها على المعنى الواحد، ويضيف أن هذه الألفاظ تحتوي على فروق دقيقة تُميز كل لفظة بدلالة تزيد على الأخرى.

وقد اتبع العسكري منهجًا علميًا في التفريق بين معاني الألفاظ فوضع في مقدمة كتابه مجموعة من الأسس التي يتم من خلالها التمييز بين معاني الألفاظ وهي:

  • اختلاف ما يستعمل عليه اللفظان اللذان يراد الفرق بين معنييهما.
  • اعتبار صفات المعنيين اللذين يُطلب الفرق بينهما.
  • اعتبار ما يئول إليه المعنيان.
  • اعتبار الحروف التي تُعَدّى بها الأفعال.
  • اعتبار النقيض.
  • اعتبار الاشتقاق.
  • اعتبار ما توجبه صيغة اللفظ من الفرق بينه وبين ما يُقاربه.
  • اعتبار حقيقة اللفظين أو أحدهما في أصل اللغة.

نستخلص أن العسكري من منكري الترادف بكل وجوهه وأشكاله في اللغة العربية، وقد لجأ في طرح آرائه إلى أساليب البحث العلمي كالتحليل المنطقي في قوله إن الإشارة المتكررة للشيء الواحد غير مفيدة، وذلك بناءً على تعريف الكلمة بأنها إشارة إلى معنى الاسم، واستشهد بآراء العلماء كالمبرد، ولجأ إلى القياس على أقوال بعض النحويين، وفي أثناء عرضه للفروق بين معاني الألفاظ كان يستخدم ما يسمى بالذائقة اللغوية، أو المعرفة السياقية لدى القارئ كأن يقول: لذلك لا نقول كذا، فقد ورد في تفريقه بين قرأ وتلا: “لا نقول تلا فلان اسمه(20).

3 – جلال الدين السيوطي (849 – 911 هـ)

يرى السيوطي أن الترادف موجود في اللغة العربية ضمن التعريف الذي اعتمده، وهو تعريف الرازي، وهو يرى أن الترادف هو الاتحاد التام في المعنى، بحيث تذوب الفوارق بين اللفظتين، وقد وجه المفسرين إلى قضية عدم اللجوء إلى تلمس الفروق الخيالية بين المترادفات القرآنية، والتي يرى أنه لا وجود لها إلا في أذهانهم فقط، ولكنه يدعو إلى الدقة في إطلاق حكم الترادف في القرآن الكريم، لذلك عقد في كتابه “معترك الأقران” فصلاً سماه «ألفاظ يُظَن بها الترادف وليست منه»(21) وتتبع السيوطي هذه الألفاظ لفظة لفظة مبينًا الفروق بين هذه الألفاظ من حيث المعاني؛ ففرق بين الخوف والخشية، وأثبت أن لا اتحاد تام في المعنى بينهما، وكذلك الشح والبخل، والسبيل والطريق، وجاء وأتى، وغيرها من الألفاظ.

ويدل أسلوبه في التأليف على المنهجية العلمية والتثبت في البحث وإيراد آراء العلماء ومناقشتها، ودراسة النصوص والتدقيق فيها، حتى إذا اطمئن قلبه أصدر حكمه وهو مطمئن له.

  • جهود العلماء المحدثين في الترادف

كثر دارسو الترادف من اللغويين المحدثين، وتعددت مذاهبهم في الدراسة، واختلفت آراؤهم بناءً على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم، وقد ورث العلماء المحدثون من القدامى هذا الاختلاف والاضطراب، فلم يصل معظمهم إلى قرار حاسم جريء بالإثبات أو الإنكار، وذلك للسبب نفسه الذي اختلفت من أجله آراء القدامى، وهو عدم تحديد المصطلح والمنهج الدراسي بدقة، إضافة إلى اللجوء إلى الآراء النظرية البحتة بعيدًا عن التطبيق العملي على النصوص التي تمثل لغة العرب، وعند استخدامهم المفردات المترادفة أو التي يظنون أنها مترادفة، فهم يبحثون في ألفاظ مفردة بعيدة عن سياقات الاستعمال، فتكون نتائجهم بعيدة عن روح اللغة الحية المستعملة في النصوص.

وستعرض الباحثة جملة من آراء العلماء المحدثين في ظاهرة الترادف:

1 – الدكتور إبراهيم أنيس (1906 – 1997)

يرى إبراهيم أنيس أن الأصل في وضع الألفاظ أن يدل كل لفظ على معنى محدد، ولكن تداخل الحياة وتشابكها يؤديان إلى أن يشترك جزء من معنى في عدة ألفاظ، وكذلك كثرة الاستعمال ومرور الزمن، والاهتمام بالموسيقى اللفظية أدت إلى تناسي الفروق الدقيقة في معاني الألفاظ المتشابهة، مما أدى إلى كثرة الألفاظ المترادفة، وتعد هذه الظاهرة ميزة للغة العربية على باقي اللغات في العالم، ويشترط إبراهيم أنيس للترادف الاتحاد التام في المعنى والمرجع في ذلك إلى الاستعمال، وهو يقصد هنا السياق(22).

وهو يرى أن الترادف في العربية يعود إلى الانشغال بموسيقى الألفاظ عن رعاية الفروق بينها فاختلطت المعاني بعضها ببعض، كاستعمال عنترة عدة ألفاظ للسيف لم يقصد بها الدلالة المحددة (الوصفية)، وإنما المقصود منها جميعًا السيف الحميد، وإنما جاء ذكرها بإلزام من القافية(23).

أما عن رأيه في الترادف في القرآن الكريم، فهو يرى أنه موجودة وبكثرة، رغم محاولة بعض المفسرين أن يلتمسوا فروقًا وصفها بالخيالية والتي لا وجود لها إلا في أذهانهم بحسب قوله، ويستدل على ذلك بعدم إيراد الأدلة والشواهد اللغوية، كما في كتاب الفروق لأبي هلال، وإن كان أبو هلال يورد نصوصًا من القرآن يستدل بها، إضافة إلى إحالة القارئ إلى ما جرت عليه العادة في استعمال الألفاظ، ويترك الحكم للذائقة اللغوية لدى القارئ أن يحكم بنفسه على دقة تفسيره كما رأينا سابقًا،  ويشكك الدكتور إبراهيم أنيس في هذه الفروق، ولا يرى لها أصلاً؛ فهو يرى أن الوقر والصمم لهما معنى واحد في القرآن.

ولكنه في الوقت نفسه يقف موقفًا معتدلاً حصيفًا من مؤيدي الترادف فهو يصف البعض منهم بالمغالاة، وتجاهل التطور الدلالي(24).

2 – الدكتور محمد كمال بشر (1921)

تعرض الدكتور كمال بشر إلى ظاهرة الترادف في الشروحات والتعليقات التي ضمنها كتاب ستيف أولمان (دور الكلمة في اللغة) الذي ترجمه إلى العربية، وقد أورد آراء العلماء القدامى والمحدثين، وأسهب في عرض اختلاف الآراء بينهم، وتناول آراءهم بالتحليل والمناقشة، وخلص في النهاية إلى وجود اختلاف كبير حول هذه القضية، واضطراب ظاهر في آراء العلماء فيها، وعزا هذا الخلاف إلى سببين رئيسيين:

الأول: عدم تحديد المصطلح بدقة.

الثاني: اختلاف المناهج بين الدارسين في تناول الظاهرة.

أما عن مذهبه في دراسة الظاهرة، فقد اختار تعريف أولمان وهو: المترادفات ألفاظ متحدة في المعنى، وقابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق، واختار المنهج الوصفي القائم على دراسة الظاهرة دراسة إحصائية شاملة، عن طريق وصف الحاصل والموجود في فترة زمنية محددة، بقطع النظر عن السابق واللاحق، ويترتب على هذا المنهج تحديد بيئة الكلام المدروس، وتحديد الصيغة كأسلوب المثقفين أو العمال أو العامة، وضرورة مراعاة الموقف والظروف والملابسات التي يقال فيها الكلام.

وهو يرى أن في هذه الحالة سيتمكن الباحث من إدراك الفروق الدقيقة في المعاني بين الألفاظ، لا سيما حين يحاول استبدال كلمة مكان كلمة أخرى في المواقف المختلفة؛ فقد تُخَصَص كلمة معينة لدى فئة معينة لا يمكن استبدالها مع فئة أخرى، أو قد يمتنع الاستبدال بسبب أحوال السامعين والمتكلمين، وقد تكون كلمة مستعملة في النصوص الأدبية، ولا يمكن استبدالها مع لفظة تستخدمها العامة، وهكذا وهو يلمح بهذا المنهج الدراسي إلى إنكار الترادف في اللغة(25).

3 – الدكتور صبحي الصالح (1926 – 1986)

يرى الدكتور صبحي الصالح أن الاتساع والتزايد في استعمال المفردات العربية أدى إلى التنوع، وساعد على ذلك احتفاظ العرب بالألفاظ المهجورة لاستعمالها عند الحاجة، فأدى هذا إلى وجود حصيلة لغوية واسعة جدًا بحيث أصبح للاسم الواحد عدد كبير جدًا من الأسماء والصفات باعتبارات مختلفة، من حيث الصفة وطريقة الاستعمال، وزمن الاستعمال، وغيرها من الاعتبارات، فاجتمع للناقة أكثر من مائة اسم، وكذلك العسل جُمِع له ثمانون اسمًا، ويشير الدكتور صبحي الصالح إلى الألفاظ الدخيلة والمعربة، والتي تأخذ مكانها في اللغات بحيث تصبح وكأنها منها.

ويرى في إنكار الترادف في العربية من الخطورة ما يؤدي إلى اتهامها بمحدودية التعبير، والقصور، وهو يرى أن العربية تبلغ حد الإعجاز وهي تعبر عن الشيء الواحد بألفاظ مختلفة تراعي معه التفاوت الدقيق في صفاته(26).

نلاحظ أن الدكتور صبحي الصالح يُقِر بوجود الترادف في اللغة العربية، لكنه يعترف بوجود التباين الدقيق في معاني الألفاظ، ويعد ذلك من مظاهر التوسع في التعبير، والاختلاف في الدلالات، وتنوع الاستعمال، فهو يقف موقفًا معتدلاً بين الفريقين: مؤيدي الترادف ومنكريه فيقر بالترادف إذا كان في لهجتين أو قبيلتين، بمعنى آخر بيئتين مختلفتين فيقع الترادف بوجود واضعَين مختلفين، بحيث يتناسى الناس الفروق التي تميز لهجة عن لهجة، وعلى هذا الأساس يفسر وجود الترادف في القرآن ويُقِر به، لأنه وقد نزل بلغة قريش، والتي أُتيح لها الاحتكاك باللهجات الأخرى؛ فاستعمل القرآن هذه اللغة بما فيها من لهجات مكتسبة أصبحت جزءًا منها، فلا يرى مانعًا من الاعتراف بالترادف، والإقرار به في الألفاظ المكتسبة من اللهجات المختلفة في اللغة الواحدة، يقول: “وعلى هذا الأساس نقر بوجود الترادف في القرآن؛ لأنه وقد نزل بلغة قريش المثالية، يجري على أساليبها وطرق تعبيرها، وقد أتاح لهذه اللغة طول احتكاكها باللهجات العربية الأخرى اقتباس مفردات تملك أحيانًا نظائرها، ولا تملك منها شيئًا أحيانًا أخرى، حتى إذا أصبحت جزءًا من محصولها اللغوي، فلا غضاضة أن يستعمل القرآن الألفاظ الجديدة المقتبسة، إلى جانب الألفاظ القرشية الخالصة القديمة”(27)  فيرى أن في لفظتي أقسم وحلف ترادفًا، وفي لفظتي آثر وفضَّل كذلك، وغيرها من الألفاظ.

  • الترادف في القرآن الكريم

تتجلى ظاهرة اكتساب الكلمة دلالة خاصة في مواضع معينة في القرآن الكريم، ومن المألوف أن الكلمة التي تقع في سياق ما تحمل شحنات دلالية من شأنها أن تتفاعل مع مقتضيات السياق الدلالي؛ إذ إن المعاني المعجمية للكلمة تقع في السياق الدلالي المناسب لها، وقد أولى علماء العرب القدامى هذه القضية أهمية بالغة بدافع إظهار الإعجاز البياني للقرآن، وتوضيح التلاؤم بين الألفاظ والمعاني، وعلاقتهما بالسياق العام.

ويتميز القرآن الكريم بالدقة المطلقة، التي تشكل وجها مشرقا من وجوه الإعجاز القرآني، حيث الكلمة لا يحل غيرها محلها أبدًا، على سعة قاموس العربية وثرائه، والقول الفصل في قضية الترادف ينبغي أن تكون للقرآن الكريم؛ فهو كتاب العربية الأول، نزل في ذروة البلاغة العربية العليا، نحكم من خلاله على اللغة، إذ لم ينكره العرب، بل هو فرض لغته عليهم، وسن قوانين العربية.

وسأورد هنا مثالاً على الفروق الدقيقة بين لفظتين وردتا في القرآن ويظن بأنهما مترادفتان:

النحب والأجل

النحب: رفع الصوت بالبكاء، والنحيب البكاء بصوت طويل ومد، والنحب النذر نحبت انحب(28)، وقال الجوهري: النحب النذر، وسار فلان على نحب سار فأجهد السير(29)، وقال ابن فارس: “النون والحاء والباء أصلان أحدهما يدل على نذر، والآخر على صوت، وكذا النحب الموت، كأنه نذر ينذره الإنسان يلزمه الوفاء به، ولا بد له منه(30).

وقال الراغب: النحب: النذر المحكوم بوجوبه، ويعبر بذلك لمن مات(31)، وقال الزجاج في قضى نحبه: “أي أنه مات على دينه غير مُبَدِّل(32)، وفسرها الفراء بالأجل(33).

وقال ابن منظور في الأجل: غاية الوقت في الموت، وحلول الدين وغيره، والأجل مدة الشيء (34)، وقال الجوهري: الأجل مدة الشيء (35)، وقال ابن فارس: الأجل غاية الوقت في محل الدين وغيره(36)، وقال الراغب: الأجل المدة المضروبة للشيء، وتقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان؛ فيقال دنا اجله عبارة عن دنو الموت، وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة (37).

وقد وردت مادة أجل في القرآن بهذا المعنى ستًا وأربعين مرة بصيغة الاسم، ومرتين بصيغة الفعل. أما النحب فقد وردت بصيغة واحدة في قوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23)  وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: «أي منهم من بذل جهده للوفاء بعهده حتى قُتِل، ومنهم من ينتظر الشهادة، وما بدلوا عهدهم ونذرهم»(38) ويؤكد السياق الذي ورد فيه استخدام اللفظة هذا المعنى؛ فهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقد مدحهم الله، وميزهم بالصدق والوفاء، فما غيروا ولا بدلوا، فيكون النحب بمعنى العهد، الذي يوجب الوفاء والتصديق، ومن حتمية الموت قيلت فيه، وقد استعملها القرآن في سياق التكريم والتشريف في موضع الشهادة، فلا يُقال لأي ميت قضى نحبه.

أما الأجل فقد وجه السياق القرآني استعمال هذه المادة بتصاريفها للمدة المضروبة للشيء فقد يكون  للحياة في الدنيا أو غيره، ففي استعماله لانتهاء مدة الحياة قال: (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (المؤمنون: 43)، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر: 67)، (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون: 11)، (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 185)، (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 145).

وجاءت للدلالة على انتهاء مدة العدة للنساء: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة: 234).

وجاءت للدلالة على مدة الدَّين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة: 282).

وجاءت للدلالة على الوقت المحدد للبعث والجزاء (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت: 5)، فهي دلالة عامة على انتهاء مدة الشيء، واستعملت في الموت لأن عمر الإنسان له مدة ينتهي إليها لا محالة.

النتائج والتوصيات

  • ليس هناك اتفاق تام بين علماء اللغة على تعريف الترادف، مما أدى إلى اختلاف واسع، وتباين في الآراء فيما بينهم بين مثبت للترادف ومنكر له، وكثرت في ذلك الكتب والمصنفات قديمًا وحديثًا.
  • يجمع أغلب الباحثين على ضرورة اتحاد اللغة عند الحكم بالترادف، ذلك أن تباين اللهجات من أهم أسباب الترادف، بأن تضع قبيلتين لفظين مختلفين لمعنى واحد، ويشتهر اللفظان؛ فيُعَد من الترادف.
  • السياق وكثرة الاستعمال، والحقيقة والمجاز والتطور الدلالي، والمعرب والدخيل من الأمور التي توهم بوجود الترادف في اللغة، عند معظم الدارسين.
  • ضرورة تحديد المنهج الذي تقوم عليه الدراسة، فمن المعروف أن نتائج البحث تختلف اختلافاً واسعا عند اختلاف المنهج، سواء كان تاريخياً أم وصفيًا.، وهذا ما أدى إلى اضطراب نتائج الدراسات التي قام بها الباحثون قديماً على ظاهرة الترادف.
  • لا ترادف في القرآن الكريم؛ فكل لفظة فيه اختيرت بحكمة إلهية، ولا يقوم غيرها مقامها.

 

الهوامش:

(1) ابن منظور، محمد بن مكرم- لسان العرب – 1990 – دار صادر- بيروت: مادة ردف.

(2) الجوهري، إسماعيل بن حماد – الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية – تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار– ط4 – 1990 – دار العلم للملايين – بيروت: مادة ردف.

(3) ابن فارس، أبو الحسين أحمد – مقاييس اللغة – تحقيق: عبدالسلام هارون 1979 – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- القاهرة: مادة ردف.

(4) سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر – الكتاب – تحقيق وشرح: عبدالسلام هارون – 1988 – ط 3 – مكتبة الخانجي – القاهرة 1: 24.

(5) السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبو بكر – المزهر في علوم اللغة وأنواعها – شرح وضبط: محمد أحمد جاد المولى وآخرين – ط3 – دون تاريخ دار التراث – القاهرة. 1: 402.

(6) انظر المصدر السابق 1: 403.

(7) انظر ابن فارس، أبو الحسين أحمد – الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها – 1997 – دار الكتب العلمية – بيروت 21

(8) انظر المنجد، محمد نور الدين – الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبي 1979 – دار الفكر المعاصر – بيروت 19.

(9) انظر الصاحبي 21.

(10) انظر الترادف بين النظرية والتطبيق 20.

(11) المرجع السابق 24.

(12) الصاحبي 19.

(13) المصدر السابق 59.

(14) المصدر السابق 60.

(15) انظر المصدر السابق 60.

(16) أبو هلال العسكري، الحسن بن عبدالله بن سهل – الفروق اللغوية – تحقيق: محمد إبراهيم سليم – دون تاريخ – دار العلم والثقافة – القاهرة 21.

(17) انظر المصدر السابق 22.

(18) المصدر السابق 24.

(19) المصدر السابق 24.

(20) الفروق اللغوية 63.

(21) السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبدالرحمن أبو بكر – معترك الأقران – ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين – 1988 – دار الكتب العلمية – بيروت 3: 485.

(22) انظر أنيس، إبراهيم – دلالة الألفاظ – ط5 – 1984 – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة 211.

(23) انظر المرجع السابق 212.

(24) انظر المرجع السابق 217.

(25) انظر ستيف، أولمان – دور الكلمة في اللغة – ترجمة وتعليق: كمال بشر– 1975 مكتبة الشباب – القاهرة 108، 112.

(26) انظر الصالح، صبحي – دراسات في فقه اللغة – 1960 – دار العلم للملايين – بيروت 292، 297.

(27) المرجع السابق 299.

(28) انظر لسان العرب: مادة نحب.

(29) انظر الصحاح مادة نحب.

(30) مقاييس اللغة: مادة نحب.

(31) انظر الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد – المفردات في غريب القرآن دون تاريخ – مكتبة نزار مصطفى الباز – القاهرة: مادة نحب.

(32) انظر الفراء، أبو زكريا يحيي بن زياد – معاني القرآن – تحقيق: أحمد يوسف نجاتي وآخرون – عالم الكتب – ط3 – 1983 – بيروت.

(33) انظر معاني القرآن.

(34) انظر لسان العرب: مادة أجل.

(35) انظر الصحاح: مادة أجل.

(36) انظر مقاييس اللغة: مادة أجل.

(37) انظر المفردات: مادة أجل.

(38)القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر- الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنته من السنة وآي الفرقان – تحقيق: عبدالله بن الحسن التركي – 2006 مؤسسة الرسالة – بيروت 17: 114.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى