
الأسد أو نحرق البلد: كيف دُمِّرت سوريا بشهوة السلطة لعائلة واحدة
بقلم: آيان بلاك
محرر سابق لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان
الكتاب: الأسد أو نحرق البلد: كيف دُمِّرت سوريا بشهوة السلطة لعائلة واحدة
المؤلف: بسام داغر
الناشر: Little, Brown and Company
عدد الصفحات: 592 صفحة
تاريخ النشر: 28 مايو 2019
في صيف عام 2012، انتشر خبرٌ مفاده أن مناف طلاس، العميد في الحرس الجمهوري السوري وأحد المقرّبين من بشار الأسد، قد انشقّ، وكان في طريقه إلى المنفى في فرنسا. لم يكن طلاس مجرّد شريك يلعب التنس مع طبيب العيون الخجول الذي كان يقود أخطر أزمة في الربيع العربي، بل كانت تجمعهما أيضًا صداقة عائلية مقرّبة جدًا.
شعر طلاس بالقلق من القمع الوحشي الذي مارسه الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات في مدينة درعا الجنوبية في مارس 2011، حيث دعا الشباب الذين ألهمتهم التغيّرات التاريخية التي حدثت في تونس ومصر وليبيا بالمطالبة بالكرامة والحرية وإسقاط نظامهم القمعي. ولكن بدا أن سوريا كانت، منذ البداية، قصةً أكثر اختلافًا ودمويةً من القصص الأخرى.
يعتمد السرد الكئيب بتفاصيله الدقيقة الذي قدمه سام داغر عن تدمير البلاد على عاملين مترابطين: أولًا، كان داغر الصحفي الوحيد في صحيفة غربية كبرى المقيم بشكل دائم في دمشق من 2012 إلى 2014، قبل أن يعتقله النظام ويجبره على الرحيل. ثانيًا، كان عمله يعتمد على مصادر موثوقة للغاية؛ حيث أكسبه الوصول إلى طلاس وآخرين معرفة وفيرة عن الأسد ودائرته المقرّبة، بالإضافة إلى قادة المعارضة البارزين.
تعاطف داغر واضح من عنوان كتابه (مع أنه فوّت الفرصة لشرح أن شعار التهديد المكتوب على الجدران يتناغم بدقة في العربية – ففيه سجع!) ومن العنوان الفرعي الأكثر وضوحًا (كيف دُمِّرت سوريا بشهوة السلطة لعائلة واحدة). يقتبس داغر عن الأسد قوله، قبل وبعد بدء الاضطرابات: «لا يمكن حكم مجتمعنا إلا بالحذاء فوق رؤوس الناس».
كان رد فعل الأسد على درعا، بناءً على نصيحة شقيقه الأصغر ماهر وابن عمه حافظ مخلوف، مضاعفة القمع. ومن الخطوات الحاسمة التي اتخذها الإفراج عن مئات الإسلاميين الذين شجعّهم سابقًا على محاربة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد سقوط صدام حسين، ولكنه قام بسجنهم عند عودتهم إلى سوريا. فكانت النتيجة طغيان صوت التفجيرات الانتحارية الجهادية (بعضها زيّفه النظام) وهجمات البراميل المتفجّرة على شعار المتظاهرين «سلمية، سلمية».
كان هناك نقاش في العواصم الغربية في الأيام الأولى حول كيفية رد الأسد: كانت إحدى المؤشرات أن توليه السلطة في عام 2000 أعقبه بفترة قصيرة حراكٌ كان يُعرف بـ «ربيع دمشق». كانت الإصلاحات حديث الساعة آنذاك، ولكنها كانت تقتصر إلى حد كبير على تحرير الاقتصاد أمام الطبقات ذات الامتيازات، ولم تمسّ «حاجز الخوف» الذي حافظت عليه مختلف فروع المخابرات المنتشرة في كل مكان.
كانت زوجته المتحدثة بالإنجليزية بطلاقة، أسماء (المعروفة أيضًا باسم إيما من أكتون)، ورقةً رابحة حتى عندما كانت سوريا في دائرة الغضب الدولي بسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وكانت فرص تلميع صورته من قبل أصحاب العلاقات العامة أشبه بحُلم. وفي عام 2008، احتفى نيكولا ساركوزي بأسماء الأسد في يوم الباستيل؛ وفي العام التالي استضافت أسماء أنجلينا جولي وبراد بيت في دمشق.
تُشكل ردود الفعل الدولية والإقليمية جزءًا مهمًا من هذه القصة القاتمة والمستمرة. ففي أغسطس من العام 2011، دعا باراك أوباما الأسد للتنحي، ثمّ تبعته بريطانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي. وبحلول نهاية ذلك العام، تجاوز عدد القتلى في سوريا 5000 شخص. أما فرص التدخل الغربي الضئيلة – التي كانت دائمًا تطغى عليها حرب العراق – فقد بلغت ذروتها عندما وصل طلاس إلى باريس بمساعدة عملاء الاستخبارات الفرنسية.
تمثّلت الصورة الأكبر في الردود الغربية الفاترة التي لم ترقَ أبدًا إلى مستوى العزيمة الاستراتيجية التي أظهرتها إيران، الداعمة للأسد، وحزب الله اللبناني، وروسيا التي أغضبها دور الناتو في الإطاحة بمُعمّر القذافي. ولقد ساعد الدعم الإقليمي غير المُنسّق لفصائل المعارضة السورية الذي تنافست فيه السعودية وقطر وتركيا لكسب النفوذ ساعد في تغيير المشهد العسكري والرواية الرسمية. وما رآه داغر كصراع مؤثرٍ من أجل الحرية، كما رأيته أنا عندما كنت أكتب تقاريري من دمشق ومن منطقة قريبة تحت سيطرة المعارضة في يناير 2012 تحوّل إلى حرب على الإرهاب. وحسب كلام داغر فإنّ ذلك «كان ذلك متماشيًا مع عادة النظام القديمة في تغذية الوحش ثم تقديم نفسه للغرب على أنه الوحيد القادر على قتله، ولكن بشروط».
يعدّ ارتباط طلاس بالمشهد وسيلةً ممتازة لرسم السياق التاريخي (على الرغم من أنه من الإنصاف افتراض وجود عنصر من التبرير الذاتي لما اختار طلاس الكشف عنه). فقد خدم والده مصطفى طلاس بكل ولاء كوزير دفاع في عهد الأسد الأبّ حافظ، الذي حكم من 1971 حتى وفاته في 2000. وكانت عائلة طلاس تنتمي للأغلبية السنيّة المسلمة في سوريا التي استقطبت عائلة الأسد العلوية الكثير منها. وكان مصطفى طلاس في منصبه خلال مجزرة حماة عام 1982 حيث قُتل الآلاف عقب انتفاضة لجماعة الإخوان المسلمين. وظلّت حماة شاهدًا حيًا على بطش النظام.
لا يكتفي داغر، مراسل صحيفة وول ستريت جورنال، بتجميع هذه القصة المعقّدة، بل يربط التطورات بطريقة يفهمها الجمهور غير المتخصص بكل يُسر. تنتشر في سرده حالات سبق صحفي مهمة تؤكد العديد منها القسوة الساخرة للنظام الذي كان يُقاتل، قبل كل شيء، من أجل بقائه.
وصف جنرال سوري تحدّث معه داغر مقتل الصحفية ماري كولفين من صحيفة صنداي تايمز وزميلها الفرنسي في حمص بأنه «مبرر»، وفقًا لما كتبه. ويبدو بما لا يدع مجالًا للشك أنّ الأسد دبّر مقتل صهره آصف شوكت وشخصيات أمنية أخرى بارزة، فيما أُعلنت وسائل الإعلام الرسمية أن ذلك كان هجومًا إرهابيًا. يستشهد داغر بقول «مطّلعين في النظام» إن الأسد أمر قادة الجيش المرتبكين بالتخلي عن المواقع الحدودية مع العراق بالتزامن مع ظهور داعش. ويكشف أيضًا أن طلاس قدّم المشورة لبرنامج وكالة المخابرات المركزية السوري السري وحظي بدعم الحكومة البريطانية (الملتزمة فقط بتقديم «دعم غير فتّاك») لتنظيم لقاءات مع منشقّين محتملين آخرين.
يخصص داغر مساحةً كبيرةً لقصص مازن درويش، المحامي العلوي والناشط الحقوقي الذي تعرّض للتعذيب في سجن صيدنايا سيء الصيت وسالي مَسَالْمَة، الشابة من درعا (حيث أفادت منظمة العفو الدولية بإعدام ما يصل إلى 13 ألف شخص في ذلك السجن). كلاهما لاذا بالفرار إلى ألمانيا، وكانا جزءًا من موجة لجوء السوريين التي ساهمت في تحديد عدم رد أوروبا على الأزمة من خلال وصول إلى أعتاب أوروبا. ومع ذلك، كان من المفيد قراءة المزيد عن أولئك السوريين الذين، بالرغم من كل شيء، بقوا في سوريا واستمروا في دعم رئيسهم.
يرى داغر أن قبول أوباما باستخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، التي أسفرت عن مقتل نحو 1400 شخص في الغوطة في أغسطس من العام 2013، كان نقطة تحوّل حاسمة. يختتم داغر حديثه بالقول: «لم يساعد أي حدث في تاريخ الصراع السوري المتطرفين الإسلاميين على تبرير إرهابهم ورسائل كراهيتهم أكثر من … الهجوم والطريقة التي تعامل بها المجتمع الدولي مع عواقب ذلك الهجوم».
كان تدخل فلاديمير بوتين العسكري في سبتمبر من العام 2015 لحظة مهمة جدًا. فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم البلاد منذ ذلك الحين، باستثناء محافظة إدلب، حيث يبدو أنّ الفصل الأخير من مأساة سوريا يحدث الآن تدريجيًا. بدأ النظام في الأشهر الأخيرة ينشر شهادات وفاة للأشخاص الذين اختفوا أو عُذّبوا أو قُتلوا، ملقيًا اللوم في ذلك على النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، في حين أعاد بناء بناء تماثيل حافظ الأسد التي دُمّرت منذ عام 2011 في درعا وأماكن أخرى. وبالنظر إلى كل ذلك، يبدو أن عنوان الكتاب الفرعي دقيقٌ جدًا.
عدد التحميلات: 1