العدد الحاليالعدد رقم 44علوم وتكنولوجيا

الرقائق الحاسوبية من الجيل القادم قد تُعالج البيانات بسرعة الضوء

تُعد الرقائق الإلكترونية الدقيقة في صميم العالم المعاصر. فهي موجودة في حواسيبنا المحمولة، وهواتفنا الذكية، وسياراتنا، وأجهزتنا المنزلية. وعلى مدى سنوات، عمل المصنعون على تعزيز قدرتها وكفاءتها، مما أدى إلى تحسين أداء الأجهزة الإلكترونية التي نعتمد عليها يوميًا.

غير أن هذا المسار بدأ يتعثر مؤخرًا، نتيجة لتزايد تكاليف وتعقيد تصنيع الشرائح، فضلًا عن القيود التي تفرضها قوانين الفيزياء على الأداء. ويأتي هذا التراجع في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى قدرة حوسبية أعلى بسبب الطفرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ومن بين البدائل المطروحة للرقائق الإلكترونية التقليدية، تبرز الرقائق الضوئية، التي تستخدم الضوء بدلًا من الكهرباء لتحقيق أداء فائق. إلا أن هذه الرقائق لم تشهد بعد انتشارًا واسعًا بسبب جملة من التحديات التقنية. وقد تناولت ورقتان بحثيتان نُشرتا حديثًا في دورية Nature عددًا من هذه العقبات، مقدمتَين خطوات أساسية نحو الوصول إلى القدرة الحوسبية المطلوبة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

وباستخدام الضوء (الفوتونات) عوضًا عن الكهرباء (الإلكترونات) في نقل ومعالجة المعلومات، تعد الحوسبة الضوئية بإمكانات أعلى من حيث السرعة وعرض النطاق، فضلاً عن كفاءة أفضل. ويعود ذلك إلى أنها لا تعاني من فقدان التيار الكهربائي نتيجة المقاومة، ولا من الفاقد الحراري غير المرغوب فيه الناتج عن المكونات الكهربائية.

كما أن الحوسبة الضوئية مناسبة بشكل خاص لأداء عمليات ضرب المصفوفات، وهي عمليات رياضية أساسية تقوم عليها تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

لكن بالرغم من هذه المزايا، فإن التحديات التي تواجه الحوسبة الضوئية ليست بسيطة. فقد كان يُنظر عادةً إلى أداء الرقائق الضوئية بمعزل عن غيرها، إلا أن هيمنة الإلكترونيات على التكنولوجيا الحديثة تفرض ضرورة دمج العتاد الضوئي ضمن الأنظمة الإلكترونية القائمة.

إلا أن هذا الدمج يواجه عقبة تتمثل في أن تحويل الفوتونات إلى إشارات كهربائية يمكن أن يؤدي إلى إبطاء سرعة المعالجة، نظرًا لأن الضوء يعمل بسرعات أعلى بكثير. كما أن الحوسبة الضوئية تقوم على عمليات تماثلية (تناظرية) لا رقمية، وهو ما قد يحدّ من الدقة، ويقيد نوعية المهام الحوسبية الممكن تنفيذها.

وقد تناولت الورقتان المنشورتان في Nature كثيرًا من هذه المعضلات. ففي إحداهما، عرض الباحث بو بنغ، من شركة Lightelligence التي تتخذ من سنغافورة مقرًا لها، وزملاؤه نوعًا جديدًا من المعالجات مخصصًا للحوسبة الضوئية، يُدعى محرك الحوسبة الحسابية الضوئية (Pace). يمتاز هذا المعالج بانخفاض زمن الاستجابة، أي أن الفاصل الزمني بين تلقي أمر معين وتنفيذ الحاسوب للاستجابة المقابلة يكون ضئيلًا جدًا.

وقد نجح هذا المعالج، الذي يضم أكثر من 16,000 مكون ضوئي، في إنجاز مهام حوسبية معقدة، مما يُظهر إمكانية توظيفه في تطبيقات العالم الواقعي. كما يبرهن على إمكان حل إشكاليات دمج العتاد الضوئي والإلكتروني، وتحقيق الدقة، وتصميم البرمجيات والخوارزميات الملائمة. كذلك، يوضح أن بالإمكان توسيع نطاق هذه التقنية.

ويمثل هذا تطورًا مهمًا، رغم وجود بعض القيود المرتبطة بسرعة العتاد الحالي.

أما في الورقة الأخرى، فيعرض نيكولاس هاريس، من شركة Lightmatter الأمريكية، وزملاؤه معالجًا ضوئيًا تمكن من تشغيل نظامين للذكاء الاصطناعي بدقة تماثل تلك التي تحققها المعالجات الإلكترونية التقليدية. وقد أثبت الباحثون فعالية معالجهم من خلال مهام مثل توليد نصوص على غرار أسلوب شكسبير، وتصنيف مراجعات الأفلام بدقة، ولعب ألعاب الفيديو الكلاسيكية من نوع أتاري مثل لعبة Pac-Man.

وتمتاز هذه المنصة أيضًا بإمكانات توسعية واعدة، وإن كانت محدودة جزئيًا بسبب خصائص المواد والتصاميم الهندسية المستخدمة، وهو ما أثّر على أحد مؤشرات سرعة المعالج وعلى قدراته الحوسبية الشاملة.

ويقترح الفريقان أن أنظمتهما الضوئية يمكن أن تكون نواة لعتاد حوسبي قابل للتوسع من الجيل التالي، قادر على دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وهو ما من شأنه أن يجعل تقنيات الفوتونات قابلة للتطبيق فعليًا، وإن كانت لا تزال بحاجة إلى تحسينات إضافية، سواء على مستوى المواد المستخدمة أو التصاميم المعمارية.

لكن من الصعب حتى الآن الانتقال من النماذج الأولية الصغيرة إلى الدوائر الضوئية واسعة النطاق، نظرًا لأن تصنيع هذه الدوائر على مستوى كبير لا يزال يفتقر إلى الدقة المطلوبة. كذلك، ستحتاج الحوسبة الضوئية إلى تطوير برمجياتها وخوارزمياتها الخاصة، مما يزيد من صعوبة التكامل مع الأنظمة التقنية الأخرى.

 

 

المصدر:

The conversation

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

المحرر الثقافي

مجلة فكر الثقافية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى