الرقمية العربية: من الكتابة إلى القراءةالباب: مقالات الكتاب
د. علوي أحمد الملجمي أكاديمي بجامعة البيضاء – اليمن |
ملاحظة قبل البدء: "ما أقصده بالقراءة هنا هو القراءة الواعية (الدراسات النقدية التطبيقية) أو ما يمكن تسميته بالكتابة الثانية. القراءة إذًا فعل يُمارس على النص الرقمي بشكلٍ واعٍ وبأدواتٍ وإجراءاتٍ منهجية، لأهداف جمالية أو تأويلية".
الرقمية هي السمة المميزة لهذا العصر، والنمط الثقافي المهيمن عليه، ولا نُبعدُ كثيرًا إذا قلنا إننا نعيش عصرًا رقميًا، عصرًا مختلفًا تمامًا عما قبله (ما بعد الحداثة) بخصائصه وأنماطه الثقافية المميزة له. فالرقمية نمطًا مهيمنًا على العصر بأكمله، بكل مجالاته وجوانبه. وما الكتابة والأدب والدراسات الأدبية إلا جزء من مساحة واسعة تسيطر عليها الرقمية، بالإضافة إلا الأفلام والسينما والمسرح وبرامج التلفزيون والإذاعة والألعاب والموسيقى ...الخ.
بدأت الكتابة الرقمية في الوطن العربي مع إطلالة القرن الجديد وبدايات الألفية الثالثة؛ فظهر النص المترابط/المفرع/التشعبي Hypertext المعتمد على الروابط والوسائط التقنية بصورة أساسية. ويقوم المؤلف بإنتاج هذا النوع من الأدب على قاعدة الميكروفيس، وهي بمثابة قاعدة للمعلومات على ميكروفيلم، ويقوم بوضع روابط إلكترونية، مهمتها الربط بين أجزاء الرواية، والإحالة على الجزء التي تتضمنها الوسائط المختلفة، بقصد الوصول إليها بسهولة». ما يميز هذا النوع من النصوص الرقمية أنه لا يحتاج إلى اتصال بالشبكة للوصول إليه. فظهرت الروايات الرقمية، أو ما أطلق عليها رائدها الأستاذ محمد سناجلة (رواية الواقعية الرقمية) فأنتج أول رواياته رقميًا (ظلال الواحد) في العام 2001، ثم رواية (شات) سنة 2005، ورواية (صقيع) سنة 2006، وأخيرًا (ظلال العاشق) يناير 2016، ورواية (تحفة النظارة في عجائب النظارة: رحلة ابن بطوطة إلى دبي المحروسة) سنة 2016. ودخلت الرقمية الشعر فرأينا شعرًا رقميًا، مثل قصيدة (تباريح رقمية) لمشتاق عباس معن. بالإضافة إلى ذلك لعبت شبكة الإنترنت دورًا فاعلًا في انتشار الكتابة الرقمية، وخاصة مع ظهور تقنية الويب 2 التي تتيح التفاعل المباشر مع ما ينشر على الشبكة. ومع هذا التطور ظهرت كثير من المواقع والنوادي والمنتديات والمدونات الأدبية. وما شكل طفرة الكتابة الرقمية التفاعلية (النص الأدبي الشبكي) هو مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الآونة الأخيرة ازداد عددها وازداد مستخدموها بشكل لافت، وأصبح أغلب الناس يستخدمها، كاتبًا أو قارئًا؛ وهو بالتأكيد ما يشكل نقلةً نوعية في الكتابة والتلقي.
بدأت الكتابة عن الرقمية في الفترة نفسها التي بدأت فيها الكتابة الرقمية، ولكن بعض تلك الكتابات كانت بدايات وإرهاصات، وكانت في أغلبها تبشر بعصرٍ جديدٍ "عصر المعلوماتية/الرقمية"، ومحاولات لتوصيف هذا العصر، وبيان لبعض ملامحه. وفي هذا الإطار تأتي دراسة محمد صلاح سالم: "العصر الرقمي وثورة المعلومات: دراسة في نظم المعلومات وتحديث المجتمع" 2002. ظهر في هذه الفترة عددٌ من الكتابات التنظيرية الرائدة عن الرقمية مثل كتابات سعيد يقطين، وفاطمة بريكي، وحسام الخطيب، وزهور كرام، ورحمن غركان، وغيرهم. هذه الدراسات جاءت في معظمها تنظيرية، تبحث في قضية المصطلح والماهية، وخصائص هذا النمط الأدبي الجديد. تعرضت بعضها لبعض النصوص الرقمية، ولكن تلك المقاربات لم تكن قراءات بالمعنى الدقيق للقراءة، وإنما كانت مجرد أدلة لإثبات وجود هذا النص الجديد (النص الرقمي)، واستدلالات لاستنباط واستكشاف خصائصه ومقوماته.
هذه الدراسات لم تُعدْ الوحيدة التي قاربت النص الرقمي العربي؛ ففي الآونة الأخيرة برز اهتمام ملحوظ بالدراسة التطبيقية للنص الرقمي، ومحاولة استكشافه جماليًا وتأويليًا. فعلى المستوى الأكاديمي أُنجزتْ كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في عدد من الجامعات العربية، تقرأ النص الرقمي وتقاربه مقاربة منهجية، تركزتْ أغلبها حول أعمال الكاتب محمد سناجلة. هذه الجهود لقراءة رواية الواقعية الرقمية واكبتها جهود أخرى لقراءة الأنماط الأخرى للنص الرقمي، وفي هذا الصدد تأتي أعمال المؤتمر الدولي الأول الذي أقامه قسم اللغة العربية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك خالد بالمملكة العربية السعودية في 14-15/2/2017، والذي حمل عنوان "اللغة العربية والنص الأدبي على الشبكة العالمية"؛ فقد هدف المؤتمر إلى رصد النص الأدبي الرقمي (النص الشبكي) المنشور على الشبكة، وتقديم قراءات علمية حوله. وقد قُدِمَتْ فيه قراءات متعددة المشارب والمناهج. ولحق ذلك مؤتمر "الأدب الإلكتروني العربي: آفاق جديدة ورؤى عالمية"، الذي استضافته جامعة "روتشستر" للتكنولوجيا بدبي وذلك في الفترة من 25 حتى 27 فبراير 2018، بمشاركة عدد من الباحثين والمهتمين.
تأتي أعمال الناقد السعودي عبدالرحمن المحسني في صميم ما نحن فيه (قراءة النص الرقمي)؛ بدءً من كتابه "توظيف التقنية في العمل الشعري السعودي/شعراء منطقة الباحة أنموذجًا"، ثم قراءته للنص الرقمي المتشكل على شكل رسائل sms، مرورًا بتحليله للصورة والحالة الشعرية على الواتساب، ثم دراسته الأخرى "اتجاهات الشعر السعودي على الفيس بوك / دراسة وتطبيق على سيميائية الصورة والتصوير في قصيدة "طيبة" للشاعر عبدالله الصيخان". وتواصلت جهوده في مقاربة النص الرقمي وقراءته في أبحاث ومقالات عديدة، غلب عليها الجانب الجمالي، والبحث عن جوانب الإبداع في هذا النص الجديد، الذي لا تشكل الكلمة إلا ركنًا واحدًا من أركانه، مفسحة المجال أمام الوسائط التقنية لتشكيل بقية الأركان. ومع ذلك؛ فما يزال النص الرقمي العربي بحاجة ماسة لمزيدٍ من القراءات الواعية والمنهجية التي تقاربه شكليًا وتأويليًا، وتركز على ظروف إنتاجه وتلقيه.
تغريد
اكتب تعليقك