العقاد عبقريٌّ .. لا شك عندي!!الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-02-05 16:01:57

د. أحمد البراء الأميري

الرياض

قلت: العقاد عبقريٌّ، ولم أقل: عظيم! فالعظمة أكبر من العبقرية – كما تعلمت منه – رحمه الله، إلاّ إذا قيّدنا فقلنا: شاعر عظيم، وكاتب عظيم، ومخترع عظيم، وفيزيائي عظيم...

وكُتُب العقاد التي ألّفها زادت على المئة؛ في كثير منها دلائل العبقرية، وفي تنوعها دليل آخر على العبقرية.

وعبقرية العقاد عندي تقوم على أركان عدة أهمها – فيما يحضرني الآن وأنا أرتجل كتابة هذا المقال:

1 - خصائصه النفسية.

2 - وعقله البالغ القوة.

3– وسعة اطلاعه وتنوعه.

والعقاد- رحمه الله- ليس مصلحًا اجتماعيًا، ولا مربيًا روحيًا يقتدى به، ولا عالمًا شرعيًا طويل الباع في الكتاب والسنة والفقه والأصول، وعليه في سلوكه ملاحظات يُسكت عنها بعد رحيله إلى دار البقاء، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»، وعند أبي داود، والترمذي، والطبراني، والحاكم عن ابن عمر رفعه: «اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم، قال الترمذي: غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي كتبه مالا أرضاه أنا، وما لا يرضاه غيري، ومع ذلك أقول: العقاد عبقري، وقارئ كتبه يتعلم منها: العقل، والعلم، وكثيرًا من الصفات النفسية الحميدة التي حث عليها الإسلام. إنه مدرسة فذة!! فهل أنا مبالغ في حبه والإعجاب به تبقى بعد كل ماقلت؟! إذن دعني أقل للمتوهمين: إني أحب كل حسنات العقاد ومزاياه وأدعو الله له عليها، وأكره كل أخطائه وعيوبه، وأستغفر الله له عليها! فهل أنصفت؟!

ثم إن أكثر كُتب العقاد كالأشجار الدائمة الخضرة، ليست كتبًا مرتبطة بمرحلة زمنية معينة تنقضي مدتها بانقضاء تلك المرحلة، بل تتجدد استفادة قارئها على اختلاف الأزمنة والأمكنة، وأقرب مثال على ذلك كتبه عن عظماء الصحابة، رضي الله عنهم وأرضاهم.

استطردت قليلاً في هذه المقدمة، وأنا أريد أن أقدم للقارئ، العقاد (كما هو)، لا العقاد (كما أراه)، إذ قد أكون مخطئًا في رؤيتي بالكلية!!

• قال العقاد رحمه الله: «أؤمن بالله.. أؤمن بالله: وراثة، وشعورًا، وبعد تفكير طويل.

أما الإيمان بعد تفكير طويل فخلاصته أن تفسير الخليقة بمشيئة الخالق العالم المريد أوضح من كل تفسير يقوله الماديون، وما من مذهب اطلعت عليه من مذاهب الماديين إلا وهو يوقع العقل في تناقض لا ينتهي إلى توفيق، أو يلجئه إلى زعم لا يقوم عليه دليل، وقد يهون معه تصديق أسخف الخرافات والأساطير، فضلاً عن تصديق العقائد الدينية، وتصديق الرسل والدعاة...».

• وقال: «أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني ... والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.

فكرتك أنت فكرة واحدة

شعورك أنت شعور واحد

خيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك

ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، أو لاقيت بشعورك شعوراً آخر، أو لاقيت بخيالك خيال غيرك، فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، أو أن الشعور يصبح شعورين، أو أن الخيال يصبح خيالين.. كلا، وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الفكر في القوة، والعمق، والامتداد .

«ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين، ولكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين ) .

 * وعند حديثه عن أسباب النجاح في الحياة يلخصها في عواملها الغالبة التي لا يكاد يخلو منها نجاح:

1– الاهتداء إلى استعداد الفطرة، يعني أن يعرف الإنسان منطقة التفوق عنده .

2 - أن يعنى العامل بالعمل لذاته، لا للنتيجة التي يترقبها من ورائه، سواء كانت ربحًا من المادة، أو شهرة على الألسنة، أو وجاهة في المجتمع والتاريخ، أي: صدق الرغبة في تحقيق ذلك الاستعداد .

3– الثقة بالنفس، أمام الموانع والعقبات، والاستخفاف بإنكار المنكرين عن جهل، أو حسد، أو تباين في الرأي والأخلاق.

* وكتب تحت عنوان: «تعلمت من أوقات الفراغ»:

«أوقات العمل تملكنا، ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها بقيمة الوقت كله وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة. «فالذي يعرف قيمة وقته يعرف قيمة حياته، ويستحق أن يحيا، وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهاب، لأن مالك وقته يملك كل شيء، ويصبح في حياته سيد الأحرار.

«إن أفرغ الناس هو الذي لا يستطيع أن يملأ ساعات فراغه، وعندنا في الشرق كثيرون، بل كثيرون جدًا من هؤلاء الفارغين».

* ويتحدث العقاد رحمه الله عن فلسفته في الحياة فيقول: «لم أشعر قط بتعظيم إنسان لأنه صاحب مال، إن لم يكن أهلاً للتعظيم بغير مال، ولم أشعر قط بصغري إلى جانب كبير من كبراء الثراء، بل شعرت كثيرًا بصغرهم حيث يستحقون التصغير، ومن هنا كانت قليل المبالاة بالمقتنيات المادية، لأن احتواءها لا يعظم من يحتويها في نظري، ونقصها عندي لا يصغرني بالنسبة إليه.

«أما فلسفتي في الحياة مع الناس فأثر التجربة والدرس فيها أغلب من أثر الطبيعة الموروثة: كنت أتعب في معاملتهم، ثم عرفت ما أنتظره منهم، فأرحت نفسي من التعب، واتخذت لنفسي شعارًا معهم، ألا تنتظر منهم كثيرًا، ولا تطمع منهم في كثير».

* كتب الأستاذ طاهر الطناحى – الذي كان رئيس تحرير مجلة الهلال – مقدمة الكتاب: (أنا)، الذي يضم (40) مقالاً كتبها العقاد رحمه الله عن نفسه، ونشرت له في مجلة الهلال وغيرها، ثم جمعت في هذا الكتاب.. كتب قائلاً: «كتابة العقاد عن نفسه كتابة لها طابع جديد في كتابة التراجم. كتابة ليست شخصية بحتة، ولا سردًا لأحداث مرت به، أو عاش فيها، فحسب، بل هي كتابة باحث عالم، وفنان نابغ، تعود النظر في مسائل العلم، وقضايا الفن والفكر، وجال في شؤون الفلسفة وعلم النفس والأدب، والتربية والاجتماع، وتمرس بتجارب الحياة، ومارس حلوها ومرها، وخرج منها بخبرة العالم، وعبرة المفكر، وحكمة الفيلسوف .

وحياة العقاد حياة ضخمة لا يجمعها كتاب واحد، فإذا كنتُ أقدم للقراء في كتاب (أنا) حياته النفسية والشخصية، أو «العقاد الإنسان»، فسيبقى بعد ذلك أمام المؤلفين والباحثين: «العقاد الكاتب»، و«العقاد الشاعر» و«العقاد السياسي» و «العقاد اللغوي» و«العقاد الصحفي» و«العقاد الناقد»، و«العقاد الفيلسوف»، فقد كان بحرًا في اطلاعه وإنتاجه، وكان فذًا في مواهبه وعبقريته».

* كتب يقول: «الكتب هي وسائل الوصول إلى هذه الغاية (المعرفة)، وهي النوافذ التي تطل على حقائق الحياة، ولا تغني النوافذ عن النظر ومن جهة أخرى فإن الكتب طعام الفكر، وتوجد أطعمة لكل فكر، كما توجد أطعمة لكل بنية. ومن مزايا البنية القوية أنها تستخرج الغذاء لنفسها من كل طعام، وكذلك الإدراك القوي الذي يستطيع أن يجد غذاء فكريًا في كل موضوع».

وبعد؛ فمن الذي يقرأ ما أكتب في هذه الزاوية؟! وكم نسبة الذين يقرؤون الصغيرة؟ في عالمنا العربي والإسلامي؟؟ وكم عدد الذين يزهقون أوقاتهم أمام الشاشة الصغيرة؟ّ وكم عدد الذين (يحسنون) الاستفادة من الحاسب الآلي، ومن الشبكة العالمية (الإنترنت)، ولا يسيئون استخدامهما، فهما ركن ركين من أركان المدينة الحديثة لا غنى عنه، لكن أضرارهما الجانبية قاتلة، وقد تكون فائدتهما صفراً!!

أسئلة حائرة لا تنتظر الجواب!!


عدد القراء: 4458

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-