العدد الحاليالعدد رقم 43ثقافات

تأثير تولستوي على الكتّاب الغربيين

لقد نالت الرواية الروسية مكانًا مميزًا في الأدب الروسي، وكذلك في الأدب العالمي، لأنها تستمد عمقها من واقعها الروسي الأصيل، وهنا يكمن سر الرواية الروسية، وبكل ثقة ممكن أن أطلق عليها بالرواية الأزلية.

إن أهم ما يميز الرواية الروسية لها القدرة على التفاعل مع الأحداث وقابليتها على التجدد، ومن ثم تصحيح مسار الأحداث ليس فقط على صعيد المجتمع الروسي بل حتى في العمق الإنساني. ومن أبرز رواد هذا الفن هو الروائي الكبير ليف تولستوي، الذي هو غني عن تعريف، فقد نال حب وتقدير الإنسانية جمعاء، وأجمل ما قالوا عنهُ “إنسان الإنسانية” و”وضمير الإنسانية”، وأيضًا قال عنه الكاتب مكسيم غوركي: “من لا يعرف تولستوي لا يمكن يعد نفسه إنسانًا مثقفًا”(1)، أما على صعيد الأدب الغربي، أجد تأثير تولستوي على الأدب الغربي كان واضحًا وملموسًا على الكتًاب الغربيين، وقد انعكس هذا التأثير في انتاجاتهم الفنية، وهنالك ثلاث آراء مهمة جدًا في الأدب العالمي وجميهم حاصلين على جائزة نوبل للأدب، فعلى سبيل المثال رومان رولان (1866-1944)، فقد تحدث عن تولستوي قائلًا: “إن الطيبة والعقل والحقيقة المطلقة لهذا الإنسان العظيم جعلته مرشدي الأمين من الفوضى الأخلاقية لعصرنا”(2)، يالهُ من وصف دقيق! ينم عن معرفة عميقة بهذا الكاتب الكبير، إن هذا الرأي يبين لنا أن هنالك ثلاث أبعاد يحملها الكاتب في مسيرته الأدبية – هي الطيبة والصدق والحقيقة في كل ما كتب، ومن ثم رومان رولان يخبرنا أن تولستوي كان مرشدًا ومنقذًا لهُ من الفوضى الأخلاقية التي تسود في عصرهُ. فلم يتوقف تأثير تولستوي إلى هذا الحد بل راح الكاتب الفرنسي أناتول فرانس يصفهُ بمملكة الجمال الفكري وليس بمقدورهُ إلا أن ينحني أمامهُ، فيقول أناتول فرانس (1844 – 1924): “إننا نحني رؤوسنا أمام تولستوي الذي يفوح منه عطر مملكة الجمال الفكري على الانسانية جمعاء”(3)، كما يعترف توماس مان (1875 – 1955) قائلًا: “إن قوة فن تولستوي هي فوق كل المقارنات”(4). وهذا الأمر يجعلنا نسأل أنفسنا، يا لها من قوة التي يمتلكها هذا الكاتب!، بحيث تجعله فوق المقارنات. إذن، ان هذه الاعترافات تدل بوضوح على أهمية الإرث الثقافي والحضاري لأعمال هذا الكاتب الذي ترك لنا إرث عظيم لا حد له ولا يمكن الاستغناء عنه، وحتى سيرة حياته تستحق المعرفة والدراسة، لذلك إن ما اعترفوا به هؤلاء هو برهان قاطع أن لتولستوي أهمية أدبية عالمية وإنسانية، لا يمكن تجاوزها، لأنها عكست الحياة الواقعية الروسية بما فيها من أفكار ومواضيع جسدت ليس الواقع الروسي فحسب بل الإنسانية جمعاء.

 

الهوامش:

(1) د. مكارم الغمري، الرواية الروسية في القرن التاسع عشر، الكويت، 1981، ص223.

(2) مدخل الى الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، د. محمد يونس، و د. حياة شرارة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1978، ص 231.

(3) المصدر نفسه ص 230.

(4) المصدر نفسه ص 231.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

حسين علي خضير

كلية اللغات - جامعة بغداد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى