مراجعة كتاب: (محمد: نبي لزماننا) للكاتبة كارن أرمسترونغالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-11-25 03:11:35

نادية محمود العلي

الرياض

الكتاب: محمد: نبي لزماننا MUHAMMAD : A Prophet for Our Time

المؤلف: كارن أرمسترونغ  Karen Armstrong

ترجمة: فاتن الزلباني

تاريخ النشر: 2008

الناشر: مكتبة الشروق الدولية

عدد الصفحات: 211 صفحة

 

لا شك أنه في الحقبة الأخيرة وخصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر، شَاب الإسلام مغالطات ولغط كثير، وتجرأ البعض على شخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونُعِتَ بصفات شنيعة ...

وبقدر ما كان هناك أصوات ومحاولات من المسلمين لتصحيح الصورة، كان هناك عقول غربية واعية وأصوات وصلت بالفعل للبحث عن الحقيقة والتعمق في شخصية نبينا والإسلام، ومنهم كانت الكاتبة كارن أرمسترونغ (Karen Armstrong) وهي مؤلفة بريطانية وقد كانت راهبة كاثوليكية ...

تنبهت كارن أرمسترونغ إلى خطورة ما يروِّجه الإعلام الغربي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعن الإسلام فقامت بتأليف كتابها الأول في أوائل التسعينيات: (سيرة النبي محمد)، وبعد أحداث 11 سبتمبر شعرت أنها بحاجة لتأليف كتاب جديد يوضح الصورة  فقامت بتأليف كتاب : (محمد: نبي لزماننا):

 ( MUHAMMAD : A Prophet for Our Time)

شخصيًّا أحببت أن أعرف رأي شخص محايد بالإسلام ونبيه، وقرأت كتابها مترجمًا إلى العربية بقلم: فاتن الزلبانى، وبهوامش من المراجعين وعدد صفحات بلغ 211 صفحة، والكتاب المترجم صدر عام 2008 من قبل دار الشروق الدولية.

أبحرتُ في سيرة نبينا وخضت معه في عواصف الصحراء وتقلباتها منذ الجاهلية وحتى موته صلى الله عليه وسلم، وانحدرتْ عبراتٌ رغما عني وأنا أقرأ ساعة وفاته، وما مرَّ به من مشقات وتَحَمَلِ ما لا يمكن تحمله من قسوة البشر ...

حاولت الكاتبة كارن، في خمسة فصول:

 (مكة – الجاهلية – الهجرة – الجهاد – السلام)

أن تصوغ السيرة من رؤيتها الحيادية ومن نظرتها للنبي أنه بشري كلفه الله بنشر رسالته، كنبينا موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام، مؤكدة أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، لم يكن معاديًا للأديان الأخرى وخاصة اليهودية والمسيحية، وإنما تعامل مع خيانة  القبائل اليهودية والعربية على حد سواء  في واحة المدينة المنورة وقتها حسب الظروف ولم يكن بسبب ديانتهم  ...

وحاولت توضيح الظروف المحيطة والطبيعية وما كان سائدًا لتبرير تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى أنها بررّت تعدد زيجاته وأنه كان مقبولاً في ذلك الوقت كوسيلة لنشر السلام بين القبائل بالمصاهرة، كما ذكرت أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي رفع مكانة المرأة، وسمح لها بأن ترث، وأن يكون لها رأي، وساواها مع الرجل في العبادة والحقوق والواجبات ...

شرحت أيضًا كيف كان وضع مكة وقريش والعرب عمومًا والتقاليد السائدة، وأن المروءة كانت أن يكون الفرد مع القبيلة على الخطأ والصواب، وبيَّنتْ أن الجاهلية لم تكن تعني الجهل فحسب أو الفترة ما قبل الإسلام وإنما: "هو العنف المزمن في الاعتداء على الآخرين والانتقام منهم نتيجة الغضب السريع والحساسية الزائدة للشرف والمكانة" ( الصفحة 73  ) ...

وفي الصفحة نفسها ذكرت أن الإسلام حثَّ على التخلي عن الجاهلية، والتحلي بالصبر والحلم والرحمة والإيثار ومساعدة المحتاجين وتحرير العبيد والمناصحة في فعل الخير، والتصرف برفق وطيبة، فالمسلمون مسالمون، واستشهدت بسورة "البلد" ...

ذكرت الكاتبة في الصفحة 90 أن الله  لم يكن حكرًا لأحد أو لناموس واحد، وأنه مصدر معرفة وعلم ونور لكل الإنسانية، واستشهدت بسورة النور الآية 35: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

وكذلك الإسلام لم يكن للعرب وحدهم، وأن نبينا إبراهيم كان مسلمًا، وكذلك أبناؤه من بعده، واستشهدت بآيات أيضًا، فالتوحيد لم يكن غريبًا على العالم آنذاك، من خلال الحنفية دين إبراهيم عليه السلام ...

وفي فصل الجهاد ذكرت أن الجهاد لم يكن يعني الحرب المقدسة، ولكنه: "بذل الجهد أو الكفاح الضروري لممارسة ما أراده الله من المرء، وعلى المسلمين أن يبذلوا جهدهم في كل المجالات: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والروحية والعائلية، طبقًا لما أراده الله منهم، وفي بعض الأحيان سيضطرون للقتال ولكن ليس هذا واجبهم الرئيسي" ( الصفحة 127 - 128)

وأن القتال فُرِضَ على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه، وكان لا بد منه في كثير من الأحيان للدفاع عن النفس أو الاقتصاد،  فالإسلام ليس دين حرب وقتال ولم يقم على حد السيف قط، وإنما ترك النبي محمد الحرية المطلقة للناس، وعندما فتح مكة لم يكن أبدًا هدفه الحكم السياسي أو تجريد قريش من سيادتها، وإنما كان هدفه تغيير معتقدات الجاهلية، ونشر السلام ...

وأن القتال لم يتخذ صبغة دينية إلا بعد اغتيال الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي  ...

ختمت كارن بعبارات ذكية ومتفهمة كتابها في آخر الصفحة 191  والصفحة 192 حيث قالت: "يصر النقاد الغربيون على رؤية محمد كرجل حرب، ويقصرون عن رؤية معارضته منذ البداية لروح التكبر والأنانية الجاهلية، التي أسفرت عن العدوان على الآخرين، ليس فقط في عصره، وإنما ما زالت متقمصة بعض قادة الغرب وقادة المسلمين على حد سواء .. والآن يتحول النبي الذي كان رمزًا للسلام والتراحم إلى رمز للفرقة والنزاع، في تطور ليس فقط مأساويًّا، ولكنه أيضًا خطير على الاستقرار الذي يعتمد عليه مستقبل البشر.."

وتضيف قائلة: "ما لم تتعلم الحضارة الغربية ثقافيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وتتعلم الكنيسة المسيحية، اللاهوتية، أن تعامل الآخرين باحترام، بشكل رئيسي، فسيفشل كل منهما في التوافق مع القرن العشرين، ومشاكل ذلك في المسيحية عويصة بقدر ما لمسناه في الإسلام ..."

ختمت الكاتبة بأنه على المسلمين والغرب أن يتعلموا التسامح وتقدير الآخر، وأن  يجعلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم نقطة انطلاق لهم، فهو: "رجل مركب يعصى على التصنيف الأيديولوجي، أتى ببعض الأعمال التي يصعب أو يستحيل علينا قبولها، لكنه ذو عبقرية أصيلة، وأسس دينا وتقاليد ثقافية، ليس على السيف، ولكن على السلام - كما يعني اسم الدين – وعلى التصالح"

سُعدت كثيرًا بالقراءة لقلم متفهم كقلم كارن أرمسترونغ، واطلعت على أحداث لم أكن أعرفها في سيرة نبينا العظيم – كسبب نزول بعض الآيات وقراءة أسباب بعض المعاهدات والمعارك - ورؤية لم أكن أعرفها له، وأسأل الله أن أكون قد وُفقتُ في إيضاح هذه الرؤية ...


عدد القراء: 6124

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-