المقاهي الأدبية (سيرة ذاتية) الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-11-25 02:57:52

صلاح عبد الستار الشهاوي

باحث في التراث العربي - مصر

اليونسكو يدرج المجلس والقهوة العربية في القائمة التمثيلية للتراث الإنساني.

في دورتها العاشرة التي عُقدت في ويندهوك (عاصمة ناميبيا) في شهر ديسمبر 2015م وافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على إدراج ملفي المجلس والقهوة العربية رسميًّا في القائمة التمثيلية للتراث الإنساني لدى اليونسكو. والحقيقة إن إدراج المجلس والقهوة العربية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني لمنظمة اليونسكو يكتسي أهمية بالغة في المشهد الثقافي العربي، هذا الإدراج يُسهم في صونهما وزيادة الوعي بأهميتهما باعتبارهما علامتين بارزتين من علامات الإبداع البشري، ومحفزين للتنوع الثقافي الذي يحقق الاستدامة.

المقهى لغة:

 كلمة مقهى هي الصواب اللغوي والجمع مقاه،ٍ إشارة إلى بيوت القهوة التي غدت تسمي باسم – القهوة- دلالة على المحل الذي تشرب فيه القهوة. لأن الكلمة عامية وإن كان البعض يري أنها فصيحة للمكان، ولا غبار عليها من باب حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه.

متى ظهرت المقهى؟:

لما شاع شرب – منقوع البن- أي (القهوة) وولع الناس بها ولعًا كبيرًا، زاد الطلب عليها، وأصبحت الحاجة ملحة لوجود مكان يخصص لها، لكي يستطيع عامة الناس شربها فيه، ولذلك رأي بعض الأفراد إشباع هذه الحاجة عن طريق فتح محل خاص بإعدادها وبيعها للناس شرابًا منعشًا، فكانت هذه المحلات التي أطلقوا عليها اسم – بيوت القهوة- وهكذا بتوالي الأيام أخذ عدد هذه البيوت يتزايد، واتجه الناس إليها -لا سيما في القاهرة ومكة والمدينة – اتجاهًا عامًا.

أما متى ظهرت أول مقهى في العالم، فهذا ما يذكره لنا الفقيه اليمني – عبدالقادر بن محمد الأنصاري الحنبلي – صاحب كتاب – عمدة الصفوة في حل القهوة- حيث يقول: "إن أول ظهور لبيوت القهوة كان بمصر في حارة الجامع الأزهر بالقاهرة، في العشر الأوائل من القرن العاشر الهجري، وكانت تشرب في الجامع نفسه– برواق اليمن- كل ليلة إثنين وجمعة – يضعونها في ماجور كبير من الفخار الأحمر. ويأخذ منها النقيب بسكرجة صغيرة ويسقيهم الأيمن فالأيمن".

ويقول في موضع آخر من كتابه: ".... إن الأخبار قد وردت علينا بمصر بأنه أقيم في مكة الشريفة في سنة خمس عشر وتسع مئة للهجرة بيت للقهوة، ثم انتشرت هناك انتشارًا كبيرًا. ثم حدث عليها الإنكار بمكة الشريفة في سنة سبع عشر وتسع مئة فقام الأمير – فايربك- بإغراء من الشيخ – شمس الدين الخطيب- في مكة المكرمة بإصدار أمر بإبطالها ومنع الناس من شربها. ثم جاء قرار من السلطان بالقاهرة بإباحتها مرة أخرى".

ومن مكة في الجزيرة العربية انتشرت المقاهي، حتى وصلت دمشق وسائر المناطق العربية والإسلامية، حتى وصلت إلى تركيا – تشير دائرة المعارف الإسلامية إلى أن انتشار القهوة في استانبول والروم ايلي كان في عهد السلطان سليمان، وأن أول مقهى أسس في استانبول كان لرجلين أحدهما حلبي والثاني دمشقي وذلك في سنة 962هـ، وقد كان يجتمع في هذا المقهى الأعيان والأدباء لشرب القهوة حتى دعي هذا المكان باسم – مدرسة العلماء-.

ونقل الأتراك القهوة، عن العرب وأشاعوها في أوروبا بعد أن سموها بلكنتهم – كاهقا- وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وصول القهوة إلى أوروبا، ولكن الراجح أنها وصلت إلي هولندا عام 1600م، ومنها تفرقت إلى أوروبا  فافتتح أول مقهى في لندن سنة 1652م، ومن لندن انتقلت القهوة إلى أمريكا سنة 1689م، فافتتح أول مقهى في ولاية بوسطن بأمريكا سنة 1696م، وقد ظلت اليمن المصدر الوحيد للبن حتى القرن السابع عشر الميلادي، فبدأت زراعته في سرنديب (سيريلانكا) سنه 1658م وفي جاوة وغيرها من الأرخبيل الأندونيسي سنة 1696م وفي جزر المارتينيك سنة 1723م وفي البرازيل سنة 1727م.

وقد لاقت القهوة على مر الأيام رواجًا كبيرًا، فأصبحت من السلع التجارية المهمة. وبات اسمها يعرف بـ coffee  أو cafee  وهو اسمها العربي طبعًا.

وصف المقهى:

في كتابهم- وصف مصر- يذكر علماء الحملة الفرنسية عام 1789م المقاهي في القاهرة بقولهم:

"تضم مدينة القاهرة حوالي 1200 مقهى بخلاف مقاهي مصر القديمة وبولاق، حيث تضم مصر القديمة 50 مقهى، أما بولاق فيبلغ تعداد مقاهيها المئة. وليست لهذه المباني أي علاقة بالمباني، التي تحمل الاسم نفسه  في فرنسا إلا من حيث استهلاك البن على الرغم من أن هذا المشروب يُعد ويشرب بطريقة مختلفة.

ولا تشرب القهوة إلا ملتهبة، لكنهم يرشفونها، وتلك عادة شائعة في الشرق، تتطلب نوعًا من التعود،

وليس في هذه المباني أثاثات على الإطلاق، وليس ثمة مرايا أو ديكورات داخلية أو خارجية، فقط ثمة منصات - دكك- خشبية تشكل نوعًا من المقاعد الدائرية بطول جدران المبنى، وكذلك بعض الحصر من سعف النخيل أو بسطة خشنة الذوق في المقاهي الأكثر فخامة، بالإضافة إلى بنك خشبي عادى بالغ البساطة.

وكانت مقاهي القاهرة تخضع للإشراف المباشر لرئيس يشتري لنفسه حق التزامها وتدفع له كل المقاهي رسمًا صغيرًا من بداية السنة التركية(الهجرية) (أول المحرم)، ويبلغ هذا الرسم 10-40 مديني، وتعفي من دفعة المقاهي الفقيرة. ويستطيع كل من يريد أن يبني مقهى أن يفعل ذلك بمطلق حريته، لكنه لا يستطيع مباشرة العمل فيها قبل الحصول على تفويض من المشرف على الحرفة، إذ هو على نحو ما مكلف عادة بالإدارة الداخلية والإشراف علي هذه المنشآت، كما إنه ملزم بتقديم مرتكبي المخالفات من أبناء هذه الحرفة إلى العدالة. وتوكل مهمة الإشراف هذه عادة إلى أغا الإنكشارية (الكخيا المتولي) الذي يدفع حق هذا الالتزام إلى السلطة.

وعن شكل المقهى المصري في القرن التاسع عشر يحدثنا المستشرق الإنجليزي- إدوارد وليم لين- الذي زار القاهرة وعاش بها في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، في كتابه -المصريون المحدثون- فيقول: "إن القاهرة بها أكثر من ألف مقهى، والمقهى غرفة صغيرة ذات واجهة خشبية على شكل عقود، ويقوم على طول الواجهة ما عدا المدخل مصطبة من الحجر أو الآجر تفرش بالحصر، ويبلغ ارتفاعها، قدمين أو ثلاثة وعرضها كذلك تقريبًا، وفي داخل المقهى مقاعد متشابهة علي جانبين أو ثلاثة، ويرتاد المقهى أفراد الطبقة السفلي والتجار، وتزدحم بهم عصرًا ومساءً، وهم يفضلون الجلوس على المصطبة الخارجية، ويحمل كل منهم شبكة الخاص وتبغه. ويقدم (القهوجي) القهوة بخمس فضة للفنجان الواحد، أو عشر فضة للبكرج الصغير الذي يسع ثلاثة فناجين أو أربعة. ويحتفظ (القهوجي) أيضًا بعدد من الآلات التدخين من نرجيلة وشيشة وجوزة، وتستعمل هذه الأخيرة في تدخين التمباك، ويتردد الموسيقيون والمحدثون علي بعض المقاهي في الأعياد الدينية الخاصة".

ويمكن القول: إن العصر الذهبي لمقاهي القاهرة كان في النصف الأول من القرن العشرين خاصة في العشرينيات والثلاثينيات، فقد كانت القاهرة الجميلة الهادئة وقتذاك تزخر بالعديد من المقاهي الجميلة والرائعة.

أدوات المقهى:

في أي مقهى يطالعنا رف عريض فوق -النصبة- أي المكان الذي يتم فيه إعداد المشروبات، هذا الرف يحمل عددًا من النرجيلات، وهي آلة التدخين، وشكل النرجيلة لم يتغير كثيرًا عما كان عليه منذ مئتي عام في بداية القرن التاسع عشر الميلادي.

وفي القرن التاسع عشر الميلادي دخل الشاي مصر، ودخل هذا المشروب إلى مقاهيها، وأصبحت أدواته تحتل مكانًا ما فوق النصبة، وللشاي عدة طرق لتحضيره يطلق عليها أسماء عدة مثل:

شاي بنور: أي شاي عادي في كوب زجاجي.

شاي بوستة: أي شاي غير مخلوط بالسكر إنما يوضع السكر في إناء صغير مجاور له.

شاي كشري: أي أوراق الشاي الجافة في ماء مغلي مع السكر.

أما القهوة فقد كانت تقدم في بداية القرن التاسع عشر في - بكرج- موضوع علي جمر في وعاء من الفضة أو النحاس يسمى - عازقي- ويعلق هذا الوعاء في ثلاث سلاسل ويقدم الخادم القهوة ممسكًا أسفل الطرف بين الإبهام والسبابة، وعندما يتناول الفنجان والطرف يستعمل كلتا يديه، واضعًا شماله تحت يمينه، وتستعمل مجمرة تسمي - منقدًا- من النحاس المبيض بالقصدير، ويحرق فيها البخور أحيانًا، وكانت القهوة يضاف إليها أحياناً الحبهان -الهيل- أو المصطكا، أما الأغنياء فكانوا يضيفون إليهًا العنبر، أما الآن فالقهوة تقدم في "كنكة" من نحاس ثم تصب في فناجين خزفية صغيرة، وفي معظم المقاهي تقدم مجردة بدون إضافة أي شيء إليها.

أما أنواع القهوة المشروبة فهي:

- السادة: أي بدون سكر

- مضبوطة: أي متوسطة المذاق

- زيادة: أي السكر أكثر قليلاً.

والمقهى مكان اجتماعي أدى العديد من الأدوار على مر تاريخه، فقد كان المقهى قديمًا مكانًا للانتظار، ومع مضي السنين أصبح للبعض بمثابة محطة تتوسط المرحلة بين البيت ومقر العمل، يحضر إليه العامل أو الموظف أو الحرفي أو التجار لعمل - اصطباحه- وهو مصطلح مشتق من كلمة الصبح، أي يشرب كوبًا من الشاي أو يرشف فنجان قهوة، وربما يتناول إفطاره.

وبعض المقاهي ارتبط واشتهر بنوع معين من الرواد من أصحاب الحرف المعينة كالطباخين والسائقين والبوابين والخبازين والعمال العاديين والكُتاب العموميين – الذين يكتبون الرسائل والشكاوي بأجر- وأصبح أرباب العمل يقصدونها لانطلاق وإدارة أعمالهم من فوق مقاعدها.

 المقاهي الأدبية:

كثيرًا ما لعبت المقاهي أدوارًا تجاوزت إلى حد بعيد وظيفتها الأولى، وهي استقبال الروَّاد الراغبين في تمضية بعض الوقت حول فنجان قهوة أو كوب من الشاي. ولعل دور المقهى الثقافي للمقهى كان من أبرز هذه الأدوار المضافة على الوظيفة الأساسي. حتى إن بعض المقاهي دخل عالم الأدب والثقافة بفعل روَّاده الذين من خلال طغيان حضورهم على حضور غيرهم، حوَّلوا هذا المقهى أو ذاك إلى مكان أقرب إلى المنتدى أو المكتبة العامة، منه إلى المقهى.

وكما كانت تركيا محطة وصول القهوة إلى أوروبا، فهي أيضًا صاحبة أول مقهى أدبي في العالم

فقد بدأت المقاهي الأدبية فعلاً في الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت تعرف تلك المقاهي بـ (القَرْأة خان)، أي المكان الذي تُقرأ فيه الكتب والصحف.

 تاريخ زمني لأحداث المقاهي الأدبية العربية – مصر نموذجًا-

لا شك أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين المقهى والمثقف، وهذا الارتباط جاء عبر علاقة وثيقة في القرن التاسع عشر بين أهم عمالقة الأدب والفن، والمقاهي، بارتيادهم إياها، والنقاش فيما بينهم في أجوائها الحميمة والاطلاع على الجديد في عالم الصحافة والأدب

كتب الروائي المصري الشهير جمال الغيطاني في أحد مقالاته: "إن القاهري حين يحدد موعدًا إلى قاهري آخر، يقول له: سنلتقي في مقهانا". ثم تحدث عن مقاهي القاهرة، وعما تمثله من أمر جوهري في حياة المصريين في المدينة العظيمة. ولكن إلى متى سيدوم ذلك، هكذا تساءل الروائي المصري الراحل.

أقدم المقاهي القاهرية هي مقهى (متاتيا)، التي دشنت دورًا مغايرًا للمقهى منذ ذلك التاريخ، ففي العام1867م أمر الخديوي إسماعيل في إطار مشروعه (القاهرة باريس الشرق) بردم بركة الأزبكية والبرك المحيطة بها (ميدان العتبة الآن) وهناك أنشأ الأوبرا المصرية، وكان من بين المباني الجديدة بناية تقع خلف دار الأوبرا القديمة، أطلقوا عليها عمارة البوسته نظرًا لقربها من مبنى البوسته، وكانت ضمن المحال الكثيرة التي تقع أسفل هذه البناية (مقهى البوسته) الذي تغير اسمه إلى مقهى (متاتيا) نسبة لاسم المالك الذي آل إليه المقهى، وقيل إنه كان يوناني الجنسية، وربما لم يشتهر في مصر مقهى مثل (متاتيا)، فلقد كان أهم أول مقهى بالمعنى المتعارف عليه بين المثقفين والوطنيين أصحاب الفنون، كان يرتاده جمال الدين الأفغاني، ومن حوله يتحلق المريدون: أحمد عرابي، وسعد زغلول، وعبدالله النديم والشيخ محمد عبده، ويعقوب صنوع ومحمود سامي البارودي، وتجدر الإشارة إلى أنه في هذا المقهى بدأت ثورة عرابي، وقد تعاقبت أجيال المثقفين على هذا المقهى مثل أحمد شوقي والعقاد وحافظ إبراهيم، كما كان يلتقي فيه الشاعر خليل مطران والشيخ التفتازاني، وحبيب جاماتي وكثير من الشوام (من أهالي بلاد الشام) والمصريين، وقد تم هدم المبنى الذي يقع فيه هذا المقهى العام 1999م في إطار مشروع نفق الأزهر.

وفي الجيزة يوجد مقهى (عبدالله) في ميدان الجيزة، وكان من أشهر رواده محمد مندور وعبدالقادر القط ونعمان عاشور وأنور المعداوي وزكريا الحجاوي وعبدالمحسن طه بدر ورجاء النقاش ومحمود السعدني، ولحق بهم صلاح عبدالصبور وحجازي.

مقاه محفوظيه:

ارتاد نجيب محفوظ مقهى الفيشاوي، وهو لا يزال طالبًا في الثانوي، ثم مقهى عرابي، ثم مقهى الفردوس، ثم مقهى ركس، ثم مقهى لونا بارك، ثم مقهى سي عبده الذي ورد ذكره في الثلاثية، ثم مقهى علي بابا الذي افتتح به برنامجه اليومي لسنوات.

والجدير بالإشارة أن نجيب محفوظ لم يكن يحب السفر، بل كان يمضي الصيف عادة في الإسكندرية، وعندما يتعثر عليه فهو لا يتزحزح من مدينته الأم (القاهرة)، وكان المقهى الذي يجتذبه في الإسكندرية أكثر من غيره هو مقهى (بترو)، كان محفوظ يلتقي فيه بتوفيق الحكيم الذي كان يفضل في العادة ارتياد مقهى (سيدي بشر) لقد كان مولعًا كذلك بارتياد مقهى (باسترودي) في شارع فؤاد.

ويأتي مقهى (ريش) بالقاهرة في المقام الثاني بعد (متاتيا) في الأهمية التاريخية تأسس عام 1908م، وفي عام 1972م ومع كثرة تردد عناصر كثيرة من الحركة الطلابية على ندوة نجيب محفوظ في (ريش) ولدت فكرة بيان توفيق الحكيم الشهير، إذ نصح نجيب محفوظ الأدباء بالتوجه إلى مكتب توفيق الحكيم في جريدة الأهرام.

 أما مقهى الفيشاوي فهو من المقاهي الضاربة في القدم أيضًا، ولا يمكن أن نقول عنه إنه مقهى مثقفين فهو مقهى شعبي، طغت عليه أخيرًا الصفة السياحية وكان يحتل رقعة أوسع مما هو عليه الآن، فكان يطل على المشهد الحسيني مباشرة، وكان من أشهر رواده نجيب محفوظ، كما ارتاده زعماء ومفكرون سياسيون عرب وأجانب والإمام محمد عبده وأنور السادات وجمال عبدالناصر وسارتر وسيمون دي بوافور؟

وسر ارتباط المثقفين والأدباء بالمقهى، حيث تمتلئ المقاهي بالقصص والحكايات، كما تمتلئ بتنويعه بشرية شديدة الجاذبية، ولهذا فالمقهى تصنع جزءًا كبيرًا من تجربة الكاتب أو الفنان لأنها مادة سخية للشخصيات والأحداث والحكايات، وفي بداية حياة الكاتب والفنان تكون المقهى بمثابة مدة تكوين مهمة بالنسبة له، يقترب من الكتاب الكبار بخبراتهم الأدبية والفنية ويتعلم منهم، ويستطيع أن يقرأ ما كتبه عليهم، ويعرف آراءهم فيما يكتب، ويستطيع أن يستمع لما يكتبه زملاؤه من جيله وما يكتبه الرواد.

فالمقاهي تتيح للكاتب تلقائية تلقي عمله لأول مرة من الجمهور العادي من رواد المقهى، ومن جمهور المتخصصين من الكتاب والأدباء، أي جانب المثقفين، وردود أفعال كل هؤلاء، يمكن أن تجعله يعيد النظر فيما كتبه، بالتعديل أو التغيير.

يقول الناقد والمفكر محمود أمين العالم عن علاقته بمقاهي الأدباء: "المقهى هي المكان المفضل لتجمع الكتاب والأدباء، فأغلبهم ممن لا يمتلكون ثمن الاشتراك في نوادي الأغنياء، وعلاقتي بالمقاهي بدأت من خلال هوايتي كلاعب شطرنج محترف، ثم تعرفت على مقهى عبدالله، حيث كنت أجلس مع الدكتور عبدالقادر القط، وفي مقهى ريش كنا نلتقي مع الأدباء والكتاب، في جلسات مفيدة، تعرف الأدباء بعضهم على بعض، ونتج عن هذا التعارف والتآلف توجهات ثقافية متجانسة أحيانًا، وتوجهات ثقافية مختلفة في أحيان أخرى، وأحيانًا تتحول الاختلافات في الرؤى الأدبية والفنية إلى خلافات حادة في صورة مساجلات أدبية، وفي الحالتين تساعد هذه التجمعات الثقافية في المقهى على إثراء الحياة الأدبية والثقافية بالجديد في الاتجاهات والرؤى، هذه الألفة والمودة الثقافية - برغم الاختلاف- تلهم المبدع أو الأديب أو الكاتب، فأجواء الحرية هي التي تصنع الإبداع، فعندما يرى أحدنا الآخر وهو يسمعنا قصيدته، أو يقرأ علينا ما كتبه نهرع إليه، لنستفيد منه ونفيده، فالأدب رؤية جديدة للعالم، وهذه الرؤية الجديدة تلهم الآخرين لرؤية أخرى، وهذا ما كان يحدث في تجمعات الأدباء بالمقهى، فالإبداع الجديد لأحدهم يفجر الطاقات الداخلية للإبداع عند الآخر".


عدد القراء: 6002

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-