مساهمات المجتمع المدني في تحسين أوضاع التعليم في النصف الأول من القرن العشرينالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-05-19 06:17:43

د. نسمة سيف الإسلام سعد

جامعة القاهرة

تعد العلاقة بين التعليم والمجتمع علاقة وثيقة، فالتعليم جزء من نظام أعم وأشمل هو المجتمع، وانطلاقًًا من أهمية دور المجتمع المدني في مشاركة الحكومات في تحسين الأوضاع الاجتماعية نجد أن أهم أهداف المجتمع المدني بكافة تكويناته الارتقاء  وتحسين أوضاع  المجتمع، نعد المشاركة في حل مشكلات التعليم من أهم الأهداف التي تسعى منظمات المجتمع المدني لحلها منذ مطلع القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر.

 

يُقصد بمصطلح المجتمع المدني أو النشاط الأهلي القطاع داخل المجتمع لا يكون له توجه واحد بعكس "المجتمع الاشتراكي" أو "المجتمع الرأسمالي"، وإنما إلى فئة يجمع بينها الرغبة في تقديم خدمات تنموية للمجتمع الذي تعيش فيه1.

ارتبطت نشأة المجتمع الأهلي في مصر بقيام الدولة الحديثة في عهد محمد علي (1805-1848)، بعد الحملة الفرنسية على مصر (1898-1801)، ولكن لما كان المشروع التحديثي لمحمد علي قد خُطط له ونفذ بمبادرة واحتكار الدولة لم يكن واردًا أن ينشأ مجتمع مدني قوي، وبالرغم من ذلك فقد نشأت أولى منظمات المجتمع المدني في مصر خلال عهده وهي الجمعية اليونانية في الإسكندرية 1821، وبعد إجهاض المشروع التحديثي لمحمد علي وتدفق الأجانب على مصر في صورة رجال أعمال ورؤوس أموال وانتشار الجاليات الأجنبية، ثم الاحتلال البريطاني بدأت تظهر وتنمو تكوينات جديدة تدخل في نطاق المجتمع المدني، وكان في مقدمتها:

- الجمعيات الإسلامية والمسيحية.

- روابط الجاليات الأجنبية.

- الجمعيات والنقابات المهنية.

- الأحزاب السياسية.

- الجمعيات الأهلية2 .

وسوف تتناول هذه الدراسة أهم إسهامات المجتمع المدني في تحسين أوضاع التعليم باعتباره كان ولا زال من أهم مشكلات المجتمع المصري حتى الوقت الحالي.

  عندما تولى محمد علي حكم مصر عام 1805 تبين له أن السبيل إلى بناء دولة عصرية يكون بتحديث التعليم وإقامة بنائه على النسق الأوربي لسد حاجة البلاد للعناصر المتعلمة؛ لذلك شهد عصر محمد علي نهضة تعليمية واسعة كانت من أهم نتائج تجربته الإصلاحية وقد ظل التعليم ينحدر من السيئ إلى الأسوأ في عصر خلفاء محمد علي، فعلى سبيل المثال في عهد  عباس باشا تم إغلاق جميع المدارس الابتدائية بالأقاليم والاكتفاء بمدرسة المبتديان في القاهرة، التي أنشأها محمد على عام 1833، واستمر الأمر على هذا السوء، حتى  مجيء الخديوي إسماعيل الذي اعتبر التعليم واجبًا قوميًّا، ليس الهدف منه إعداد موظفين فحسب وإنما اعتبره عاملاً مهمًّا في تثقيف أفراد الشعب، فشهد عصره نهضة تعليمية موسعة وبنهاية حكمه، ومع مجيء الاحتلال البريطاني عام 1882 حدث تدهور شامل لأحوال التعليم بكافة مراحله واللورد كرومر أوضح بنفسه في تقريره عن عام 1901م الأهداف البريطانية من العملية التعليمية في مصر، حيث اختصرها  في شقين هما " الأول: نشر التعليم البسيط  بقدر الطاقة بين الذكور والإناث على أوسع نطاق ممكن ينحصر في الإلمام بمبادئ اللغة العربية والحساب، والثاني: الرغبة في إعداد طبقة متعلمة تعليمًا راقيًّا تفي بمطالب الخدمة في الحكومة لكي يتقلدوا وظائفها"3، وحتى يتم تطبيق هذه الأهداف على أرض الواقع تم اتخاذ عدة خطوات منها خفض نسب الإنفاق على التعليم بصفة عامة، وعدم الاهتمام بإنشاء المدارس والتوسع فيها،  فضلاً عن زيادة المصروفات الدراسية، ولم تكتف سياسة الاختلال بذلك، وتم إصدار قرار في عام 1902 بأن يكون التعليم بالمصروفات بحيث لا يكون مجانيًًّا إلا بوجه الاستثناء4، فقد كان اللورد كرومر يَدَّعي أن الحكومة الصالحة تحتاج إلى عنصرين أساسيين هما الجهاز الإداري الجيد والموظفين الأكفاء، ولكن أكبر خطأ تخريج أعداد متعلمين تفوق حاجة الحكومة من الموظفين، وكذلك إعطاء الانطباع بأن التعليم في المدارس الابتدائية خير أداة للعمل الحكومي، وكانت زيادة المصروفات الدراسية وسياسة تشجيع أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بالتعليم الفني، بدلاً من الثانوي على أساس أنه أجدى نفعًا أهم الأسس التي قامت عليها سياسة الاحتلال البريطاني تجاه التعليم، مما أدى إلى أن بلغت نسبة المتعلمين من الشعب المصري عام 1927 م (9% فقط )5.

بدأت الجهود الأهلية تتخذ شكلاً منظمًا لتعويض الشعب عن النقص في عدد المدارس، وقد تمثل هذا الشكل في ظهور بعض الجمعيات الخيرية، والأحزاب السياسية، التي سعت إلى تقديم التعليم للشعب بالمجان، أو بمصروفات ضئيلة، معتمدة في ذلك على التبرعات والإعانات. وتناولت هذه الجهود الأهلية التعليم في كافة مراحله، وتنوعت حتى فاقت إلى حد كبير جميع الجهود الحكومية في هذا الميدان، وقد كان من أبرز الجهود الحكومية ما قام به سعد زغلول في أثناء توليه نظارة المعارف ومن الجهود الحزبية ما قام مصطفى كامل، ومن بعده محمد فريد من خلال الحزب الوطني سواء عن طريق إنشاء المدارس الليلية لتعليم العمال أو الدعوة لإنشاء الجامعة المصرية، وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك مشاركات مجتمعية لنشر التعليم والحد من الأمية، ومنها أن طلاب جامعة القاهرة على سبيل المثال قاموا بتشكيل جمعيات طلابية الهدف منها العمل على محو الأمية بين صفوف الفلاحين في الريف والأحياء الشعبية في المدن، ومن هذه الجمعيات جمعية "الطلبة لنشر الثقافة" والتي ضمت بين صفوفها الطلبة المتطوعين الذين كانوا يقوموا بتعليم القراءة والكتابة للمواطنين، كما يقومون كذلك بإلقاء دروس في الصحة وكيفية الوقاية من الأمراض وطرق تنظيم منازلهم، وكانت هذه الأنشطة تتم خلال الإجازة الصيفية للطلاب، ونالت هذه الجمعية الدعم من علي باشا إبراهيم رئيس الجامعة، وتعاونت الجمعية مع الحكومة فرخصت لها استخدام المدارس الحكومية في مختلف أنحاء البلاد، وخصصت لها إعانة سنوية ورحب الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر بالدعوة لنشاط الجمعية بين طلاب الأزهر6، وكان أيضًا للصحافة النسائية دورًا في الاهتمام بقضايا التعليم فقد كان التركيز على قضايا التعليم، وقوانينه من أهم الأمور التي تناولتها مجلة الفتاه للسيدة نبوية موسى وقد هاجمت أيضًا استبدال المعلمات المصريات بالأجانب وسياسات وزارة المعارف تجاه التعليم الحر، وشاركت في هذه الحملة مجلة المصرية لصاحبتها بلسم عبدالملك7.

دور الجمعيات الأهلية في نشر التعليم:

وأما الجمعيات الأهلية فنجد أنه كان هناك العديد من الجمعيات كان لها مساهمات في نشر التعليم، ومنها جمعية المساعي الخيرية التي تأسست عام 1881، وكان لها الفضل في تعليم عدد كبير من أبناء الفقراء وتعليم التدبير المنزلي والتطريز بالمدارس الابتدائية والأولية8 ، ومن أهم الجمعيات التي كان لها مساهمات مهمة في نشر التعليم:

- الجمعية الخيرية الإسلامية :

كان من أهم الجمعيات التي كان لها دور في تحسن أحوال التعليم الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست عام 1892، وكان من أهم أعضائها (محمد عبده وسعد زغلول ومحمد فريد) أسهمت إسهامًا فعالاً في نشر التعليم عن طريق مدارسها، التي انتشرت ليس في القاهرة وإنما امتدت في مختلف إنحاء البلاد، وكان يتم قبول التلاميذ بهذه المدارس من الذين يتراوح أعمارهم بين سبع وعشر سنوات، وكان منهج التعليم بهذه المدارس يجمع بين العلوم الدينية والعلوم الحديثة بالإضافة إلى وقوفه على ما يسمى بالعلوم العصرية، واستمرت الجمعية الخيرية الإسلامية تسهم في نشر التعليم بجميع أنواعه وكافة مراحله، وقد وصل عدد تلاميذ مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1904م إلى 766 تلميذًًا، ارتفع في عام  1915م إلى (4733 تلميذًا منهم 2095 بالمجان و 2638 بمصروفات)، إلى أن ضمتها وزارة المعارف إليها في الثامن من  أغسطس عام 1938، وأصبحت خاضعة لسلطة الوزارة من الناحية الفنية والإدارية9.

- الاتحاد النسائي المصري:

تم تأسيس الاتحاد النسائي المصري في 16 مارس 1923، برئاسة السيدة هدى شعراوي، وكان من أهم أهدافه في المجال الاجتماعي الدعوة إلى نشر التعليم الابتدائي بصفة إلزامية وطالب بالإكثار من البعثات العلمية وفتح باب التعليم الثانوي وتشجيع حركة الترجمة لدورها البالغ الأهمية في نشر المعرفة ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم إنشاء عدد من المدارس تابعة لنشاط الإتحاد النسائي10 .

جمعية المرأة الجديدة:

تم تأسيس جمعية المرأة الجديدة عام 1919، برئاسة السيدة هدية بركات، وكان الهدف من إنشائها نشر التعليم للمرأة، وأقامت لهذا الغرض مدرسة أولية للفتيات من سن الثامنة إلى سن الثانية عشرة، لتعليمهن مبادئ القراءة و الكتابة والحساب، مع إتقان الحياكة والتطريز، وساهمت عدد من السيدات في إنجاح وتطوير الفكرة.

ويتضح مما سبق أنه على الرغم من مدى خطورة مشكلة الأمية واستمرارها في المجتمع المصري حتى الوقت الحالي، إلا أن جهود المجتمع المدني والمشاركات المجتمعية كان لها دور بارز في التخفيف من حدة المشكلة .

 

الهوامش:

1 - فريد زهران: النشاط الأهلي أو المجتمع المدني في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2006 ، ص 86 .

2 - خالد عبدالفتاح: قيم العمل الأهلي في مصر، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، القاهرة 2006 ، ص 102 .

3 -  ماجدة محمد حمود: المندوبون الساميون ودورهم في نشر التعليم والثقافة الإنجليزية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2001 ، ص 23 .

4 - عوض توفيق عوض: موقف الاحتلال البريطاني من تعليم البنات، ملتقى المرأة والذاكرة، القاهرة 2010 ، ص 215 .

5 -  محمد علي علوبة: ذكريات اجتماعية وسياسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1988 ، ص 75 .

6 -  نسمة سيف الإسلام سعد: دور الحركة الطلابية في الحياة العامة في مصر (1908- 1945)، دورية كان التاريخية، العدد السابع والعشرون، مارس 2015 ، ص132-143 .

7 -  ليلي عبدالمجيد: المجلات النسائية في مصر، الهلال، يناير 2000 ، ص 40 .

8 - عوض توفيق عوض: موقف الاحتلال البريطاني من تعليم البنات، ملتقى المرأة والذاكرة، القاهرة 2010 ، ص 218 .

9 - بسنت فتحي محمود : تعددية التعليم الابتدائي في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة2009 ، ص 132 ، ص 105 .

10  آمال كامل بيومي السبكي: الحركة النسائية ما بين الثورتين 1919 و 1952 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1986 ، ص 105 .


عدد القراء: 6337

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-