العدد الحاليالعدد رقم 44مراجعات

لماذا تفشل الأمم؟

لماذا ازدهرت بعض الدول وخلقت ظروف حياة ممتازة لمواطنيها، بينما لم تفعل دول أخرى؟

هذا سؤال يهمني كثيرًا، ولذلك كنت متحمسًا لقراءة كتاب يتناول هذا الموضوع بالتحديد.

كتاب لماذا تفشل الأمم (Why Nations Fail) سهل القراءة، ويزخر بالكثير من القصص التاريخية الشيقة عن دول مختلفة. ويطرح حجة جذابة ببساطتها: الدول التي تملك مؤسسات سياسية واقتصادية “شاملة” (بدلًا من “استغلالية”) هي التي تنجح وتستمر على المدى الطويل.

لكن في نهاية المطاف، كان الكتاب خيبة أمل كبيرة. وجدت أن تحليل الكاتبين غامض ومبسط. فباستثناء رؤيتهما الثنائية حول المؤسسات الشاملة مقابل الاستغلالية، فإنهما يتجاهلان إلى حد كبير أي عوامل أخرى – رغم ما يقوله التاريخ والمنطق. كما أن المصطلحات الأساسية لم تُعرّف بدقة، ولم يشرحا أبدًا كيف يمكن لدولة ما أن تنتقل نحو مؤسسات أكثر “شمولًا”.

على سبيل المثال، يعود الكتاب إلى العصور القديمة للحديث عن النمو الاقتصادي في زمن الإمبراطورية الرومانية. المشكلة هنا أن الاقتصاد قبل عام 800 ميلادي كان قائمًا على الزراعة المعيشية في كل مكان. لذا، فإن مدى شمولية أو استغلالية المؤسسات الرومانية لم يكن له أثر يُذكر على النمو.

ويُظهر الكاتبان رؤية تبسيطية للعالم حين يُرجعان تراجع البندقية إلى انخفاض شمولية مؤسساتها. في الواقع، تراجعت البندقية بسبب بروز منافسين جدد. وكان التغيير في مؤسساتها استجابةً لذلك، لا سببًا في التدهور. وحتى لو حافظت البندقية على شمولية مؤسساتها، لما عوض ذلك خسارتها لتجارة التوابل. عندما يحاول كتاب تفسير كل شيء بنظرية واحدة، نحصل على أمثلة غير منطقية كهذا المثال.

ومن المفاجآت الأخرى تفسير الكاتبين لانهيار حضارة المايا. فهما يُرجعان السبب إلى النزاعات الداخلية التي تعكس نقصًا في الشمولية. لكن هذا يُغفل السبب الرئيسي: تغير الطقس وشح المياه أديا إلى انخفاض إنتاجية النظام الزراعي، مما قوض شرعية قادة المايا الذين كانوا يدّعون قدرتهم على جلب الطقس الجيد.

يرى الكاتبان أن “الشمولية السياسية” يجب أن تسبق النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن معظم أمثلة النمو الاقتصادي خلال الخمسين سنة الماضية — مثل معجزات آسيا في هونغ كونغ وكوريا وتايوان وسنغافورة – حدثت في ظل أنظمة سياسية تميل إلى الإقصاء أكثر من الشمول.

وعندما يواجهان أمثلة عديدة تناقض طرحهما، يدّعي الكاتبان أن النمو لا يكون مستدامًا ما لم تكن المؤسسات شاملة. لكن حتى في أفضل الظروف، لا يستمر النمو تلقائيًا. ولا أظن أن الكاتبين نفسيهما سيدّعيان أن الكساد الكبير، أو الركود الياباني الحالي، أو الأزمة المالية العالمية الأخيرة حدثت نتيجة تراجع في الشمولية.

يسخر الكاتبان من “نظرية التحديث”، التي تشير إلى أن وجود زعيم قوي قد يحقق قرارات صائبة تساهم في نمو البلاد، مما يزيد احتمالية تطور النظام السياسي لاحقًا ليصبح أكثر شمولًا. كوريا وتايوان هما مثالان واضحان على هذا المسار.

كما يتجاهل الكتاب فترة النمو والابتكار المذهلة في الصين بين عامي 800 و1400. خلال هذه الـ600 سنة، كانت الصين تمتلك الاقتصاد الأكثر ديناميكية في العالم، وأسهمت في ابتكارات كبرى مثل صهر الحديد المتقدم وبناء السفن. وكما أشار عدد من المؤرخين البارزين، لم يكن لهذا أي علاقة بمدى “شمولية” الصين، بل ارتبط بالجغرافيا والتوقيت والتنافس بين الإمبراطوريات.

يرى الكاتبان مشكلة في الصين المعاصرة لأن الانتقال من ماو تسي تونغ إلى دينغ شياو بينغ لم يتضمن تغييرًا نحو مزيد من الشمولية السياسية. ومع ذلك، فإن الصين، وفقًا لمعظم المؤشرات، كانت معجزة في النمو الاقتصادي المستدام. أعتقد أن الجميع تقريبًا يتفق على أن الصين بحاجة إلى إصلاح سياسي باتجاه المزيد من الشمول. لكن هناك مئات الملايين من الصينيين الذين تحسنت حياتهم بشكل جذري في السنوات الأخيرة، وربما لن يوافقوا على أن نموهم كان “استغلاليًا”. أنا أكثر تفاؤلًا من الكاتبين بأن التغيير التدريجي، من دون اضطراب، سيواصل دفع الصين في الاتجاه الصحيح.

لقد حدث هذا التحول الاقتصادي الهائل في الصين على مدى أكثر من ثلاثة عقود لأن القيادة الصينية تبنت اقتصاد السوق، بما في ذلك الملكية الخاصة والأسواق والاستثمار في البنية التحتية والتعليم.

وهذا يشير إلى النظرية الأوضح حول النمو: أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا باعتناق الاقتصاد الرأسمالي – بغض النظر عن النظام السياسي. فعندما تركز الدولة على بناء البنية التحتية وتحسين التعليم، وتستخدم تسعير السوق لتحديد كيفية تخصيص الموارد، فإنها تسير نحو النمو. هذا الاختبار أكثر وضوحًا بكثير من الطرح الذي يقدمه الكاتبان، ويبدو لي أنه أكثر انسجامًا مع ما حدث فعليًا عبر الزمن.

يختتم الكاتبان الكتاب بهجوم كبير على المساعدات الأجنبية، مدّعين أن أقل من 10% منها تصل إلى مستحقيها في معظم الأحيان. ويستشهدان بأفغانستان كمثال، وهو أمر مضلل لأن أفغانستان منطقة حرب، والمساعدات فيها زادت بسرعة كبيرة بهدف دعم العمليات العسكرية. لا شك أن هذا النوع من المساعدات هو الأقل فاعلية، لكنه أيضًا مثال غير عادل.

وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن الكتاب يشير إليّ بإيجابية، ويقارن بين الطريقة التي جنيت بها ثروتي وبين الطريقة التي كوّن بها كارلوس سليم ثروته في المكسيك. وعلى الرغم من أنني أقدّر هذه اللفتة، فإنني أعتقد أن الكتاب غير منصف تمامًا تجاه سليم. لا شك أن قوانين المنافسة في المكسيك بحاجة إلى تقوية، لكنني متأكد أن المكسيك في وضع أفضل بفضل إدارته الناجحة للأعمال مقارنة بما كانت ستكون عليه من دونه.

Facebook
X
WhatsApp
Threads
Telegram

عدد التحميلات: 0

المحرر الثقافي

مجلة فكر الثقافية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى